تقرير الحالة العربية: نوفمبر/تشرين الثاني 2021

قسم البحوث | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

مقدمة

المحور الأول: كورونا في الوطن العربي

  • العراق

  • الأردن

  • متحور كورونا الجديد يدق ناقوس الخطر 

المحور الثاني: الحالة السياسية

  • الحالة الليبية: (الخلاف حول الانتخابات الرئاسية القادمة، الضغط الدولي لإتمام الانتخابات في ليبيا)

  • الحالة السودانية: (الضغط على البرهان عقب الانقلاب، الاتفاق السياسي وإعادة تكليف حمدوك برئاسة الحكومة، مستقبل المرحلة الانتقالية ومصير المكون المدني)

  • الحالة العراقية: (اتفاقية انسحاب القوات الأميركية من الأراضي العراقية)

  • الحالة الفلسطينية: (خلفية القرار البريطاني بتصنيف حماس حركة إرهابية، الدلالات والآثار المترتبة على هذا القرار)

المحور الثالث: الاقتصاد العربي

  • استمرار أزمة لبنان الاقتصادية وتفاقم التداعيات

  • التطورات الجارية لسوق النفط وانعكاساتها على اقتصادات دول المنطقة

المحور الرابع: الحالة الفكرية

  • الديانة الإبراهيمية: المفهوم والغاية.. ورأي الأزهر

  • مكانة المرأة بين المواثيق العالمية والشريعة الإسلامية

خاتمة


مقدمة

ما يزال العالم العربي يموج بالتقلبات والتطورات، وكأنه يعيش على صفيح ساخن، فيما تنتظر الشعوب العربية ما تؤول إليه الأحداث في قضاياها المصيرية، وتنتهز ما يسنح لها من فرص للمشاركة والتعبير عن رأيها، عسى أن يكون لها نصيب في تقرير مصيرها ورسم مستقبلها.

ورصدا لهذه الأحداث المتسمة بالتقلب والتطور، يحاول تقرير الحالة العربية عن شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلقاء الضوء على أهم ما شهده العالم العربي على المستوى السياسي والاقتصادي والفكري.

فعلى المستوى السياسي، كانت الانتخابات هي الحدث الأبرز على الساحة الليبية، لما أحاط بها من خلاف حول القانون الانتخابي والشخصيات المرشحة للرئاسة.

وفي السودان، عاد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك إلى المشهد باتفاق جديد مع العسكر، ولكنها خطوة أحدثت شرخا كبيرا في المكون المدني، ليظل الشارع السوداني ثائرا في مواجهة الانقلاب ورافضا لحكم العسكر. 

أما العراق فصار على أعتاب مرحلة جديدة، إثر الإعلان عن اتفاق لخروج القوات الأميركية، بعد أن أدت دورها في تدمير البلد العربي وإفساد الحياة السياسية فيه.

هذا في حين تواصل بريطانيا دورها التاريخي في المأساة الفلسطينية، بتصنيفها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" منظمة إرهابية، لتسلب من صاحب الأرض حقه في مقاومة المحتل.

واقتصاديا، يعيش العالم العربي بين الأمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية بسبب التسويات السياسية، والتشاؤم من بقاء الوضع على ما هو عليه مع استمرار المشاكل الناتجة عن النزاعات المسلحة. 

وفي هذا السياق، سلط التقرير الضوء على قضيتين، هما: استمرار أزمة لبنان الاقتصادية وتفاقم تداعياتها، وتطورات سوق النفط وانعكاساتها على اقتصادات المنطقة.

وعلى المستوى الفكري، تناول التقرير ما يثار حول "الديانة الإبراهيمية" المزعومة، والتي يسعى المنادون بها إلى خدمة الكيان الصهيوني وفرض التطبيع معه عبر تقويض الإسلام ومحو هوية المسلمين. كما تناول التقرير مكانة المرأة، على ضوء ما منحته لها الشريعة الإسلامية وما تنادي به المواثيق الغربية.

ولعموم الجائحة التي يشهدها العالم، يبدأ التقرير برصد آخر أخبار "كورونا"، خاصة بعد ظهور المتحور الجديد "أوميكرون"، الذي أثار المخاوف من موجة جديدة للفيروس، قد تكون أشد وأخطر من سابقاتها.


المحور الأول: كورونا في الوطن العربي 

بمرور نحو ما يقرب من عامين منذ ظهور فيروس (COVID-19) المعروف باسم كورونا، ضربت الجائحة معظم دول العالم، وبلغ عدد الإصابات المكتشفة نحو 262 مليون حالة حول العالم منذ بداية الأزمة في ديسمبر/كانون الأول 2019، كما جاوزت حالات الوفاة نحو خمسة ملايين حالة، بنهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

السباق الذي يجري حاليا حول العالم يتعلق بالتلقيح، خاصة بعد تصاعد موجات ثالثة ورابعة من الفيروس وظهور سلالات جديدة في بلاد عديدة وإعادة صورة الخطر الذي بدأ مع بداية الجائحة.

ولا شك أن أهمية اللقاح تتزايد الآن مع تردد أصداء المتحور الجديد (أوميكرون)، الذي اكتشف في جنوب إفريقيا، وأثار موجة من الذعر في الكثير من الدول، فدفعها لاتخاذ إجراءات عاجلة، لمنع وصوله إلى أراضيها.

فقد أعلنت العديد من الدول، خاصة في أوروبا، تعليق الرحلات الجوية مع جنوب إفريقيا وعدة دول مجاورة لها، في حين عادت لفرض القيود على مواطنيها في الداخل من جديد، بهدف منع انتشار المتحور بينهم.

تأتي الدول العربية في حالة متوسطة من حيث الأخطار وعدد الحالات مقارنة مع باقي دول العالم، حيث يعد العراق، وهو الدولة الأكثر من حيث عدد الإصابات في الوطن العربي، في المرتبة الثانية والعشرين عالميا، حسب إحصائية موقع worldometer العالمي، يليه الأردن في المرتبة الثالثة والأربعين، إلا أنه بلا شك تختلف كفاءة الدول في مواجهة الوباء والتعاطي مع المستجدات. 

نرصد خلال هذا الشهر، نوفمبر/تشرين الثاني 2021، الدول العربية الأكثر إصابة بفيروس كورونا، وهي العراق، والأردن. 

  • العراق:

يحتل العراق المرتبة الأولى عربيا من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، وقد تجاوز حاجز المليوني حالة مؤخرا. وشهد شهر نوفمبر/تشرين الثاني، زيادة في أعداد الإصابات بما يزيد عن ثلاثين ألف حالة جديدة.

بلغ العدد الإجمالي للإصابات بنهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، 2.081.172 حالة إصابة، وهو ما يشير إلى تصاعد مستمر في منحنى الإصابات، لكنه أقل مما كان الوضع عليه في أكتوبر/تشرين الأول. 

في حين تعتبر حالات الوفاة ضئيلة مقارنة بهذا العدد من الإصابات، فقد بلغت الوفيات إجمالا 23.820 حالة وفاة، بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني، ما يعني أن عدد الوفيات زاد بما يقرب من 700 حالة وفاة، وهو ما يشير إلى هبوط المنحنى كذلك عن سابقه في شهر أكتوبر/تشرين الأول. 

وحول تسجيل انخفاض ملحوظ في أعداد الإصابات والوفيات هذا الشهر مقارنة بالفترة السابقة، كشفت وزراة الصحة والبيئة العراقية عن عوامل أسهمت في تراجع عدد الإصابات، وأكدت أن الإجراءات الحكومية دفعت لزيادة عدد متلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا خلال الفترة الماضية.

المتحدث باسم وزارة الصحة "سيف بدر"، قال في تصريح له إن "نسبة الذين تلقوا اللقاح ازدادت خلال الأسابيع الأخيرة، نظرا للجهود الحكومية المتبعة لزيادة عدد متلقي اللقاح، مؤكدا أن هذا الأمر ساهم بنسبة ما في احتواء أعداد الإصابات.

وفي الأيام الأخيرة، ونظرا لاكتشاف المتحور الجديد من كورونا "أوميكرون" الذي مثل تهديدا للعالم بأسره، فلا شك أن العراق وهو الدولة الأولى على مستوى الوطن العربي في أعداد الإصابات، يواجه مسؤولية كبيرة في التصدي لهذا الأمر.

وقد أصدرت وزارة الصحة العراقية توجيها لمواطنيها، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، لحثهم على الإسراع بتلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، بعد تأكيد ظهور متحور جديد.

وقالت الوزارة في بيان نشرته وكالة "شفق نيوز"، إنه "بعد التأكد من ظهور متحور جديد من فيروس كوفيد-19 من خلال التواصل المستمر مع منظمة الصحة العالمية والمتابعة الدقيقة لتقارير الرصد الوبائي في دول العالم المختلفة، ندعو المواطنين جميعا الى الإسراع بتلقي اللقاحات الرصينة المتوفرة في المنافذ التلقيحية لمؤسساتنا الصحية".

وقد عانى العراق طيلة العام 2020 من مسألة عدم الثقة في كفاءة الحكومة في التعامل مع الأزمة، ما أدى إلى الاستهتار من قبل المواطنين، وهو ما ظهر بشكل قوي خلال الجائحة.

كما أن عدم انتشار الوعي الكافي بين صفوف المواطنين، والإعراض عن تلقي اللقاحات بنسبة كبيرة، وإهمال الإجراءات الوقائية، من الأمور التي شكلت خطرا إضافيا، طبقا لما يراه عدد من كوادر وزارة الصحة في العراق.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة، "سيف البدر"، إن الوزارة تحذر من وجود موجات وبائية أخرى، وهذه حقيقة علمية واقعية على الرغم من الانخفاض النسبي الملحوظ بالحالات المسجلة، ولكن خطر حدوث موجات وبائية جديدة ما زال قائما.

كما بينت وزارة الصحة في بيان لها، 25 أكتوبر/تشرين الأول، عدم استبعادها حدوث موجة رابعة نتيجة تلك التحورات الجينية في الفيروس.

إضافة إلى وجود العوامل المساعدة لتدهور الوضع الوبائي في العراق نتيجة عدم التزام المواطنين بالاجراءات الوقائية، وكثرة التجمعات البشرية بشتى أنواعها، إضافة إلى عدم تحقيق نسب عالية من تلقيح المواطنين، وكل ذلك ينبئ بحدوث ارتفاع بالإصابات، قد تكون قاسية، وتهدد النظام الصحي.

ويعد العراق في المرتبة الثانية عشر بين الدول العربية من حيث أعداد متلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وهي مرتبة متأخرة كثيرا، نظرا لأنه الدولة الأولى عربيا من حيث أعداد الإصابات وبفارق كبير عن باقي الدول.

  • الأردن:

يحتل الأردن المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، حيث بلغ العدد الإجمالي لها بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ما يعادل 953,943 حالة، وفقا للإحصائيات الرسمية.

وهو ما يدل على تزايد معدل الإصابات بشكل متسارع خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بعدما هدأت بشكل نسبي خلال الفترة السابقة.

في حين بلغ العدد الإجمالي للمتعافين 887,074 حالة، ما يعني زيادة أعداد المتعافين بما يعادل 60 ألف حالة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وهي نسبة أكثر استقرارا.

والأردن بدأ في 13 يناير/كانون الثاني 2021، حملة التطعيم، ومنح "تراخيص طارئة" لخمسة لقاحات هي: "سينوفارم" و"فايزر/بيونتيك" و"أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" و"سبوتنيك-في". 

وتسلم الأردن في يوليو/تموز 2021، نصف مليون جرعة من لقاح فايزر تبرعت بها واشنطن للمملكة مباشرة، وخارج الآلية العالمية لتأمين لقاحات للدول الفقيرة "كوفاكس".

كما بدأ الأردن، في الأول من سبتمبر/أيلول، إلغاء كافة أشكال الحظر المفروضة منذ 18 شهرا بسبب جائحة كورونا، وفق وزير الدولة لشؤون الإعلام "صخر دودين".

وقد عادت الدراسة في الأردن منذ بداية سبتمبر/أيلول لتكون وجها لوجه، وذلك بعد ابتعاد قسري لما يقارب العام والنصف جراء جائحة "كورونا".

وعلى الرغم من حالة "الانفتاح" والعودة شبه الكاملة للحياة الطبيعية في الأردن، فإن حالة الحذر التي تسود العالم الآن بسبب المتحور الجديد من فيروس كورونا، ينبغي أن يأخذها الأردن في الاعتبار حتى لا تزداد أعداد الإصابات. 

وصرح وزير الصحة الأردني "فراس الهواري" أن زيادة عدد الإصابات اليومية بفيروس كورونا متوقعة في الفترة المقبلة، لكن المملكة لن تشهد موجة كالموجات السابقة.

وأوضح الهواري في تصريحات له أن معدل الإصابات قد يزداد، خصوصا بعد فتح جميع القطاعات وعودة التعليم الوجاهي في المدارس، لكنه توقع أن المملكة لن تسجل أكثر من 3 آلاف حالة يوميا، موضحا أن المستشفيات لديها القدرة الاستيعابية الكافية.

