إسرائيل تخضع لمطالبها.. كيف تدير حماس الحياة في غزة وسط الحصار؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت وكالة أسوشيتد برس الأميركية أن حركة المقاومة الإسلامية حماس، بعد أن نجت من أربعة حروب وحصار استمر قرابة 15 عاما، أصبحت أكثر صمودا وأجبرت إسرائيل على القبول بـ"عدوها اللدود موجودا".

وتزعم الوكالة أن قادة حماس في غزة "يجمعون ملايين الدولارات شهريا من الضرائب والجمارك عند معبر على الحدود المصرية، ما يوفر مصدر دخل قيما يساعدها في الحفاظ على حكومة وجناح مسلح قوي". 

وفي كل شهر تعبر مئات الشاحنات المحملة بالوقود والإسمنت وغيرها من البضائع، المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة، وهو ما يجعل  حماس أقوى، وفق قولها.

لكنها توضح أن المساعدات الدولية تغطي معظم الاحتياجات الأساسية لسكان غزة البالغ عددهم مليونا نسمة.

ويشير التقرير إلى أن حدوث ذلك في ظل رضوخ  إسرائيل، التي تعتبر حماس "جماعة إرهابية"، قد يكون مفاجأة.

وتقول إسرائيل إنها تعمل مع مصر للإشراف على معبر رفح مقابل الهدوء.  

وقال الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب إن فتح المعبر "كان مصلحة مشتركة لجميع الأطراف لضمان شريان حياة لحماس يمكنها من الحفاظ على الهدوء في غزة ومنع حدوث انفجار في القطاع". 

وقبلت إسرائيل إلى حد كبير حكم حماس في غزة "لأن الغزو المطول ينظر إليه على أنه مكلف للغاية". 

وفي الوقت نفسه، تقدم حماس للقادة الإسرائيليين ذريعة لرفضها إقامة دولة فلسطينية، إذ "كيف يمكن السماح للفلسطينيين بإقامة دولة إذا كانوا منقسمين بين حكومتين، إحداهما تعارض بشدة وجود إسرائيل ذاته؟".

وفي الأثناء ساعد  استعداد حماس للتصعيد في شكل صواريخ أو احتجاجات على طول الحدود أو استخدام البالونات الحارقة، على انتزاع تنازلات من إسرائيل.

وقال المحلل السياسي المقيم في غزة عمر شعبان: "تمسكت حماس بموقفها وقدمت الحكومة الإسرائيلية الكثير من التنازلات بعد الحرب في مايو/أيار 2021. كانت الحركة عنيدة".

"ملايين شهرية"

وبعد أن استحوذت حماس على الحكم من السلطة الفلسطينية في عام 2007 ، فرضت إسرائيل ومصر حصارا عقابيا يهدف إلى منع الحركة من التسلح. 

ونتيجة ذلك نشأ اقتصاد ضخم قائم على أنفاق التهريب في رفح ومحيطها. وفرضت حماس ضرائب على البضائع التي يجري إدخالها، وفق الوكالة.

وأمر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بتدمير الأنفاق بعد أن قاد عام 2013 الجيش للانقلاب على حكومة إسلامية في مصر كانت متعاطفة مع حماس، تقول الوكالة. 

وتستدرك: "لكن بعد أربع سنوات وحرب أخرى في غزة بعد ذلك، وافقت مصر على مطالب حماس بفتح معبر تجاري فوق الأرض".

وتخضع الواردات عبر المعبر التجاري الوحيد العامل في غزة، مع إسرائيل، للضرائب من قبل السلطات الإسرائيلية التي تنقل بعض الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية.

لذلك "لا تستطيع حماس سوى فرض رسوم جمركية صغيرة دون التسبب في تضخم الأسعار بشكل ملحوظ".  

ولا تنشر الحركة أرقاما عن الإيرادات أو النفقات العامة. كما لم يرد مسؤول إعلامي حكومي مصري على طلب الوكالة للتعليق.

ويشير التقرير إلى أن حوالي 2000 شاحنة من الإسمنت والوقود والسلع الأخرى دخلت إلى قطاع غزة عبر رفح في سبتمبر/أيلول 2021.

وهو ما يقرب من ضعف المتوسط ​​الشهري في 2019 و2020، بحسب منظمة مسلك الحقوقية الإسرائيلية التي تراقب عن كثب عمليات الإغلاق في غزة.

وقال رامي أبو الريش المدير الإداري للمعابر في وزارة الاقتصاد التي تديرها حماس، والذي كان يشرف على تحصيل الضرائب من الأنفاق، إن السلطات لا تجني أكثر من مليون دولار شهريا من المعبر  وما يصل إلى 6 ملايين دولار من رفح.

لكن وزارة المالية التابعة للسلطة الفلسطينية تقدر أن حماس تجني ما يصل إلى 30 مليون دولار شهريا، بشكل أساسي من الضرائب على الوقود والتبغ الذي يأتي عبر رفح، وفقا لمسؤول تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.

