تقرير الحالة العربية: أغسطس/آب 2021

قسم البحوث | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

المقدمة

المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي

  • العراق

  • الأردن

  • الإمارات

المحور الثاني: الحالة السياسية

  • السودان (زيارة البرهان إلى تركيا وطبيعة العلاقة بين البلدين - قرار تقديم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية وآثاره)

  • لبنان (استمرار تحدي تشكيل الحكومة اللبنانية)

  • مصر (عوامل التقارب المصري مع قطر)

  • تونس (قيس سعيد يمدد الحالة الاستثنائية لأجل غير مسمى)

  • الجزائر (قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وتفاقم الأزمة بين البلدين - السياق التاريخي والأسباب - ردود الفعل ومستقبل العلاقة بين البلدين)

المحور الثالث: الاقتصاد العربي

  • توسيع الكيان الإسرائيلي علاقاته الاقتصادية مع الدول العربية

  • توقعات بتحسن الناتج المحلي بالمنطقة العربية.. واستمرار أزمة الديون في 2021

  • الخصخصة تطرق أبواب المؤسسات العامة في الجزائر

المحور الرابع: الحالة الفكرية

  • وفاة العلامة عبد الحميد أبو سليمان

  • فكر محمد حبش التنويري.. حقيقته وغايته 


مقدمة

يشهد الوطن العربي أحداثًا متسارعة خلال الفترة الماضية، على عدة جبهات. ففي تونس، قرر الرئيس قيس سعيد، تمديد الحالة الاستثنائية لأجل غير مسمى، دون تحديد خارطة طريق حتى الآن، ما يزيد القلق على التجربة التونسية برمتها. 

واستمرارًا مع دول المغرب العربي، فقد قررت الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب، ونحاول هنا أن نستعرض أسباب هذا القرار، بالإضافة إلى استشراف مستقبل العلاقة بين الدولتين.

كذلك، لم يحقق لبنان خلال شهر أغسطس/آب 2021، نجاحًا فيما يتعلق بتشكيل حكومة جديدة، ويبدو أن الصعوبات التي واجهت رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، تواجه رئيس الحكومة المكلف، نجيب ميقاتي. 

أما على الساحة المصرية، فهناك تقدم في العلاقات المصرية-القطرية، وربما نشهد في الأيام القادمة اتفاقات على المستوى الاقتصادي. وأخيرًا، فإننا نرصد زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان إلى تركيا، وطبيعة العلاقات بين الخرطوم وأنقرة، بالإضافة إلى مستجدات ملف تسليم الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، إلى المحكمة الجنائية الدولية.

أما اقتصاديًا، فنفتح ملف توسيع الكيان الإسرائيلي علاقاته الاقتصادية مع الدول العربية، بعد عمليات التطبيع الأخيرة، بالإضافة إلى استعراض توقعات بتحسن الناتج المحلي بالمنطقة العربية، واستمرار أزمة الديون في 2021. 

علاوة على ذلك، فإن المحور الاقتصادي سيناقش إقدام الجزائر على سياسات اقتصادية جديدة، منها إعلان الحكومة عزمها طرح حصص من بعض المؤسسات العامة والبنوك للقطاع الخاص.

وعلى الجانب الفكري، نتناول موضوعين. الأول: وفاة أحد أقطاب الإصلاح والعمل الإسلامي، المفكر عبد الحميد أبو سليمان. والثاني هو: فكر محمد حبش، وهو أحد الباحثين الجدد في مجال العلوم الإسلامية والشرعية.

وبالتأكيد، فإننا نستمر في رصد الوضع الوبائي في الدول العربية، من حيث مدى انتشار فيروس كورونا، والخطط الحكومية لكل دولة للتصدي للجائحة.


المحور الأول: جائحة كورونا في الوطن العربي 

بمرور نحو ما يزيد عن 20 شهرًا منذ ظهور فيروس (COVID-19) المعروف باسم كورونا، ضربت الجائحة معظم دول العالم، وبلغ عدد الإصابات المكتشفة ما يقرب من 216 مليون حالة حول العالم منذ بداية الأزمة في ديسمبر/ كانون الأول 2019، كما بلغت حالات الوفاة أربعة ملايين ونصف مليون حالة، حتى نهاية أغسطس/آب 2021.

ولا شك أن السباق الذي يجري حاليًا حول العالم هو سباق التلقيح، خاصة بعد تصاعد موجات ثالثة من الفيروس وسلالات جديدة في بلاد عديدة، وإعادة صورة الخطر الذي بدأ مع بداية الجائحة.

تأتي الدول العربية في حالة متوسطة من حيث الأخطار وعدد الحالات مقارنة مع باقي دول العالم، حيث يعد العراق وهي الدولة الأكثر من حيث عدد الإصابات في الوطن العربي في المرتبة الثانية والعشرين عالميًا، يليه الأردن في المرتبة الثامنة والثلاثين، إلا أنه بلا شك تختلف كفاءة الدول في مواجهة الوباء والتعاطي مع المستجدات. 

نرصد خلال هذا الشهر أغسطس/آب 2021، الدول العربية الأكثر إصابة بفيروس كورونا وهي العراق، والأردن، والإمارات العربية المتحدة.

  • العراق

   في فبراير/شباط 2021، أعلنت وزارة الصحة العراقية تفشي "سلالة جديدة" لكورونا في البلاد، وأكدت انتشارها بشكل كبير بين صفوف الأطفال والشباب، بعد أن كانت الإصابات منتشرة طيلة عام بين كبار السن فقط. وقد انتشرت السلالة الجديدة بشكل بالغ حيث زادت الإصابات خلال شهرين ونصف أكثر من 600 ألف حالة جديدة.  

 ويحتل العراق المرتبة الأولى عربيًا من حيث عدد الإصابات، وقد تجاوز حاجز المليون و800 ألف حالة مؤخرًا.  وقد شهد شهر أغسطس/آب 2021، زيادة في أعداد الإصابات بما يزيد عن 250 ألف حالة جديدة، حيث بلغ العدد الإجمالي 1.874.435 حالة، وهو ما يشير إلى زيادة الأوضاع سوءًا مقارنة بيوليو/تموز من نفس العام. 

 في حين تعتبر حالات الوفاة ضئيلة مقارنة بهذا العدد من الإصابات، فقد بلغت الوفيات إجمالًا 20.700 حالة وفاة، بنهاية أغسطس/آب، ما يعني أن عددها زاد بما يقرب من 1600 حالة وفاة، عن يوليو/تموز. 

