ورقة بحثية تركية ترصد "أسرار الشراكة الإستراتيجية" بين أنقرة والجزائر

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أكد مركز دراسات تركي، أن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأخيرة إلى تركيا منتصف مايو/ أيار 2022، تعمق العلاقات الثنائية بين البلدين وتمهد الأرضية لولادة شراكات جديدة.

وأرجع مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام"، في ورقة للباحث "إسماعيل نعمان تيلجي"، تطور العلاقات بين تركيا والجزائر، إلى مكانتهما الجيوسياسية والإستراتيجية الخاصة، فضلا عن تبنيهما مقاربات مشتركة إزاء العديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية.

مقاربات مشتركة

وذكر المركز أن انعدام الاستقرار في ليبيا ووجود مصادر قلق مشتركة، إلى جانب الروابط التاريخية والثقافية، يعمق العلاقات الثنائية بين تركيا والجزائر ويمهد الأرضية لولادة فرص جديدة.

وبعد زيارة تبون الأخيرة إلى أنقرة، يمكن لتركيا والجزائر أن تلعبا دورا رئيسا في نهضة المنطقة وتنميتها وذلك عن طريق موارد الطاقة ورسم طرق نقل بحري جديدة والشراكات الاقتصادية التي سيتم بناؤها مع الفاعلين الإقليميين الآخرين.

كذلك فإن تطوير التعاون المتبادل في الصناعات الدفاعية والتدريبات العسكرية، قادرة على تغيير الموازنات والمعادلات الأمنية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

فالسياسة الخارجية التي تتبعها الجزائر القائمة على مبدأ وحدة الأراضي وسلامتها، والاستقلال وعدم التدخل العسكري الخارجي تتفق مع مبادئ السياسة الخارجية التركية.

فمنذ بداية أزمة ليبيا كان موقف الجزائر ضد التدخل العسكري ودعمت الحوار السياسي وعارضت بشكل قطعي أي تدخل أجنبي على ليبيا.

كما تدخلت عن طريق المؤسسات الجامعة سواء كانت إقليمية أو دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لكنها ركزت خصوصا على الحلول المحلية وحاولت أن تكون جزءا منها.

خاصة أن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا فتح المجال أمام المجموعات الإرهابية وأضعف الأمن والاستقرار فيها حتى إنها أصبحت تهدد أمن الدول المجاورة لها. 

وتدخل بعض الدول الإقليمية مثل مصر وتونس إلى جانب الإمارات وروسيا وتركيا بشكل فعال في ليبيا أدى إلى إعادة النظر في السياسة التي تنتهجها الجزائر تجاه ليبيا. 

انطلاقا من هذا الوضع بدأت الحكومة الجزائرية في اتخاذ خطوات ملموسة، حيث ذهبت إلى تغييرات في الدستور بحيث يتمكن الجيش الجزائري من إجراء عمليات عابرة للحدود.

وبرزت الحاجة الى هذا التغيير في الدستور لتكون بمثابة خطوة ضرورية تجاه المجموعات الإرهابية في الساحل وفي ليبيا وفي مواجهة موجة هجرة غير شرعية محتملة. 

والسياسة التي تنتهجها الجزائر في ليبيا تتشابه مع سياسات تركيا في نفس المنطقة، إذ إن تركيا حافظت على مسافة متساوية من جميع الأطراف في ليبيا بعد عهد معمر القذافي كما أكدت في كل فرصة على أهمية العملية السياسية، وهو ما فعلته الجزائر تماما.

وفي النقطة التي تم الوصول إليها فإن اتخاذ خطوات ملموسة في سبيل تحقيق الاستقرار والسلام في ليبيا تعد أولوية بالنسبة لتركيا والجزائر اللتين تريان في وحدة أراضي ليبيا وأمنها جزءا من أمنهما القومي.

أولوية واضحة

من ناحية أخرى ترى تركيا والجزائر في الجنرال الانقلابي خليفة حفتر تهديدا كبيرا فهو الذي جر البلاد إلى فوضى ورفض العديد من المبادرات لحل الأزمة. 

إضافة الى ذلك تشكل الجماعات الإرهابية التي ملأت الفجوة المتشكلة في ليبيا مشكلة كبيرة بالنسبة للجزائر.

