المحكمة الاتحادية العليا.. كيف سيطرت على المشهد السياسي في العراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ تصديق المحكمة الاتحادية في العراق (أعلى سلطة قضائية) على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لم تتوقف قراراتها المتعلقة بالمشهد السياسي، حتى اعتبرتها بعض الأطراف بأنها أصبحت تدير المشهد في البلاد.

رغم مضي خمسة أشهر على انتهاء الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جاءت تلبية للحراك الشعبي في أكتوبر 2019، فإن القوى السياسية لم تتمكن بعد من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الذي يكلف بدوره مرشح الكتلة الفائزة بتشكيل الحكومة.

قرارات مسيسة

قرارات المحكمة خلال الأشهر الخمسة وصفتها أطراف بأنها محاولة لإعطاء فرصة للقوى السياسية لإنهاء الخلافات، وذلك بعد وصولهم إلى طريق مسدود، نتيجة تمسك التحالف الثلاثي (التيار الصدري، الحزب الديمقراطي الكردستاني، تحالف السيادة السني) بخيار حكومة الأغلبية السياسية.

ولعل آخر القرارات التي اتخذتها المحكمة كانت في الأول من مارس/آذار 2022، وذلك بإلغاء قرار رئاسة البرلمان إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، الأمر الذي يلغي أسماء بعض الشخصيات في قائمة المرشحين وإعادة ترشيحهم خلال جلسة برلمانية.

وأشارت المحكمة إلى إمكانية إعادة فتح باب الترشيح مجددا، لكن بقرار من مجلس النواب وليس من رئاسة المجلس، وهذا الذي حصل في 5 مارس 2022، بتصويت غالبية أغضاء البرلمان.

وفي 8 فبراير/شباط 2022، أعلنت رئاسة البرلمان العراقي، فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية مجددا، بعد فشلها في عقد جلسة نيابية لانتخاب الرئيس، وبعد انتهاء المدة الدستورية لذلك.

وقبل ذلك أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا باستبعاد القيادي الكردي هوشيار زيباري، مرشح الأغلبية الذي يشكله التحالف الثلاثي لمنصب رئيس الجمهورية، في 13 فبراير 2022، بعدما قررت إيقاف ترشحه لحين البت بقضايا تتعلق بنزاهته كونه أقيل من وزارة المالية عام 2016، بتهم تتعلق بالفساد وهدر المال العام.

ولم تكتف المحكمة بذلك، بل أتبعتها في 15 فبراير 2022 بقرار يلغي قانون النفط والغاز في إقليم كردستان العراق، والذي صوت عليه برلمان الإقليم عام 2007، ملزمة حكومة الأخيرة بدفع المستحقات المالية لصادرات النفط إلى الحكومة الاتحادية في بغداد.

قوى سياسية وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني والتيار الصدري، وصفت قرارات المحكمة بأنها "مسيسة"، الهدف منها استهداف قوى التحالف الثلاثي للحيلولة دون تشكيل حكومة الأغلبية السياسية.

وهذه الحكومة المفترضة تتشكل من القوى الثلاثة "التيار الصدري، الحزب الديمقراطي، تحالف السيادة".

وقال النائب عن الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي خلال مقابلة تلفزيونية في 23 فبراير 2022، إن "المحكمة الاتحادية أصبحت طرفا في الخلاف السياسي، لأنه يجب أن يجد السياسيون الحلول".

وفي 15 فبراير 2022، دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر عبر تغريدة على "تويتر" إلى "الإسراع في تشكيل الحكومة الأغلبية السياسية، وتفعيل دور البرلمان الرقابي بأسلوب حازم يمنع التدخلات الحزبية أو القضائية المسيسة".

فرصة للحوار

ويفسر المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري خلال تصريح له في 3 مارس 2022، قرار المحكمة الاتحادية بأنه "أعطى فرصة جديدة للحوار بين الحزبين الكرديين لحسم ملف رئاسة الجمهورية".