  ووفقًا لآخر الإحصائيات، تعد الحالات الفعالة التي تخضع للعلاج حاليًا، ما يقارب 135 ألف حالة، وهي نسبة مماثلة لما كانت عليه مع نهاية يوليو/تموز 2021.  

كما بلغت أعداد المتعافين ما يقرب من مليون و720 ألف حالة بنهاية أغسطس/آب، وهو ما يعني زيادة بلغت نحو 300 ألف حالة خلال شهر.

 وتقول وزارة الصحة العراقية: إن الموجة الحالية هي "الأخطر والأشد" من الموجات السابقة، والتي امتازت بـ"سرعة الانتشار وإصابة جميع الفئات العمرية". 

  كما أن الاستهتار بأعراض المرض وعدم انتشار الوعي الكافي بين صفوف المواطنين، والإعراض عن تلقي اللقاحات بنسبة كبيرة، وإهمال الإجراءات الوقائية يشكل خطرًا إضافيًا، وفق عدد من كوادر وزارة الصحة في العراق. 

   وفي بيان لها، شددت الصحة العراقية أن الموجة الجديدة من الوباء ربما تكون أقسى من التي سبقتها، مشيرة إلى أن عدد الإصابات أخذ "يتصاعد بشكل متسارع"، لا سيما في ظل حالة الإهمال الحكومي في العراق.

ويعاني العراق من نقص في التجهيزات الطبية لرعاية المصابين الذين يفضل عدد كبير منهم استعمال قناني أوكسجين في منازلهم بدل التوجه للمستشفيات المتداعية. 

   وتعتبر نسبة تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا ضئيلة ودون المستوى المطلوب بكثير، حيث كشفت وزارة الصحة العراقية أن عدد متلقي اللقاحات لم يتجاوز 6 بالمئة من مجموع السكان، وهي نسبة متدنية لا يمكن أن تحقق مناعة مجتمعية.

  في حين أشار مدير الصحة العامة بالوزارة رياض الحلفي، إلى أن النسبة المطلوب تحصيلها لتحقيق مناعة مجتمعية يجب أن تتراوح بين 70 و80 بالمئة، وهو ما تسعى إليه الوزارة.

  وقد أعلنت وزارة الصحة في 8 أغسطس/آب، استلام أكبر "أكبر جرعة لقاحات في يوم واحد"، من لقاحي فايزر الأميركي، وسينوفارم الصيني، وبواقع "مليوني جرعة".

    واعتبر عضو لجنة الصحة بالبرلمان، جواد الموسوي، أن السبب وراء تدني النسبة يرجع إلى عدة أسباب، منها عدم الثقة بالإجراءات الحكومية وباللقاحات في ظل حديث عن وجود لقاحات مغشوشة، فضلًا عن تشويه سمعة اللقاحات من قبل بعض الأطراف.

   وأخيرًا، فالعراق في المرتبة الثانية عشر بين الدول العربية من حيث أعداد متلقي اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وهي مرتبة متأخرة كثيرًا؛ نظرًا لأنها الدولة الأولى عربيًا من حيث أعداد الإصابات وبفارق كبير. 

  • الأردن

  يحتل الأردن المرتبة الثانية عربيًا من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، حيث بلغ إجمالي الإصابات بنهاية أغسطس/آب ما يعادل 795.161، وفقًا للإحصائيات الرسمية. 

  ما يعني زيادة أعداد الإصابات خلال شهر أغسطس/آب بما يقرب من 27 ألف حالة جديدة، وهي نسبة قريبة أعلى من مثيلتها في الشهر الذي يسبقه.

   وهذا يدل على أن انخفاض منحنى الإصابات يسير بشكل أكثر انتظامًا هذا الشهر، حيث بلغ العدد الإجمالي للمتعافين 773.056، بينما بلغت أعداد الحالات المستقرة، 11.713 حالة. فيما بلغت أعداد الوفيات بنهاية أغسطس/آب 10.383. 

   ويُذكر أن الأردن بدأ في 13 يناير/كانون الثاني 2021، حملة التطعيم، ومنح "تراخيص طارئة" لخمسة لقاحات هي: "سينوفارم" و"فايزر/بيونتيك" و"أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" و"سبوتنيك-في". 

   وذكرت وزارة الصحة الأردنية في بيان لها، أنها قررت تخفيض سن التطعيم ضد فيروس كوفيد-19 إلى عمر 12 سنة اعتبارًا من 25 يوليو/تموز 2021 وبدون موعد مسبق.

   وتسلم الأردن نصف مليون جرعة من لقاح فايزر تبرعت بها واشنطن للمملكة مباشرة خارج الآلية العالمية لتأمين لقاحات للدول الفقيرة "كوفاكس".

    كما قدم الاتحاد الأوروبي ما مجموعه 8 ملايين يورو، لدعم شراء وزارة الصحة للقاحات كورونا من خلال المرفق "وبرنامج الصحة الأردني للاجئين السوريين والأردنيين الأكثر ضعفًا"، والذي تنفذه منظمة الصحة العالمية.

  وسيرًا على خطة تخفيف إجراءات الحظر، التي انتهجتها الحكومة في الأشهر الأخيرة، فقد اتخذت الحكومة الأردنية، منذ بداية يوليو/تموز، إجراءات لتخفيف القيود في التعامل مع جائحة كورونا، كان أبرزها تقليص ساعات حظر التجوال لتبدأ الساعة الواحدة من منتصف الليل. 

   هذه الخطوة الإيجابية في عودة الحياة لطبيعتها في الأردن جاءت في سياق إعلان الحكومة أيضًا أنها ستلغي كل الإجراءات الاستثنائية التي فرضت للتعامل مع جائحة كورونا اعتبارًا من الأول من سبتمبر/أيلول، وفي مقدمتها عودة المدارس والجامعات للتعليم الوجاهي.

  ويبدو الوضع الحالي مستقرًا بصورة أكبر مما كانت عليه الأمور سابقًا، في انخفاض أعداد الإصابات، وتلقي اللقاحات بصورة مستمرة، ومع انخفاض الاهتمام بالإجراءات الاحترازية حتى من قبل المواطنين أنفسهم. 

   وتُعد إجراءات تخفيف الحظر، ضمن الخطة التدريجية التي أعلنتها الحكومة الأردنية، في مايو/ أيار 2021، والتي تهدف إلى عودة الحياة إلى طبيعتها مطلع شهر سبتمبر/أيلول.

وقد أوضح وزير الإعلام الأردني، صخر دودين، أن الظروف الوبائية الحالية أظهرت تحسنًا، وأتاحت للحكومة الإعلان عن خطة بإجراءات متدرجة لفتح القطاعات التي كانت مغلقة سعيًا للوصول إلى صيف آمن.

