سنّي إيران في العراق.. كواليس دعم طهران للحلبوسي وانقلابها عليه

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

خلافاً لمعظم القيادات السياسية والقوائم الانتخابية السنية في العراق، لم يواجه رئيس تحالف تقدّم محمد الحلبوسي، ولا الشخصيات البارزة المرشحة ضمن قائمته، أي حالات إقصاء من السباق الانتخابي. بل إن الاتهامات التي وُجهت له من القوى السنية المنافسة ذهبت إلى عده الطرف الذي يقف وراء إقصاء عدد من أبرز المرشحين السنّة من قوائم أخرى.

وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2025 أعلنت مفوضية الانتخابات أن عدد المرشحين المستبعدين بلغ 837 مرشحا، بينهم 293 بناءً على قرارات هيئة المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث)، و90 مرشحاً بسبب ملفات جنائية وأحكام صادرة، و20 آخرين بملفات تتعلق بالنزاهة، و11 بسبب تزوير وثائق، في حين توزعت بقية الحالات على أسباب مختلفة.

"تأييد مليشياوي"

السياسي العراقي مشعان الجبوري قال: إن القوى الشيعية «تدعم صعود الحلبوسي بشكل واضح، ولا تقترب منه بأي ملف أو استهداف»، في مقابل استهداف منهجي لزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر عبر فتح قضايا ضده ومحاولات إبعاده، كونه ـ وفق الجبوري ـ «يُظهر حرصاً على المكوّن السني ويدافع عن حقوقه».

وأضاف الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية بتاريخ 3 نوفمبر، أنّ قرار استبعاد نجله يزن الجبوري (رئيس تحالف صقورنا) من المشاركة في الانتخابات كان بدافع إيراني، لكن «بتشجيع من الحلبوسي» خوفاً من صعود منافس شاب في المرحلة المقبلة.

وأوضح أن «كل شخصية سنية تملك حضوراً وتأثيراً يتم التعامل معها بقلق». مشيراً إلى أن عدداً من المرشحين الشيعة «صدرت بحقهم أحكام قضائية ثابتة ومع ذلك شاركوا في الانتخابات»، بينما جرى استبعاد يزن رغم أن «قضية التسريب الصوتي أُغلقت بقرار قضائي».

ويُتهم الحلبوسي باستبعاد القيادي في "تحالف العزم" السني، حيدر الملا من السباق الانتخابي، إضافة إلى المرشح عن التحالف العربي في كركوك، راكان الجبوري، رغم أنه كان محافظا سابقا للمدينة، والعديد من المرشحين البارزين في قوائم سنية منافسة، وكلهم من أصحاب المقاعد شبه المضمونة.

وبرزت خلال الحملة الانتخابية تصريحات علنية لشخصيات تنتمي لفصائل مسلحة موالية لإيران تمتدح الحلبوسي وتدعو الناخبين السنّة لانتخابه، مقابل التحذير من التصويت لتحالف السيادة.

وفي تسجيل مصور جرى تداوله في 6 نوفمبر، ظهر القيادي في كتائب الإمام علي أبو عزرائيل داعياً صراحةً إلى انتخاب الحلبوسي، قائلاً إن الأخير «ليس معنيا بالقضية الدينية أو الهوية الإسلامية، وإنما يهتم بالرقص والاحتفال»، لكنه ـ بحسب قوله ـ «الأصلح لتمثيل السنة»، في حين اتهم الخنجر بارتباطات دينية وسياسية يعدها «مشكلة».

وتُعرف العلاقة الوثيقة التي تربط الحلبوسي بالقيادي في كتائب الإمام علي شبل الزيدي، المتهم باختطاف وقتل آلاف المدنيين في المناطق السنية. وبحسب مشعان الجبوري فإن الزيدي «يتردد باستمرار على الحلبوسي في الأنبار».

كما وصف المدون المعروف بقربه من الفصائل الشيعية أحمد الذوّاق الحلبوسي في 7 نوفمبر بأنه «زعيم السنة في العراق»، وذلك عقب هجوم الحلبوسي على رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.

ورد القيادي الكردي هوشيار زيباري قائلاً: “نسمع مع اقتراب الانتخابات أصواتا نشازا تصدر من أشخاص جاءوا بالصدفة أو جرى إيصالهم من قبل آخرين، وراحوا يتحدثون فوق حجمهم”.

وأضاف زيباري عبر تدوينة عبر "إكس" في 7 نوفمبر، قائلا: "الحلبوسي نموذج لهذا الرهط المستقوي بتحالفاته المليشياوية وأموال الفساد الهائلة ولكن ما طار طير وارتفع..".

وفي انتخابات 11 نوفمبر دفع الحلبوسي بمرشحيه في محافظة بابل ضمن قائمة "الصادقون" التابعة لـ عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، وذلك رغم استمرار احتلال مليشيات موالية لإيران لمنطقة جرف الصخر ومنع عودة سكانها السنة البالغ عددهم نحو ربع مليون شخص منذ 2014.