وأضاف الشمري أن "المحكمة الاتحادية أعطت الكثير من الفرص للقوى السياسية للجلوس من أجل الاتفاق خلال الفترة الأخيرة، لكن لم يجر استثمارها حتى وصلت العملية السياسية للطريق المسدود، مع تمسك كل طرف بالمشروع الذي يريده في المرحلة المقبلة".

ولفت المحلل السياسي العراقي إلى أن "الوضع الراهن لن يشهد أي حل فعلي للأزمة السياسية ما لم يكن هناك توافق بين مختلف الأطراف".

في المقابل، وصف أستاذ الإعلام السياسي في جامعة بغداد، علاء مصطفى قرار "المحكمة الاتحادية" إلغاء إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، بأنه "وسطي"، وأنه "أكّد حيادية المحكمة وعزز حضورها؛ لأنها لم تستهدف جهة سياسية محددة".

وعن السيناريو المقبل، نقل تقرير عن مصطفى في الأول من مارس 2022 قوله إن "التحالف الثلاثي سيتمكن من عقد جلسة للبرلمان بسهولة، ويصوت بفارق الأغلبية البسيطة على إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية مجددا".

وعن إلزام المحكمة بإعادة فتح باب الترشيح بقرار من البرلمان وليس من رئاسة المجلس، يوضح علاء مصطفى، أنه "جاء لتحديد مهام رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وعدم تفرده بالسلطة، وتعزيز لحضور أعضاء المجلس".

وأشار مصطفى إلى أن "الإطار التنسيقي (قوى شيعية قريبة من إيران لديها نحو 56 مقعدا) تمتلك الثلث المعطل، ولن تحضر لجلسة اختيار رئيس الجمهورية، بالتالي سيختل نصاب جلسة البرلمان لتعذر حضور ثلثي أعضاء المجلس حينها".

ولفت إلى أن "السيناريو الأمثل والأكثر قربا من الواقع هو التوافق السياسي بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين لاختيار شخصية واحدة لمنصب رئاسة العراق لحل الانسداد الحاصل".

ويعول التيار الصدري في شراكته مع تحالف السيادة، الذي يضم كتلتي تقدم وعزم، بزعامة خميس الخنجر، والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، على تمرير مشروع حكومة الأغلبية.

وتملك القوى الثلاث نحو 180 مقعدا في البرلمان، إلى جانب تأييد نواب مستقلين وممثلي أقليات في البرلمان للمشروع، وهو ما يمنحهم أكثر من 200 مقعد برلماني من أصل 329 مقعدا.

أبعاد أخرى

وتعليقا على قرارات المحكمة الاتحادية ولاسيما قانون النفط والغاز، يرى الكاتب العراقي عامر رسول خلال مقال نشره موقع "كتابات" في 20 فبراير 2022 أن "قضية الصراعات المحتدمة بين الأطراف السياسية في العراق هي انعكاس لأجندات وصراعات عالمية والتي تبرز تأثيراتها المباشرة على الدول البترولية على وجه الخصوص".

وأضاف: فيما يخص موضوع قرار المحكمة الاتحادية (حول إلغاء قانون النفط والغاز في الإقليم) فقد تزامن مع هذه الأحداث والتحركات، زيارة رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني إلى تركيا مطلع فبراير، وزيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني إلى قطر في منتصف ذات الشهر بدعوة من أميرها تميم بن حمد آل ثاني.

وتابع: "بإلقاء لمحة قصيرة على الشركات النفطية العاملة في كردستان فهي مرتبطة بشركات متعددة ومن ضمنها- دانا غاز- الإماراتية التي يعتبر أحد أهم مراكزها الرئيسة في الإقليم العراقي وتؤمن إنتاج الغاز الطبيعي ومعالجته ونقله إلى السوق العالمي".