وأشار إلى أن الخطّة التي وُضعت في مايو/ أيار تمتد عبر ثلاث مراحل، بدأت الأولى في الأول من يونيو/ حزيران يتخلّلها إعادة الفتح التدريجي لبعض القطاعات والأنشطة، وإجراءات لتنظيم دخول القادمين من خارج الأردن.

   فيما بدأت الثانية في الأول من شهر يوليو/تموز، وشملت تقليص ساعات الحظر الليلي، وإجراءات تحفز السياحة، وعودة عمل موظفي القطاع العام بنسبة 100 بالمئة. 

   أما المرحلة الثالثة فستكون في الأول من شهر سبتمبر/أيلول، وتستهدف العودة لغالبية مظاهر الحياة الطبيعية؛ إذ سيتمّ إلغاء الحظر بمختلف أشكاله، وعودة التعليم الوجاهي في المدارس والجامعات، والسماح لغالبية القطاعات والأنشطة بالعمل في جميع الأوقات وبكامل طاقتها الاستيعابيّة.

  • الإمارات

  تأتي الإمارات العربية المتحدة في المركز الثالث على مستوى الدول العربية خلال شهر أغسطس/آب، في إصابات فيروس كورونا، حيث بلغ إجمالي عدد الإصابات 716.380 إصابة، ما يعني زيادتها بنحو 40 ألف إصابة، وهذا يسجل انخفاضًا في معدل زيادة الإصابات مقارنة بشهر يوليو/تموز.

   فيما بلغت حالات الوفاة 2038 حالة، بما يعني زيادة الوفيات خلال شهر أغسطس/آب بما يعادل 100 حالة وفاة، وتعد النسبة الإجمالية لحالات الوفيات ضئيلة مقارنة بالعدد الإجمالي للإصابات. 

    وتحتل الإمارات المرتبة الثانية على قائمة الدول العربية، بعد البحرين، في عدد اللقاحات التي تستخدمها للوقاية من "كوفيد-19"، إذ تستخدم كلا من "فايزر- بيونتيك"، و"أسترازينيكا"، و"سينوفارم"، بالإضافة إلى "سبوتنيك".

   في حين تعتبر الإمارات في المرتبة الثالثة عربيًا من حيث عدد متلقي جرعات اللقاح، وتأتي بعد السعودية والمغرب، وتعتبر هذه مرحلة متقدمة تدل على سير عمليات التطعيم بشكل منتظم. 

 وتعد الإمارات من الدول المتقدمة في تنظيم عملية اللقاحات، حيث بلغ مجموع جرعات اللقاح بنهاية أغسطس/آب ما يبلغ 18.060.832، ما يعني زيادة عدد الجرعات خلال الشهر المذكور فقط بما يقارب 2 مليون جرعة. 

  وتبلغ نسبة السكان الذين تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح 79.55 بالمئة، ونسبة 71.22 بالمئة لمتلقي جرعتين من إجمالي السكان في الدولة، وهذه تعد نسبة مرتفعة جدًا من عدد السكان في الإمارات، وتدل على تطور في النظام الصحي مقارنةً بباقي الدول العربية. 

  وفي مايو/ أيار، قررت الإمارات ضمن إستراتيجية الدولة الاستباقية لتوفير الحماية القصوى للمجتمع، تقديم الجرعة الثالثة من لقاح "سينوفارم" الصيني لمواطنيها، بعد ستة أشهر على الأقل من أخذ الجرعة الثانية. وستكون الأولوية في البداية لكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة، حيث أتى ذلك تماشيًا مع خطة الوزارة لتوفير لقاح " كوفيد - 19 " وسعيًا إلى الوصول إلى المناعة المكتسبة الناتجة عن التطعيم والتي ستساعد في تقليل أعداد الحالات والسيطرة على فيروس "كوفيد-19".


المحور الثاني: الحالة السياسية 

يتناول المحور السياسي، خلال شهر أغسطس/آب، أبرز مستجدات الساحة السياسية في الوطن العربي، فعلى صعيد دولة السودان، تشهد محاكمات الرئيس المخلوع عمر البشير تحولًا، إذ وافق مجلس الوزراء على تقديمه مع المتهمين الآخرين إلى محكمة العدل الدولية استجابة لطلب المحكمة.

وهو القرار الذي ينتظر تصديق المجلس السيادي في السودان، ويثير تساؤلاً حول استقلال الحكم ومنظمة القضاء في السودان في ظل الحكم الجديد. 

كما شهد شهر أغسطس/آب زيارة رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، إلى تركيا، عقب شهرين من زيارة نائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وذلك في إطار إعادة ترتيب العلاقة مع أنقرة وفتح مجال أكبر للتعاون.

ومرورًا بلبنان، فلا يزال تحدي تشكيل الحكومة قائمًا، حيث مر شهر منذ تكليف، نجيب ميقاتي، برئاسة الوزراء. 

ولا تزال العقبات المتعلقة بالثلث المعطل تتصدر المشهد، ولم يُعلن حتى الآن عن الحكومة الجديدة وسط أنباء عن إثارة خلافات جديدة حول الحصص وأسماء بعض الوزراء، على غرار ما حدث مع رئيس الوزراء الذي كُلف سابقًا، سعد الحريري، وفي ظل حالة اقتصادية وسياسية تشهدها لبنان لا تحتمل تأخرًا، وفي حاجة ملحة للاستقرار.

ووصولًا إلى مصر، نرصد خلال هذا الشهر ملامح العلاقات المصرية القطرية بعد اللقاء الأخير الذي تم بين رئيس النظام عبدالفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد، وما يُتوقع خلال الفترة القادمة من تحسن العلاقات مقارنة بالفترة السابقة، ونظرًا لإعادة نظر كلا الدولتين إلى معطيات جديدة قد يختلف معها شكل العلاقة بين البلدين.

ويأتي الحديث عن تونس بعد مرور شهر منذ إعلان الرئيس قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز، والتي تم بموجبها حل الحكومة وتجميد البرلمان وتعطيل المسار الديمقراطي في البلاد، وقد اتخذ "سعيد" قراره الأخير بتمديد الإجراءات الاستثنائية إلى "أجل غير مسمى"، ما يكشف عدم وجود نية لعودة البرلمان والمسار الدستوري من جديد، وما قد يعقب ذلك من أحداث خلال الفترة القادمة.

وفي الجزائر، يُثار تساؤل حول مستقبل العلاقات المغربية-الجزائرية بعد قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، على خلفية عدد من الأحداث التي أحدثت توترًا بينهما خلال الآونة الأخيرة، منها قضايا تاريخية عالقة بين البلدين لم تُحسم حتى الآن.

