دريد لحام.. فنان سوري أعماله معارضة للنظام وآراؤه مؤيدة للأسد

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دريد لحام أو كما يعرف في الأوساط السورية بـ"غوار الطوشة" صدم العالم العربي قبل شعبه، حينما أيد رئيس النظام السوري بشار الأسد في قمع الثورة التي تفجرت في مارس/آذار 2011.

لحام البالغ من العمر 87 عاما، شق طريقه بشكل صاروخي في عالم التمثيل وأحبه الناس لأدواره الكوميدية خاصة في مسلسل "مقالب غوار" الذي أنتج عام 1967.

ومنذ ذلك الحين، أصبح دريد لحام الشخصية الأولى في عالم التمثيل الفني السوري الموالي للأسد، ممن يستفزون الشارع السوري بوصفه أداة تجيد اللعب على وتر الكلمات التي ترضي أجهزة مخابرات النظام.

وخلال فعاليات مهرجان إسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته 37، في 30 سبتمبر/أيلول 2021، اعترف دريد لحام بأنه يخاف من جهاز المخابرات السوري "أكثر من الله".

واستوقفت تصريحات دريد لحام السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي ومهابته من جهاز المخابرات المعروف بسوريا بدمويته ووحشيته في عمليات التعذيب التي تصل إلى حد حرق الجثث وهي حية.

واعتبروا أن الممثل لحام قال لأول مرة كلاما صادقا بحياته، لأن جميع أعماله الفنية التي ظهر فيها منتقدا للنظام الحاكم والحكومة كانت عبارة عن "تنفيسية" تمرر بقوالب درامية وفنية.

واستدل السوريون على أن دريد لحام لو كان مؤمنا بما يقوله ويمثله بمسرحياته ومسلسلاته، لوجد بالثورة السورية التي اندلعت ضد حكم آل الأسد، ما نادى به على مدار عقود من مسيرته الفنية، حيث اختار لنفسه مسارا مختلفا عن بقية الفنانين في جرأة الطرح. 

النشأة والتكوين

ولد دريد لحام في 9 شباط/ فبراير 1934، بحي الأمين في دمشق القديمة، وينتمي لأسرة من المذهب الشيعي، وهو حاصل على البكالوريوس في العلوم الكيميائية عام 1958 من جامعة دمشق، ومتزوج من هالة بيطار وله ثلاثة أولاد.

عمل مدرسا في بلدة صلخد بمحافظة السويداء السورية بين 1958 و1959، ومحاضرا في جامعة دمشق، كما عين سفيرا للنوايا الحسنة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" بين 1997 و2006.

وحينما تأسست نقابة الفنانين في سوريا 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1967 من نحو 163 فنانا وفنانة، بهدف العناية الفنية والاجتماعية والثقافية بالفنانين، انتخب أول مجلس لها عام 1968 برئاسة دريد لحام.

وعرف ببداية مشواره كممثل كوميدي ودرامي بشخصية كارلوس عازف الجيتار المكسيكي الذي يغني بالإسبانية والعربية.

وعمل في التمثيل المسرحي التلفزيوني منذ 1960 وقدم العديد من المسرحيات مثل "قضية وحرامية - مساعد المختار – غربة - ضيعة تشرين - شقائق النعمان - كاسك يا وطن - مسرح الشوك - ملح وسكر".

وعمل على كتابة وإخراج أغلب أعماله وشارك في تمثيل العديد من الأفلام منها "الحدود، التقرير".

منحه بشار الأسد "وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة" في منتصف مايو/أيار عام 2007 نظرا "لمسيرته الفنية الطويلة".

اتبع الممثل لحام نمطا جديدا في "التطبيل" للحاكم عقب اندلاع الثورة، مثبتا من خلاله أنه كان يبيع شعارات وطنية لا يؤمن بها بل يؤديها باحترافية مطلقة طمعا بالقرب من هرم السلطة.

وكانت أدوار دريد لحام المسرحية تعكس نبض السوريين وتنطق بآلامهم وآمالهم معا، ولا سيما أنه كان يداعب مشاعر الجمهور بكلمات، لو قالها أي سوري خارج أسوار المسرح لغيب في سجون الأسد، أو أعدم أو أصبح مطاردا من قبل الأجهزة الأمنية.

ذاك الوطن الذي يقصد به "سوريا الأسد" كما يحلو للموالين تسميته، نطق "غوار" بكل أوجاعه في المسرحية الأسطورية الشهيرة "كاسك يا وطن"، والتي عرضت 1979 وكان بطلها.

رغم واقعية المسرحية، كشفت الثورة السورية أن لحام كان مؤديا بارعا فيها فقط.

يعادي الثورة

وأطلق لحام في بدايات الثورة السورية، تصريحات ضد الثوار، الذين اعتبر أنهم "مغرر بهم ومجرمون"، ودعاهم في مقابلة تلفزيونية 10 مايو/أيار 2011 بأن "يتوبوا إلى الله".

كما اعتبر أن ما حصل بسوريا "ليس ثورة إنما صراع على الحكم أو طمع في الوصول إلى السلطة".