ورأى الكاتب أن "إيران وروسيا تحاولان الوقوف في مواجهة هذه المخططات، من خلال تسليط النفوذ الايراني في حكومة العراق ومحاكمها ومن خلال إبراز ملف دستورية أو عدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان والعمل على إفشال هذا المشروع".

وأردف: "هذا الملف قديم حيث يرجع تاريخه إلى عام 2012. وهذا يدل على أن هذه الأحداث ليست عرضية أو جاءت محض صدفة، وإنما هي حرب وكالات واللاعبين الرئيسين هما روسيا وأميركا والاستقطابات الدولية التي تدور في فلك هذا الصراع".

من جانبه، علق الكاتب سمير عادل خلال مقال نشره موقع "ميدل إيست أونلاين" في 14 فبراير 2022 أن "المحكمة الاتحادية لم تقفز من المريخ، بل جاءت ضمن رزمة العملية السياسية التي بنيت على أساس المحاصصة الطائفية والقومية ومنذ تشكيل مجلس الحكم على يد الحاكم المدني للاحتلال (الأميركي) بول بريمر".

ونوه إلى أن "قرار المحكمة الاتحادية بتفسير المادة 70 من الدستور بانتخاب رئيس الجمهورية بثلثي أعضاء مجلس النواب وليس الحضور هو الرصاصة في تبديد الأوهام لنهاية نظام المحاصصة في العراق ولو بشكل نسبي".

ورأى الكاتب أن "الحديث عن تشكيل حكومة أغلبية وبغض النظر عن نسبة الشوائب في وطنيتها، وبالمعنى القانوني والسياسي فهو محض هراء على الأقل في هذه المرحلة السياسية".

ولن يتعدى تشكيل حكومة الأغلبية التي يطالب بها الصدر أكثر من شعار لتحجيم القوى الخاسرة في البيت الطائفي الشيعي في الانتخابات، وفق تقديره.

ونوه إلى أنه "سواء أكانت الحكومة المراد تشكيلها أغلبية أم لا فلن تكون مطعمة بغير نكهة توافقية- ومحاصصاتية سواء أجاءت تحت مظلة قناصي مليشيات الحرس الثوري الايراني أو بحراب المارينز الأميركي وأهازيج الجامعة العربية".

وزاد قائلا: "المحكمة الاتحادية أنقذت نظام المحاصصة بشكله المطلق، كما فعلت مع البيت الشيعي وحصة الخاسرين فيه من المدعومين من ملالي قم-طهران في المشهد السياسي، وأنقذت العملية السياسية برمتها وحسمت حصة المكون (الشيعي)".

وأكد الكاتب أنها "ليست هي المرة الأولى التي تنقذ المحكمة الاتحادية فيها نظام المحاصصة السياسية في العراق وحصة المكون أو البيت الشيعي".

فقد أفتت من قبل في إنقاذ كتلة دولة القانون التي حازت على 89 مقعدا في انتخابات عام 2010 وألحقت هزيمة نكراء بكتلة أياد علاوي (رئيس الوزراء الأسبق وزعيم لجبهة الوطنية المدنية) غير الطائفية التي حصدت 91 مقعدا في الانتخابات، ليوحد صفوف البيت الشيعي، وفق قوله.

وخلص إلى أنها "هذه المرة تدخلت (المحكمة) أيضا وابتكرت فتوى سياسية جديدة بانتخاب ثلثي أعضاء مجلس النواب وليس الحضور لرئيس الجمهورية، وبهذا فلت تحالف المليشيات الخاسر الأكبر في الانتخابات من عنق الزجاجة، والذي جاء تحت عنوان الإطار التنسيقي".

وشدد على أن "قرار المحكمة الاتحادية جاء سواء متزامنا أو متناغما قبل أيام قليلة من زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى العراق للقاء مقتدى الصدر، هو محاولة لثني الأخير عن المضي قدما في تحجيم إخوته الأعداء في البيت الشيعي".