رغم القمع.. ماذا تعني زيادة شكاوى ربات البيوت بمصر على مواقع التواصل؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع موجة من الغضب الشعبي الموثقة عبر فيديوهات على مواقع التواصل، تنديدا بموجة غلاء قياسية، تصدر هاشتاغ "غضب الغلابة قادم لا محالة" الترند في مصر، وسط تقارير دولية عن اتجاه نظام عبد الفتاح السيسي إلى خفض قيمة الجنيه، ما ينذر بإشعال انتفاضة جديدة.

اتساع مظاهر الغضب الشعبي، جاءت بعد حالة من الترقب والحيرة والخوف من المجهول تسود الشارع المصري، خشية من زيادات هائلة في أسعار السلع والخدمات بدأت بشائرها تظهر بشكل واضح في الأسواق، وزادها الغزو الروسي لأوكرانيا سعارا.

كما حير المصريين، صمت النظام وأبواقه عن هذه التقارير والمخاوف الدولية، ما أجج الغضب، لدرجة اعتبرها نشطاء ربما تكون بداية ربيع عربي جديد، فيما شدد آخرون على أن الثورة دوما تحتاج إلى أدوات على الأرض وتنظيم فعال وقوي لا مجرد غضب إلكتروني.

ويبدو أن توقيت إعدام سبعة مصريين ضمن ما سمي "خلية حلوان"، بالتزامن مع تصاعد الغضب الشعبي، ربما كان "رسالة تخويف" مقصودة للمصريين، وفق ناشطين، يؤكد النظام عبرها أنه سيواجه أي احتجاجات بكل حسم.

تسونامي اقتصادي

ما يقلق الخبراء أن الأمر لا يقتصر على ارتفاع الأسعار، فهذا أمر تعاني منه مصر منذ سنوات، حتى وصل الوضع لتبجح السيسي بأنه سيرفع أسعار الخبز المدعم الذي لم يجرؤ أي رئيس مصري على الاقتراب منه.

ويشيرون إلى أن الخطر الأكبر يتمثل في جفاف إيرادات النظام التقليدية التي تتشكل منها الموازنة العامة، مثل السياحة التي عادت للتوقف، وعدم كفاية احتياطي الموازنة الحقيقي (10 مليارات جنيه) لمعادلة ارتفاعات أسعار القمح والنفط وحدهما.

حيث أكد وزير المالية المصري محمد معيط، أن ارتفاع أسعار القمح حول العالم سيزيد تكلفة واردات مصر منه بمقدار 15 مليار جنيه (نحو مليار دولار) في ميزانية 2022.

كما استهدفت موازنة 2022 دعم المواد البترولية بنحو 18.4 مليار جنيه (1.2 مليار دولار) وعلى أساس سعر البرميل 61 دولار بينما السعر الحالي يدور حول ضعف السعر المتوقع أي تضاعف فاتورة الاستيراد.

وفي تقرير نشره في فبراير/ شباط 2022، قال البنك الدولي إن كل زيادة 10 دولارات في سعر برميل النفط عن السعر المقدر له في الموازنة العامة لمصر سيترتب عليها ارتفاع نسبة العجز في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.2 بالمئة إلى 0.3 بالمئة.

وتستورد مصر حاليا أكثر من 120 مليون برميل من الخام سنويا، وفق تصريحات لوزير المالية محمد معيط.

وأوضح البنك الدولي، أن هذا يعني أنه قد لا يمكن تحقيق الهدف المعلن رسميا للعجز الكلي للموازنة والذي يبلغ 6.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2022.

كما أدى الغزو الروسي لأوكرانيا المتواصل منذ 24 فبراير، لانهيار السياحة مرة أخرى في مصر وتراجع الدخل القادم منها، والذي يقدر البنك المركزي المصري، أنه يسهم بنحو 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتجاوزت إيرادات السياحة في مصر 13 مليار دولار في 2021 بعدما كانت تراجعت عام 2020 بسبب فيروس كورونا وبلغت أربعة مليارات دولار فقط، بحسب نائبة وزير السياحة غادة شلبي لوكالة رويترز في 12 مارس/آذار 2022.

والحرب أدت كذلك لهروب نسبة كبيرة من استثمارات الأجانب في السندات المصرية، التي قُدرت بـ20.5 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2021.

ففي بداية هجوم روسيا على أوكرانيا نقلت وكالة رويترز في 2 مارس عن مصرفيين أن مئات ملايين الدولارات خرجت من مصر، وأنه في غضون ستة أيام فقط سحب المستثمرون الأجانب ثلاثة مليارات دولار.

وبين 5 و8 مارس، هرب 1.19 مليار دولار أخرى في ثلاثة أيام، بحسب بيان لإدارة البورصة المصرية في 8 من الشهر ذاته.

