"ضغوط كبيرة".. ما احتمالات نجاح تحالف الصدر في تحجيم دور إيران بالعراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على وقع نتائج الانتخابات العراقية التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول، والفوز اللافت الذي حققه التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، تدور تساؤلات ملحة بخصوص قدرة الأخير على الصمود أمام الضغوط الإيرانية، وتكوين تحالف قادر على تشكيل حكومة أغلبية سياسية تقصي حلفاء طهران.

وتراجعت مقاعد قوى المعسكر الإيراني مجتمعة (ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، تحالف الفتح بزعامة هادي العامري) إلى نحو 65 مقعدا بعدما خسرت ثلث مقاعدها في الانتخابات الحالية، وبذلك لا تستطيع جمع عدد أكثر يؤهلها لتصبح الكتلة الأكبر.

وفي المقابل، يسعى الصدريون (73 مقعدا) إلى التحالف مع الفائزين بأعلى الأصوات من الأكراد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود البارزاني (33 مقعدا) والسنة "تحالف تقدم" بقيادة محمد الحلبوسي (43 مقعدا) إضافة إلى ممثلي الأقليات ومستقلين (20 مقعدا)، ليصل عددهم إلى 169 مقعدا، وهذا يتيح لهم تشكيل الحكومة.

فرصة أخيرة

وعن قدرة الصدر على الصمود أمام الضغوطات، يرى الباحث في الشأن السياسي العراقي لطيف المهداوي أن "الصدر شخصية متقلبة وقرارته غير متوقعة، فمن غير المستبعد أن يتراجع عن إصراره الحالي على تشكيل حكومة أغلبية".

ورجح المهداوي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "يصمد الصدر هذه المرة، وقد يتبع سياسة التهدئة مع الولايات المتحدة ويبقي تعنته مع إيران، كونه لا يستطيع معاداة الطرفين حاليا، فهو يسعى إلى أخذ فرصة حقيقية يثبت فيها مشروع الإصلاح الذي ينادي به طيلة السنوات الماضية".

"كذلك فإن زعيم التيار الصدري، لا يزال يضمر روح العداء ضد غريمه السياسي، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وزعيم مليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي انشق عنه منذ سنوات طويلة، وشخصيات أخرى استهدفت التيار أو حاولت إضعافه خلال المراحل السابقة"، بحسب الهداوي.

وأضاف الباحث أن "فوز الصدر هذه المرة بمثابة الفرصة الأخيرة لشعبيته في الشارع، بل ربما حتى بين أتباعه، فلن تقوم له قائمة مستقبلا إذا فشل في إدارة التحالفات الحالية وتشكيل حكومة صدرية تغير الواقع، ولجأ إلى تكرار تحالفه مع القوى القريبة من إيران والإتيان بشخصية توافقية على غرار ما جرى في عام 2018".

ولفت إلى أن "الصدر إذا أوفى بما تعهد به في خطابه الانتخابي، بحصر السلاح بيد الدولة وإعادة الهيبة لها، وحل الحشد الشعبي، فإن هيمنة إيران وتغولها السياسي والاقتصادي سيتحجم إلى حد كبير، لكنه لن ينتهي بسهولة".

وبرز رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، كعدو وخصم لكل من واشنطن وطهران، بعد أن قاد في البداية انتفاضة شيعية ضد الاحتلال الأميركي عام 2004، ثم شن حملة على النفوذ الإيراني وكانت من أبرز الشعارات التي رددها أتباعه "إيران برا برا بغداد تبقى حرة".

تحجيم النفوذ

من جهته، قال حاتم الفلاحي الباحث العراقي في مركز "راسام" للدراسات (محلي)، إنه "لا شك بأن هذه الانتخابات بصورة عامة تعتبر قد حدت من نفوذ إيران بشكل كبير جدا، والدليل أن المليشيات الموالية لها لم تحصل على المقاعد التي حصلت عليها في انتخابات عام 2021، وهذا بحد ذاته يعتبر تطورا خطيرا".

وأضاف الفلاحي لـ"الاستقلال" أن "هذه الانتخابات غيرت من شكل الوضع السياسي في العراق، بشكل أو بآخر نتيجة الضغط الذي مارسه الحراك الشعبي عام 2019، فالكثير من ممثلي الحراك لم يشارك بالانتخابات وبعضهم حصل على عدد مقاعد جيدة بالنسبة لباقي الكتل السياسية".

وأكد الباحث في مركز "راسام" أن "صعود الصدر في الانتخابات بالتأكيد يحد من نفوذ إيران، ولكن أعتقد أنه لن يستطيع تشكيل الحكومة ما لم يكن هناك تفاهمات مع الأطراف السياسية الشيعية الأخرى".

وتابع: "لذلك لن تقبل إيران بتغيير الوضع السياسي في العراق والحد من نفوذها بهذه الطريقة، لذلك ستلجأ إلى أساليب أخرى للتعامل مع جميع الأطراف، وإذا لم تجد استجابة فإن الأدوات الإيرانية في البلاد ستصعد بشكل كبير جدا في المدة المقبلة".

ونوه الفلاحي إلى أن "الخيارات جميعها مفتوحة أمام القوى الحليفة لإيران فهم يحاولون اقتحام المنطقة الخضراء (مقر الحكومة والبرلمان والسفارة الأميركية في بغداد) ويتحدثون عن ضرورة تشكيل حكومة طوارئ وإقالة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، وكذلك اللجوء إلى الانتخابات البرلمانية في موعدها الذي كان مقررا في يونيو/ حزيران عام 2022".

