تسيطر بالفعل على الدولة.. لماذا تنشئ إيران مصرفا مشتركا مع النظام السوري؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تؤكد الوقائع على الأرض في سوريا أن إيران لم تغفل جانب الهيمنة الاقتصادية وإبرام الاتفاقيات والاستحواذ على مشاريع سيادية بالتوازي مع توغل آلتها العسكرية بالبلاد منذ عام 2012.

وخلال الفترات الماضية، توقع كثير من الاقتصاديين السوريين أن خطوة إيران التالية ستتمثل في افتتاح بنوك داخل مناطق نفوذ النظام، لإتمام الهيمنة الاقتصادية، وتعزيز وجودها في قطاعات سيادية كالبنوك.

وهذا ما كشف عنه بالفعل المدير العام لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية علي رضا بيمان باك، بإعلانه أن بلاده بصدد تأسيس بنك مشترك مع النظام السوري، سيكون له دور مهم في إدارة موارد العملة الصعبة، وفق قوله.

ونقلت وكالة فارس الإيرانية، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن باك قوله إن وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني رضا فاطمي أمين، بحث مع مسؤولي النظام السوري خلال زيارته لدمشق "رفع العقبات المصرفية".

وسخرت إيران كل إمكاناتها المادية والاقتصادية لمنع سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي منحها بالمقابل ما تريد ومكنها من التغلغل العميق داخل بنية اقتصاد البلاد.

وكان لحضور إيران الاقتصادي في سوريا، أبعاد متعددة، فهي لم تركز فقط على عقد اتفاقيات ومذكرات تفاهم طويلة الأجل، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك نحو الإمساك بالاقتصاد السوري وتشغيله عبر شركات تتبعها، أو أخرى تشارك القطاع الحكومي في عجلة الإنتاج.

الحضور الاقتصادي

ويواجه النظامان الماليان الإيراني والسوري عزلة جراء العقوبات الدولية المفروضة على بنوكهما، ما حرمهما من الوصول إلى النظام المالي العالمي وسط حالة انهيار غير مسبوق لليرة السورية والريال الإيراني.

وكان حصول إيران على امتيازات اقتصادية من النظام السوري أقصر الطرق لتعويض الدعم المقدم لها لحماية الأسد من سقوط حكمه، لاسيما أنه لا توجد أرقام دقيقة لحجم إنفاقها على مدى العقد الأخير.

 إلا أن جيسي شاهين، المتحدثة باسم المبعوث الدولي السابق إلى سوريا ستيفان دي مستورا، طرحت عام 2018 أرقاما تقديرية من الأمم المتحدة، أظهرت أن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل ستة مليارات دولار سنويا.

لكن تفكير إيران في الإقدام على البدء بإنشاء بنك مشترك مع النظام السوري، يسير في سياقين أحدهما مكمل للآخر، الأول إن كانت طهران جادة فهو يأتي ضمن محاولة تدعيم الحراك المالي لنشاطها التجاري في سوريا.

والثاني قد يكون في سياق بروبوغندا إعلامية تصب في خانة إظهار مدى الحضور الاقتصادي في سوريا، خاصة أن الفكرة طرحت أكثر من مرة لكنها بقيت في إطار الاستهلاك الإعلامي.

وسبق لمدير الشؤون العربية والإفريقية في منظمة التنمية التجارية الإيرانية فرزاد بيلتن، أن كشف لوكالة أنباء "فارس" في 17 مارس/آذار 2021، سبب عدم تعاون النظام السوري حول إنشاء مصرف مشترك لتسهيل العلاقات التجارية بين البلدين.

 وقال إن "السلطات السورية مهتمة بهذا الموضوع، لكن المصارف السورية التي غالبا ما تكون خاصة، تخشى أن تعاقب من واشنطن إذا أقامت علاقات مصرفية مع أطراف إيرانية".

وهذا ما لفت إليه الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو بقوله: "موضوع فتح بنك مشترك بين إيران والنظام السوري ليس بجديد، وكان مطروحا قبل عشر سنوات، لكن حاليا في ظل استفحال التدخل الإيراني في الاقتصاد السوري، كان لا بد من وجود أذرع مالية لطهران داخل البلد".

وأوضح شعبو لـ"الاستقلال" أن وجود "مصرف لطهران يمكنها من تسيير عملياتها المالية في الاقتصاد السوري ويسهل تجارتها أيضا، فضلا عن القدرة على الالتفاف على العقوبات بما يسمح بتحويل الأموال بين النظام السوري وإيران".

