دائرة مفرغة.. كيف يخدع نظام السيسي المصريين بزعمه رفع الحد الأدنى للأجور؟

طارق الشال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لم يكتف النظام المصري بزيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة غير مجدية، بل اتجه لرفع أسعار السلع الأساسية، غير مبال بمعدلات التضخم العالية بالفعل، التي يئن تحت وطأتها غالبية المواطنين.

وتأتي تلك الزيادة في محاولة لإضفاء حالة من الرضا عند الشعب المصري، خاصة في ظل ترقب المواطن لرفع سعر رغيف الخبز المدعم، فضلا عن الوقود.

ويعاني الاقتصاد المصري من عجز مزمن بالموازنة العامة نتيجة تآكل إيرادات الدولة بسبب فوائد وأقساط الديون التي تلتهم نحو  90 بالمئة منها، ما يدفع النظام إلى مزيد من الاستدانة لتمويل باقي المخصصات وفي مقدمتها الأجور.

وقرر رئيس النظام عبدالفتاح السيسي رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه مصري (171 دولارا)، بالتزامن مع بلوغ معدلات التضخم  نحو 6.5 بالمئة في يناير/كانون الثاني 2022.

كما وجه السيسى بإقرار علاوتين بتكلفة نحو 8 مليارات جنيه (509 ملايين دولار)، الأولى علاوة دورية للموظفين المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 7 بالمئة من الأجر الوظيفي، والثانية علاوة خاصة للعاملين غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية بنسبة 13 بالمئة من الراتب الأساسي.

حدود الفقر

إلا أن تلك الزيادة لا تعد كافية خاصة وسط توقعات بتضخم عالمي وانكماش اقتصادي خلال عام 2022، عقب رفع الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة على نحو 3 مرات وبواقع ربع نقطة مئوية في كل مرة، التي من المتوقع أن تتم خلال مارس/آذار 2022 وفقا لتوقعات بنك جي بي مورغان الأميركي.

وذلك نظرا لأن قرار الفيدرالي ينذر ببداية هروب رؤوس الأموال، لا سيما الساخنة، من الأسواق النامية مثل مصر إلى أميركا، بحثا عن تعظيم مكاسبها، ما قد يؤدي إلى تراجع معدلات النمو التي يتوقعها البنك الدولي لمصر عند 5.7 بالمئة خلال عام 2022.

ويأتي هذا جليا في تصريحات صحفية لمديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في 21 يناير/ كانون الثاني 2022، بقولها إن "عام 2022 سيكون أكثر صعوبة من 2020 إذ تختلف الظروف الآن بشكل كبير".

ويقول الخبير الاقتصادي المصري، أحمد ذكر الله إن متوسط عدد أفراد الأسرة المصرية 5 أفراد وبقسمة 171 دولار عليهم نجد أن نصيب الفرد في كل أسرة نحو 34 دولارا أي متوسط 1.14 دولار يوميا أي عند حدود مؤشر الفقر المدقع العالمي.

وأضاف ذكر الله، لـ"الاستقلال": نحن نرى الآن زيادات في كل أنواع السلع، لا سيما الأساسية، حيث حركت الحكومة أسعار السكر وزيت التموين خلال الفترة الماضية، وبالتالي تخصيص 1.14 دولار للفرد لا يكفي في الظروف العادية، فما بالك في ظل ظروف تضخم عالمي غير مسبوق؟".

ورفعت الحكومة المصرية أسعار 7 سلع أساسية تطرحها للمواطنين ضمن قائمة تضم 32 سلعة تبيعها بأسعار مخفضة مدعومة من الدولة عبر البطاقات التموينية، في مطلع 2022.

وزادت وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية، سعر السكر من 8.5 جنيهات (0.541 دولار) للكيلو إلى 10.5 جنيهات (0.668 دولار)، وكذلك الزيت إلى 25 جنيها (1.60 دولار) للزجاجة سعة لتر واحد، والسلع الأساسية الخمس الأخرى، العدس والمكرونة والسمن والجبن ومسحوق الغسيل.

ويبلغ عدد بطاقات التموين في مصر نحو 23 مليونا، يستفيد منها أكثر من 76 بالمئة من المصريين، بواقع 64 مليون فرد من مجموع عدد سكان البلاد البالغ نحو 103 ملايين نسمة، وفقا لسجلات وزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية.

مصر تنشئ بورصة للسلع الأساسية | قناة 218

ولفت ذكر الله إلى أن هناك إصرارا من الحكومة للحفاظ على موظفي الدولة عند حد الفقر المدقع وعدم تحسين معيشتهم.

وأشار إلى أن القطاع الخاص أيضا لديه مشكلة في تنفيذ الحد الأدنى للأجور الذي هو أقل من المزمع تنفيذه في مطلع العام المالي القادم، والذي قدرته الحكومة عند 2400 جنيه إلا أن هذا القرار قوبل بتقديم طلبات من حوالي 3500 مصنع ومنشأة مصرية لتأجيل تطبيقه حتى تنتهي جائحة كورونا.