أما تركيا فتتخذ خطوات لمواجهة تهديد استبعادها من الوضع الجيوسياسي في شرق البحر المتوسط واستخدام حقول الهيدروكربون في المنطقة والتي ستتم بما يخالف القوانين الدولية.

ووقعت تركيا في 2019 اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا وذلك ضد مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي في شرق المتوسط "إيست ميد"، والهياكل المشابهة له.

ونفذت تركيا عقيدة "الوطن الأزرق" ضد التكتل الذي تضمن قبرص الرومية واليونان ومصر والإمارات.

وتحاول تركيا الحفاظ على حقوق شركات المقاولات التركية في ليبيا كذلك تعمل على ضمان عدم تضرر العلاقات التجارية بين تركيا وليبيا بل وحتى تطويرها وترسيخ أمن الطاقة في نظرة مستقبلية.

على صعيد آخر دخلت العلاقات بين تركيا وفرنسا، والجزائر وفرنسا مرحلة توتر، فالسياسات الإقليمية التي انتهجتها فرنسا في عهد الولاية الأولى للرئيس إيمانويل ماكرون خاصة إعداده "قانون مكافحة الفصل الإسلامي". 

وهدفت فرنسا من خلال هذا القانون الى الحد من تأثير الأئمة المسلمين من الأتراك والجزائريين والمغاربة الذين يعملون في فرنسا، على الشعب.

كذلك فإن فرنسا من وجهة نظر الجزائر المسؤولة الرئيسة عن تحرك الجماعات المتطرفة على حدودها الجنوبية المستمرة منذ 8 سنوات، إضافة إلى كون فرنسا الداعم الرئيس لحفتر في ليبيا.

أما بالنسبة لتركيا فإن فرنسا أحد أهم اللاعبين الرئيسيين في المعسكر المناهض لتركيا سواء كان ذلك في ليبيا أو في شرق البحر المتوسط.

كذلك قامت فرنسا بدعم حفتر علنا وفوق ذلك انتقدت علاقة تركيا مع الحكومة المشروعة في ليبيا المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

لكن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، شهدت موازنات التحالف الدولية تليينا في أجواء التوتر بين تركيا وفرنسا والجزائر وفرنسا.

إذ إن عدم الاستقرار على المستوى الاقتصادي والسياسي والمجتمعي أدى الى تليين حذر في علاقات البلدين مع فرنسا بما ينبني على التبعية المتبادلة. 

فرص التعاون

وتمتلك تركيا والجزائر ميزة إقليمية مهمة على الصعيد الجيوسياسي والعسكري والاقتصادي، وذلك بفرص التعاون التي يمتلكانها من حيث الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية.

وتركيا تولي أهمية خاصة للجزائر من حيث الاقتصاد في إطار السياسة التي تتبعها في القارة الإفريقية، إذ إن الجزائر تعد قوة صاعدة في منطقة شمال إفريقيا وذلك بما تملكه من موارد طبيعية وقوة ديموغرافية.

وفي هذا الإطار أجرى الرئيس تبون زيارة رسمية إلى تركيا بعد انقطاع دام 17 عاما على مستوى رئيس الدولة. 

ووقع البلدان في عام 2006 اتفاقية الصداقة والتعاون وذلك بعد عام واحد فقط من زيارة الرئيس الجزائري آنذاك عبد العزيز بوتفليقة .

كذلك تم اتخاذ خطوات مهمة في العلاقات الثنائية بين البلدين خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الجزائر في عامي 2018 و2020. 

غير أن زيارة الرئيس تبون الأخيرة أظهرت مدى قوة الروابط الاقتصادية والسياسية بين البلدين، حيث تم توقيع 15 اتفاقية في مجالات الخدمات الاجتماعية والبيئة والطاقة ومكافحة الإرهاب والسياحة والتعليم والتكنولوجيا والصيد البحري والتجارة والبنية التحتية.

كذلك تم توقيع البيان الأول لمجلس التعاون والشراكة على مستوى رفيع بين الرئيسين أردوغان وتبون. كما تم إطلاق منتدى الأعمال التركي الجزائري وحضره مسؤولون في القطاع العام والخاص وأكثر من 100 شركة جزائرية.