واعتبر أن "إنشاء مصرف إيراني سيكون نوعا من الهيمنة المالية، وخاصة أن هذه الخطوة متوقعة بعد السيطرة على البنى التحتية والعقارات والأراضي والكهرباء والطرق وغيرها، فهذه المؤسسات بحاجة إلى أذرع مالية كي يجرى تحويل الأموال من وإلى إيران بعيدا عن أي عقوبات".

ضرورة مرحلة

كما أن إيران تدرك حاجتها لإنشاء بنية مصرفية في سوريا، كي يكون لها موضع قدم في مرحلة إعادة الإعمار، حتى تمنح شركاتها ورجال الأعمال الإيرانيين سهولة في إدارة السيولة النقدية لهم من إيران إلى سوريا والعكس.

فإيران خلقت علاقات تجارية واسعة عبر تصدير سلعها لسوريا وقبض أثمانها من التجار السوريين المحليين بالدولار، لتخفيف الحصار الاقتصادي عليها.

وهذا الأمر يحتم عليها إنشاء بنك في سوريا، يعود عليها بالنفع من حركة النقد أكثر من البنوك السورية الخاصة.

وتعد إيران سابع أكبر مصدر للسلع إلى سوريا، بحصة من السوق السورية بلغت ثلاثة بالمئة، وفق وكالة أنباء فارس الإيرانية في 21 أغسطس/آب 2021.

وتطمح طهران لرفع التبادل التجاري مع سوريا إلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاث القادمة، وفق فرزاد بيلتن، في تصريحات بمارس/آذار 2021.

وتشير إحصاءات إيرانية إلى أن حجم التجارة السنوية حاليا بين إيران وسوريا يتراوح بين 150 - 180 مليون دولار.

وتوجد حاليا 24 شركة إيرانية تمارس أنشطة تجارية في مركز "إيرانيان" التجاري، داخل المنطقة التجارية الحرة بقلب العاصمة السورية دمشق وعلى مساحة أربعة آلاف متر مربع.

معاملات مشبوهة

وفي هذا الإطار يرى المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، أن "إيران ماضية في استكمال بناء الكيان الاقتصادي المتكامل في سوريا، فهي ابتلعت المصانع المتوقفة ودفعت برجال أعمال مرتبطين بالحرس الثوري الإيراني للبحث عن فرص استثمارية".

وأضاف الشريف لـ"الاستقلال" أن "إيران تلعب على أكثر من وتر فهي تحاول تشجيع رجال الأعمال هؤلاء على ضمان السيولة النقدية وتؤكد لهم أن مستقبلا زاخرا بالاستثمارات والفرص ينتظرهم في سوريا".

وثانيا، وفق المحلل "تحاول إيران أن تعطي إشارات إلى المستثمرين السوريين لدفعهم إلى تنشيط التجارة معها عبر طرح مثل فكرة البنك المشترك ستنجح في الحصول على نقد أجنبي وخاصة الدولار وبالتالي نقله إلى طهران".

وسبق أن بحث محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همتي وحاكم مصرف سوريا المركزي السابق "حازم قرفول"، في سبتمبر/أيلول 2019 سبل توسيع وتعزيز العلاقات المصرفية وإنشاء مصرف مشترك وتنفيذ الاتفاقات البنكية الموقعة بين البلدين.

ومنذ ذلك الحين اتفق الجانبان خلال الاجتماع على تأسيس لجنة مصرفية مشتركة تضم ممثلين عن بنوك البلدين وتحت رعاية المصرفين المركزيين في إيران وسوريا لمتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم الموقعة بينهما.

ويحذر محللون من أن التعاون المتنامي بين المصارف السورية والإيرانية هو خطة للتحايل على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية على البلدين.

وحذّروا كذلك من أن مثل هذا التعاون قد يؤدي إلى معاملات مصرفية مشبوهة تسمح بتحويل الأموال الناتجة عن أنشطة تجارية غير شرعية للحرس الثوري الإيراني.

ومع ذلك فإن فكرة إنشاء مصرف مشترك إيراني سوري ليست جديدة، وإنما تعود إلى عام 2009، عندما وافق مجلس الوزراء السوري على ترخيص مصرف مشترك سوري إيراني على شكل شركة مساهمة باسم "مصرف الأمان".

ووفق الفكرة التي لم تر النور، كان سيشارك في المصرف "بنك صادرات إيران"، بنسبة 25 بالمئة من رأس المال، ونسبة 51 بالمئة لرجال أعمال سوريين مقربين من طهران.