وفي يونيو/حزيران 2019، تمسك بأقواله، مجددا انتقاده للمتظاهرين ضد نظام بشار الأسد، معتبرا أنهم "خليط من 70 دولة حول العالم".

وفي لقاء إذاعي في فبراير/شباط 2021 فسر النجاح الكبير الذي حققته شخصيته "غوار الطوشة" وتعلق الجمهور به لسنوات طويلة بقوله: "صعلوك فقير يحاول تحقيق أهدافه بطريقة مؤذية وينتصر على من هم أقوى منه بالدهاء".

وعرف عن دريد لحام، تنكره لمن ساعدوه في مسيرته الفنية وكانوا سببا في نجاحه ومنحه فرصة البدايات.

وأول هؤلاء رفيق دربه في المهنة، الممثل السوري الشهير الراحل نهاد قلعي المعروف بـ"حسني البورظان"، والذي بقي طريح الفراش حتى مات عام 1993، بعد أن تعرض لضربة على رأسه بكرسي حديدي عام 1976 خلال سهره مع أصدقائه في مطعم بدمشق بينهم لحام الذي انسحب من السهرة.

وحدثت بعدها مشاجرة بين حسني وشباب آخرين تطورت لضربه مما تسبب بشلله.

ووقتها قيل إن حسني كان منكبا على كتابة مسلسل جديد تحت اسم "الأغرار" لكنه لم يستطع إكماله، نتيجة اشتداد المرض عليه الذي أودى بحياته.

سقوط مدو

ويعتبر الكثير من النقاد أن دريد لحام كان يحاول أن يتربع على عرش الفن السوري ويبعد أي منافس له.

ويستشهد هؤلاء بإنكاره فضل الكاتب والشاعر السوري محمد الماغوط (1934- 2006) الذي كتب المسرحية الشهيرة "كاسك يا وطن" وكان لحام بطلها، وحضر عرضها الأول رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد.

كان الماغوط مختلفا مع دريد فكريا لدرجة أن الأخير كان يشوه عمدا بعض النصوص المسرحية التي يكتبها الأول، مثل تشويهه لنص مسرحية "شقائق النعمان" وتحويلها إلى مجموعة اسكتشات راقصة، مما ولد قطيعة دائمة بينهما بنهاية الثمانينيات.

ووصل الأمر بدريد لحام في مقابلة إذاعية في مايو/أيار 2019، أن يزعم أنه كان مساهما في إبداع الماغوط ويشارك بكتابة الأعمال المسرحية "كلمة بكلمة" حسب تعبيره، التي كان بطلها وهي "غربة وشقائق النعمان وضيعة تشرين وكاسك يا وطن".

ناشطو الثورة السورية الشباب كانوا ينظرون إلى لحام على أنه حامل "لواء الحرية فنيا"، والذي كان في أعماله الفنية يقول ما يخاف السوري أن يحدث به نفسه خوفا من آذان المخابرات.

لكن مع أول صرخة حرية حقيقية في بلد يحكمه نظام قمعي أوحد، تمسك أجهزة مخابراته بأدق تفاصيل الحياة اليومية، أزاح "غوار" القناع عن وجهه ووضع يده بيد الأسد، معلنا أن مسرحياته مزيفة كانت للاستهلاك السلطوي فقط.

ومن جملة المفارقات في شخصية لحام أنه مثل في أدوار فنية بقيت مشاهدها خالدة في ذهن الجمهور جيلا عقب جيل، لكونه أداها في زمن رئيس النظام السابق حافظ الأسد الذي قفز إلى السلطة بموجب انقلاب عسكري منذ 1971 وبقي حتى وفاته عام 2000 وتسلم ابنه بشار من بعده الحكم.

وهذه المشاهد عبارة عن رسائل سياسية عاشها السوريون في حقبة الأب والابن، ومنها دخول مادة "السكر" كأحد أبرز السلع التي عجزت حكومة الأسد الابن عن تأمينها خلال العقد الأخير، والتي أصبحت حاليا من أندر المواد في مناطق نفوذ الأسد.

إذ يسقط الأهالي أحد مشاهد "غوار" متهكمين من واقعهم، حينما كان يسأل أبناء حارته باستمرار في مسلسل "صح النوم" الشهير الذي عرض عام 1972 "رخص السكر شي؟" ويجيب هو قائلا: "أي ما رح يرخص".

وعندما اعترف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 25 مارس/آذار 2019 رسميا بسيادة إسرائيل المزعومة على مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967، ظهر لحام وهو يوقع على ورقة على طريقة ترامب، قال إنها قرار إهداء ولاية كاليفورنيا الأميركية للمكسيك، في مشهد ساخر حاول من خلاله "غوار" التهكم على القرار الذي وصفه بـ "الإرهابي".