السودان 

  •  قرار تقديم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية وآثاره 

  عقب الثورة التي وقعت في السودان ضد حكم الرئيس السابق عمر البشير، عام 2019، تجري محاكمة الرجل على خلفية عدة قضايا فساد، إضافة إلى محاكمته بتهمة الانقلاب على حكومة الصادق المهدي المنتخبة عام 1989، وفتح جميع الملفات السابقة بما فيها أحداث دارفور، والتي صدر على خلفيتها قرار اعتقال لِلبشير من المحكمة الجنائية  الدولية. 

   ولا شك أن السياق السياسي في مثل هذه الحالة يغلب على القانوني أو يقوده، حيث استمر البشير في الحكم لمدة ثلاثين عامًا، دون أن تطالب أي من المحاكم السودانية بإجراء محاكمات له، فضلًا عن الموافقة على تسليمه لسلطة أجنبية.

   كما أن المحاكمة قد تتم على أرض السودان وفي إطار القانون السوداني، خاصة أن دافور مسألة داخلية داخل حدود البلد الإفريقي، كما يُثار تساؤل عن موقف السلطة الحالية التي تحتوي قيادات عسكرية شاركت البشير في الكثير من مخالفاته في فترة الحكم. 

   اعتقال البشير ومحاكمته جاء ملبيًا لرغبة الكثيرين من أبناء الشعب السوداني، حيث ضاقت بهم الحال التي أوصلهم إليها خلال فترة حكمه، على الرغم من أن الأوضاع الحالية أكثر تعقيدًا من حيث الجانب السياسي، والاقتصادي الذي تضاعفت معه المعاناة الاقتصادية للسودان. 

 وتستعد البلاد لتقديم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمته على خلفية أحداث دارفور، والتي اتُّهم فيها بجرائم ضد الإنسانية وصدر بحقه مذكرة اعتقال على إثرها. 

 وصادق مجلس الوزراء السوداني في بداية أغسطس/آب، على قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يُعد خطوة جديدة في اتجاه محاكمة البشير أمام هذه الهيئة القضائية الدولية في لاهاي. 

وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، قد زارت العاصمة السودانية الخرطوم، في مايو/أيار 2021، لتجديد مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتسليم البشير والمتهمين الآخرين.

   وأبلغت الخارجية السودانية، في 10 أغسطس/ آب، المدعي العام للمحكمة، كريم أسد خان، بأن مجلس الوزراء اتخذ قرارًا بتسليم المطلوبين، على أن يُعرض على اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء، ولم يُعلن عن موعد له بعد. 

   الولايات المتحدة الأميركية بادرت سريعًا، بالترحيب بهذه الخطوة من جانب الحكومة في السودان، وصرح المتحدث باسم الخارجية نيد برايس، بأنها خطوة تشكل تقدمًا في مكافحة عقود من الإفلات من العقاب، معربًا عن دعم واشنطن الكامل للسودان في هذه الخطوة. 

  هذا الترحيب الدولي بقيادة واشنطن فتح المجال أمام تساؤلات أخرى، حيث شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الأخير العديد من جرائم الحرب في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، دون هذا الإصرار الدولي على تسليم أحد زعماء هذه الدول إلى المحاكمات الدولية، كما أن عددا من القادة الذين يحكمون السودان الآن ربما يتحملون مشاركة البشير في هذه الجرائم. 

   هذه الأمور لا تلغي مسؤولية البشير عن أحداث دارفور، ولكن تضع علامات تعجب أمام الإصرار الأميركي ومدى استقلال وسيادة السودان في ظل الحكم الجديد، فالأمر قد يتعلق بحسابات داخلية داخل دوائر الحكم في ذلك البلد أدت إلى هذه القرارات. 

   وفي السياق ذاته يعرض الكاتب عبد الباري عطوان في صحيفة رأي اليوم من لندن، فرضية  أن يكون للتطبيع مع إسرائيل دور في عدم المساس بالبرهان.

وقال: "من اللافت أن حكام السودان الحاليين الذين طبعوا العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية المارقة، المدانة في مجلس حقوق الإنسان الدولي بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية يتذرعون باحترام القوانين الدولية".

   كما أشار إلى كون محكمة الجنايات الدولية لم يمثل أمامها أي مجرم حرب أميركي من الجنرالات والسياسيين الأميركيين "الذين قتلوا أكثر من مليونَي شهيد عراقي، سواء أثناء الحصار الذي امتد أكثر من 12 عاما أو أثناء الغزو والاحتلال عام 2003". 

على الجانب الآخر، يعتبر آخرون أن "قرار تسليم البشير للجنائية الدولية سقطة مؤلمة، يطعن في جهاز السودان القضائي وينفي عنه قدرته على إحقاق الحقوق، وهو يرمي بالبلاد عميقًا في حفرة التنازلات التي بدأها نظامه العسكري الذي لا يختلف عما سبقه كثيرًا.

  وثمة تساؤلات حول الفاتورة السياسية والقانونية التي يمكن أن تدفعها الحكومة في حال تسليم المطلوبين وإمكانية فتح الباب واسعًا أمام المحكمة لفتح ملفات الانتهاكات أثناء النزاع المسلح في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وخاصة بعد موافقة السودان على فتح مكتب للمحكمة بالخرطوم. 

  • زيارة البرهان إلى تركيا وطبيعة العلاقة بين البلدين 

   أجرى رئيس مجلس لسيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، زيارة إلى تركيا استمرت يومين، بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للتشاور بشأن العلاقة بين البلدين وتوسيع إطار التعاون بينهما.

العلاقة بين الخرطوم وأنقرة شهدت حراكًا واسعًا في نهاية عهد رئيس النظام السوداني السابق عمر البشير، وخاصة بعد زيارة أردوغان إلى الخرطوم في ديسمبر/ كانون الأول 2017، حيث وقع البلدان 22 مذكرة تفاهم واتفاقيات في مجالات عديدة.

   وقد كانت هذه الزيارة مصحوبة بتفاعل قوي من قبل الإدارة السودانية، حيث رأت في تركيا حليفًا إستراتيجيًا تحتاج إليه السودان خاصة بعد التضييق والحصار الاقتصادي المستمر، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2015، نحو 320 مليون دولار، كما دعمت تركيا الاقتصاد السوداني من خلال تبنيها إقامة مشروعات تنموية عديدة خلال الأعوام الماضية.