كما حذر الهواري من عدم الإقبال على أخذ اللقاح لمواجهة الجائحة، مشيرا إلى أن أكثر من 87 بالمئة من المتوفين هم من غير المطعمين، وأكثر من 82 بالمئة ممن يدخل المستشفيات من غير المطعمين.

وقال إن عدد متلقي الجرعة الأولى وصل إلى نحو 4 ملايين، فيما وصل عدد متلقي الجرعتين إلى 3.5 مليون، وفقا لوسائل إعلام أردنية.

  • متحور كورونا الجديد يدق ناقوس الخطر 

ما أن بدأ الناس في أنحاء العالم يتنفسون الصعداء قليلا، مستبشرين بقرب نهاية مأساة كورونا التي امتدت لأكثر من عامين، وما أن بدأوا التفكير في العودة إلى حياة شبه طبيعية، والتخطيط لرحلاتهم وأسفارهم، حتى خرج عليهم "أوميكرون"، المتحور الجديد من فيروس كورونا، ليعيدهم إلى المربع الأول من زمن الخوف والقلق.

طرح ظهور المتحور الجديد أسئلة بالنسبة للمجتمعات العلمية، وللناس العاديين على حد سواء، حول ما إذا بتنا نعيش عصر الفيروسات المتحورة عن كورونا بلا نهاية؟

فبعد صبر طويل تخلله حصول الناس على العديد من اللقاحات ضد الفيروس، ها هو متحور جديد يظهر، يقول العلماء إنه مختلف تماما عما قبله، وأن كل اللقاحات التي تلقاها الناس فيما سبق، ربما لن تجدي معه نفعا.

وصرحت منظمة الصحة العالمية أن النتائج الأولية تشير إلى أن السلالة الجديدة من كورونا، والتي تم اكتشافها لأول مرة في جنوب إفريقيا، هي الأشد عدوى بين كل متحورات الفيروس التي ظهرت حتى الآن.

وعقب عدد من الاجتماعات الموسعة، صنفت المنظمة السلالة الجديدة كسلالة "تبعث على القلق"، وأطلقت عليها الحرف اللاتيني "أوميكرون".

لكن حذرت المنظمة من الإسراع في فرض قيود على السفر، قائلة إن على الدول اتباع "نهج علمي قائم على المخاطر".

وتحركت عدة دول بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا لمنع الرحلات الجوية من الدول الإفريقية بعد اكتشاف متحور "أوميكرون"، مرددة استجابات الطوارئ السابقة التي أدت إلى تجميد عالمي للسفر.

وفرضت كل من المملكة العربية السعودية، ومصر، ودبي، والبحرين، والأردن، وتركيا، والمملكة المتحدة، واليابان، والبرازيل، وتايلاند، وسنغافورة قيودا على الرحلات الجوية والمسافرين من دول جنوب إفريقيا في ضوء المتحور الجديد من فيروس كورونا.

وفي حين تم اكتشاف عشرات الإصابات فقط حتى الآن، فإن الأخبار حول المتحور الجديد من فيروس كورونا، الذي يحتوي على حوالي ضعف كمية الطفرات مثل متحور "دلتا"، تثير بالفعل مخاوف حول العالم.


المحور الثاني: الحالة السياسية

تتناول الحالة السياسية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أبرز الأحداث على الساحة العربية.

ففي ليبيا تتنافس جميع الأطياف والأحزاب السياسية في إطار عملية التحضير للانتخابات الشاملة التي تسعى إليها الدولة بنهاية ديسمبر/كانون الأول، وخاصة بعد ترشح أبرز ممثلي جبهتي الشرق والغرب في الانتخابات، في ظل خلاف قانوني كذلك على "قانون الانتخابات" وحالة من الضغط الدولي باتجاه إجراء الانتخابات.

وعلى مستوى الحالة السياسية في السودان، فقد شهدت العاصمة الخرطوم عددا كبيرا من المظاهرات خلال نوفمبر/تشرين الثاني، على خلفية قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول، التي أعلنها رئيس مجلس السيادة "عبدالفتاح البرهان"، وكانت تمثل انقلابا على المكون المدني داخل المجلس. 

بالإضافة إلى الضغط الدولي الواسع الذي أفضى في نهاية الأمر إلى عودة "عبدالله حمدوك" إلى المشهد السياسي من جديد، بعد توقيعه على الاتفاق السياسي الذي عاد بمقتضاه رئيسا للوزراء مرة أخرى. 

وفي العراق، نتناول الحديث عن "الاتفاق الأميركي العراقي" الذي يقضي بانتهاء المهمة العسكرية للقوات الأميركية وخاصة بعد إعلان وزير الدفاع الأميركي "لويد أوستن"، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، موعد انتهاء المهمة العسكرية الأميركية في العراق.

وفي الشأن الفلسطيني، تناول التقرير الخلفيات السياسية لقرار بريطانيا بتصنيف حركة المقاومة الإسلامية حماس "منظمة إرهابية"، وهو القرار الذي قد تكون له تبعاته الخطيرة، كما نتحدث عن آثاره على القضية الفلسطينية.

الحالة الليبية

شهدت ليبيا خلال الشهرين الماضيين خلافات واسعة في إطار السير نحو إجراء انتخابات شاملة رئاسية وبرلمانية في نهاية العام 2021، وهي المهمة التي تتولاها الحكومة الحالية برئاسة "عبد الحميد الدبيبة".

وتعتبر أبرز الخلافات بين معسكري الشرق والغرب، حول التمهيد للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول، والتي تعد مرحلة هامة في حسم النزاع الليبي الذي امتد لسنوات.

وهذه الانتخابات هي الأولى التي تجرى بالاقتراع العام في ليبيا، وتأتي تتويجا لعملية سياسية شاقة ترعاها الأمم المتحدة. وجرى تسجيل أكثر من 2,83 مليون ليبي من أصل سبعة ملايين للتصويت فيها.

  • الخلاف حول الانتخابات الرئاسية القادمة

في 9 سبتمبر/أيلول 2021، أقر مجلس النواب الليبي مشروع قانون الانتخابات الرئاسية..

وكان أحد أبرز الخلافات بين مجلس الدولة والبرلمان فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، أن القانون يسمح للمسؤولين الحاليين بالترشح للمنصب طالما استقالوا مؤقتا من مناصبهم قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات.

وبدا للمنتقدين أن المادة صيغت على نحو يناسب حالة اللواء المتمرد "خليفة حفتر"، الرجل القوي في شرق ليبيا، والذي كان قد سارع في 23 سبتمبر/أيلول إلى "تجميد مؤقت" لمهامه العسكرية، ونقل قيادة قواته إلى أحد مساعديه العسكريين.

بينما تشترط قوانين المجلس الأعلى للدولة على المترشح للرئاسة أو لعضوية مجلس الأمة ألا يكون من أفراد المؤسسة العسكرية، وأن يمضي عامان على الأقل على انتهاء خدمته.

واعتبر المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الذي تأسس بموجب اتفاق عام 2015، أن "عقيلة صالح (رئيس البرلمان) دفع بالقانون قدما مستخدما سلطات لا يملكها بغرض عرقلة الانتخابات القادمة، كما عد القانون الصادر قانونا معيبا لتجاوزه الاتفاق السياسي".

اعتبر كذلك رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، أن القوانين التي وضعها مجلس النواب جرى تفصيلها على أشخاص بعينهم، وفق تصريحات له في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك قبل يوم واحد من تقديم أوراقه للترشح للانتخابات الرئاسية.

وأكد الدبيبة في تصريح له خلال لقائه مكونات وأهالي مدينة "زوارة" في الساحل الغربي، أن التشريعات لا بد أن تكون شمولية وليس انتقائية. كما أشار إلى تنامي دور القضاء الليبي في هذه الانتخابات، نظرا لعدم وجود "دستور" حالي في البلاد.

وكان الدبيبة قد تقدم في 21 نوفمبر/تشرين الثاني بأوراق ترشحه إلى مفوضية الانتخابات، بعدما أعلن أن الكلمة الأخيرة ستكون للشعب الليبي، معلنا بذلك تقبله هذه المنافسة الانتخابية، رغم ما أبداه من اعتراضات "قانونية" عليها.

ولم يكن القانون الخاص بالانتخابات الرئاسية هو الوحيد الذي شهد اعتراضات عديدة، رسمية وغير رسمية، بل أثار مجلس النواب جملة من الانتقادات ضده بعد اعتماده قانون الانتخابات التشريعية في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021 .

تجاوزت الانتقادات تلك التي خلفها إصدار قانون انتخابات الرئيس قبل أقل من شهر، ما يؤشر إلى إمكانية إجراء انتخابات معيبة ومطعون فيها تشبه تلك التي أجريت في 2014.

وعلى الرغم من تجاهل القوانين خريطة الطريق والاتفاق السياسي، أبدت الجماعة الدولية تأييدها إجراء الانتخابات، إلى جانب الاهتمام بإنهاء الوجود الأجنبي في ليبيا ودعم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وضمان وقف إطلاق النار.

كانت إحدى النقاط الخلافية التي أثارت استياء ورفض أطراف ليبية قرار مجلس النواب تأجيل الانتخابات البرلمانية بعد شهر من اعتماد نتائج نظيرتها الرئاسية، بحسب ما أعلنه المتحدث باسم مجلس النواب

الأطراف الليبية اتفقت أن تكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية متزامنة، بل فيهم من كان يطالب بإجراء الانتخابات البرلمانية أولا وتأجيل الرئاسية، نظرا للخلافات العميقة بشأن الأخيرة، خاصة ما تعلق بترشح شخصيات جدلية، مثل: خليفة حفتر، و"سيف الإسلام"، نجل معمر القذافي، رئيس النظام الليبي السابق.

كما اعتبرت الأطراف الحريصة على إجراء الانتخابات بالتزامن، أن إقدام عقيلة صالح على تأجيل انتخاب البرلمان، قد يؤدي إلى خلاف أكبر حول الانتخابات الرئاسية، باعتبار أن الرئيس القادم من المفترض أن يؤدي اليمين أمام البرلمان الجديد بالتزامن.

هذه الإشكاليات التي تحدث في الداخل الليبي تعكس حجم عدم التوافق، والذي تصحبه مخاوف من عرقلة عملية إتمام الانتخابات في موعدها، وخاصة بعد الإجراءات الحادة التي اتخذها البرلمان في طبرق وكادت أن تعرقل مسيرة الانتقال السلمي في ليبيا.

إذ كانت محاولة البرلمان الليبي في 21 سبتمبر/أيلول، حجب الثقة عن حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة، بمثابة محاولة للتلاعب بالعملية الانتخابية القادمة، عن طريق التخلص من الرجل الذي يعتبر أحد أهم خصوم المعسكر الشرقي الذي يقوده خليفة حفتر وعقيلة صالح. 

تمكن الدبيبة من قلب الطاولة على مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، من خلال حشد أنصاره في طرابلس ومدن مختلفة، بما فيها المدن الخاضعة لمليشيات اللواء المتمرد خليفة حفتر.

ولم يسبق أن تمكن زعيم سياسي ليبي منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 من حشد مثل تلك الأعداد التي جمعها رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، ردا على سحب البرلمان الثقة من حكومته بشكل لا يخلو من التدليس.

هذه الخطوة التي أراد عقيلة صالح أن تأخذ "شكلا قانونيا" بصدورها من خلال البرلمان، لم تكن سوى مناورة سياسية واجهت رفضا صريحا من الشعب الليبي والمجتمع الدولي كذلك، وهو ما أدى إلى إحباطها، واضطر البرلمان إلى الاستجابة والاعتراف بالحكومة مرة أخرى.

ثم كان اعتماد مجلس النواب قانون الانتخابات التشريعية في 4 أكتوبر/تشرين الأول، والذي شابه مخالفات قانونية كذلك، ولاقى اعتراضا من قبل مجلس الدولة وعدد من القوى الليبية، خطوة أخرى من قبل مجلس النواب في إطار "المناورة السياسية". 

ويمكن اعتبار محاولات مجلس النواب للتخلص من الدبيبة أو فرض قوانين انتخابات الرئاسة والبرلمان بشكل معين على غير الصورة القانونية والتوافقية الصحيحة، خطوات غير كاملة حيث لم تفسح الطريق أمامهم، بل على العكس أظهرت قوة الطرف الآخر الذي يمثله رئيس الحكومة وعدد من التيارات الشعبية. 

وقد تجاوز المشهد الليبي الحالي محاولة أحد الأطراف عرقلة العملية الانتخابية، حيث كانت خطوات الدبيبة، رغم الاعتراضات التي أبداها على الشكل القانوني للانتخابات، في مسار الترشح، وهو ما ذكره خلال مؤتمر باريس من أجل ليبيا (نوفمبر/تشرين الثاني).