صرماية الوطن

عمد "غوار" إلى استغلال أي موقف إعلامي، ليلعب على وتر الكلمات تملقا لأجهزة المخابرات، وأشهرها حينما تحدث عن الوطنية في برنامج تلفزيوني على قناة "لنا" الموالية، واتهم من خرج من سوريا بأنه "باعها لأجل حفنة من الدولارات"، وليس هربا من قمع وبطش وقصف النظام السوري كما هي الحقيقة.

وقال لحام في حلقة من برنامج يحمل اسم "في أمل" والتي بثت في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وعلى طريقة مشهد أداه بمسرحية "شقائق النعمان" عام 1987: "لو وطني غلطان أنا معه، إذا بردان أنا ثيابه، إذا مرضان أنا رقوته، إذا ختيار أنا عكازته، إذا حفيان أنا صرمايته، لأنه سيدي وتاج راسي وتراب أمي والشهداء فيه".

وأحدثت هذه المقابلة بمقطعها هذا تحديدا انتشارا واسعا دعا السوريين المعارضين لنظام الأسد، لتسمية دريد لحام بـ "صرماية الوطن"، قاصدين بأنه حذاء السلطة.

واعتبروا أن الوطن الذي قصده ليس الذي يحكمه آل الأسد الذين ذبحوا السوريين وهجروهم ودمروا بيوتهم فوق رؤوسهم ولم يسلموا حتى من القصف بالأسلحة الكيماوية المحرمة.

وكثيرة هي المواقف التي حرص دريد لحام على استفزاز مشاعر السوريين فيها، وهو البارع في معرفة إيقاع الكلمة ودورها التأثيري، وأشهرها عندما مجد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وغازله بعبارات وصلت حد العبودية، متجاهلا دور المليشيات الإيرانية في قتل السوريين وتشريدهم عن وطنهم.

وحدث ذلك خلال حفل دعي إليه لحام وأقيم في "مكتبة الأسد" بالعاصمة دمشق، 26 يناير/كانون الثاني 2016، وبرعاية من قوات النظام السوري لتكريم قتلى حلفائه من الروس والإيرانيين وحزب الله اللبناني وجيش التحرير الفلسطيني.

وقال دريد حينها: "المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي في روحك القداسة، في عينيك الأمل، في يديك العمل، وفي كلامك أمر يلبى، لك الحب والتقدير من شعب صامد وجيش عتيد".

وختم لحام المعروف بانتمائه للحزب القومي السوري، بتحية الحزب الشهيرة "تحيا سورية" لكنه سبقها بعبارة "عاشت إيران".

وفي حوار مع جريدة "اليوم السابع" المصرية نشرت في 27 سبتمبر/أيلول 2017، دعا الفنانين المعارضين للعودة إلى بلادهم، بقوله: أعلنت مرارا أن أي فنان سوري معارض إذا أراد العودة لسوريا سأخرج بسيارتي على الحدود لاستقباله والعودة معه إما لبيتي أو للسجن".

واعتبر وقتها أن ذكر لحام للسجن، قرئت على أنها نصيحة مبطنة بعدم العودة لسوريا، لكنه أتى بها بنفس ساخر خاطب به زملاءه الذي رفضوا الوقوف بصف "قاتل شعبه".

ومن أبرز هؤلاء الفنانين الذي وقفوا بجانب الثورة: "جمال سليمان، عبد الحكيم قطيفان، يارا صبري، الراحلة مي إسكاف، فارس الحلو، واحة الراهب، مكسيم خليل، جهاد عبدو، محمد آل رشي، الراحل عامر السبيعي، محمد أوسو، سمر كوكش، جلال الطويل، كندا علوش، عزت البحرة، عبد القادر منلا".

ويرى فنانون انحازوا لركب الثورة السورية، أن دريد لحام أغمض عينيه عن سحل المتظاهرين بالشوارع وقتلهم من قبل أجهزة الأمن بدم بارد.

وفي مطلع أغسطس/آب 2021 هاجم الفنان المعارض "عبد الحكيم قطيفان"، الممثل دريد لحام، الذي زعم أن الفنانين المعارضين للنظام "باعوا وطنهم من أجل المال".

ورد عليه "قطيفان" في منشور على صفحته في "فيسبوك" بقوله: "إنه من المؤسف والمعيب أن يكون منطق حديثه ومعلوماته ووجهة نظره بهذا البؤس والتسطيح وقلة المعرفة والتدليس، من موقفنا الأخلاقي ولماذا تركنا بلدنا وكل تفاصيلنا الغالية، وكيف نعيش الآن".

وأضاف قطيفان: "هذا الكلام المقرف مقبول من مؤيد أمي وقع ضحية منصات الكراهية والتخوين والكذب التي سوقها النظام وما زال عن كل من عارض حلوله الأمنية المتوحشة بحق السوريين".

وختم حديثه بالقول: "أما من شخص مثله بتاريخه وتجربته، وقد انحاز وبالدليل القطعي سياسيا وسلوكيا لمافيا الإجرام الأسدي وللاحتلال الفارسي ومليشياته الطائفية فهذا ليس انحيازا وطنيا كما أحب أن يوصف به موقفه، بل هو عار عليه وعلى تاريخه".