وأشار إلى أن "التحالف الذي يمكن أن يشمل الصدر والبارزاني والحلبوسي، يقابله تحالف آخر من القوى القريبة من إيران، يمكن أن يشكله ائتلاف دولة القانون وتحالف الفتح والاتحاد الوطني الكردستاني، وبالتالي يكون أمام تحالف الصدر كيان برلماني آخر".

وبين الفلاحي أن "الكتل السنية والكردية لم تجر حتى اللحظة أي اتصالات لتشكيل الكتلة الأكبر، وإنما ينتظرون ما ستسفر عنه التفاهمات الشيعية الداخلية، وأعتقد أنه لا يمكن حاليا لكتلة شيعية معينة أن تتصدر وتلغي الآخر، لأن الجميع يمتلك أجنحة مسلحة، فهل سيوفق الطرفان للوصول إلى مرشح تسوية لغرض التوصل إلى تفاهمات معينة؟".

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "دور إيران في هذه القضية (التفاهمات الشيعية) مهم جدا وقد تعمل على إيجاد مرشح توافقي ما بين الكتل الشيعية لحقن الدماء بينهم، وإلا فإن أي كتلة تتجاهل الطرف الآخر قد تودي بالأمور إلى تصعيد خطير".

مأزق سياسي

وعلى صعيد آخر، استبعد المحلل السياسي العراقي، صالح الحمداني "تشكيل حكومة أغلبية سياسية من التيار الصدري وتحالف (تقدم) بقيادة محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني".

ونقلت مواقع صحفية، عن الحمداني، في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قوله إن "مسعود البارزاني الذي يدير حزبه الحكم في إقليم كردستان العراق، لا يمكن أن يشترك في حكومة لا تشارك فيها قوى قريبة من إيران".

وعزا ذلك إلى أن "أمن إقليم كردستان العراقي سيكون على المحك إذا لم تشترك هذه الجهات (حلفاء إيران) في الحكومة، فالأكراد لا يضحون بأمن الإقليم بهذه بسهولة، لأن عدم اشتراك القوى القريبة من إيران في الحكومة المقبلة يعني الذهاب إلى الفوضى".

وفي ظل هذه التطورات تناقلت وسائل إعلام محلية، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أنباء عن زيارة قائد "فيلق القدس" إسماعيل قاآني إلى بغداد للضغط على الفائزين في الانتخابات لإعطاء دور مهم لتحالف "الفتح" في الحكومة الجديدة، إلا أن السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي نفى وجود أي مسؤول إيراني في العراق حاليا".

لكن دبلوماسيا غربيا قال لوكالة "رويترز" البريطانية في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إن "إسماعيل قاآني كان في بغداد لحظة إعلان النتائج الأولية، ولا يزال يفتش في جعبته عن وسيلة للاحتفاظ بالسلطة في أيدي حلفاء طهران".

وأضاف الدبلوماسي الغربي "بحسب المعلومات المتوافرة لدينا، كان قاآني في اجتماع مع (أحزاب الجماعات الشيعية). سيبذلون قصارى جهدهم لمحاولة تشكيل أكبر كتلة (في البرلمان) على الرغم من الصعوبة الشديدة لإدراك هذا الهدف نظرا للقوة التي يتمتع بها الصدر".

وأكد مصدران إيرانيان في حديث لـ"رويترز" وجود قاآني في العراق. وقال قائد فصيل واحد على الأقل من الفصائل الموالية لإيران، إن الجماعات المسلحة جاهزة للجوء لسيناريو العنف إذا لزم الأمر لضمان بقاء نفوذها بعد ما يعتبرونها انتخابات مزورة.

وأضاف: "سنستخدم الأطر القانونية الآن. وإذا لم ينجح ذلك سنخرج إلى الشوارع ونفعل نفس الشيء الذي تعرضنا له خلال فترة الاحتجاجات (حرق مباني الأحزاب الخاصة بأتباع الصدر)"..

وعلى مدار السنوات الـ18 الماضية، تحول العراق إلى ساحة حرب بالوكالة على النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران منذ الغزو الذي قادته واشنطن في 2003 وأطاح بنظام صدام حسين ومهد الطريق لسيطرة الأغلبية الشيعية على السلطة في مشهد احتلت فيه شخصيات مقربة من طهران موقع الصدارة.

وفي 2014، وجدت واشنطن وطهران نفسيهما تقفان في نفس الخندق عندما سيطر تنظيم الدولة على ثلث أراضي العراق، حيث كان كلاهما يقدمان المساعدة لبغداد لمحاربة التنظيم.

لكن بعد هزيمة التنظيم في 2017 أصبحت إيران الفائز الأكبر، فقد فرضت الفصائل المسلحة الموالية لها هيمنتها على مساحة هائلة من الدولة العراقية.

وكانت تلك التطورات مقدمة لرد الفعل العنيف في 2019 عندما خرج مئات الآلاف معظمهم من الشبان إلى الشوارع للاحتجاج على الفساد والبطالة والنفوذ الأجنبي، ولا سيما الإيراني في البلد.

وقتلت قوات الأمن العراقية والفصائل الموالية لإيران 800 منهم بالرصاص، ليضطر بعدها رئيس الوزراء المقرب من إيران عادل عبدالمهدي إلى تقديم استقالته، مما مهد الطريق للانتخابات المبكرة التي أجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.