وخلال كلمته في مؤتمر باريس، أكد الدبيبة أن مؤتمر "برلين" (بنسختيه الأولى والثانية خلال 2020 و2021) شكل أرضية للحل السلمي القائم على تمكين الليبيين من السيادة الوطنية، وإنهاء كل ما يؤدي إلى بقاء المراحل الانتقالية، والانقسام السياسي أو الصراع المسلح.

كما اقترح تعديل قانون الانتخابات لتكون ضامنا لتحقيق العدالة ونزاهة الانتخابات، وأشار إلى وضع معايير واضحة للعقوبات على معرقلي الانتخابات ورافضيها، بالإضافة إلى تزامن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في جدول واضح لا يقبل الالتباس.

كما أعلن الدبيبة عزمه تسليم السلطة للجهة التي ينتخبها الشعب في 24 ديسمبر/كانون الأول في حال جرت الانتخابات بشكل "نزيه وتوافقي".

الظرف السياسي الليبي في مجمله يتجه بقوة نحو إتمام الانتخابات، بسبب حساسية المرحلة الحالية، وكذلك تبني الرأي الدولي والإقليمي للدفع في طريقها.

  • الضغط الدولي لإتمام الانتخابات في ليبيا 

المجتمع الدولي عبر من خلال قنواته المختلفة عن ضرورة إتمام المسار الانتخابي، وكان مؤتمر باريس الذي انعقد في 12 نوفمبر/تشرين الثاني هو آخر المحافل الدولية التي اجتمعت في هذا الصدد. 

وكانت فرنسا قد استضافت خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني مؤتمرا دوليا يتعلق بالوضع في ليبيا، وهو المؤتمر الثالث الذي تنظمة باريس خلال 5 سنوات، معلنة هذه المرة تخليها عن سياستها السابقة القائمة على الانحياز إلى طرف على حساب طرف آخر.

البيان الختامي لمؤتمر باريس من أجل ليبيا، أكد على ضرورة التزام جميع الأطراف الليبية بإجراء الانتخابات وقبول نتائجها.

كما حذر البيان من أن الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها، الذين قد يحاولون أن يعرقلوا العملية الانتخابية أو يقوضوها أو يتلاعبوا بها أو يزوروها، سيخضعون للمساءلة، وقد يدرجون في قائمة لجنة الجزاءات التابعة للأمم المتحدة.

وقد حاولت فرنسا من خلال هذا المؤتمر الذي حشدت له الأطراف إقليميا ودوليا، استعادة الدور في ليبيا، من خلال الانخراط في دائرة المجتمع الدولي الذي يتعامل مع شرعية الحكومة الليبية التي يمثلها الدبيبة، بعد الانحياز السابق لصالح خليفة حفتر في معركته ضد حكومة الوفاق السابقة.

فقد أدركت فرنسا أن المعركة الحالية التي يجب أن تخوضها في ليبيا هي انتخابية، ولذلك تعمل على حشد قوتها لدعم هذه العملية أملا في فوز حلفائها، وهم ممثلو المعسكر الشرقي الذي يقوده خليفة حفتر وعقيلة صالح.

كما هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معرقلي العملية الانتخابية المرتقبة في ليبيا بالعقوبات الدولية، ووفقا لتقديرات غربية فإنه يقصد بذلك تركيا في المقام الأول، لأنها ستكون الخاسر الأكبر في حال فاز حلفاء فرنسا، وفقا لرؤية ماكرون. 

وأعرب المشاركون في مؤتمر باريس عن دعمهم للمسار الانتخابي كذلك وعن تطلعهم إلى إعداد مفوضية الانتخابات جدولا زمنيا كاملا للانتخابات وتنفيذه "في ظل ظروف سلمية".

المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أشارت في كلمتها في مؤتمر باريس إلى إشكالية وجود "مقاتلين أجانب" على أرض ليبيا، وقالت إن لدى تركيا بعض التحفظات على خروج المقاتلين من هناك، بينما روسيا مستعدة لتنفيذ انسحاب متبادل، بحسب تعبيرها.

كما أشار رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي إلى هذا الأمر خلال مشاركته في المؤتمر، قائلا إن ليبيا لن تستعيد سيادتها ووحدتها واستقرارها دون "التعامل الجاد مع الإشكالية الرئيسة التي تعوق حدوث ذلك"، مشيرا إلى المقاتلين الأجانب الموجودين في أراضيها.

وتوجد قوات تركية في ليبيا منذ هجوم اللواء المتمرد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس. وكانت أنقرة تدعم حينها قوات حكومة الوفاق في مواجهة حفتر، الذي حارب في صفوفه مقاتلون من مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية.

ولا ينبغي تجاهل أن خصوم تركيا الإقليميين دعموا، وما زالوا يدعمون، الطرف الآخر، وهو حفتر، وذلك يعني أن أنقرة لم تكن لديها خيارات كثيرة هنا، بل إن دعمها للوفاق ثم للوحدة الوطنية جزء من معادلة التنافس الجيوسياسي في المنطقة، وهو سياق لا تملك أنقرة رفاهية التراخي فيه، فضلا عن الخسارة.

وتقوم سردية تركيا الرسمية على أنها آخر الأطراف المنخرطة في الأزمة، لا سيما تلك التي دعمت اللواء المتمرد خليفة حفتر بما فاقم الأزمة وعمقها.

وتحاجج أنقرة بأن انخراطها قانوني، إذ أتى بطلب من حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، آنذاك، وبناء على اتفاقية التعاون الأمني والعسكري معها، ولذا ترفض تركيا بالأساس تسميتها بقوات احتلال أو "أجنبية" على الأراضي الليبية، فهي موجودة بموافقة الحكومة الرسمية وطلبها.

وفيما يتعلق بالعملية الانتخابية، فقد أكد "سادات أونال" مساعد وزير الخارجية التركي دعم بلاده تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في موعدها تعكس إرادة الليبيين وفق أطر قانونية ودستورية تتوافق عليها جميع الأطراف، لافتا لاستعداد بلاده لدعم العملية الانتخابية في ليبيا والمساهمة في إنجاحها وعبور هذه المرحلة.

كما شاركت تركيا في مؤتمر استقرار ليبيا الذي انعقد في طرابلس، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بحضور ممثلين عن 31 دولة، لدعم مسار الاستقرار.

مؤتمر دعم استقرار ليبيا، خلص إلى عدة نقاط أهمها: الالتزام الدائم والثابت والقوي لحكومة الوحدة الوطنية بسيادة البلاد واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية، ورفضها القاطع لجميع أشكال التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية، وإدانتها لمحاولات خرق حظر السلاح وإثارة الفوضى".

خلص المؤتمر أيضا إلى التزام الحكومة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا، وكذلك مخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني، وخارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي، ودعوة الجميع لتنفيذ هذه القرارات.

الحالة السودانية

شهد السودان تحولا هاما بعد إجراءات 25 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك إثر إعلان انقلاب عسكري على المكون المدني داخل مجلس السيادة السوداني، قاده القائد العام للجيش "عبدالفتاح البرهان"، وتم على إثره حل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد.

شكل هذا المشهد بادرة خلاف عميق بين مكونات المشهد السياسي في السودان، وخاصة المكون المدني "قوى الحرية والتغيير".

 وهو المكون الذي وقع مع المجلس العسكري على وثيقة تقاسم السلطة، في أغسطس/آب 2019، عقب التخلص من نظام الرئيس السابق عمر البشير، وذلك بغرض التشارك في إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد حتى الوصول إلى انتخابات شاملة في 2024.

ومع قرب انتهاء فترة رئاسة المكون العسكري لمجلس السيادة السوداني التي كانت مدتها 18 شهرا وفقا لوثيقة "تقاسم السلطة"، وقرب تسليمها إلى المكون المدني داخل المجلس، بدت الخلافات على السطح بين المكونين.

كان من أبرز محطات الخلاف التي مهدت لهذا الإجراء الأخير أن أعلن الجيش عن إحباط "محاولة انقلاب فاشلة" في 22 سبتمبر/أيلول.

 وجه بعدها رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ونائبه حميدتي انتقادات للمكون المدني والقوى السياسية بشكل عام، زاعمين أنهم سبب التدهور الذي آلت إليه الأوضاع في البلاد.

اعتبر الكثير من الناشطين السودانيين أن محاولة الانقلاب الفاشلة هذه عبارة عن جس نبض للشارع السوداني، تقوم به القوات المسلحة تمهيدا لفرض حكم عسكري طويل الأمد، والقيام بخطوة يتم فيها التخلص من المكون المدني.

كانت الخطوة التي أقدم عليها الجيش السوداني في 25 أكتوبر/تشرين الأول إعلانا عن تخطي هذه المرحلة من الاتهامات المتبادلة، حيث جرى التخلص من المكون المدني داخل مجلس السيادة بموجب الإجراءات التي أعلنها البرهان. 

إلا أن هذه الخطوة لم يقبلها قطاع عريض من الشعب السوداني الذي خاف من سرقة ثورته من قبل قادة الجيش، تحت ذريعة إنهاء الصراع بين السياسيين على حد قولهم، ما يهدد الأمن والسلام داخل السودان.

ومؤخرا، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، جرت عدة أنواع من الضغوط على قادة الجيش في السودان من القوى الدولية التي رفضت هذا الاستيلاء القسري على السلطة، وطالبت بالتعامل مع "عبدالله حمدوك" رئيس الوزراء، إضافة إلى الغضب الشعبي، وهو ما أدى إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي باتخاذ عدة إجراءات.

  • الضغط على البرهان عقب الانقلاب

سادت في العاصمة السودانية، الخرطوم أجواء متوترة، وخرج الكثير من المتظاهرين إلى الشوارع للاحتجاج على انقلاب عبدالفتاح برهان، وهو ما واجهته قوات الأمن بفرض طوق أمني غير مسبوق على العاصمة.

وحسب بيان لوزارة الصحة السودانية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، ارتفع عدد القتلى المدنيين الذين سقطوا في حملة قمع التظاهرات منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول في السودان إلى أربعين قتيلا.

كما سادت حالة من التعتيم التي تعمدتها السلطات في السودان، من خلال التضييق على الصحفيين والإعلاميين في ممارسة نشاطهم الإعلامي بحرية لتغطية الأحداث في العاصمة. 

وأعلنت شبكة الجزيرة الإعلامية عن اعتقال مدير مكتبها في السودان "المسلمي الكباشي"، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، كما منع العديد من الصحفيين العاملين في وكالة الأنباء الرسمية (سونا) وفي الإذاعة والتلفزيون الرسميين من ممارسة عملهم وجرى استبدالهم.

العديد من الدول استنكرت حالة "القمع" ضد المتظاهرين، حيث نددت السفارة الأميركية في الخرطوم باستخدام القوة من جانب قوات الأمن، وقالت في بيان لها "إنها تأسف بشدة لمقتل وإصابة عشرات المواطنين السودانيين الذين تظاهروا اليوم من أجل الحرية والديمقراطية".

كما قالت وزيرة الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية البريطانية "فيكي فورد"، إنها "قلقة للغاية بشأن التقارير التي تفيد بمقتل متظاهرين في السودان". 

وأضافت: "يجب أن يكون الشعب السوداني قادرا على التعبير عن آرائه بعيدا عن الخوف من العنف، وعلى الجيش أن يستمع إلى الأعداد الهائلة التي تدعو إلى استعادة الانتقال الديمقراطي".

ردة الفعل القوية على مستوى الشارع ودخول الخرطوم وبعض المدن الأخرى في عصيان شامل، وحالة الذعر التي أصابت المواطنين بعد أن ذكرتهم خطوات الجيش بانقلابات سابقة انعكست سلبا على الأوضاع طيلة العقود الماضية، والرفض الدولي الواسع، والحديث الأميركي عن تعليق المساعدات، كلها دفعت إلى تهدئة لهجة الجيش التي ظهرت في خطاب البرهان نهاية أكتوبر/تشرين الأول.

البرهان حاول استيعاب حالة الغضب الداخلية والخارجية، وخاصة من الدول التي لديها تخوف من سيطرة الحركات الإسلامية على الحكم، قائلا: "لن يسمح لأي جماعة تحمل فكرا عقائديا بالسيطرة على السودان مرة أخرى"، وطمأن تلك الدول بأن "مبادئ الثورة التي أطاحت بنظام عمر البشير ستظل حاضرة".

وفي تشكيل مجلس السيادة الجديد الذي أعقب الانقلاب، جرى استبعاد أربعة ممثلين لقوى الحرية والتغيير. واحتفظ البرهان بمنصبه رئيسا للمجلس، كما احتفظ الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوة الدعم السريع بموقعه نائبا لرئيس المجلس. وتعهدا أن يجريا "انتخابات حرة وشفافة" في صيف العام 2023 .

وبحسب المرسوم الذي أصدره البرهان، يضم مجلس السيادة الجديد 5 أعضاء من المكون العسكري و3 أعضاء من الجبهة الثورية و5 أعضاء يمثلون الأقاليم.