وكان المجلس القومي للأجور أعلن في نهاية 2021 أن يكون الحد الأدنى للأجر بالقطاع الخاص 2400 جنيه اعتبارا من 1 يناير 2022، قبل أن يعلن السيسي عن المبلغ الجديد للتطبيق اعتبارا من العام المالي الجديد في 1 يوليو/ تموز 2022.

وبالتالي نستطيع القول أنه بالنظر إلى الشريحة الدنيا التي تتقاضى الحد الأدنى من الأجور في كل من القطاع الخاص والقطاع العام، وهي الشريحة العظمى من الشعب المصري، ترزح تحت خط الفقر المدقع، وفق ذكر الله .

وفي السياق، قال رئيس تحرير صحيفة المصريون الخاصة جمال سلطان، عبر تويتر إن "إدارة بايدن تقرر رفع الحد الأدنى لأجور موظفي الحكومة إلى 15 دولارا في الساعة (1900 جنيه مصري في اليوم الواحد) ، والحد الأدنى للأجور في مصر 2400 جنيه في الشهر كله".

واستدرك: "ثم يأتي من يحدثك أن كيلو السكر في أميركا ضعف ثمنه في مصر ، وتذكرة المترو ولتر البنزين ورغيف الخبز!".

وفي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، طالب الاتحاد العام للغرف التجارية في مصر، في بيان، باستثناء 8 قطاعات من تطبيق الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص، الذي دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 1 يناير.

وأرجع اتحاد الغرف التجارية طلبه إلى كثافة حجم العمالة وتنوعها في هذه القطاعات، وارتفاع تكاليف الإنتاج في بعض الحالات، إلى جانب الآثار السلبية الناجمة عن جائحة كورونا على القطاعات.

بدوره، قال الباحث الاقتصادي المصري إبراهيم الطاهر إن تكبيل الدولة لأدوات القطاع الخاص ومزاحمته داخل الاقتصاد المحلي عبر توغل الجيش ومؤسساته فيه، ثم إرغامه على دفع الحد الأدنى يعني ضرب هذا القطاع في مقتل، خاصة وأنه يعاني بشكل حاد منذ عام 2020 وفق مؤشر مديري المشتريات.

وأضاف الطاهر لـ"الاستقلال" أن استخدام تلك السياسة الهوجاء ستزيد من اتساع الاقتصاد غير الرسمي نتيجة تهرب تلك الشركات عن تسجيل أوراقها بالدولة، ما يعني خروج أموال ضرائب تلك الشركات من الإيرادات، وبالتالي اتساع عجز الموازنة.

وبدلا من هذا النهج، أشار إلى ضرورة تشجيع القطاع الخاص ودعم المشروعات الصغيرة والعمل على استقطاب الاستثمار الأجنبي، حتى تتمكن الدول من توسيع قاعدتها الضريبية نتيجة زيادة أرباح شركات القطاع الخاص ووجود شركات جديدة.

وتابع: "ستعمل تلك الآلية على تعظيم إيرادات الموازنة وبالتالي زيادة مخصصات الأجور، ما يمكن الدولة من رفع الحد الأدنى للأجور عند مستوى يمكن الأسرة المصرية من الحصول على حياة كريمة، وكذلك قدرة القطاع الخاص على تطبيق الحد الأدنى للأجور بسهولة دون وجود أعباء عليه". 

مشكلة كبرى

ويفترض أن يتم البدء في تنفيذ إجراء الحد الأدنى الجديد مع بداية العام المالي القادم 2022/2023 بحزمة مالية جديدة تقدر بـ45 مليار جنيه (2.86 مليار دولار).

وبذلك يصل إجمالي مخصصات الأجور بمشروع الموازنة القادمة 2022/2023 إلى 400 مليار جنيه (25.46 مليار دولار) من 335 مليار جنيه (21.419 مليار دولار) بموازنة العام المالي 2020 /2021.

لكن في ظل أعباء الدين المتصاعدة يأتي ارتفاع تكلفة الأجور التي يتقاضاها موظفو القطاع العام من الحكومة لتضيف مزيدا من الضغوط على ميزانية الدولة، في ظل أزمة السيولة التي تعيشها البلاد، لذا يعد الباب الأسرع والأنسب للحكومة المصرية لتمويل مخصصات الموازنة هو اللجوء لمزيد من الاقتراض.

مصر تستهدف زيادة إيراداتها الضريبية بنحو 13% في 2020-2021

ويرى الخبير الاقتصادي ذكر الله أن هناك ضغوطا من قبل صندوق النقد على الإدارة المصرية لكي لا ترفع الحد الأدنى للأجور سريعا، في ظل أزمة السيولة الراهنة بالبنوك، ما أدى إلى طباعة مزيد من النقود.

وأشار إلى أن هناك أزمة سيولة حقيقية وضغطا كبيرا على الموازنة العامة للدولة لما تتضمنه من فوائد وخدمة دين تلتهم ما يقارب 90 بالمئة من إيرادات الدولة، وبالتالي نحن أمام مشكلة كبرى لا تجد الدولة أموالا أو سيولة تستطيع بها أن تسد المتطلبات الرئيسة سواء لزيادة الأجور أو لغيرها من الخدمات.