يأتي هذا التحالف بين الحلبوسي والخزعلي، رغم أن مدينة جرف الصخر شمال محافظة بابل، لاتزال محتلة من المليشيات الموالية لإيران ويرفضون إعادة سكانها السنة البالغ عددهم نحو ربع مليون نسمة، والذي يعيشون منذ عام 2014 في مخيمات نزوح داخل العراق.

"بلا مبادئ"

وعن مدى وجود توجيه شيعي لدعم الحلبوسي من أجل العودة إلى المشهد السياسي بعد إبعاده من رئاسة البرلمان، أكد الباحث في الشأن العراقي لطيف المهداوي أن «الدعم واضح من المعسكر الإيراني، وهو دعم مستمر ومقصود لإعادته إلى الواجهة من جديد»، موضحاً أن هذا الدعم «لن ينعكس سلباً إلا على منافسيه من داخل المكون السني حصراً، الأمر الذي يجعل منه أداة فعّالة في تفتيت البيت السني وإضعافه».

وأضاف المهداوي في حديثه لـ "الاستقلال" أن «الثقة التي يظهرها الحلبوسي في مهرجاناته الانتخابية ليست نابعة من قوته الذاتية، بل من الغطاء السياسي الذي يحظى به، خصوصاً مع تبنيه خطاباً صدامياً تجاه جميع القوى السنية المنافسة له، إلى جانب مهاجمته الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل متكرر، في محاولة منه لاسترضاء المعسكر الإيراني».

وأشار الباحث إلى أن «الحلبوسي شخصية مغامرة ومتهورة ومقامرة»، مشدداً على أن إزاحته من رئاسة البرلمان عقب تزوير وثيقة لإقالة أحد النواب لم تكن إلا «إشارة تأديبية من حلفائه المدعومين من إيران، بعدما حاول التمرد عليهم في مرحلة معينة، فاستُخدمت قضية التزوير كغطاء قانوني لإقصائه».

وأوضح المهداوي أن «الحلبوسي لا يمتلك مبادئ ثابتة، وهو مستعد للتنازل عن أي استحقاق يخص المكون السني مقابل أن يبقى في موقع القيادة، وأن يُنظر إليه بوصفه الزعيم الأول للسنة، وأن يواصل الاستفادة من الامتيازات المالية والسياسية المستخرجة من المحافظات ذات الأغلبية السنية».

وتابع أن «التحريض المستمر الذي يشنه الحلبوسي ضد القوى الكردية، لا سيما ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني، يمثل رسالة ولاء جديدة إلى إيران، وتقاربا مع القوى الشيعية التي تتخذ موقفاً عدائياً من إقليم كردستان، والتي سبق أن نفذت قصفاً متكرراً لأربيل ومناطق أخرى بالطائرات المسيرة والصواريخ».

وفي سياق الانتقادات الموجهة للحلبوسي من داخل الأوساط السنية والكردية على حد سواء، نشر العديد من الصفحات على مواقع التواصل ملخصاً لما عدّته أضرارا سياسية خلّفها خلال فترة توليه رئاسة البرلمان، وهو أعلى منصب مخصص للسنة في الدولة العراقية.

وأفادت هذه الحسابات بأن الحلبوسي تنازل عن حزمة من المناصب والمواقع المهمة، من بينها: وزارة الشباب والرياضة، ورئاسة مجلس الخدمة الاتحادي، ورئاسة مجلس الدولة، ووزارة المالية، ورئاسة الاتحاد العراقي.

كما أنه، طوال فترة رئاسته للبرلمان بين 2018 و2023، لم يضع ضمن جدول الأعمال تصويتاً على قانون العفو العام الذي يعد مطلباً رئيساً لإخراج المعتقلين السنة الذين يُعدون أبرياء وفق ما يراه الشارع السني وأسر المعتقلين.

وذكر حساب على منصة فيسبوك باسم صوت الحارثية أن الحلبوسي يمتلك اثني عشر نائباً من حزبه تقدم في العاصمة بغداد، «ومع ذلك لم يمنح أهالي بغداد أي منصب وزاري أو مسؤولية مؤثرة»، في إشارة إلى تجاهله تمثيل المحافظة رغم أنه كان مرشحاً عنها عبر الدورات الانتخابية الماضية.

وأشار الحساب نفسه إلى أن الحلبوسي «يسعى إلى التخلي عن منصب رئيس البرلمان (وهو منصب يمتلك صلاحيات دستورية مباشرة) مقابل الحصول على منصب رئيس الجمهورية (المنصب الشرفي الذي يفتقر إلى الصلاحيات التنفيذية)»، وذلك «من أجل الاحتفاظ باللقب والمكانة الرمزية فقط».