وضمت التشكيلة الجديدة 9 أعضاء كانوا في المجلس السابق، و4 أعضاء جدد حلوا محل أعضاء المجلس السابق من المنتمين إلى قوى الحرية والتغيير.

توالت ردود الفعل المحلية والدولية بعدما أدى البرهان اليمين رئيسا لمجلس السيادة الجديد، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، ورأت بعثة الأمم المتحدة أن هذه الخطوة تصعب عودة النظام الدستوري.

كما أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تغريدة على تويتر، إلى أن الأحداث الجارية في السودان "مصدر قلق بالغ"، ودعا إلى الإفراج الفوري عن "كل من يمثل روح وتطلعات الثورة السودانية التي لا ينبغي خذلانها".

كذلك عبرت مندوبة بريطانيا في الأمم المتحدة "باربرا ودوورد" عن القلق البالغ إزاء "التقارير التي تتحدث عن مزيد من الإجراءات الأحادية الجانب من قبل الجيش، والتي تتعارض مع روح ونص الإعلان الدستوري".

ورأى الممثل الخاص للأمين العام بالسودان "فولكر بيريتس"، أن التعيين "الأحادي" لمجلس السيادة يزيد من صعوبة العودة إلى النظام الدستوري، ودعا الجيش إلى اتخاذ إجراءات للحد من التصعيد وبناء الثقة، وفق تعبيره.

  • الاتفاق السياسي وإعادة تكليف حمدوك برئاسة الحكومة

تبعت ردود الفعل التي تلت انقلاب البرهان وما شهده السودان من حالة توتر ورفض على المستوى الداخلي وضغط خارجي، خطوة توقيع "اتفاق سياسي" بين رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء وعبدالله حمدوك، وذلك في 21 نوفمبر/تشرين الثاني.

يتضمن الاتفاق عودة حمدوك إلى منصبه كرئيس للحكومة، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين منذ سيطرة الجيش على السلطة في أعقاب الانقلاب، وتشكيل لجنة للتحقيق في الاحتجاجات التي وقعت بعد الانقلاب، وتعديل الدستور ليتضمن مواد جديدة عن الشراكة بين الجيش والمدنيين في الحكم الانتقالي.

تباينت الآراء حول توقيت هذه الخطوات التي استبقت حراكا جماهيريا يومها، دعت إليه لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، وأطلقت عليه "مليونية 21 نوفمبر".

قوى إعلان الحرية والتغيير، الكتلة المدنية الرئيسة التي قادت الاحتجاجات المناهضة للبشير ووقعت اتفاق تقاسم السلطة عام 2019 مع الجيش، رفضت هذا الاتفاق السياسي، وقالت في بيان لها: "نؤكد موقفنا الواضح والمعلن سابقا، أنه لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للانقلاب".

وتحت شعار "لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة"، أعلن تجمع المهنيين السودانيين رفضه ما أسماه "اتفاق الخيانة".

وقال البيان إن الاتفاق "جاء تلبية لرغبات الانقلابيين ومحاولة لشرعنة الانقلاب والانتحار السياسي لحمدوك"، وفق تعبيره.

وأشار الحزب الشيوعي السوداني في بيان له أن الاتفاق "يبقي على الوثيقة الدستورية التي كانت عنصرا أساسيا في جر البلد إلى ما وصلت إليه خلال العامين الماضيين"، كما وصف الناطق باسم الحزب، "فتحي الفضل"، الاتفاق بأنه "خيانة للشعب السوداني ولمطالبه العادلة".

وذلك على اعتبار أن الاتفاق السياسي بين حمدوك والبرهان، قد بني على أساس الوثيقة الدستورية التي جرى التوقيع عليها في 2019، مع إجراء بعض التعديلات عليها، وفق نص الاتفاق السياسي، وهو ما أدى ببعض القوى السياسية إلى رفضه نظرا لعدم وجود ضامن حقيقي للالتزام به. 

كما اعتبر حزب المؤتمر السوداني الاتفاق شرعنة صريحة لاستمرار النظام الانقلابي في الحكم، وعده تهديدا خطيرا لاستقرار البلاد وأمن مواطنيه، لما يمنحه من صلاحيات لقوى متعددة لا تؤمن بالتحول المدني الديمقراطي أو بحق الشعوب في تقرير مصائرها ومستقبلها.

ورغم حالة الغضب الشعبي ورفض بعض الأحزاب، فإن عودة حمدوك إلى المشهد مرة أخرى في إطار توقيعه على الاتفاق السياسي ليتولى رئاسة الحكومة بعد تكليفه مرة أخرى، غيرت الصورة التي واجه بها المجتمع الدولي انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، حيث أضفى الرفض نوعا من التأييد والشرعية مرة أخرى.

فقد كانت حالة "السخط" التي واجهت البرهان متعلقة بشكل كبير بعزله عبدالله حمدوك وحكومته، والذي يحظى بقدر كبير من الدعم الخارجي، كونه يمثل نوعا من أنواع الحكم المدني الذي يجعل الانتقال إلى حالة من الديمقراطية مطمئنا في السودان.

وتذكر أستاذة العلوم السياسية "فاطمة العاقب"، في تصريح للجزيرة، أن عودة حمدوك لا علاقة لها بأي مبادرة داخلية، وذهبت إلى أن المجتمع الدولي لا يقبل الانقلابات العسكرية ومارس ضغوطا كبيرة، لذلك كان لا بد من العودة إلى المسار الانتقالي الديمقراطي.

ونبهت إلى عدم إغفال الرضا الأميركي عن المكون العسكري، وإن بدا للناظر غير ذلك، حسب قولها. وأضافت أن التناغم الأميركي مع الجيش السوداني حاضر وفقا للمصالح الدولية، مشيرة إلى أن هذا هو ما يفسر عودة حمدوك وليست المبادرات الوطنية.

ويذكر أنه عقب قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول، تقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا بمشروع قرار إلى مجلس حقوق الإنسان يطالب بعودة المدنيين فورا إلى الحكم في السودان بعد الانقلاب الذي قاده الجيش وأطاح من خلاله بالحكومة الانتقالية.

ودان مشروع القرار "بأشد العبارات" الانقلاب الذي نفذه الجيش السوداني، مطالبا بأن تستعيد السلطة فورا الحكومة المدنية الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.

فور عودة حمدوك إلى موقع "رئيس الوزراء"، سارعت الولايات المتحدة بإعلان دعمها هذه الخطوة، وأشاد وزير الخارجية الأميركي، "أنتوني بلينكن"، بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في السودان لإعادة المسار نحو الديمقراطية، محذرا في المقابل السلطات من الاستخدام المفرط للعنف ضد المتظاهرين.

من جهتها، رحبت الأمم المتحدة بالاتفاق، لكنها شددت على "الحاجة إلى حماية النظام الدستوري للمحافظة على الحريات الأساسية المتمثلة بالتحرك السياسي وحرية التعبير والتجمع السلمي".

كما رحبت به القاهرة، و"أشادت بالحكمة والمسؤولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية، بما يخدم مصالح السودان العليا"، وفق بيان للخارجية المصرية.

وأشادت الرياض كذلك بالاتفاق "لدفع العملية الانتقالية إلى الأمام وتحقيق تطلعات الشعب السوداني"، وفق بيان للخارجية السعودية. ورحب الاتحاد الإفريقي الذي علق عضوية السودان بعد الانقلاب، بما اعتبره "خطوة هامة نحو العودة إلى النظام الدستوري".

وحول أسباب التحالف مرة أخرى مع قادة الجيش، قال حمدوك إن "الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العامين الماضيين" كان من بين الأسباب التي دفعته للعودة إلى منصبه.

وفي مقابلة مع وكالة رويترز البريطانية في مقر إقامته بالخرطوم، حيث كان رهن الإقامة الجبرية، قال حمدوك إنه يعتقد أن "الحكومة التكنوقراطية" التي من المتوقع أن يشكلها "ستتاح لها فرصة تحسين مستويات المعيشة" في البلاد.

وأضاف: "سنواصل اتصالاتنا مع المؤسسات المالية الدولية، وستمضي الميزانية الجديدة التي ستبدأ في يناير على طريق الإصلاح الاقتصادي وتفتح الباب أمام الاستثمار في السودان".

وتابع أن الحكومة قد تعمل أيضا على استكمال اتفاق سلام جرى توقيعه مع بعض الجماعات المتمردة في العام 2020، لإنهاء سنوات من الصراع الداخلي.

كما أشار إلى اتفاق "جوبا"، قائلا: "تنفيذه واستكمال عمليات السلام مع الجماعات التي لم توقع عليه على رأس جدول أعمال الحكومة الجديدة".

وصرح حمدوك أثناء مراسم التوقيع على الاتفاق السياسي في العاصمة الخرطوم، أن "الاتفاق يساعد على فك الاختناق داخليا وخارجيا واستعادة مسار الانتقال لتحقيق الديمقراطية".

وقد أشار أثناء كلمته في مراسم التوقيع، إلى الضغط الذي حدث على قادة الجيش، والذي أدى بهم إلى العودة للتفاوض والرجوع خطوة إلى الوراء، حيث قال "إن الشعب السوداني قادر على تصحيح المسار دائما والعودة إلى الطريق الصحيح بعدما كاد أن يذهب إلى ما لا نهاية".

وفي حواره مع قناة الجزيرة، عقب التوقيع على "الاتفاق السياسي"، صرح حمدوك أن ما حدث في 25 أكتوبر/تشرين الأول هو انقلاب عسكري وليس له مسمى آخر، مشيرا إلى مسألة العودة إلى المسار الصحيح لتدارك ما وقع من أخطاء واستكمال الحفاظ على المؤسسات خلال المرحلة الانتقالية.

  • مستقبل المرحلة الانتقالية ومصير المكون المدني

أثار عدد من الناشطين السودانيين تساؤلات حول مستقبل المرحلة الانتقالية وعملية "الانتقال الديمقراطي في السودان بعد الانقلاب ثم العودة إلى التحالف مع عبدالله حمدوك مرة أخرى، وعن ضمانات الحفاظ على سلامة سير الحياة السياسية. 

فمن ناحية، يرى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك أن الاتفاق السياسي الذي أبرمه مع البرهان والذي جرى بموجبه تكليفه برئاسة الحكومة مرة أخرى هو الضامن لعودة المسار الديمقراطي، والضامن كذلك للحفاظ على مكتسبات الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع عمر البشير. 

فيما يرى عدد من التيارات مثل الحزب الشيوعي السوداني، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وهما المكون المدني الأبرز حاليا، أن خطوات البرهان تمثل بداية عهد استبدادي، ولا يوجد ضامن حقيقي بعد تولية حمدوك مرة أخرى. 

وقد أشار حمدوك، في لقائه بقناة الجزيرة إلى قوى "الحرية والتغيير" بعدما سئل عن مصير هذه القوى ومدى إتاحة الفرصة لها للتشارك في المرحلة الانتقالية، إذ كانت قرارات البرهان الانقلابية إلغاء تاما لمشاركتها بعد أن كانت شريكا أساسيا في الحكم بموجب اتفاق تقاسم السلطة المبرم في أغسطس/آب 2019. 

أجاب حمدوك، أن على قوى الحرية والتغيير بما تتضمنه من أطياف سياسية متنوعة أن تعمل خلال المرحلة الانتقالية على الإعداد لما بعد المرحلة الانتقالية والتجهيز لخوض السباق الانتخابي في نهاية هذه المرحلة "المؤقتة". 

وتعد إجابة حمدوك دعوة لها لتقبل الأمر الواقع وتخطيا لمسألة الحديث عن حقها في المشاركة خلال المرحلة الانتقالية كعنصر أساسي في السودان عمل على الإطاحة بالبشير وأسس لهذه الفترة في خضم أحداث الثورة في 2019. 

ويبقى التساؤل عن مدى قدرة التحالف الجديد بين حمدوك والبرهان على الحفاظ على مكتسبات الثورة وفقا للاتفاق السياسي الذي يتضمن "أن الطرفين يتعهدان بالعمل سويا لاستكمال المسار الديمقراطي، ويؤكدان أن الوثيقة الدستورية لعام 2019 هي المرجعية الرئيسة لذلك".

الحالة العراقية

  • اتفاقية انسحاب القوات الأميركية من الأراضي العراقية 

حدد وزير الدفاع الأميركي "لويد أوستن"، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، موعد انتهاء المهمة العسكرية الأميركية في العراق.

والاتفاق بخصوص الإعلان عن موعد انتهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق جرى خلال اجتماع جمع وزير الدفاع الأميركي مع نظيره العراقي "جمعة عناد سعدون الجبوري"، على هامش مؤتمر حوار المنامة الدولي السنوي حول الأمن الإقليمي في البحرين.

وأوضح بيان صدر عن "جون كيربي" المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية، أن أوستن أكد انتهاء المهمة العسكرية الأميركية في العراق، قبل نهاية العام الحالي، مشيرا إلى أن بقاء القوات الأميركية سيكون بدعوة من الحكومة العراقية لدعم قوات الأمن المحلية.

