مخيمات الشتات في سوريا.. نموذج عملي لمتاجرة إيران بقضية فلسطين

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال الدمار الحاصل في مخيمات الشتات الفلسطيني بسوريا، شاهدا على عملية التشريد الثانية والممنهجة للفلسطينيين، التي كانت إيران تقف خلفها بدعم من فصائل أسست قبل عقود من الزمن وكانت بوصلتها ثابتة نحو فلسطين.

نجحت طهران في توظيف جزء من الفصائل الفلسطينية وتوريطها في قتل وتهجير فلسطينيي سوريا عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011.

وبدأت إيران مبكرا بعد تدخلها إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد لإخماد الثورة وتثبيت حكم الأخير، بالعمل على جعل بعض التشكيلات العسكرية الفلسطينية تدور في فلكها، وتخدم مصالحها بسوريا.

هذا فضلا عن تأسيس أخرى من أبناء المخيمات المنتشرة على الأراضي السورية كقوة رديفة لجيش النظام.

وعملت مليشيات فلسطينية على تجنيد المقاتلين من مختلف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بسوريا، وزجتهم للقتال إلى جانب النظام السوري، وورطتهم في حصار مخيماتهم، فضلا عن قتل وملاحقة المناوئين للأسد.

الوجه الحقيقي

وتؤكد تقارير عديدة أن جميع المليشيات الفلسطينية التي وجدت في سوريا بعد عام 2011، أسست داخل أجهزة النظام السوري ومولت من إيران، وخاضت معارك إلى جانب جيش التحرير الفلسطيني الذي تأسس عام 1964، وانخرط رسميا في 2015 للقتال مع قوات الأسد بعدد مقاتلين وصل إلى 60 ألفا.

كما أسس المهندس محمد السعيد مليشيا "لواء القدس" في أكتوبر/ تشرين الأول 2013، بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني عبر جمع عناصرها من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بسوريا.

 وخاضت معارك في مخيم اليرموك إلى جانب مليشيات أحمد جبريل مؤسس "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة"، وهي الأكبر في سوريا.

ويوجد تشكيلات عسكرية فلسطينية شاركت في حصار مخيم اليرموك وخاضت معارك إلى جانب قوات النظام في مناطق سورية أخرى كقوات الصاعقة (تأسست عام 1968) وقوات فتح الانتفاضة (تأسست عام 1983) وقوات الجليل (تأسست في سوريا عام 2011).

وشكلت الفترة بين عامي 2012 و 2015 المرحلة التي كشفت فيها إيران عن وجهها الحقيقي تجاه القضية الفلسطينية والمتاجرة بها، ولعبها على زيف الشعارات، بما يخدم مشروعها الأساسي الذي تدخلت من أجله وساندت النظام السوري عسكريا للوصول إليه.

ومن جملة الأهداف التي رسمتها إيران ضمن إستراتيجيتها طويلة الأمد، العمل على تفتيت بنية الشعب الفلسطيني وإضعافه هناك، انطلاقا من جنوب العاصمة دمشق حيث الثقل الأكبر للوجود الفلسطيني بسوريا.

وكان يوجد سابقا في سوريا 14 تجمعا للفلسطينيين في محافظات عدة، إذ يقدر مجموع لاجئيهم بنحو 534 ألفا يتركز 67 بالمئة منهم في دمشق.

والعدد الأكبر من هؤلاء نازحون في المخيمات المحيطة بمدينة دمشق، في وقت هاجر 200 ألف فلسطيني خارج سوريا، فيما يقطن مخيم اليرموك اليوم حوالي ألفا فلسطيني من أصل 150 - 170 ألفا كانوا يعيشون فيه قبل عام 2011.

ومخيم اليرموك الواقع جنوب دمشق، يعد عاصمة الشتات الفلسطيني، إذ أقيم عام 1954 على خلاف المخيمات الأخرى في سوريا ولبنان التي اتخذها الفلسطينيون كمخيمات شتات منذ نكبة عام 1948.