وهو ما أكد عليه الباحث الاقتصادي، الطاهر بالقول إنه لا يوجد أمام الدولة سوى اللجوء لمزيد من الاقتراض وبخاصة من الخارج لتلبية تلك الاحتياجات، في وقت بلغ فيه نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 91 بالمئة، يمثل الدين الخارجي منه فقط 35 بالمئة بواقع 137.4 مليار دولار.

وتخطط الحكومة المصرية لإصدار سندات في اليابان للمرة الأولى على الإطلاق، وفق تصريحات وزير المالية محمد معيط، نشرتها الوزارة عبر بيان في 18 يناير 2022.

كما تعتزم كوريا الجنوبية تقديم قرض ميسر بقيمة مليار دولار لمصر، وفق تصريحات السفير الكوري الجنوبي بالقاهرة هونغ جين ووك، خلال مؤتمر صحفي في 17 يناير.

بالإضافة إلى موافقة بنوك إماراتية وكويتية على طلب الحكومة المصرية بالحصول على قرض مجمع بقيمة إجمالية 3 مليارات دولار، وفقا لما نشرته قناة العربية السعودية عن مصادر مصرفية في 16 يناير.

واعتبر الطاهر أن تلك القروض تأتي في إطار استمرار سياسة التوسع في الاستدانة الخارجية، وتلك المعطيات تعكس آلية الحكومة المصرية لتمويل احتياجاتها دون النظر إلى تبعات ذلك من أعباء على الأجيال القادمة.

وحذرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا،  خلال مشاركتها في منتدى "دافوس" الاقتصادي في 21 يناير 2021، من أن زيادة أسعار الفائدة الأميركية قد يكون لها آثار كبيرة على البلدان ذات المستويات المرتفعة من الديون التي يهيمن عليها الدولار.

ولفت الطاهر إلى أن مصر ستلجأ إلى جيوب المواطنين عبر فرض مزيد من الضرائب والرسوم للتخفيف من الضغط على الموازنة وزيادة الإيرادات.

وتحتل الضرائب النسبة الأكبر من إيرادات الموازنة بـ75 بالمئة، وتستهدف الحكومة زيادة الحصيلة الضريبية خلال العام المالي المقبل بنسبة 18.3 بالمئة، وفق بيانات وزارة المالية.

وارتفعت حصيلة الضرائب في مصر منذ العام المالي 2013/2014 من 260 مليار جنيه (16.55 مليار دولار) فقط إلى نحو تريليون جنيه (63.63 مليار دولار)، أي أنها تضاعفت نحو 5 مرات في 7 سنوات فقط، وفق وزارة المالية.

"مفاجآت" متوقعة

وفي خضم تلك المعطيات تدفع الطبقة المتوسطة والفقيرة ضريبة القرارات الحكومية، حيث تعمل الحكومة دائما على اتخاذ خطوات استباقية مثل رفع الحد الأدنى للأجور تمهيدا لقرارات صعبة، مثل رفع أسعار المنتجات الأساسية والضرائب والرسوم بالإضافة إلى خفض الدعم، لتقليل الفجوة التمويلية بالموازنة.

الفقر يغزو الطبقة المتوسطة في مصر | الشرق الأوسط

ويعتقد ذكر الله أن الشعب المصري في انتظار مفاجآت خلال العام المالي الجديد 2022/2023، فرجال الحكومة لا يعملون على تطوير النظام الاقتصادي المصري ولا هياكله التي تعاني من خلل مزمن منذ فترة كبيرة، وإنما على ابتكار أدوات جديدة في محاولة لاستنزاف جيوب المواطنين وليس لإصلاح الوضع الاقتصادي.

ولفت إلى أن الحكومة المصرية لن تستطيع إلا أن تزيد الضرائب والرسوم، كما ستلجأ إلى ابتكار إيرادات جديدة للموازنة العامة للدولة مصدرها الأول جيب المواطن.

وأوضح أن النشاط المصري الاقتصادي خلال الفترة الماضية لا يساعد على تحسين هذه الإيرادات بالصورة الكافية، في وقت تضطر مصر فيه للوفاء بمتطلبات صندوق النقد الدولي الذي يفرض المزيد من الضغوط على المواطنين.

من جهته، يرى الطاهر أن الاقتصاد المصري بحاجة إلى الخروج عن آلية المسكنات التي يمارسها النظام الحالي منذ سنوات في التعامل مع الأزمات، وضرورة العمل على خلق حلول جذرية حقيقية للانتقال بالاقتصاد المحلي من كونه اقتصادا قائما على الديون لتلبية احتياجات المواطن والدولة إلى اقتصاد قادر على خلق إيرادات ذاتية تمكنه من الإيفاء بالتزاماته. 

وتوقع أن تستمر معاناة المواطن المصري في ظل تبني الدولة سياسات غير مدروسة، متسائلا "ماذا حققت الدولة عند رفعها للحد الأدنى للأجور مقابل زيادة الأسعار وفرض ضرائب وخفض الدعم وزيادة الديون؟".