ووفقا لبيان كيربي، شدد أوستن على أن الولايات المتحدة ستفي بالالتزامات التي تعهدت بها في يوليو/تموز 2021، بما في ذلك عدم وجود قوات أميركية للقيام بمهمات قتالية في العراق بحلول نهاية العام.

ويذكر أن البرلمان العراقي، في 5 يناير/كانون الثاني 2020، صوت لصالح قرار يطالب بإخراج القوات الأجنبية، بما فيها الأميركية، من البلاد، وذلك بعد يومين من ضربة جوية أميركية أسفرت عن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، إضافة إلى أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" .

بيد أن تصويت البرلمان العراقي على الانسحاب لم يكن ملزما، لكن جاء الاتفاق بعد لقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي لينهي فصلا من الوجود القتالي للجنود الأميركيين.

وفي 26 يوليو/تموز 2021، وقع بايدن والكاظمي اتفاقا ينهي رسميا المهمة القتالية الأميركية في العراق بحلول نهاية 2021، بعد أكثر من 18 عاما على دخول القوات الأميركية إلى البلاد.

وقد أكدت الحكومتان الأميركية والعراقية في البيان الختامي المشترك للجولة الرابعة من الحوار الإستراتيجي، على التزام العراق بحماية أفراد التحالف الدولي الذين يقدمون المشورة والتدريب.

وأشار البيان إلى أن الولايات المتحدة تعتزم مواصلة دعمها للقوات الأمنية العراقية، مشددا على عزم العراق وأميركا الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية بينهما في جميع القضايا الثنائية وبما يخدم المصلحة الوطنية. كما أعلن الجانبان أن الانتخابات الحرة والنزيهة ستدعم سيادة بغداد وديمقراطيتها وتنميتها.

وأضاف البيان: "لن تكون هناك قوات أميركية تؤدي دورا قتاليا في العراق بنهاية الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول عام 2021". 

ولم يحمل إعلان اتفاق الانسحاب أو التوصل إليه أي مفاجأة للمراقبين أو حتى للعراقيين لأنه جاء كنتيجة غير مباشرة للأحداث التي وقعت في يناير/ كانون الثاني عام 2020.

ففي الثالث من يناير/كانون الثاني 2020 قتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وشخصيات أخرى من مليشيات تدعمها إيران في غارة شنتها الولايات المتحدة بطائرة مسيرة استهدفت موكبهم في مطار بغداد.

وأدت تداعيات مقتل قاسم سليماني إلى انهيار العلاقات الأميركية العراقية، وأيقن بسببها العراقيون أن السياسة الأميركية عادت إلى تبني نهج عدواني وغير واقعي، ما فاقم حالة انعدام الثقة بين البلدين.

وعلى وقع هذه الحادثة وغيرها من العمليات الأميركية التي أثارت غضب العراق على المستوى الشعبي والرسمي، نظرا لانتهاك السيادة العراقية، جاء قرار البرلمان، حيث صوت في أواخر يناير/تشرين الثاني على طرد القوات الأميركية.

وقد وجهت الولايات المتحدة، على إثر هذه التطورات وتزايد المشاعر المعادية لها، مواطنيها بالعودة إلى بلادهم وأقدمت على إخلاء سفارتها.

 كما فرضت هذه التطورات الأخيرة على واشنطن إعادة النظر في السياسة الخارجية تجاه العراق بصفته كيانا مستقلا عن العلاقات الأميركية – الإيرانية المتوترة حاليا.

وتجدر الإشارة إلى أن تزايد عدد الإصابات بفيروس كورونا في العراق ساهم في إنماء حالة عدم الاستقرار السائدة منذ فترة، إضافة إلى أن البلد يواجه مشاكل اجتماعية - اقتصادية متزايدة لا بد من معالجتها. وهو ما يدفع صانع السياسة الأميركية إلى مراجعة شؤونه هناك.

ومع ذلك، ورغم الضجة التي صاحبت الإعلان عن الاتفاق، فإن الانسحاب الأميركي من العراق لن يكون كاملا على غرار ما حدث في أفغانستان، نهاية أغسطس/آب 2021.

وصرح بايدن في شهر يوليو/تموز، عقب لقائه مع الكاظمي وتوقيع اتفاق انسحاب القوات الأميركية قائلا: "سيكون دورنا في العراق أن نواصل التدريب، ونعاون، ونساعد، ونتعامل مع تنظيم الدولة، لكننا لن نكون، بحلول نهاية العام، في مهمة قتالية".

وأشار بيان كيربي إلى أن الطرفين ناقشا المرحلة التالية من المهمة العسكرية الأميركية في العراق، والتي ستتضمن في مجملها "تقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية" كجزء من حملة مكافحة تنظيم الدولة الإرهابي.

ويوجد في العراق اليوم حوالي 2500 إلى 3000 جندي أميركي شكلوا العمود الفقري لقوات التحالف ضد تنظيم الدولة ولعبوا دورا محوريا في هزيمته، وذلك بالرغم من أن دور القوات الأميركية تحول في مرحلة من المراحل إلى دور إشكالي، خاصة بعد أن تبين أن معظم الدعم الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة إلى القوات الرسمية العراقية قد ذهب في نهاية المطاف إلى المليشيات المحسوبة على إيران. 

ويرى مراقبون أن وجود هذه القوات مهم للتوازنات الداخلية والإقليمية أيضا، وأنه إذا ما التزم بايدن بهذا الاتفاق، وأنهى الوجود الأميركي العسكري في العراق في ظل الظروف السائدة، فهذا يعني أننا قد نصبح أمام سيناريو مشابه لما حصل في أفغانستان.

الحالة الفلسطينية

  • خلفية القرار البريطاني بتصنيف حماس حركة إرهابية 

صنفت بريطانيا في 26 نوفمبر/تشرين الثاني حركة حماس بجناحيها السياسي والعسكري "منظمة إرهابية إسلامية"، محذرة من تعرض المنتمين إليها ومناصريها لعقوبات سجن مشددة.

أثار قرار الحكومة البريطانية إضافة الجناح السياسي لحركة حماس إلى قائمة التنظيمات الإرهابية جدلا كبيرا، وذلك بالنظر إلى التبعات المحتملة لهذا القرار، سواء كانت سياسية أو إنسانية.

فعلى المستوى السياسي، يتعلق الأمر بالدور البريطاني في عملية السلام وخيارات حماس والسلطة الفلسطينية التي تضيق نتيجة المتغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل. 

أما إنسانيا، فيتعلق الأمر بالمساعدات التي تقدمها المملكة المتحدة لقطاع غزة، والتي لا يمكن إيصالها بدون التنسيق مع حماس التي تسيطر على القطاع.

بالإضافة إلى القيود التي قد يضعها القرار على الجالية الفلسطينية في بريطانيا، خاصة وأن الحركة تتمتع بتأييد كبير في قطاع غزة الذي ينحدر منه جزء كبير من أبناء الجالية في المملكة المتحدة.

وتتبع المملكة المتحدة منذ فترة طويلة سياسة "عدم الاتصال" مع الجناح السياسي لحركة حماس، ويتم معظم التعامل مع غزة، بما فيه تقديم المساعدة الإنسانية، من خلال المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة.

لذا، قد لا يغير هذا القرار كثيرا من حيث انخراط بريطانيا، أو عدم وجودها، مع حماس، لكن هذا القرار يجب أن ينظر إليه أيضا من منظور المملكة المتحدة على المستوى المحلي.

تعد لندن إحدى أكثر العواصم الغربية التي تشهد نشاطا وحراكا داعما للقضية الفلسطينية، خاصة خلال فترات الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة.

 ويعود جزء كبير من أسباب ذلك إلى ما يصفه الفلسطينيون بالمسؤولية الأخلاقية التي تتحملها بريطانيا عن مأساتهم منذ التزامها "بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين"، بحسب ما نص عليه إعلان وزير الخارجية "أرثر جيمس بلفور" الصادر عام 1917.

وينظر المختص بالشؤون الدبلوماسية البريطاني "جيمس لاندل"، إلى هذا القرار على أنه استكمال لقليل من الأعمال الدبلوماسية غير المكتملة، على حد قوله، ويرى "أنه يجعل المملكة المتحدة على نفس الخط مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".

ولدى حماس جناحان، أحدهما سياسي والآخر عسكري، وتأسست الحركة عام 1987، وهي تعارض وجود إسرائيل وإجراء محادثات سلام معها، وتنتهج سياسة "المقاومة المسلحة" للاحتلال الإسرائيلي. 

وكانت بريطانيا سابقا تحظر الجناح العسكري فقط للحركة وهو "كتائب عز الدين القسام".

وتحدث "لاندل" كذلك عن التواصل المستمر بين إسرائيل وحزب المحافظين في بريطانيا "الحاكم"، وأشار إلى أن تل أبيب كانت تضغط من أجل ذلك منذ فترة، وحقيقة حدوثه الآن تعكس الاتصالات العميقة التي تجريها داخل الحزب.

وفور صدور القرار، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي "نفتالي بينيت" بالخطوة التي اتخذتها بريطانيا، ووصف في تغريدة على تويتر حماس بأنها "جماعة إسلامية راديكالية تستهدف الإسرائيليين الأبرياء وتسعى إلى تدمير إسرائيل"، وفق تعبيره.

أما وزير الخارجية في حكومته "يائير لابيد"، فقد رأى أن هذا "قرار مهم يمنح قوات الأمن البريطانية أدوات إضافية لمنع استمرار تعزيز منظمة حماس الإرهابية بما في ذلك في المملكة المتحدة"، بحسب وصفه.

في المقابل، فإن حزب العمال البريطاني كان له نهج آخر في التعامل مع القضية الفلسطينية، وهو ما يتضح من موقفه المعلن في المؤتمر السنوي العام المنعقد في مدينة "برايتون".

وطالب الحزب في سبتمبر/أيلول 2021، بفرض عقوبات على إسرائيل ودعا للاعتراف الفوري بدولة فلسطين حال تشكيلها حكومة.

وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، فإن أعضاء حزب العمال صوتوا في المؤتمر السنوي العام المنعقد في مدينة برايتون بأغلبية واضحة مع قرار يدين "النكبة المستمرة في فلسطين، وهجوم إسرائيل العسكري على المسجد الأقصى، والتهجير المتعمد في حي الشيخ جراح، وحربها على غزة"، ويرحب بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائمها.

وبحسب مراقبين حينها، فإن القرار "مهم ويؤكد بدء العزلة الأوروبية لإسرائيل،" مؤكدين ضرورة الضغط الأميركي والأوروبي لدفعها نحو تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية"، إلا أن القرار الأخير بضم حماس إلى الكيانات الإرهابية جاء مختلفا عن هذا المسار بالكلية.

ويأتي ذلك متسقا مع تصريحات عضو الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي السابق "محمد حسن كنعان"، فور عملية التصويت ضد إسرائيل التي قادها حزب العمال.

واعتبر كنعان وهو رئيس "الحزب القومي العربي"، أن "مطالب حزب العمال البريطاني بفرض عقوبات على إسرائيل لا تؤثر كثيرا على مجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما وأن الحزب معارض في بريطانيا، لكنه أكد إمكانية أن يؤثر بشكل ما على الرأي العام وعلى الأحزاب العمالية في دول الاتحاد الأوروبي".

  • الدلالات والآثار المترتبة على هذا القرار

يرى عدد من المراقبين أن القرار "لن يؤثر على حماس"، بل "على بريطانيا وأمنها واستقرارها"، وأن لندن بهذا القرار منحت الحركة ورقة أخرى نحو التفاف الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة حولها.

كذلك فإن الأمر الذي يتعلق بحماس مرتبط بشكل مباشر مع "عملية التطبيع" التي تولت دعمها الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة في نهاية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ومدى إمكانية استمرارها والوصول نحو سلام شامل في المنطقة، حيث تعتبر الحركة عنصرا أساسيا في التعامل السياسي مع القضية الفلسطينية. 

وبصورة خاصة فإن القرار البريطاني يضع الدول العربية في مأزق، وبالأخص "اللوبي العربي الذي سعى خلال الفترة السابقة إلى تطبيع علاقاته مع إسرائيل". 

ويرى البعض أن الأمر يتعلق بالعلاقات بين حماس وإيران، وخشية الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة من امتلاك الحركة سلاح الطائرات المسيرة ضد إسرائيل، نتيجة دعم طهران للحركة وتسليحها. 

وكانت وزيرة الداخلية البريطانية "بريتي باتل"، قد صرحت قبل أيام من صدور القرار: "حماس تمتلك قدرات إرهابية كبيرة، بما في ذلك الوصول إلى ترسانة واسعة ومتطورة، فضلا عن معدات إرهابية". وأضافت: "لهذا أتحرك اليوم لحظر حماس بالكامل"، وفق تعبيرها.