   في المقابل، فإن تركيا تعد السودان دولة ذات أهمية كبيرة، وتهتم بإقامة علاقات إستراتيجية معها لتكون دعمًا لها في الامتداد العربي والإفريقي، وهو ما ظهر من تصريحات الرئيس أردوغان نفسه الذي سعى على مدار السنوات الماضية بإقامة علاقات قوية بين البلدين. 

 لا شك أن تغيُّر النظام الحاكم في السودان بعد الثورة على البشير، كان حدثًا مهمًا في طبيعة العلاقات السياسية بين البلدين، فقد تغيرت توجهات السياسة السودانية، والتي كانت تعول عليها تركيا سابقًا في بعض الملفات في المنطقة والتي يتعلق بعضها بمصر ودول الخليج والحرب في اليمن. 

   كما أدى هذا التغيير في السودان في بدايته إلى توتر العلاقة بين البلدين، وزاد التوتر حدة بعد إيواء تركيا عددا كبيرا من قادة الإسلاميين السودانيين، الذين فروا إليها بعد سقوط حكمهم، والسماح لهم بمعارضة الحكومة الانتقالية، وتسخيرها منصة إعلامية مناوئة للخرطوم، إلا أن الأمر لم يستمر طويلًا على هذا التسلسل.

إعادة تطبيع العلاقات مع النظام الجديد كانت هي الحل الأقرب إلى الواقعية لكلا الدولتين. فتركيا ترى في السودان موقعًا إسترتيجيًا وترتبط معها في العديد من المجالات الاقتصادية.

كما أن السودان كذلك يحتاج إلى التفاهم مع تركيا التي تُعد رقمًا صعبًا في مختلف معادلات المنطقة السياسية، وهو ما أدى إلى ضرورة التواصل. 

هذه الزيارة التي قام بها البرهان إلى تركيا، لم يتم الإعلان تفصيلًا عن مخرجاتها أو نتائجها، إلا من خلال تصريحات مُجملة تشير إلى خطوة في سبيل تحسين العلاقة بين البلدين. 

ومن الجدير بالذكر أنها ليست الزيارة الأولى حيث سبقتها زيارة لنائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في يونيو/ حزيران. 

وزيرة الخارجية في السودانية مريم صادق المهدي، علقت على زيارة البرهان بقولها: إنها أكدت بوضوح اهتمام القيادة التركية بالعلاقة مع السودان واحترامها لخيارات الشعب السوداني ودعم حكومة الفترة الانتقالية والرغبة الأكيدة في بناء علاقات متينة تقوم على رؤية إستراتيجية من أجل معادلة كسبية. 

وتشير التصريحات إلى محاولة السودان تحصيل عائد معنوي من الزيارة فضلًا عن المكاسب السياسية  المشتركة، بأن تؤكد من خلال تصريحاتها على دعم تركي كامل للحكومة الانتقالية، وخاصة في ظل هذه المرحلة التي تواجه الحكومة فيها تحديات كبيرة في الداخل والخارج.

وبالإشارة إلى زيارة حميدتي، في يونيو/ حزيران 2021، فإنها تُعد بداية ترميم العلاقة بين البلدين، بعد سقوط نظام البشير، عبر بناء أسس تعاون جديدة مع السلطة الانتقالية، يحتل فيها الاقتصاد دورًا محوريًا. 

وقد أفرزت زيارة حميدتي لتركيا، توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية بين البلدين، بلغت قيمتها نحو 10 مليارات دولار، كما تم بحث القضايا المتعلقة بالاستثمارات السابقة وإحياء الاتفاقيات القديمة، وهي الاتفاقيات الـ 22 التي تم توقيعها بين الخرطوم وأنقرة في عدة مجالات في ديسمبر/كانون الأول 2017 بعد زيارة أردوغان إلى السودان.

وخلال الآونة الأخيرة ساهمت عودة العلاقات التركية مع الخليج بشكل ما، وبدء المحادثات مع مصر، في رفع الحرج عن الحكومة الانتقالية في السودان، في سعيها لتنمية العلاقات مع تركيا بشكل واضح، حيث ساعد التوجه الإقليمي على كون الخطوة تسير في مسارها الطبيعي بالنسبة إلى الحليف العربي للسودان.

وأشار الباحث السوداني، وليد الطيب، إلى أن أهمية زيارة حميدتي لتركيا ليست في مخرجاتها والاتفاقيات الموقعة، وإنما في كسر الجمود الذي اعترى العلاقات الثنائية بعد سقوط البشير. 

وأضاف الطيب أن التأثير الكبير للإمارات على السلطة في السودان لن يَرهنها إلى طرف واحد، مؤكدًا أن الخرطوم ستعمل في المرحلة المقبلة على الابتعاد عن استقطاب المحاور، وستمارس التوازن في علاقاتها الخارجية وفق ما يحقق مصالحها. 

كما يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الدور الذي يمكن  أن تلعبه أنقرة في احتواء الموقف المتأزم بسبب سد النهضة، وخاصة بعد الزيارة الأخيرة التي أجراها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى تركيا، بعد أسبوع من زيارة البرهان إليها. 

لبنان

  • نجيب ميقاتي واستمرار تحدي تشكيل الحكومة   

انتقل الرئيس اللبناني ميشال عون إلى تكليف رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة يوليو/ تموز 2021، بعد اعتذار سعد الحريري عن ذلك بعد فترة من العناد والصراع السياسي، في ظل حالة شديدة التردي يمر بها لبنان، وتحدي تشكيل الحكومة.

وكلف الرئيس اللبناني في 26 يوليو/ تموز، نجيب ميقاتي، بتشكيل حكومة جديدة، وذلك خلال استشارات نيابية ملزمة أجراها عون، في القصر الجمهوري بمنطقة بعبدا شرق العاصمة بيروت، حصل ميقاتي فيها على موافقة 72 نائبًا، بينما رفضه 42.       

وحاز ميقاتي على ثقة كتلة تيار المستقبل (17 نائبًا)، بزعامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، وكتلة الوفاء للمقاومة (12 نائبًا)، التابعة لجماعة "حزب الله"، وكتلة التكتل الوطني (5 نواب)، التابعة لتيار المردة، بزعامة سليمان فرنجية.

كما أيدته كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي (7 نواب)، التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي، برئاسة وليد جنبلاط، وكتلة الوسط المستقل (نائبان)، والكتلة القومية الاجتماعية (3 نواب)، وكتلة اللقاء التشاوري (نائبان من أصل 4)، وكتلة التنمية والتحرير، برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري (17 نائبًا)، بالإضافة إلى 4 نواب مستقلين. 