وأفادت صفحة أخرى على موقع "فيسبوك" تحمل اسم "إقليم أبو غريب" بأن الحلبوسي «لم يجرؤ طوال فترة توليه رئاسة البرلمان على المطالبة برئاسة هيئة حكومية واحدة تعود حصراً للمكون السني من أصل 33 هيئة حكومية قائمة»، كما أنه «لم يطرح أي مطلب يتعلق بالتوازن الطائفي داخل الأجهزة الأمنية».

وأشارت الصفحة إلى أن الحلبوسي «لم يُدافع خلال ست سنوات عن قضية المغيبين من أبناء المكون السني، ولم يعمل على معرفة مصيرهم، كما لم يتخذ أي خطوة جدّية لإعادة النازحين إلى مناطقهم»، مضيفة أنه «لم يُبد حتى اهتماماً بمحاولة إعادة تشغيل معمل الفوسفات في الأنبار، المتوقف عن العمل منذ عام 2014، رغم كونه أكبر منشأة فوسفات في العراق».

ويُقدَّر عدد المغيبين من المكون السني خلال مرحلة الحرب ضد تنظيم الدولة (بين 2014 و2017) بنحو 12 ألف شخص، غالبيتهم من محافظة الأنبار مسقط رأس الحلبوسي. وتُتهم الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران باقتياد هؤلاء إلى جهات مجهولة، في حين تشير روايات شعبية وتقارير محلية إلى أن بعضهم جرى إعدامه وإلقاء جثثه في نهر دجلة.

"صنيعة إيران"

ورغم صغر سنّه وحداثة تجربته السياسية، فقد فاجأ الحلبوسي الأوساط السياسية بانتخابه رئيساً للبرلمان عام 2018، وكان حينها في سن الثامنة والثلاثين، وذلك قبل أن يكشف النائب والسياسي العراقي مشعان الجبوري لاحقاً تفاصيل اتفاق جرى بين الحلبوسي والجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني لتوليه المنصب مقابل التزامه بتنفيذ ما يُطلب منه.

وخلال مقابلة تلفزيونية في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قال مشعان الجبوري إن «إيران هي التي صنعت الحلبوسي»، مضيفاً أن الأخير أدى القسم أمام قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وأمام أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، كشرط أساسي لتمكينه من منصب رئيس البرلمان.

وأوضح الجبوري أن نجله (يزن) هو من رافق الحلبوسي بسيارته الخاصة إلى منزل أبو مهدي المهندس داخل المنطقة الخضراء في بغداد، وهناك أدى الحلبوسي القسم أمام سليماني، تمهيداً لتزكيته رئيساً لمجلس النواب عام 2018. ورغم نفي الحلبوسي لتلك الرواية ووصفه لها بأنها «مجرد خيال»، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء قضائي ضد الجبوري بتهمة التشهير.

وفي مطلع أبريل/ نيسان 2024، وأثناء حضوره جلسة حوارية في بغداد، قال هادي العامري، زعيم ميليشيا "بدر" الموالية لإيران: «نحن من صنعنا الحلبوسي ودعمناه، وكان ذلك بطلب من أبو مهدي المهندس، الذي طلب منا أن ننتخبه رئيساً للبرلمان».

ولم يكن الحلبوسي، المولود في محافظة الأنبار عام 1981، شخصية معروفة في الأوساط السياسية قبل دخوله المعترك العام، إذ كان يعمل في مجال المقاولات ويمتلك شركة خاصة تُدعى "بيت الحديد المحدودة"، ونفّذ من خلالها عدداً من مشاريع البنية التحتية في مدينة الفلوجة، وهي مشاريع أثارت في حينها جدلاً واسعاً.

وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، اتسع نشاط الحلبوسي التجاري بالتزامن مع وجود القوات الأميركية في المحافظة، ما دفع بعض سكان الأنبار إلى إطلاق لقب "مقاول الأميركان" عليه، وسط اتهامات وشبهات فساد مالي أحاطت بنشاطه آنذاك.

ودخل الحلبوسي إلى الحياة السياسية للمرة الأولى عندما انتُخب نائباً في البرلمان للدورة الممتدة من عام 2014 إلى 2018، حيث شغل عضوية لجنة حقوق الإنسان بين عامي 2014 و2015، ثم عضوية اللجنة المالية بين عامي 2015 و2016، ليرتقي لاحقا إلى رئاسة اللجنة المالية خلال الفترة من 2016 إلى 2017.

وفي 29 أغسطس/ آب 2017، انتخب مجلس محافظة الأنبار الحلبوسي محافظاً خلفاً لصهيب الراوي، الذي أُقيل من منصبه بعد خلافات سياسية بين الكتل المتنافسة داخل المحافظة.

وقاد الحلبوسي قائمة "الأنبار هويتنا" في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو/ أيار 2018، بالتحالف مع حزب الحل بزعامة جمال الكربولي، وهو التحالف الذي رشّحه في حينها إلى منصب رئيس البرلمان. لكن لاحقاً، انقلب الحلبوسي على الكربولي، ليصبح الأخير أحد أبرز من أُبعدوا عن انتخابات 2025 نتيجة الصراع السياسي بين الطرفين.