وتتهم باتيل حماس أيضا بأنها "معادية للسامية في الأساس وبشراسة"، مؤكدة أن حظرها ضروري لحماية الجالية اليهودية، بحسب زعمها.

ويعتبر القانون البريطاني أن الانتماء لمنظمة محظورة أو حشد التأييد لها أو ارتداء ملابس يمكن أن تعبر عن الدعم لها بمثابة جريمة جنائية تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات كحد أقصى ودفع غرامة مالية أو إحدى العقوبتين.

وعقب إعلان هذا القرار، أكدت حماس أن قرار حظرها هو مناصرة للمعتدين على حساب الضحايا، معتبرة أن "قرار بريطانيا منحاز لإسرائيل".

وشددت الحركة في بيانها على أن "بريطانيا تستمر في غيها القديم، بدلا من الاعتذار وتصحيح خطيئتها تجاه الفلسطينيين في وعد بلفور​"، لافتة إلى أن "مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، بما فيها المقاومة المسلحة، حق مكفول للشعوب تحت الاحتلال، والاحتلال هو الإرهاب الذي يرتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية".

وذكرت أن "الاعتداء على المقدسات، وترويع الآمنين في بيوت العبادة هو عين الإرهاب"، موضحة أن "سرقة الأراضي وبناء المستوطنات عليها هو أبشع صور الإرهاب".

وبينت أن "على المجتمع الدولي، وفي مقدمته بريطانيا، الكف عن ازدواجية المعايير وانتهاك القانون الدولي"، قائلة "إننا ندعو شعبنا، وفصائله، والمناصرين في بريطانيا وأوروبا، إلى إدانة القرار واعتباره استمرارا للعدوان".

كما أعلنت اتخاذها إجراءات سياسية وقانونية للرد، وأنها بدأت "سلسلة اتصالات مع جهات حكومية وحزبية وأهلية في مختلف أنحاء العالم لوضع الجميع عند مسؤولياتهم إزاء قرار بريطانيا الخطير".

وأدانت كذلك السلطة الفلسطينية قرار الحكومة البريطانية تصنيف "حماس" منظمة إرهابية، وقالت إن الخطوة تمثل "اعتداء غير مبرر" على الشعب الفلسطيني، وستلزمها بمراجعة علاقتها مع بريطانيا ودورها في المنطقة وعملية السلام.

وأصدرت وزارة الخارجية الفلسطينية بيانا، دانت فيه قرار الحكومة البريطانية، واعتبرته اعتداء غير مبرر على الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع أشكال الاحتلال والظلم التاريخي الذي أسس له "وعد بلفور" المشؤوم؛ حيث طرد من وطنه وهجر في المنافي وما يزال يدفع أثمانا غالية من أرضه وحياة ومستقبل أجياله، نتيجة لاستمرار الاحتلال والاستيطان وعمليات التهجير القسري والعقوبات الجماعية والملاحقة والمطاردة.

وطالبت الخارجية الفلسطينية الحكومة البريطانية بالتوقف عن سياسة الكيل بمكيالين والازدواجية في المعايير والتراجع الفوري عن هذا القرار، مشيرة إلى أنها ستدرس مع الجهات المعنية آثار وتبعات هذا القرار على العلاقات الثنائية وتأثير ذلك على دور بريطانيا التقليدي في المنطقة، ومحدودية مساهمتها المستقبلية في أي عملية سياسية محتملة.

وقال "عماد الآغا"، ممثل حركة "فتح" في مؤتمر الفصائل الفلسطينية المندد بقرار بريطانيا، إن "حركة حماس هي جزء أصيل من النسيج الفلسطيني، ومكون أصيل من مكونات العمل الوطني التحرري للشعب الذي لن يسمح الشعب لأي جهة كانت بالمساس بأحد مكوناته".


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

تشهد المنطقة العربية العديد من التطورات على مستوى العلاقات البينية، وعلى رأسها التسويات السياسية لبعض الخلافات بين دول المنطقة، ما يتوقع أن ينعكس على تحسن العلاقات التجارية والاقتصادية.

 ولكن على صعيد آخر، مازالت مشكلات النزاعات المسلحة في بعض الدول العربية (سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، السودان) تمثل حالة من التشاؤم بشأن مستقبل اقتصادات هذه الدول.

وفي مشهد آخر يتمثل في حالة السودان ولبنان وتونس، نجد أن حالة عدم الاستقرار السياسي، وكذلك سوء إدارة الملف الاقتصادي، تنذر بعواقب وخيمة.

ولا ينتظر في الأجل القصير التوصل لحلول اقتصادية يمكن من خلالها على الأقل، الوصول إلى تصورات أو إستراتيجيات لمعالجة تنموية واقتصادية، تؤدي للخروج من الواقع الاقتصادي المتردي لتلك الدول، وتقودها لدول مستقرة سياسيا واقتصاديا.

ويتناول المحور الاقتصادي لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 موضوعين مهمين من بين الموضوعات المتعددة للملف الاقتصادي العربي، وهما ملف الأزمة اللبنانية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك التطورات الجارية في سوق النفط وانعكاسها على اقتصادات المنطقة.

  • استمرار أزمة لبنان الاقتصادية وتفاقم التداعيات

في سبتمبر/أيلول 2021 توصل "نجيب ميقاتي" إلى تشكيل حكومة، تنال ثقة المكون السياسي هناك، وظن البعض أن الأمور في طريقها للحل، للخروج من الأزمة الاقتصادية، فتواصلت المحادثات مع صندوق النقد الدولي، بغية إنجاز اتفاق يسمح للبنان بتسهيلات ائتمانية، كما يساعدها على تنفيذ استثمارات، من شأنها تنشيط الاقتصاد اللبناني.

وكانت التقديرات تذهب إلى أن حكومة ميقاتي ستحظى بدعم دولي وإقليمي سريع، يمكنه من إعادة النشاط الاقتصادي للبلاد، إلا أن الأزمة مع المصرف المركزي هناك، حول توصيف الأزمة المالية، والمتسبب فيها، والدخول في نزاع قضائي بين حاكم المصرف والحكومة، ما تزال تمثل عائقا للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

كما أن الدعم الإقليمي، والذي كان ينتظر من دول الخليج تحديدا، عرقله النزاع الإقليمي والدولي داخل إدارة الدولة اللبنانية.

 ولعل أزمة وزير الإعلام اللبناني "جورج قرداحي" تبين إلى أي مدى تنصرف دول الخليج عن المساهمة في حلحلة الوضع في لبنان.

ولكن بعد مضي أكثر من شهرين على تشكيل حكومة ميقاتي، ما زالت التداعيات السلبية الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم، فالعملة المحلية تواصل تراجعها أمام العملات الأجنبية، حتى وصل سعر الدولار إلى 25 ألف ليرة، بينما كان سعر الدولار، قبل اندلاع الأزمة في لبنان 1500 ليرة فقط.

ثمة اجتماعات بين الحكومة والبنك المركزي لتسوية الخلافات القائمة حول تقييم الوضع المالي، والوصول لتسوية لمشكلات الجهاز المصرفي، وهذه الخطوة لها دافعان: الأول تقديم ملف يتسم بالمصداقية للمؤسسات المالية الدولية، والثاني الوصول لحل لمشكلات الجهاز المصرفي، والحفاظ على أموال المودعين، والخروج من الوضع المالي السيئ للبلاد أمام المقرضين الدوليين.

ولا يلوح في الأفق حلول قريبة يمكن من خلالها توقع طي مشكلات الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، ولكن لعل التسويات التي تتم في العديد من الملفات بين دول المنطقة يكون لها دور في حل المشكلة اللبنانية.

وخلال فترة عمل التقرير، أمكن رصد عدة مظاهر، لها دلالاتها السلبية على الواقع المعيش للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، من غلاء الأسعار المستمر، وارتفاع البطالة والفقر، وعجز الأدوية، وغير ذلك من المشكلات، وفيما يلي نتناول هذه التداعيات بشيء من التفصيل.

  • ارتفعت أسعار الطاقة (البنزين، والمازوت، والغاز) بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فوصل سعر صفيحة البنزين 95 نحو 313  ألف ليرة.

كما وصل سعر صفيحة البنزين 98 إلى نحو 323 ألف ليرة، وبلا شك أن هذه الارتفاعات يصاحبها ارتفاع في أسعار السلع والخدمات بشكل عام. 

وبشكل عام تسعى الحكومة اللبنانية للحصول على الكهرباء والغاز الطبيعي من كل من مصر والأردن، ولكن في ضوء صفقات تجارية بعيدة عن مجال الدعم أو المساعدة، ولا بد أن نأخذ في الاعتبار أنه في حالة النجاح في هذه المباحثات، فسيكون ذلك سببا لتوفير بعض احتياجات لبنان من الطاقة، ولكنه لن يؤدي إلى خفض تكلفة الطاقة هناك.

  • ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير كان بسبب ندرة النقد الأجنبي. وحسب تصريح لنائب برلماني لبناني فإن 70 بالمئة من الشعب لا يستطيعون شراء الدواء، وأن الحكومة دفعت بنحو 35 مليون دولار لدعم الأدوية للأمراض المستعصية والمزمنة فقط. 

  • بحسب دراسة صادرة عن منظمة الأسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) في سبتمبر/أيلول، قفزت معدلات الفقر من 28 بالمئة عام 2019 إلى 55 بالمئة عام 2020، ثم إلى 74 بالمئة في 2021، وذلك فيما يتعلق بفقر الدخل.

أما الفقر متعدد الأبعاد، فتشير الدراسة، أنه قفز خلال الفترة من 2019 – 2021 من 42 - 82 بالمئة، وعلينا أن نقرأ هذه الأرقام بشيء من التمعن، فدلالاتها شديدة الخطورة على الصعيد السياسي والاجتماعي في بلد يعاني أصلا من حالة عدم استقرار سياسي واجتماعي.

وثمة أمر مهم تشير إليه الدراسة، وهو أن أغنى 10 بالمئة من سكان لبنان، يمتلكون نحو 91 مليار دولار، حسب تقديرات 2020، وبإمكانهم تسديد تكلفة القضاء على الفقر في البلد إذا ما قرروا التبرع بنسبة 1 بالمئة من ثرواتهم.

وتعكس حالة أغنى 10 بالمئة في لبنان، وقيمة ثروتهم، والفرصة المتاحة أمامهم لتخليص بلادهم من الفقر، حالة من عدم التعاضد المجتمعي، واستمرار حالة الجزر المنعزلة التي يعيشها البلد على صعد مختلفة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، أو طائفية. 

  • ارتفاع معدلات البطالة: لا توجد أرقام على وجه الدقة للوقوف على معدلات البطالة في لبنان، في ظل حالة السيولة التي تمر بها إدارة الدولة، ولكن ثمة تقديرات منسوبة إلى وزارة العمل اللبنانية، تذهب إلى أن المعدل قد يصل إلى 41.4 بالمئة بنهاية عام 2021، بعد أن كان بحدود 36 بالمئة في عام 2020

وبلا شك أن الوضع الاقتصادي المتدهور هناك له آثاره السيئة على بيئة ومناخ الاستثمار، كما أن القطاعات التي كان يمكن أن تساهم في تخفيف حدة البطالة، مثل السياحة، تأثرت بشكل كبير، بسبب التداعيات السلبية لجائحة كورونا، وكذلك حالة التصعيد التي تبنتها دول خليجية، ومناشدتها لمواطنيها مغادرة لبنان، وعدم الذهاب إليها، في ضوء أزمة تصريحات وزير الإعلام اللبناني "جورج قرداحي" عن دور السعودية والإمارات في حرب اليمن. 

ولم تقتصر التداعيات السلبية لأزمة تصريحات قرداحي على معدلات السياحة فقط، ولكن امتدت لتنال من الصادرات الزراعية اللبنانية إلى دول الخليج، مما سبب مشكلات كبيرة لمنتجي الحاصلات الزراعية اللبنانية. 

ومما قد يؤدي إلى المزيد من المشكلات الاقتصادية في لبنان، خلال الفترة القادمة، التطورات السلبية لمتحور "أوميكرون"، وما سينتج عنها من التزامات تتعلق بالرعاية الصحية، أو تراجع معدلات النمو الاقتصادي هناك. 

ففي ضوء الإمكانيات المالية التي يعانيها لبنان يتطلب الأمر ضرورة توجيه المساعدات التي تمكن الحكومة من مواجهة أي مخاطر سلبية على الصعيد الصحي هناك، فضلا عن التداعيات السلبية في مجالات مواجهة الفقر والبطالة، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمهمشين. 

تبقى مهمة الحكومة في تهدئة الملف الاقتصادي شديد التعقيد، وعلى ما يبدو أن خطة الحكومة فقط هي حلحلة الأوضاع الاقتصادية، وعودة النشاط الاقتصادي، ثم الترتيب لتناول المشكلات الاقتصادية، الواحدة بعد الأخرى. 