ومن المعلوم أن نجيب ميقاتي، هو أحد رجال المال والأعمال في لبنان، ونائب برلماني عن مدينة طرابلس منذ عام 2018، وتولى رئاسة الحكومة عامين قبل ذلك في 2005 و2011. 

وأدى انتماء نجيب ميقاتي إلى الطبقة السياسية التقليدية في لبنان، التي تولت المسؤولية خلال العقدين الماضيين، إلى الرفض المبدئي له في بعض الأوساط اللبنانية، نظرًا لحالة الاحتقان الحاصلة والتهديد الذي أصاب لبنان تحت حكم هذه الشخصيات، ويعد ذلك أحد أهم التحديات التي تواجهه. 

في حين يرجع التحدي الأساسي بالنسبة لنجيب ميقاتي في شكل التقارب الذي سيقدمه بالمقارنة مع ما قدمه سعد الحريري من قبل، في إطار تشكيل الحكومة بالتوافق مع الرئيس ميشال عون، وهو الأمر الذي استغرق ما يقرب من عام كامل دون حسم أو حل.

وتركزت خلافات الحريري وعون حول من يمتلك الحق بتسمية الوزراء المسيحيّين، بالإضافة إلى اتهام الأول رئيس الجمهورية بالإصرار على الحصول لفريقه، ومن ضمنه "حزب الله" (حليف إيران)، على "الثلث المعطّل"، وهو عدد وزراء يسمح بالتحكّم بقرارات الحكومة؛ الأمر الذي كان ينفيه عون مرارًا.

ولا تزال أزمة الثلث المعطل قائمة إلى الآن حيث لم يتمكن ميقاتي، من تشكيل حكومة الكفاءات التي وعد بها، فقد صرح بعد لقائه الرئيس ميشال عون، خلال أغسطس/آب: "نحاول أن نحل موضوع الحكومة  بطريقة ملائمة للجميع وأن تكون حكومة قادرة على مواجهة الواقع" مشددًا على أنه "يجب أن تتضافر الجهود لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالواجبات".

وعلى خلفية هذا التصريح، أوردت قناة الجديد اللبنانية أن ميقاتي كان مستعدًا لإعلان التشكيلة الحكومية، ذلك اليوم، في حال وافق رئيس الجمهورية ميشال عون على السير في اللائحة المعدة، لكن التنقيب في التعديلات الواردة أظهر أن عون يريد كسب عشرة وزراء.

الموقف نفسه الذي حدث مع الحريري يبدو أنه يواجه نجيب ميقاتي، وهو التعنت الرئاسي والتمسك بتسمية الثلث المعطل.

إذ شهدت الأشهر السابقة سجالات تكاد لا تنتهي بين الرئيس ميشال عون وفريقه السياسي من ناحية، والحريري وفريقه السياسي من ناحية أخرى حول صلاحية كل منهما في تشكيل الحكومة، كما راجت تحليلات واتهامات حول من يقف وراء التعطيل.

ولم تفلح المبادرات خلال الأشهر الماضية في حلحلة الأزمة والتوصل إلى اتفاق شامل حول تشكيل الحكومة، منها المبادرة الفرنسية التي تنص على تشكيل حكومة من 18 وزيرًا من الاختصاصيين غير الحزبيين، ثم تدخل البطريرك الماروني بشارة الراعي، وأخيرًا مبادرة رئيس البرلمان، نبيه بري التي تنص على تشكيل حكومة من 24 وزيرًا بدون الثلث المعطل. 

وفي ظل الاتهامات الموجهة إلى عون، فقد أصدرت الرئاسة بيانًا تنفي فيه أن يكون الرئيس هو المعطل، وتلقي باللوم على باقي الفرق السياسية.

وقال البيان: إن "رئيس الجمهورية ميشال عون التزم طوال اللقاءات التي عقدها مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، النقاط التي تم الاتفاق عليها منذ اللقاء الأول، والتي كان متفقًا عليها مع الجميع سابقا كأساس لتشكيل الحكومة".

وتضمن البيان ما يفيد بأن الثلث المعطل هو حق للرئيس حيث أشار إلى أنه لم يرد يومًا في حساب الرئيس عون المطالبة بالثلث، والرئيس المكلف يدرك هذا الأمر من واقع وأوراق المحادثات بينهما، وبالتالي فإن كل ما قيل عن طلب رئيس الجمهورية تسعة أو عشرة وزراء عار عن الصحة جملة وتفصيلًا ولا أساس له.

وأشار البيان إلى تأثير باقي الفرق السياسية على القرار السياسي للرئيس المكلف ميقاتي، وهو ما ينعكس تأخيرًا في الاتفاق على إصدار التشكيلة الحكومية، لأن أي تعديل في حقيبة كان يستوجب إعادة النظر في حقائب أخرى، وهذا الأمر لا يزال قائمًا ومتكررًا، على أمل التمكن من تذليله بتعاون الرئيسين.

وقد صرح ميقاتي عقب لقائه بالرئيس عون أن المشاورات تُستكمل، والنيّة عند الجميع بتشكيل الحكومة، لأنّ عدم التشكيل خطيئة بحقّ الوطن، وشدد على أنه هو والرئيس عون يعملان بجهد لإزالة كل العقبات، وتشكيل حكومة تراعي كل التوازنات يأخذ بعض الوقت.

إلا أن الوقت في الحقيقة لم يعد يحتمل أن يسعف هذا الصراع السياسي الذي طال في ظل أزمات اقتصادية طاحنة، وفي ظل ترقب دولي قد يفضي في النهاية إلى تدخلات دولية مباشرة حال فشل الدولة في تشكيل هذه الحكومة. 

وحذرت الأمم المتحدة منذ أيام في رسالة على لسان المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش دعا كافة القادة السياسيين اللبنانيين لتشكيل حكومة وحدة وطنية فاعلة "بشكل عاجل".

وأشار دوجاريك إلى أن لبنان في حاجة ماسة لتشكيل حكومة، لتحقيق العدالة والمحاسبة وتخفيف المعاناة وقيادة مسار طموح وفاعل للإصلاح بغية استعادة إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية واستعادة الاستقرار ودعم التنمية المستدامة وحفز الأمل في مستقبل أفضل.

ويُذكر أن الرئيس المكلف ميقاتي، قد حدد شهرًا في بداية توليه حتى يكمل تشكيل الحكومة، والآن وبعد مرور هذه المهلة يتضح أن حجم التنازع السياسي في لبنان قد بلغ حدًا كبيرًا، وخاصة وأن بعض الأحزاب تشكل امتدادًا لتوجهات دول خارجية. 

ولم يعد يحتمل الداخل اللبناني تراكم الأزمات التي وصلت إلى قطاعات تموينية رئيسة أصابها الشح، بالإضافة إلى انهيار منظومة الخدمات. 