لكن ذاك المخيم لم ينج سكانه من الاعتقال والقتل والقصف والتدمير شبه الكامل بعدما خرجت منه صيحات معارضة للنظام السوري.

تولى النظام عملية تشريد الفلسطينيين مرة أخرى، بعدما قرر عام 2012 جعل مخيم اليرموك ساحة لمعارك مفتوحة خاضتها فصائل تتبع للجيش السوري الحر المعارض، وفصائل فلسطينية يدعمها الأسد وإيران.

إذ وقع حدث مفصلي تمثل بقصف قوات الأسد المخيم بالطائرات في ديسمبر/ كانون الأول 2012، وذلك بدعوى مواجهة فصائل المعارضة التي بقيت تسيطر هناك حتى استيلاء تنظيم الدولة على المخيم منذ أبريل/نيسان 2015.

وهنا بدأت لعبة تنظيم الدولة في الظهور بسوريا، إذ فضحت حرب الإبادة الجماعية التي تعرض لها الفلسطينيون هناك على يد مليشيات إيران كذبة شعار "تحرير فلسطين" التي ترفعها طهران وتعتبرها قضيتها الأولى.

مشروع إيراني

ويرى كثير من الفلسطينيين أن النظام السوري ومن ورائه إيران استخدموا ورقة تنظيم الدولة لتدمير مخيماتهم بدمشق، حينما سمحا له بالتمدد فيها منذ الفترة المذكورة آنفا.

وشنت عقب ذلك قوات الأسد ومليشيات فلسطينية معارك انتهت بخروج عناصر التنظيم نحو البادية السورية في مايو/أيار 2018.

وجرى ذلك إثر اتفاق بين التنظيم والنظام شمل عددا من أحياء دمشق الجنوبية كان الأول متغلغلا فيها.

وهذه الوقائع أثبتت نجاح النظام السوري بتخطيط من إيران في استخدام تنظيم الدولة "كشماعة" لإعادة مناطق وجود الفلسطينيين إلى سيطرته.

لكن ما اكتشف لاحقا هو وجود مشروع إيراني سمي بـ "الطوق الأمني" لمحيط دمشق أشرف على تنفيذه الحرس الثوري الإيراني منذ مطلع عام 2017.

وهذا الطوق يبدأ من مخيم اليرموك مرورا بأحياء ملاصقة له وهي ببيلا ويلدا وبيت سحم، بحيث تجري عملية تغيير ديموغرافي من سكانها بما فيها الفلسطينيون.

وهذا الهدف وفق ما أكدته "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، يتمثل برغبة إيرانية لإفراغ هذا المنطقة من السكان بسبب متاخمتها لبلدة السيدة زينب ذات الأهمية الدينية لدى "الشيعة" والتي تقع تحت سيطرتها بشكل كامل.

ويعد حاليا حي السيدة زينب الواقع جنوب دمشق، أضخم معقل محصن لمليشيات إيران في دمشق، وتقطنه عوائل قادتها العسكريين بينهم ضباط من الحرس الثوري.

وفيه "مقام السيدة زينب"، الذي جلبت إيران آلاف المقاتلين الأجانب الشيعية تحت ذريعة الدفاع عنه وحمايته.

لذا دار الحديث حينها في الأوساط الفلسطينية، بأن طريق تحرير المسجد الأقصى من الاحتلال الإسرائيلي طويل ومرهق.

واستهجن الفلسطينيون زج إيران بمليشياتها لاستباحة مناطق يقطنها لاجئون منذ خمسين سنة، لدرجة أن التهكم وصل مداه حينما وجه هؤلاء أسئلة لحزب الله اللبناني: هل طريق القدس يمر بمخيم اليرموك والحجر الأسود؟

وهما حيان يقعان في العاصمة دمشق ويسكنهما اللاجئون الفلسطينيون، إذ عمد النظام السوري لاتباع سياسة الأرض المحروقة للسيطرة عليهما.