وقال مستورد سجائر في غزة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته  أيضا خوفا من تعريض أعماله التجارية للخطر، إن مجموعة صغيرة من التجار تستورد ما بين 9000 و 15000 صندوق سجائر عبر رفح كل شهر.

وتتقاضى حماس ما بين 1000 إلى 2000 دولار لكل صندوق. هذا وحده سيجلب 18 مليون دولار في المتوسط، وفق قول الوكالة.

ويقدر أبو جياب أن حماس تحقق ما يصل إلى 27 مليون دولار شهريا. هذا بالإضافة إلى الضرائب والجمارك المدفوعة على الإسمنت والوقود. 

وكان محمد آغا الذي تمتلك عائلته سلسلة من محطات الوقود في غزة، أحد رجال الأعمال القلائل الذين وافقوا على التحدث علنا عن إدارة حماس للمعابر. 

وقال إن أصحاب محطات الوقود يضطرون إلى شراء معظم وقودهم من الإمدادات القادمة عبر رفح لأن حماس تستفيد من التجارة.

وبين أن حماس سجنته لمدة شهرين في 2019 عندما احتج على هذا الترتيب، وفق ما أوضح للوكالة. 

وتابع "نحن كرجال أعمال ندعم الحكومة" حيث يعاني الاقتصاد الأوسع.

 قبل حماس، كان 1000 شيكل (حوالي 320 دولارا) في الشهر كافيا لعائلة. أما الآن، 5000 لا يكفي؛ لأنهم يفرضون ضرائب على المواطنين، بحسب الوكالة الأميركية.

وأردفت: "يمكن أن تذهب الأموال التي تجمعها حماس إلى موظفيها الذين يقدر عددهم بـ 50 ألفا أو أنصار الحركة السياسية".

وتابعت: "أو يمكن إنفاقها على الجناح العسكري لحركة حماس التي حسنت قدراتها العسكرية مع كل حرب وأطلقت أكثر من 4000 صاروخ على إسرائيل خلال 11 يوما في ربيع 2021"، وفق التقرير. 

حماس وإسرائيل

وظهرت حماس في المشهد خلال الانتفاضة الأولى في عام 1987، عندما انضمت منظمة التحرير الفلسطينية المهيمنة آنذاك إلى عملية السلام الوليدة مع إسرائيل، فيما قررت  الحركة تبني الكفاح المسلح. 

ورفضت حماس التي تدعو إلى زوال إسرائيل، مفاوضات السلام، وتبنت برنامجا سياسيا "أكثر اعتدالا" في عام 2017 ، لكن أهدافه بالكاد تغيرت، وفق تعبير أسوشيتد برس.

وفي عام 2006، حققت حماس فوزا ساحقا في الانتخابات الفلسطينية، مما أشعل فتيل صراع دموي على السلطة مع حركة التحرير الوطني "فتح" التي يتزعمها الرئيس محمود عباس. 

وسيطرت حماس على السلطة في غزة في العام التالي، وحصرت حكم عباس في أجزاء من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.

ويشير التقرير إلى أن نهج عباس السلمي أنقذ الضفة الغربية من الحرب والعزلة، لكنه كان عاجزا عن إنهاء 54 عاما من الاحتلال العسكري أو وقف التوسع في المستوطنات اليهودية. 

ولم تكن هناك محادثات سلام جوهرية منذ أكثر من عقد، فيما يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت، قيام الدولة الفلسطينية.

على النقيض من ذلك، سحبت إسرائيل جميع مستوطنيها وقواتها من غزة في عام 2005 بعد انتفاضة فلسطينية ثانية أكثر قوة، ولا يمكن لجنودها الدخول دون المخاطرة بالحرب. 

وترفض إسرائيل التحدث مع حماس، لكنها تفاوضت على مدى العقد الماضي على سلسلة من عمليات وقف إطلاق النار غير الرسمي من خلال وسطاء مصريين وقطريين ومن الأمم المتحدة، خففت بموجبه الحصار مقابل الهدوء.

ويعزو باسم نعيم أحد كبار مسؤولي حماس، الكثير من شعبية حركته إلى "فشل المشروع الآخر"، في إشارة إلى السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب. 

وأضاف "تعتقد غالبية الفصائل الفلسطينية أن المقاومة، وخاصة المسلحة، يجب أن تكون إحدى أدوات نضالنا من أجل الحرية. تخفيف الحصار لا يعالج جذور المشكلة، وهو الاحتلال".

وكان بينيت منتقدا صريحا لسياسة الحكومة السابقة التي سمحت لقطر بإرسال حقائب نقود إلى غزة. 

ولكن في غضون أشهر من توليه رئاسة الوزراء، استؤنفت المدفوعات للعائلات المحتاجة من خلال نظام القسائم الذي تديره الأمم المتحدة، واستأنفت قطر مساهمتها في كشوف رواتب الحكومة التي تديرها حماس.