وتتزامن تلك الأزمات السياسية مع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ لبنان الحديث، أدت إلى انهيار مالي غير مسبوق وشح في الوقود والأدوية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر بشكل قياسي.

مصر

  • عوامل التقارب المصري مع قطر 

التقى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، على هامش "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة". في اجتماع هو اللقاء الأول منذ الأزمة الخليجية ومقاطعة دول الخليج ومصر لقطر في 5 حزيران/ يونيو 2017. 

ووفق بيان الرئاسة المصرية، فإن الطرفين اتفقا على تعزيز العلاقات بينهما خلال الفترة المقبلة، والدفع بها نحو التعاون المشترك في مختلف المجالات، وترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في الصعيد الإقليمي.

تعتبر الخطوة الأولى في إعادة تطبيع العلاقات، توقيع "بيان العلا" في السعودية مطلع العام 2021، بعد سنوات من القطيعة بين قطر من ناحية ومصر والسعودية والإمارات والبحرين، حيث أسدل توقيع البيان من الناحية الشكلية على الأقل الستار على هذه السنوات من الخصومة.

ولم يكن التمثيل المصري في توقيع بيان العلا على مستوى رئاسي، فقد شهد وزير الخارجية، سامح شكري، ذلك التوقيع ممثلًا لمصر.

وسادت حالة من الارتباك في القاهرة عبر عنها الإعلام المصري في ذلك الوقت، مصدرا حجم العداوة بين البلدين، بسبب المواقف التي اتخذتها قطر من الانقلاب العسكري في مصر، ثم إتاحة منصات إعلامية للتعبير عن الرأي المخالف للسلطة في القاهرة. 

وإثر توقيع بيان العلا، ورد عن مصادر دبلوماسية مصرية، في تصريحات نشرتها "العربي الجديد" تفيد عدم رضا السلطة في مصر عن الظروف التي أحاطت بالتوصل إلى الاتفاق والاهتمام الأكبر بتصفية الأجواء بين الرياض والدوحة، وعدم البت في العديد من المطالب والشروط التي سبق أن وضعتها القاهرة لعودة العلاقات السياسية الكاملة بين البلدين. 

ويبدو أن السياسة الأميركية منذ رحيل الرئيس السابق دونالد ترامب، وتولي الرئيس جو بايدن، والتي جاء معها توقيع بيان العلا وإعادة صياغة العلاقة بين قطر ودول الخليج، قد أجبر مصر على تخطي مرحلة القطيعة، وتجاوز الاتهامات التي طالما وجهتها نحو الدوحة وعلى رأسها، دعم جماعة الإخوان المسلمين والتي تعتبرها القاهرة "إرهابية"، إضافة إلى ملف الإعلام الذي أزعج السيسي على مدار سنوات وساهم في هذه الخصومة بشكل كبير. 

وبعيدًا عن الضغوط الأميركية والسعودية، وعن صخب الإعلام المصري الموجه نحو قطر في ذلك الوقت، فإن ثمة تغيرًا في المشهد السياسي كان يدعو مصر إلى إعادة صياغة العلاقة مع الدوحة خاصة وأن جملة الاتهامات الموجهة دائماً نحو البلد الخليجي لم تعد مسوغة بعد هذه السنوات واستقرار النظام السياسي في القاهرة. 

ومنها كذلك أن استمرار المقاطعة ليس في مصلحة القاهرة على أي صعيد، فهناك الخسائر الاقتصادية التي تكبّدها قِطاعا الطيران والسياحة وانعكست على سوق العمل ونشاط تحويل الأموال، إلى جانب تعطل مشاريع استثمارية كبيرة وصفقات كانت الدولة المصرية ترغب في إبرامها في مشاريع تشارك فيها قطر. 

يرى الأكاديمي القطري علي الهيل، أن هناك حاجة مصرية للمصالحة مع قطر، منها ما يعود لأسباب اقتصادية، حيث يعيش في الدوحة أكثر من 300 ألف مصري يحوّلون بشكل دوري أموالًا لبلدهم، وهناك استثمارات قطرية ضخمة في مصر سواء للحكومة أو لرجال أعمال، وهما أمران أساسيان للقاهرة التي تعيش وضعًا اقتصاديًا مترديًا.

وهناك سبب سياسي آخر أشار إليه المتحدث نفسه، يرجع إلى إعادة تشكيل خارطة التحالفات الإقليمية، وتحديدًا إمكانية نشوء تحالف رباعي بين قطر والسعودية وتركيا ومصر، سيمثل تجاوزًا حقيقيًا لدور الإمارات الإقليمي، ويرجع السبب الرئيس في ذلك إلى أن أبو ظبي تجاوزت مبادرة السلام العربية وطبعت بشكل مجاني مع إسرائيل بحثًا عن مصالحها الخاصة.

 وبالنظر إلى السلوك المتبادل بين الدولتين خلال المرحلة السابقة، فإن قطر كانت متقدمة على مصر كثيرًا في رغبتها بإعادة تسيير العلاقات في شكلها الطبيعي، وكان الحاجز الرئيس من طرف القاهرة، حيث ارتبطت على مدار سنوات بالمحور الخليجي الذي تتزعمه الإمارات وارتبط موقفها بموقفه من أغلب القضايا ومنها القضية القطرية. 

كما كانت أغلب الاتهامات التي وجهتها مصر إلى قطر، والحملات الإعلامية التي شنتها عليها على مدار السنوات السابقة، مصحوبة بموقف متحفز وليس موضوعيا، وذلك أن القاهرة كانت تعتبر أي صوت مخالف يمثل إرهابًا ويمس استقرار النظام ويسعى لهدم الدولة إلى غير ذلك من القناعات التي ترسخت في الإعلام المصري على مدار سنوات. 

غير أن الموقف القطري في حقيقته من جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال، لم يكن بهذه الصورة التي رسمها الإعلام المصري بأنه تحالف سياسي لهدم مصر.

فلم تتبن قطر منذ الانقلاب أجندة سياسية تتعلق بدعم الإخوان المسلمين كتنظيم له أهداف داخل مصر، وإنما تعاملت من منطلق إنساني مع المعارضين المصريين على أرضها، كما أشار الكاتب القطري على الهيل.

وبالعودة إلى الإجراءات الثنائية الأخيرة بين الدولتين وعقب توقيع بيان العلا، فقد بدأت مصر وقطر التمهيد لإعادة صياغة العلاقة بينهما من جديد، وكانت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الدوحة، في يونيو/ حزيران 2021 في ذلك الإطار.