وتتميز الجزائر بإمكانات اقتصادية مهمة بصفتها دولة في شمال إفريقيا إذ تمتد من البحر المتوسط إلى الصحراء الكبرى، كذلك تمتلك موارد هيدروكربونية ومعادن مختلفة إلى جانب الكثافة السكانية. 

واقتصاد الجزائر مرتبط بشكل أساسي بقطاع الطاقة، إذ إن الهيدروكربون يشكل 97 بالمئة من عوائد صادرات البلاد، وهذا يجعل اقتصاد الجزائر هشا يمكن أن يتأثر بسهولة من أسعار النفط في العالم.

وبسبب عدم امتلاكها بنية تحتية صناعية وانخفاض إنتاجها الزراعي تضطر الجزائر إلى استيراد العديد من المنتجات من خارج البلاد، وتزيد من الواردات مع مرور الأعوام لتلبية احتياجاتها المحلية.

 وبينما يقل النفوذ الفرنسي على الاقتصاد الجزائري تزيد الاستثمارات الصينية والتركية بوتيرة واضحة.

والتجارة بين تركيا والجزائر وصلت إلى مستوى عال، إلا أن رئيسي البلدين يتفقان على أن هذا ليس كافيا وأنه يجب رفعها إلى 10 مليارات دولار، وحاليا الحجم التجاري بين البلدين يقدر بنحو 3 مليارات دولار . 

وحاجة تركيا للمعادن والبترول تجعلها ترى من الجزائر شريكا يمكن أن يؤمن لها مصادر الطاقة، وحاجة الاقتصاد الجزائري للتنوع القطاعي تزيد من طلبها للاستثمار الخارجي وخاصة من تركيا.

التعاون العسكري

وذكر المركز التركي أن التعاون في الصناعات الدفاعية هو أهم ساحات الشراكة التي ستشكل الرؤية المستقبلية بين الجزائر وتركيا وتكسبها الثقل الإقليمي.

إذ إن الجزائر أقوى دولة في شمال إفريقيا بعد مصر من حيث البنية المؤسسية والتجهيزات والتسليح والتدريب العسكري، ولديها بنية أمنية مميزة في المنطقة.

وما دفع الجزائر أن تجعل أولوياتها الأمن هو عدم الاستقرار الأمني في جنوب الصحراء وليبيا، والرقابة مع تونس وتجربة الحرب الأهلية التي دامت 10 سنوات. 

وبعد تغير السياسات في الجزائر أصبحت أكثر استخداما لدور الجيش في الحوارات الدبلوماسية في المنطقة.

إلى جانب ذلك هدفت إلى اتخاذ خطوات في الصناعات الدفاعية، وإيجاد سوق إمداد جديدة إلى جانب روسيا والصين وألمانيا.

وعند النظر إلى مدخلات الجزائر من السلاح نجد أن غالبية الأنواع من الطائرات والسفن والمدرعات والصواريخ. 

وتهتم الجزائر بأن يكون لديها قوة عسكرية ديناميكية، لذا بعد أن قامت بتجديد إعدادات القوات الخاصة، بدأت بالتعاون مع روسيا وألمانيا وتركيا في مجال التدريب العسكري ونظمت رحلات تدريب الى تلك الدول.

وتضمن اتفاق الشراكة العسكرية بين تركيا والجزائر عام 2009، تدريب الضباط والتدريبات المشتركة وتبادل المعلومات. 

وبدأ التعاون العسكري بهذا الاتفاق وبعد زيارة الرئيس التركي إلى الجزائر عام 2020، تم التخطيط في المجال العسكري والأمني لشراكات أخرى.

من ناحية أخرى أعلن مسؤولون أتراك وجزائريون أن البلدين سيتحركان معا بشكل مشترك لمواجهة بارونات الحرب والمنظمات الإرهابية في ليبيا وذلك في سبيل تحقيق السلام والاستقرار.

والنجاحات التي حققتها القوات المسلحة التركية والصناعات الدفاعية التركية في سوريا والعراق وليبيا وإقليم قره باغ الأذربيجاني، من شأنها أن تشجع الجزائر على أن تتقارب عسكريا مع تركيا أكثر فأكثر.