أيضا تراجعت تحويلات المصريين بالخارج 3.9 بالمئة سنويا لتسجل نحو 2.5 مليار دولار عام 2021 مقابل 2.6 مليار دولار عام 2020، وفق بيان للبنك المركزي المصري في 24 فبراير.

وهذه الآثار المفاجئة للحرب نتج عنها اضطرار الحكومة لمراجعة موازنة عام 2023/2022، لمراعاة ما حدث من اضطراب في الإمدادات، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتراجع حركة السياحة، حسبما قال وزير المالية في 7 مارس.

تدهور الجنيه

هذا التدهور المستمر في الإيرادات مع ضغوط ارتفاع أسعار الواردات الذي فاقمته آثار الحرب، سيزيد بصورة أكبر مع اقتراب مصر من تخفيض قيمة الجنيه المصري ما يعني مزيدا من التضخم ومعاناة المصريين.

بسبب ما تواجهه مصر من موجات هروب الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومي، توقع بنك الاستثمار الأميركي "جي بي مورغان" خفض قيمة الجنيه المصري أو اللجوء للاقتراض من صندوق النقد، بحسب ما نشرته رويترز في 9 مارس.

وطرح "جي بي مورغان" ثلاثة سيناريوهات محتملة قد تتعامل بها مصر مع الجنيه، أولها هو الإبقاء عليه دون تغيير.

والثاني يتمثل في تحريك بالخفض بنسبة قليلة في سيناريو مشابه لما جرى في السنة المالية 2015/2014، والذي شهد خفض قيمة الجنيه 5 بالمئة.

أما السيناريو الثالث فهو الخفض بنسبة 15 بالمئة في إطار برنامج مع صندوق النقد الدولي.

وتوقع من السيناريوهات المطروحة تخفيض قيمة العملة بواقع 8.5 بالمئة، مضيفا أن السعر المستهدف هو وصول العملة المحلية إلى 17.25 جنيها مقابل الدولار.

وشكل خروج المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية مأزقا لمصر في النقد الأجنبي، وزاد هذا المأزق تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك، والتي يمثل تراجعها لمستويات سالبة ضغطا على قيمة العملة المحلية.

حيث بلغ صافي الأصول الأجنبية سالب 7.1 مليارات دولار، بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

وبحسب المذكرة البحثية التي أرسلها بنك الاستثمار الأميركي إلى المستثمرين، يتوقع أن تبدأ سلطة السيسي أيضا محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة ديون جديدة.

ولجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي مرتين في الأعوام الستة الماضية.

المرة الأولى في عام 2016 عندما حصلت على قرض بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تزامن مع تعويم الجنيه، وخسارة المصريين نصف مدخراتهم وغلاء الأسعار 100 بالمئة.

والمرة الثانية بعد انتشار جائحة كورونا، عندما اقترضت مصر ثمانية مليارات دولار لتخفيف الصدمة الاقتصادية التي عانت منها خلال الموجة الأولى للفيروس.

آثار سياسية

لا تهتم السلطات المصرية منذ انقلاب 2013 بالغضب الشعبي إزاء الارتفاعات المتتالية للأسعار والخدمات، مستندة لعصا الأمن الغليظة والقمع والسيطرة على منافذ التعبير بتأميم الإعلام والأحزاب والنقابات.

لكن النظام المصري يواجه هذه المرة أزمة كبيرة، قد تؤثر على استقراره وسيطرته على البلاد، بسبب ارتفاع منسوب الغضب الشعبي، الذي ظهر من جانب مؤيدي النظام ومعارضيه على السواء.

وكان ملفتا أن أغلب فيديوهات الغضب من ارتفاعات الأسعار جاءت من مؤيدي السيسي، وربات البيوت، اللاتي قال بعضهن إنهن رقصن له، وهللن لقدومه، وظهر بعضهن يضربن أنفسهن بالحذاء استشعارا للندم لدعمهن السيسي، وفق ما نقلت منصة "مزيد" الإعلامية.

هذه الأجواء الخطرة كانت وراء مسارعة السيسي بزيارة السعودية بشكل مفاجئ في 8 مارس، لطلب مزيد من "الأرز" كما يقول سياسيون ونشطاء على مواقع التواصل.

ومعاودة طرح خطط الاقتراض من صندوق النقد الدولي مرة أخرى وربما تأجيل خطوات مثل رفع سعر الخبز المدعم.

الزيارة، رآها مراقبون أشبه بـ"استغاثة" لإنقاذ السلطة في مصر من مواجهة تداعيات انتفاضة شعبية مع تصاعد الغضب بفعل غلاء المعيشة الذي أججته حرب أوكرانيا.

"مصدر خاص" وصف لصحيفة "العربي الجديد" الإلكترونية في 8 مارس، خطورة الموقف قائلا، إن السيسي "ذهب برسالة للسعوديين، مفادها بأن الوضع في مصر بات على شفا انفجار، وقد يصعب على الجميع السيطرة على تداعياته".