وتنفي إسرائيل استسلامها لمطالب حماس. وتقول الحكومة الجديدة إنها عدلت سياساتها لمحاولة ضمان وصول المساعدات الإنسانية، وفق زعمها. 

ويجري استيراد جميع مواد البناء، بما في ذلك تلك التي يتم جلبها عبر رفح، من خلال نظام مراقبة أنشئ مع الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية بعد حرب 2014. 

وتقول إسرائيل إنها تمنع جميع مشاريع البناء الكبيرة والجديدة إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق لإعادة اثنين من الأسرى وبقايا جنديين إسرائيليين تحتجزهما حماس منذ 2014.

وبين مسؤول المعابر في حماس أبو الريش أن القيود المفروضة على ما يسمى بالمواد التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية موجودة على المعابر الإسرائيلية والمصرية.

وأوضح مسؤول كبير في وزارة الجيش الإسرائيلية أن الهدف هو زيادة المساعدة الإنسانية إلى الحد الأقصى مع تقليل مخاطر أن تعود بالنفع على حماس. 

واكتفى المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بما يتماشى مع اللوائح، بالقول إن إسرائيل على علم بواردات رفح، وتعتمد على مصر لضمان تطبيق نفس القيود هناك كما هو الحال عند المعبر الإسرائيلي.

الخيار الآخر

حتى في الوقت الذي تدر فيه المعابر والضرائب على الشركات عائدات كبيرة على حكومة حماس، فإن المجتمع الدولي يدعم سكان غزة.

وأنفقت وكالات الأمم المتحدة أكثر من 4.5 مليار دولار في غزة منذ عام 2014 ، بما في ذلك 600 مليون دولار في عام 2020 وحده.

ويذهب معظم هذا التمويل من خلال وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، التي تقدم مساعدات غذائية وخدمات صحية وتدير مدارس لحوالي 280 ألف طفل. 

وأرسلت دولة قطر الخليجية الغنية 1.3 مليار دولار إلى غزة منذ عام 2012 لتمويل إعادة الإعمار والخدمات الصحية، بما في ذلك 500 مليون دولار تعهدت بها بعد حرب مايو/أيار.

ويمكن رؤية هذه الهبة في مدينة غزة، حيث جرى استخدام الأموال القطرية لبناء كورنيش خلاب على شاطئ البحر وتوسيع طريق رئيس يمر عبر مجمع سكني ممول من قطر والبعثة الدبلوماسية التي تشبه السفارة. 

وعلى السطح يبدو كل شيء مزدهرا للغاية، حيث تتجول العائلات بجوار مقاهي الشاطئ ومدن الملاهي وحتى مجموعة من الفنادق الفاخرة.

 لكن ذلك ليس سوى مجرد خلفية للظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها معظم سكان غزة، وفق وصف الوكالة.

وأفاد البنك الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن معدل البطالة يحوم حول 45 بالمئة وأن ما يقرب من ثلاثة من كل خمسة من سكان غزة يعيشون في الفقر. 

ويتمتع المواطن العادي في غزة بـ13 ساعة فقط من الكهرباء في اليوم فيما تعد مياه الصنبور غير صالحة للشرب. 

مع ذلك، لم تكن هناك معارضة علنية لحركة حماس داخل غزة تقريبا؛ لأن الفلسطينيين لا يرون بديلا أفضل. 

وينظر الكثيرون إلى السلطة الفلسطينية على أنها امتداد فاسد وسلطوي للحكم الإسرائيلي. 

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة "مخيمر أبو سعدة" إن غياب الاحتجاجات "لا يعني أن الفلسطينيين في القطاع سعداء بحركة حماس"، وفق تعبيره.

وعزا عدم وجود معارضة واضحة، إلى حملة حماس "العنيفة" ضد الاحتجاجات على الضرائب وارتفاع تكاليف المعيشة في عام 2019، فضلا عن إخفاقات السلطة الفلسطينية. 

وذكر أن "الخيار الآخر ليس أفضل من حماس.. فتح والسلطة الفلسطينية لا يزالان ينظر إليهما من قبل الشعب على أنهما منظمة فاسدة للغاية"، بحسب قوله.

وأظهر استطلاع للرأي أنه على الرغم من "الحرمان" الذي أحدثته المواجهات بين حماس وإسرائيل، فإن 47 بالمئة من سكان غزة سيصوتون للحركة الإسلامية إذا أجريت انتخابات برلمانية.

وبين الاستطلاع في ديسمبر/كانون الأول 2021، أنه في المقابل، 29 بالمئة فقط سينتخبون حركة فتح بزعامة عباس.

وأوضح أبو سعدة: "حماس تواجه عددا من المشاكل هنا. لكن المرونة جزء من إستراتيجيتها، إنها لا تستسلم".