ويؤكد منسق عام تجمع "مصير" المحامي الفلسطيني أيمن أبو هاشم لـ "الاستقلال" أن "المرحلة التي سبقت اندلاع الثورة السورية كان هناك جزء من أبناء الشعب الفلسطيني ومن ضمنهم فلسطينيو سوريا يرون أن إيران هي داعم للمقاومة الفلسطينية وفصائلها ويعتقدون أنها تلعب دور مناصر لهم".

وأضاف: "هناك فئة من البداية كانت لديهم شكوك حول الدور الإيراني وحتى خطابها الموجه للقضية الفلسطينية.

فعقب الثورة السورية وبعد تدخل إيران العسكري بصورة مباشرة أنتج تغيير حقيقي كبير في قراءة الدور الإيراني وأصبح لدى فلسطينيي سوريا معرفة من خلال التجربة لخطورة هذا الدور من كافة النواحي، كما يقول.

معاداة القضية

وتابع: "شهد الفلسطينيون عمليات عسكرية موجهة ضد مخيماتهم واقتحامات وحصارا وتجويعا وكلها كانت تنفذها مليشيات تابعة لإيران بشكل مباشر، وهذا أعاد قراءة الدور الإيراني بصورة كاملة على أنه دور معاد للقضية الفلسطينية ويتاجر بها وأن له أطماعا أخرى في سوريا".

واعتبر أبو هاشم أن الحالة السورية "نموذج واضح على كذب كل خطابات وشعارات إيران، التي تعمل بالحقيقة على مشروع تفكيك المنطقة العربية وإضعاف العرب واستباحتهم وهي اليوم تحتل 4 عواصم عربية".

واستدرك قائلا: "دورها في الحقيقة يصب في خدمة الكيان الصهيوني بصورة كبيرة لأن أي مشروع يضعف العرب والفلسطينيين هو في صالح الاحتلال، وبالتالي ما حدث سابقا في العراق هو تجربة مهمة حول دور المليشيات الإيرانية المذهبية في قتل وتهجير غالبية فلسطينيي العراق".

وذهب منسق عام تجمع "مصير" للقول: "إن تدمير مخيمات فلسطينيي سوريا وتهجيرهم تتحمل إيران جزءا كبيرا من المسؤولية عنه، وهذا ما يجب اليوم الانتباه له والتحذير منه".

وخاصة أن بعض فصائل المقاومة تلعب دورا بإعطاء طهران ذريعة للتدخل بالموضوع الفلسطيني، ولا سيما الفصائل التي تتلقى دعما، وفق تقديره.

وبين أن "هذه الفصائل يجب أن تقطع علاقتها بإيران وأن تضع مصلحة الشعب الفلسطيني قبل أي اعتبار حزبي أو فصائلي".

وطبق النظام السوري سياسة التجويع والحصار في مخيم اليرموك، إذ توفي ما بين النصف الثاني من عام 2013 والنصف الأول من عام 2014، أكثر من 200 شخص، معظمهم من الأطفال وكبار السن في المخيم.

كما شهد المخيم تهجير ونزوح آلاف العوائل الفلسطينية واعتقال عشرات الفلسطينيين من قبل أجهزة مخابرات الأسد.

وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام نحو 631، فيما يبقى مصير الآلاف منهم بينهم نساء وأطفال مجهولا في المعتقلات، وفق آخر إحصائية لـ "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" أواخر يونيو/حزيران 2021.

وهذا ما لفت إليه الكاتب والباحث المتخصص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين بسوريا، محمود زغموت بقوله: إنه "بالرغم من زعم إيران حرصها على الشعب الفلسطيني وحقه في التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، كان لها دور مباشر من خلال مليشياتها في استهداف المخيمات.

وبين لـ"الاستقلال" أن إيران كانت شريكة للنظام السوري بجريمة تهجير ما يزيد عن 200 ألف لاجئ فلسطيني من مخيماتهم إلى خارج سوريا.

إضافة إلى "دفع الآلاف للنزوح داخل سوريا بسبب القصف والحصار وتدمير المساكن والبنى التحتية في المخيمات ومقتل واعتقال المئات من اللاجئين الفلسطينيين نتيجة ذلك"، وفق زغموت.