ووافقت السعودية والإمارات، والكويت، على تمديد ودائعها لدى مصر والبالغة نحو 18 مليار دولار، قبل نهاية 2021، وهو ما أخرج النظام من مأزق التخلف عن السداد، ودعم الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي.

وبسبب هذا القلق، وفي مؤتمر صحفي عقده خصيصا للحديث عن "تعهد الحكومة بتحمل عبء الزيادات في أسعار الطاقة والغذاء" في 10 مارس، تجاهل رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الحديث عن رفع سعر الخبز أو زيادة الأسعار.

"أي ضغوط جديدة على المصريين قد تؤدي إلى انفلات الشارع"، حسبما يقول أكاديمي مصري خبير بالعلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ"الاستقلال".

وأوضح الأكاديمي، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن السماح لإعلاميي السلطة بالتعاطف مع المصريين في مواجهة الغلاء، وعدم إخفائه، ومسارعة الحكومة لربط الأمر بجشع التجار وأزمة أوكرانيا، والحديث عن توفير الجيش والشرطة للسلع واللحوم المدعمة، كلها مسكنات لمنع الانفجار.

ربيع جديد

هذا التدهور الاقتصادي، الذي أدى لتصاعد الغضب الشعبي، دفع صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية للتساؤل في أول مارس 2022 عن تداعيات حرب أوكرانيا على إمدادات الطعام إلى الشرق الأوسط، وما إذا كانت ستقود إلى ربيع عربي جديد؟

كما حذر البنك الدولي في 10 مارس من احتجاجات وأعمال شغب، مشابهة لأحداث الربيع العربي 2011، بسبب التضخم الناتج عن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقالت كارمن راينهارت، رئيسة الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي، لرويترز، إن "ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء سيفاقم مخاوف الأمن الغذائي القائمة بالشرق الأوسط وقد يؤدي لاضطرابات اجتماعية لأنها تعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي".

وحذر جيمس سوانتون من شركة الاستشارات البحثية الاقتصادية المستقلة بلندن "كابيتال إيكونوميكس" من "خطر رئيس سينتج عن تخفيض الدعم وزيادة معدلات التضخم في الطعام ما يهدد باضطرابات".

وأضاف: "كلا العاملين ساهما في الاحتجاجات أثناء انتفاضة الربيع العربي في2011". وقال إن "زيادة الأسعار، إلى جانب الاقتصاد الذي ضرب بسبب أزمة كوفيد قد يقود إلى إحباط ينفجر على شكل اضطرابات جديدة"

ودفعت الحرب في أوكرانيا باتجاه مزيد من الارتفاع في أسعار السلع، ما زاد الضغوط على المصريين، ودفعهم للحديث عن أولويات الحكومة في الصرف ما بين القصور والعاصمة الإدارية، وتوفير السلع المدعمة وبناء المدارس والمستشفيات.

ارتفاع الأسعار بدأ بالخبز الحر الذي ارتفع سعره بنسبة 50 بالمئة وقل وزنه، وامتد ووصل للحوم، التي ارتفعت أسعارها ما بين 20 إلى 50 بالمئة في أيام معدودة بحسب ما رصدته الاستقلال، في ظل تقارير تحذر من ارتفاعات جديدة قادمة.

وبحسب رئاسة الوزراء في مصر، ارتفعت أسعار القمح العالمية المستوردة بنسبة 48 بالمئة أي بزيادة بأكثر من 100 دولار لسعر الطن، وارتفع سعر السكر 7 بالمئة، واللحوم المجمدة 11 بالمئة، والدواجن 10 بالمئة، والزيت 15 بالمئة.

وزاد معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى أعلى مستوى له منذ عامين ونصف تقريبا خلال يناير 2022 بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ويتوقع أن يتفاقم مع تداعيات الحرب في فبراير بحسب خبراء.

تجار أكدوا لـ"الاستقلال" أن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في اضطراب واردات مصر من القمح كما ارتفع سعره بالسوق المحلي بنحو ألف جنيه للطن، ليتراوح بين ستة آلاف إلى 6500 جنيه مصري (نحو 420 دولارا).

وتبع ارتفاع القمح، زيادة أسعار المعكرونة في الأسواق المحلية بما يتراوح بين 2 و3 جنيهات للكيلو، كما ارتفعت أسعار الأرز بجنيهين، ويتوقع زيادات أخرى مع اقتراب شهر رمضان.

كما قال مصدر مطلع في وزارة البترول المصرية إن "الزيادة المقررة على أسعار البنزين في أبريل المقبل ستكون في حدها الأقصى"، أي بنسبة 10 بالمئة من السعر الحالي، لارتفاع أسعار الوقود عالميا.