إلا أن الوقت ليس في صالح الشعب اللبناني الذي يعاني من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لأزمته التي اندلعت في أواخر عام 2019.

  • التطورات الجارية لسوق النفط وانعكاساتها على اقتصادات دول المنطقة

تداخلت عدة أسباب لمعايشة الاقتصاد العالمي لموجة تضخمية كبيرة، وبخاصة خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، ومن بين هذه الأسباب ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، حتى وصل سعر برميل النفط لنحو 86 دولارا، وكانت التوقعات أن ينتهي عام 2021 عند سعر 90 دولارا للبرميل، وعلى أن يتجاوز ذلك في النصف الثاني من عام 2022.

انعكس ارتفاع أسعار النفط على تحسن الميزان التجاري لبعض الدول النفطية العربية، مثل قطر والجزائر والعراق، وتوقع البعض أن نكون أمام دورة جديدة من ارتفاع الأسعار بعد تلك الدورة التي تدنت فيها منذ منتصف 2014، وحتى منتصف عام 2021، مما أدى للعديد من المشكلات الاقتصادية والمالية للدول العربية النفطية.

وبخاصة في منطقة الخليج، حيث شهدت هذه الدول خلال فترة تراجع أسعار النفط في السوق الدولية ظواهر سلبية، مثل عجز الميزانيات العامة، وانخفاض احتياطيات النفط، واللجوء للسحب من أرصدة الصناديق السيادية، والتوجه للاستدانة، وتطبيق إجراءات تقشفية، نالت من أوضاع اجتماعية واقتصادية مستقرة منذ فترة طويلة، كان أهم سماتها دعم حكومات الخليج للعديد من السلع والخدمات العامة، والتي كانت تصل تكلفتها بالنسبة للمواطن قريبا من الصفر.

ولكن الأيام القليلة الماضية شهدت سيناريوهين مهمين: الأول الخلاف الذي وقع بين الرئيس الأميركي مع تكتل "أوبك بلس"، والذي رفض من خلاله مطلب بايدن برفع حصص الإنتاج، من أجل خفض سعر النفط، وتهدئة الموجة التضخمية.

وهو ما دعا بايدن إلى اللجوء لاستخدام ورقة المخزونات الإستراتيجية من الاحتياطي النفطي، حيث تضامنت معه مجموعة من الدول الكبرى المستهلكة للنفط، مثل الصين والهند واليابان وكوريا وجنوب إفريقيا، واتخذت خطوات مماثلة.

وتحالف أوبك بلس، هو تجمع يضم أعضاء أوبك الـ13 مع 10 بلدان أخرى مصدرة للنفط، وهي روسيا، وأذربيجان، والبحرين، وبروناي، وماليزيا، وكذلك كازاخستان، والمكسيك، وعمان، والسودان، وجنوب السودان.

والسيناريو الثاني، تمثل في المتحور الجديد لكوفيد 19، وهو "أوميكرون"، والذي أدى تزايد حالات الإصابة به إلى اتخاذ بعض التدابير الاحترازية لبعض الدول، مثل منع استقبال الرحلات الجوية الأجنبية أو استقبال الأجانب، وهو ما دفع لهبوط أسعار النفط في السوق بنسبة وصلت إلى 10 بالمئة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

 وإن كانت الأسعار تحسنت بنسبة طفيفة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مما دعا أحد الأمراء السعوديين للذهاب إلى أن التأثير السلبي الذي شهدته أسعار النفط قبلها بأيام يرجع إلى التأثير السلبي لمتحور "أوميكرون"، وليس كرد فعل لقرار بايدن باستخدام مخزونات النفط الإستراتيجية.

ووصف الأمير السعودي عبدالرحمن بن مساعد أداء سوق النفط في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بأنه تجاوز رد الفعل لمتحور "أوميكرون".

وعلى ما يبدو أننا أمام حلقة جديدة لصراع أو خلاف أميركي سعودي حول أسعار النفط التي يجب أن تشهدها السوق الدولية، فالتعليق من قبل ابن مساعد حظي بتغطية إعلامية كبيرة، وكأن المملكة العربية السعودية تؤيد هذا الرأي، ولكن على لسان أحد أبنائها، وليس على لسان أحد مسؤوليها.

 وإذا ما تصاعد هذا الخلاف، فقد تشهد سوق النفط الدولية تطورات كبيرة، نظرا لمكانة ودور كل من أميركا والسعودية في سوق النفط. ولكن هل المملكة على استعداد لأن تخوض معركة في سوق النفط مع واشنطن؟

ويذكر هنا أن حرب السعودية مع روسيا في أبريل/نيسان 2020 أدت لانهيار أسعار النفط، وتحملت المملكة حينها الجانب الأكبر للخسائر، كونها من اتخذت قرارا بضخ كميات أكبر في السوق، ثم سعت موسكو لاتفاق معها، مما أدى إلى قصر أمد الصراع الروسي السعودي آنذاك، ولكن إذا ما اندلع هذا الصراع بين واشنطن والرياض، فإلى أي مدى يمكن أن يطول حتى يتوصل الطرفان لاتفاق؟

وكان رد فعل روسيا هو الانتظار وتراقب أداء السوق، حيث أعلنت أنه من الصعب الآن تعجل إصدار قرارات بشأن سياسات الإنتاج خلال الفترة المقبلة.

إلا أن وسائل الإعلام نقلت أن "أوبك بلس" أجلت اجتماعات فنية لها حول سوق النفط، لانتظار أداء السوق خلال الأيام القادمة.

مستقبل سوق النفط:

سيتضح خلال الفترة المقبلة في أي اتجاه انساقت موجة الهبوط، هل من خلال السياسة الأميركية والدول المتضامنة معها للتأثير على سوق النفط، أم أن موجة الهبوط كانت متأثرة بنتائج المتحور الجديد "أوميكرون".

وفي كلا الحالتين ستكون النتيجة المهمة هي، هل ستتجه الأسعار للارتفاع مرة أخرى، لتتجاوز حاجز الـ80 دولارا للبرميل، وبذلك يكون تحليل الأمير السعودي صحيحا؟

أم أن الأسعار ستتجه لمزيد من الهبوط، سواء كان ذلك استجابة لسياسات بايدن والدول الداعمة له، أو استجابة لمخاوف الترقب تجاه التطورات غير المحسوبة لمتحور "أوميكرون".

التأثير على الاقتصادات العربية:

التأثير على اقتصادات الدول العربية سيكون مختلفا بين الدول النفطية وغير النفطية، فمن صالح الأولى أن يستمر تحسن الأسعار في سوق النفط، ليتجاوز حاجز الـ80 دولارا على الأقل، لتعوض خسائرها على مدار السنوات الماضية، وليمكنها ارتفاع أسعار النفط من إدارة ملفاتها الاقتصادية في ظل وضع مالي، يمكنها من تجاوز مسألة الاستدانة، أو تعطيل بعض المشروعات الاستثمارية العامة، أو يدفعها لتكوين ميزانيات بعيدا عن العجز والديون.

بينما الدول العربية غير النفطية، سيضرها سيناريو ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، لما ستتحمله من فاتورة كبيرة بسبب وارداتها من الطاقة.

وبخاصة أن ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية أدى إلى زيادة تكاليف العديد من السلع التي تقوم هذه الدول باستيرادها من الخارج بالإضافة إلى احتياجاتها من الطاقة.

وكل من الدول العربية النفطية وغير النفطية سوف تتأثر سلبا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، إذا ما تطورت التداعيات السلبية لمتحور "أوميكرون"، حيث سيفرض ذلك عليها زيادة النفقات على الرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية.

 كما ستعاني العديد من الدول العربية من تراجع معدلات النمو الاقتصادي بسبب حالة الإغلاق المحتملة، والتي من شأنها أن تؤثر على قطاعات مهمة، مثل السياحة، التي تعول عليها اقتصادات عربية عدة، مثل المغرب، وتونس، ومصر، والأردن.


المحور الرابع: الحالة الفكرية

يتناول المحور الفكري لشهر نوفمبر/تشرين الثاني، موضوعين؛ هما:

1 - الديانة الإبراهيمية: المفهوم والغاية.. ورأي الأزهر

قضية الإخاء الديني، أو وحدة الأديان، وما يعرف الآن بـ"الإبراهيمية" قضية قديمة جديدة، عمل عليها أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، إلى أن تبنتها "الماسونية العالمية"، وارتبطت الآن بالسياسة، وخاصة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل للسيطرة على الشرق الأوسط، ومحاولة تقويض الإسلام.

وانتقد شيخ الأزهر في مصر أحمد الطيب الدعوات التي يطلقها البعض فيما يسمى بدين الإبراهيمية. 

2 - مكانة المرأة بين المواثيق العالمية والشريعة الإسلامية

المرأة نصف المجتمع وتربي النصف الآخر، وهناك منظوران في التعامل معها، المنظور الغربي الذي يرفع لافتات كثيرة بشأن تحرير المرأة وحمايتها والحفاظ عليها، ومنظور الإسلام، الذي حرر المرأة، بالفعل، قبل أن تغزو الحضارة الغربية بثقافتها وفكرها وعاداتها، المجتمعات العربية والإسلامية.

 لكن الفارق أن الإسلام هو دين الفطرة الذي ينظر إلى المرأة وإلى الرجل على أن كلا منهما يكمل الآخر، وأن لكل منهما دورا وعليه واجبات، أما حضارة الغرب فتريد أن تساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء، فكان الانحراف، وهذا مخالف للفطرة التي خلق الله المرأة عليها (وليس الذكر كالأنثى) [آل‌عمران: 36].

  • الديانة الإبراهيمية: المفهوم والغاية.. ورأي الأزهر

في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 انتقد شيخ الأزهر الدعوات التي يطلقها البعض بأنه يمكن أن يكون هناك دين واحد يسمى "الإبراهيمية" أو "الدين الإبراهيمي".  

وشبه أحمد الطيب تلك الدعوات بدعوات "العولمة"، و"نهاية التاريخ"، و"الأخلاق العالمية"، مضيفا: "وإن كانت تبدو في ظاهر أمرها كأنها دعوى إلى الاجتماع الإنساني وتوحيده والقضاء على أسباب نزاعاته وصراعاته، إلا أنها، هي نفسها، دعوة إلى مصادرة أغلى ما يمتلكه بنو الإنسان وهو: حرية الاعتقاد وحرية الإيمان، وحرية الاختيار".

وفرق الطيب بين دعوات العيش بأمن وسلام بين الناس وبين امتزاج الأديان وإذابة الفروق بينها، "وبخاصة في ظل التوجهات التي تدعي أنه يمكن أن يكون هناك دين واحد يسمى بـ"الإبراهيمية" أو الدين الإبراهيمي وما تطمح إليه هذه الدعوات، فيما يبدو، من مزج اليهودية والمسيحية والإسلام في رسالة واحدة أو دين واحد يجتمع عليه الناس" . 

وقد بين الله سبحانه وتعالى أن اليهود والنصارى في محاولة دائبة لإضلال المسلمين عن إسلامهم، وردهم إلى الكفر، ودعوتهم المسلمين إلى اليهودية أو النصرانية؛ فقال تعالى: (ود كثير من أهل ٱلكتٰب لو يردونكم منۢ بعد إيمٰنكم كفارا حسدا من عند أنفسهم منۢ بعد ما تبين لهم ٱلحق ۖ فٱعفوا وٱصفحوا حتىٰ يأتى ٱلله بأمرهۦٓ ۗ إن ٱلله علىٰ كل شىءۢ قدير) [البقرة: 109].

والدعوة إلى وحدة الأديان ليست جديدة إنما هي قديمة، وفي الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري والعشرين الميلادي، جهرت اليهود والنصارى بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم وبين المسلمين، بعبارة "التوحيد بين الموسوية والعيسوية والمحمدية"، باسم "الدعوة إلى التقريب بين الأديان"، ثم "نبذ التعصب"، ثم "الإخاء الديني"، ثم باسم "مجمع الأديان"، ثم أخيرا "الإبراهيمية".

وهذه الدعوة تبنتها الماسونية العالمية، وهي: "منظمة يهودية للسيطرة على العالم ونشر الإلحاد والإباحية، تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة، ونبذ التعصب بجامع الإيمان بالله، فكلهم مؤمنون".

ومحاولة تقويض الإسلام جديدة قديمة، كان مبعثها الأول الحرب على الإسلام ومنع انتشاره، وزاد عليها الآن البعد السياسي والعسكري فيما يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي، وقيام "دولة إسرائيل الكبرى" تحت مظلة الإبراهيمية.

وقد واجه علماء الأمة قديما وحديثا هذه الدعوة، منطلقين في ذلك من الثوابت التي أقرها القرآن الكريم: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) [آل‌عمران: 67]. 

وفي ذلك يقول الشيخ بكر أبو زيد: "ليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة (لما يسمى بـ"الديانة الإبراهيمية")، أنها فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية، تبرز في لباس جديد، لأخذ ثأرهم من المسلمين: عقيدة، وأرضا، وملكا، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام، ووهن المسلمين، ونزع الإيمان من قلوبهم، من خلال إسقاط جوهر الإسلام واستعلائه، وظهوره وتميزه، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل، في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى"

وكثر تداول مصطلح "الإبراهيمية" منذ الإعلان عن اتفاق تطبيع كل من "الإمارات العربية المتحدة" و"مملكة البحرين" مع الكيان الصهيوني المحتل، برعاية أميركية، في أغسطس/آب 2020. 

وتكمن خطورة هذا الاتفاق  في قيامه على أساس ديني، من خلال الدعوة إلى الدين الجديد الذي أطلقوا عليه "الديانة الإبراهيمية" التي تبشر بها الصهيونية العالمية، وتتبناها الصليبية الغربية.

وهذا باعتبار أن إبراهيم عليه السلام هو العامل المشترك بين اليهودية والنصرانية والإسلام، وأن إنشاء البيت الإبراهيمي هو الحل الأمثل الذي تذوب فيه العداوات، وتختفي تحته الخلافات، من خلال تنقية النصوص المقدسة من كل ما يخالف توجهات الدين الجديد، وينتقى منها كتاب واحد يكون هو المرجع الوحيد لأتباع الدين الجديد، وهو ما بدأ التمهيد له بالفعل في المدارس الدولية التي حذفت مادة التربية الدينية واستبدلت بها مادة الأخلاق العامة.

وقد بدأ التخطيط لهذا المشروع عام 1990 وبدأ تنفيذه عام 2000 كما شرعوا في مأسسته داخل وزارة الخارجية الأميركية عام 2013.

والهدف هو: صهر الأديان الثلاثة، وإهدار المقدسات، وفرض السيطرة لدين جديد، يكرس لسيطرة اليهود على المسار المزعوم "المسار الإبراهيمي"، والذي عند مراجعته سنجد أنه ما هو إلا خريطة إسرائيل الكبرى التي يحلم بها اليهود. 

ويقف وراء الديانة الإبراهيمية الجديدة مراكز بحثية ضخمة وغامضة، انتشرت مؤخرا في ربوع العالم، وأطلقت على نفسها اسم "مراكز الدبلوماسية الروحية"، ويعمل على تمويل تلك المراكز أكبر وأهم الجهات العالمية، مثل: الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأميركية

وسائل تنفيذ هذا المخطط الخبيث:

  • القادة السياسيون الذين لا هم لهم إلا الحفاظ على كراسي الحكم، ولو كان على حساب الإسلام.

  • إضعاف البيئة الإيمانية والإسلامية باعتقال المصلحين، والعلماء والمشايخ، والزج بهم في السجون والمعتقلات، حتى يسهل تنفيذ المخطط، بعد إعداد العدة وتهيئة المناخ.

  • قمع الشعوب، والقضاء على الحريات، عن طريق هؤلاء الحكام المستبدين.

  • البدء في تغيير المناهج التعليمية في المدارس، وبخاصة فيما يتعلق بالمقررات الإسلامية، والتاريخ الإسلامي.

  •  دعم الكيان الصهيوني المحتل للسيطرة على الشرق الأوسط وابتلاع فلسطين.

  • زرع الفتنة بين المكون الإسلامي فيما يعرف بالعداء بين السنة والشيعة.

  • استغلال بعض الإعلاميين والكتاب "المأجورين" لتشويه ثوابت الإسلام.

  • الترويج للانحلال والفسوق والإلحاد في المجتمعات العربية والإسلامية.

  • استغلال الفقر لدى بعض هذه المجتمعات لنشر الإباحية والشذوذ، والإلحاد.

  • استغلال المنظمات النسوية المشبوهة في الترويج لهذا المشروع.

  • إضعاف عناصر الانتماء الديني، والخلقي، والأسري لدى شباب المسلمين من الجنسين.

  • إضعاف مقومات الحفاظ على المكون الأسري، والعمل على مساواة المرأة بالرجل، تحت دعوى التحرر والاستقلال.

دور الشعوب المسلمة لإفساد المخطط:

- فضح تفاصيل هذا المخطط وإطلاع الشعوب عليه، ونشر الوعي بين الناس.

– إحياء تاريخ القضية الفلسطينية في نفوس الأجيال الصاعدة، وتنبيههم لما يحاك لهم من تغييب حقيقة الصراع بين دول الشرق الأوسط والكيان الصهيوني وداعميه.

– خلق روح الرفض والمقاومة داخل الشعوب للإجراءات التي يحاول الكيان الصهيوني فرضها كأمر واقع، من خلال حكام الدول الإسلامية، مثل التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، وما يلحق به من دول أخرى مثل السودان والبحرين والسعودية وغيرها.

وطالما وجدت في هذه الأمة شعوب واعية، تنافح عن دينها ومقدساتها، فلن يستطيع هؤلاء تنفيذ مخططاتهم ونزع الإسلام من القلوب المسلمة. (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [التوبة: 32]. (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) [الصف: 8].

  • مكانة المرأة بين المواثيق العالمية والشريعة الإسلامية

تحتفل لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأ، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء منذ عام 1981.

وحظيت ظاهرة العنف الأسري عموما، والعنف ضد المرأة على وجه الخصوص في العقدين الماضيين، بالاهتمام والمتابعة من قبل الهيئات الرسمية والأهلية والمتخصصين في العلوم الاجتماعية والقانونية والنفسية. ومرد ذلك أن العنف يهدد كيان الأسرة، التي تعتبر ركيزة من ركائز المجتمع؛ فهي المورد البشري الوحيد لتنامي وتطور المجتمع.

أشارت الدراسات أن المرأة المعنفة تتعرض لصور وأشكال مختلفة من العنف، منها: العنف الجسدي، اللفظي، النفسي، الاجتماعي، الجنسي، الاقتصادي، والصحي. وأن الأشكال مرتبطة بالاضطرابات النفسية والسلوكية التي تؤثر في صحة المرأة الجنسية والنفسية، وتؤثر في سلوكها وأدائها لمهامها كأم وزوجة وامرأة عاملة.

 ومن أهم الاضطرابات التي ترافق العنف ضد المرأة شعورها بعدم الكفاءة والقيمة، وبأنها عديمة الفائدة ، كما أنها تميل إلى أن تكون غير مؤكدة لذاتها في علاقاتها مع الآخرين، بل إنها تحمل نفسها مسؤولية وقوع العنف، وتلجأ إلى العيش في عزلة اجتماعية وانفعالية، ولديها القليل من المعارف والأصدقاء.

ويعد العنف ضد المرأة شكلا من أشكال التمييز ضدها، إذ يعطل بصورة جدية قدرتها على التمتع بحقوقها وحرياتها أو يلغيها، بوصفه مظهرا من مظاهر الاختلال التاريخي في علاقات القوى بين الرجل والمرأة، وإحدى الآليات الاجتماعية لإخضاعها للسيطرة عليها؛ لذلك لم يتوقف الأمر عند الإعلان العالمي لحقوق المرأة. ولعل ذلك يشير لمدى تحول قضية حماية المرأة من العنف إلى واحدة من أبرز المواضيع الاجتماعية.

ومن أبرز أنواع "العنف ضد المرأة داخل المجتمع": الزواج القسري، ودون السن القانوني، والنساء ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة، والمرأة اللاجئة، وحرمان المرأة من الحق في التعليم، والتحرش، والاغتصاب، واعتداء المحارم، والضرب والاضطهاد من قبل الذكور في العائلة، وحرمان المرأة من حقها في الميراث، والقتل على خلفية قضايا الشرف... إلخ.

الإسلام يرفض أساليب العنف ضد المرأة:

كرم الإسلام المرأة، وراعى خصائصها والفرق بينها وبين الرجل، فشرع القوانين التي تجعلها مكرمة في موقعها والرجل مكرما في موقعه، وجعل بينهما مودة ورحمة واحتراما متبادلا يؤدي إلى تقاسم المسؤولية بينهما طوال استمرار العلاقة التي تربطهما في نطاق الشرع الحكيم.

 وخص الإسلام المرأة بمكانة اجتماعية رفيعة وأعطاها أهمية كبيرة لما تتحمله من مشقة في حمل أبنائها وتربيتهم، فقد قال سبحانه وتعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) [الأحقاف: 15]. 

فضلا عن ذلك فقد جعل الإسلام المرأة ربة البيت وسيدته والمسؤولة عن الإشراف على تدبير أموره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.... والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها». 

وضمن الإسلام للمرأة حقوقها، وحررها بعد أن كانت مستعبدة وساوى بينها وبين الذكر في الإنسانية. قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) [النساء: 1].

تكريم وحماية:

كرم الإسلام المرأة، وواجه جميع أشكال العنف ضدها، فقد كانت توأد في الجاهلية، خيفة الفقر أو السبي، وكانت تحرم من الميراث. 

فحفظ الإسلام لها حقوقها المادية والمعنوية، وقضى على كل أنواع التمييز ضدها، بعد أن كانت تعاني في الجاهلية من ضياع حقوقها المادية والمعنوية. حيث يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة). 

وأمر الله سبحانه وتعالى الرجال أن يعاشروا نساءهم بالمعروف فقال: (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا). 

وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وصيانة كرامتها بلغ حد أنه قد أوصى بها في أكثر من موضع، فقال: «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك». 

وقال كذلك: «رفقا ... بالقوارير». بل كانت المرأة حاضرة في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأخيرة قبيل انتقاله إلى الرفيق الأعلى حيث قال: «أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيرا».

المواثيق العالمية والشريعة الإسلامية:

وعلى الرغم من المواثيق الدولية التي وضعت لتحرير المرأة، ونيل حقوقها، وعدم الاعتداء عليها أو الإساءة لها تحت أي ذريعة، فإن هذه المواثيق وتلك القوانين تخالف في جزء منها أحكام الشريعة الإسلامية. 

ويؤكد المفكر محمد عمارة رحمه الله أن الرؤية الغربية لحرية المرأة لا تتناسب مع المرأة في العالم الإسلامي؛ حيث تحكمها أخلاقيات وقيم ومعايير مختلفة... ولهذا يبرر الرفض الذي واجهته بعض المواد التي أثيرت في المؤتمرات العالمية في عام 1994 و1995 في مؤتمر بكين ووثيقة المؤتمر الدولي للسكان، حيث رفضت العديد من الدول العربية ومنها مصر التوقيع على بنوده التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

والمنطلق في نظرة المجتمعات العربية والإسلامية للمرأة هو ثوابت الإسلام الحنيف، والقيم والعادات التي لا تتعارض مع هذه الثوابت. 

وتظل قضية المرأة من القضايا المهمة التي قد يستغلها الغرب للإساءة إلى الإسلام، وقد يستغلها العلمانيون للنيل من قيم الإسلام وتعاليمه. 

لهذا فما اتفق مع الإسلام من المواثيق الدولية بشأن المرأة قبلناه، وما خالف الشريعة الإسلامية رددناه. أما أن يتم معالجة قضايا المرأة من منظور العولمة، فيؤدي ذلك إلى أن تتحرر المرأة من القيم والمبادئ، وتحاول بعض الجمعيات النسوية الترويج للتسوية ما بين الرجل والمرأة في كل شيء، فهذا فيه افتئات كبير على شرع الله تعالى. وسبحان من خلق فسوى وقدر فهدى.. وجعل الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، وهو القائل سبحانه: (وليس الذكر كالأنثى) [آل‌عمران: 36].


خاتمة

من عجائب العالم العربي في المرحلة الراهنة أن الحلول التي ينتظر أن تقضي على مشاكل شعوبه تتحول إلى نقطة بداية لمشاكل قد تكون أقسى وأشد.

ففي الوقت الذي يستعد فيه الليبيون لانتخابات يرون فيها خطوة على طريق استكمال الثورة واستقرار البلاد، إذا بأعداء الثورة يفصلون قانونا على مقاسهم، ليعيدهم إلى المشهد عبر السياسة بعد أن فشلوا في العودة إليه عبر السلاح.

وفي السودان، أعاد العسكر حمدوك مرة أخرى كدليل على العودة إلى المسار الديمقراطي، ولكنهم أعادوا معه ذكرى السيسي في مصر، ليظل الحكم في أيديهم من خلال رئيس وزراء مدني، وهو ما أشعل الشارع السوداني.

وفي العراق، حيث ينتظر أن يفرح العراقيون بالاتفاق على خروج الأميركيين من بلادهم، كما يفرح أي شعب بجلاء المحتل، تتجدد المخاوف من انهيار البلاد التي أنهكها الفساد والمحاصصة الطائفية وانتشار المليشيات العسكرية. 

ولكن لا مجال للعجب، فالخلافات بين الفرقاء في كل قطر، والمصالح الشخصية الضيقة للحكام والسياسيين، جديرة بتحويل الحلول إلى مشاكل، وقادرة على إفشال أي مساع لإحداث حالة من الاستقرار والتقدم والرخاء.