حملت زيارة شكري رسالة من السيسي إلى أمير قطر، وأوضح أن مضمونها يتمحور حول التطورات الإيجابية التي تشهدها العلاقات المصرية القطرية منذ بيان العلا، والتطلع إلى اتخاذ مزيد من التدابير لم يحددها خلال الفترة المُقبلة لدفع مجالات التعاون الثنائي ذات الأولوية.

وكان السيسي قد استقبل وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في 25 مايو/أيار، حيث سلمه الأخير رسالة من أمير قطر تضمنت دعوة لزيارة الدوحة، وفق بيان للرئاسة المصرية آنذاك.

وعقب زيارة شكري، جاءت تصريحات وزير الخارجية القطري بأن العلاقة مع مصر مرت بتوترات كثيرة، إلا أنها حافظت على الحد الأدنى خلال الفترة السابقة، وعندما طويت صفحة الخلاف تطلعت إلى ذلك بإيجابية وهناك تقدم إيجابي في اللجان الثنائية وترحيب من الطرفين بهذا التقدم.

ومن المرتقب أن تشهد العلاقة تقدمًا خلال الفترة القادمة، على صعيد التمثيل الدبلوماسي الكامل والتنسيق السياسي في بعض الملفات الإقليمية، كما يبدو أن الاستثمار الاقتصادي سيشهد توسعًا خلال الفترة المقبلة. 

تونس

  • قيس سعيد يمدد الحالة الاستثنائية لأجل غير مسمى 

أكثر من ثلاثين يومًا مرت منذ أن خرج الرئيس قيس سعيد معلنًا تجميد عمل واختصاصات البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، ومنذ ذلك الوقت شهدت تونس تطورات عديدة.

لم تكن القرارات التي أعلنها قيس سعيّد، مساء 25 يوليو/ تموز، منفصلة عن سياقات الأزمة السياسية التي تمرّ بها تونس منذ سنتين. 

فَإثر الانتخابات التشريعية والرئاسية التي شهدتها البلاد، أواخر 2019، والتي جاءت بسعيّد رئيسًا للجمهورية ومنحت حركة النهضة أكبر كتلة برلمانية من دون أغلبية، بدأ الصراع على الصلاحيات بين رئيس الجمهورية، من جهة، وكل من مجلس النواب والحكومة، من جهة ثانية، يظهر إلى العلن.

أحدثت إجراءات سعيد، جدلًا في أول الأمر، بين الدستورية وبين كونها انقلابًا واضحًا على الدستور له ما وراءه من إجراءات فردية سلطوية تؤدي إلى مصير مجهول للديمقراطية في تونس. 

قيس سعيد صرح في أكثر من مرة خلال مقابلات مع صحف محلية وعالمية أن قراراته دستورية وأنه يستند فيها إلى المادة الثمانين من الدستور التونسي والتي تتيح له أن يعطل عمل مجلس النواب لمدة شهر، ويعلن إجراءات استثنائية. 

واتهم كثيرون على الساحة التونسية الرئيس بخرق الدستور، إذ فرض الحالة الاستثنائية دون الالتزام بما ورد في المادة 80 التي تنظمها، بخاصة ضرورة استشارة رئيس الحكومة (هشام المشيشي) ورئيس البرلمان (راشد الغنوشي) قبل اتخاذ القرار، وكذلك مبادرته إلى تجميد البرلمان في حين ينص الدستور على أن مجلس النواب يبقى منعقدًا بصفة مستمرة طوال استمرار الحالة الاستثنائية. 

كما عارضت أغلب الكتل البرلمانية في تونس هذه القرارات، إذ عدتها حركة "النهضة" (53 نائبًا من أصل 217) "انقلابًا"، واعتبرتها كتلة قلب تونس (29 نائبًا) "خرقًا جسيمًا للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائبًا) ما ترتب عليها، ووصفتها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعدًا) بـ"الباطلة"، فيما أيدتها حركة الشعب (15 نائبًا).

لم تكن هذه المعارضات مصحوبة بالنزول إلى الشارع أو إعلان التمرد على هذه القرارات، حيث كان الدعم الإقليمي والدولي من ناحية لقرارات سعيد، واستناده إلى مادة دستورية وإن كان بوجه غير صحيح، أدى إلى التريث والانتظار في التعامل مع هذه القرارات من قبل الفئات المعارضة له، حتى لا يبدو الأمر فوضى وخروجًا على المسار الدستوري وما قد يسبب نزاعات داخلية لم تسع إليها جميع الأحزاب التونسية.

خلال شهر في ظل هذه الإجراءات المعلنة، أُغلق مجلس النواب، وفرض حظر تجول ليلي، كما صدر قرار يمنع تجمع أكثر من ثلاثة أشخاص في الطريق العام. كذلك أُغلقت بعض المكاتب الإعلامية في تونس وعلى رأسها قناة الجزيرة، مع استمرار "سعيد" في التأكيد على شرعية قراراته.

أعفى سعيد مسؤولين في مناصب عليا بالدولة من مهامهم، في حزمة جديدة من الإقالات، شملت كلا من المعز لدين الله المقدم مدير ديوان رئيس الحكومة المقال، وكاتب عام الحكومة وليد الذهبي. كما شملت كل مستشاري رئيس الحكومة المقال، وهم رشاد بن رمضان وسَليم التيساوي وَمفدي المسدي، ورئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية عبد الرزاق الكيلاني.

اتخذ كذلك القضاء التونسي إجراءات بفتح تحقيق مع 3 أحزاب سياسية، هي "النهضة"، و"قلب تونس"، و"عيش تونسي"، للاشتباه في تلقيها أموالًا أجنبية خلال الحملة الانتخابية لعام 2019، بحسب ما تناقلته وسائل إعلام عن الناطق باسم المحكمة الابتدائية في تونس.

وقوبلت هذه الإجراءات، بتحد مقابل من قبل حركة النهضة التي أعلنت أنها على استعداد لمواجهة قضائية إن ثبتت مخالفة حقيقية، في إشارة إلى سد الطريق أمام سعيد حتى لا تكون هذه ذريعة للتخلص من خصومه السياسيين والعبث بالمسار الديمقراطي.

وأخيراً خرج قيس سعيد على جموع الشعب التونسي في بيان أعلن فيه تمديد الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها في 25 يوليو/تموز، والتي تضمنت تجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن جميع نوابه وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي "حتى إشعار آخر". 

ولم تُوضح الرئاسة أسباب هذا القرار، حيث اكتفت بالإشارة في المقابل إلى أن الرئيس قيس سعيد "سيتوجه في الأيام القادمة ببيان إلى الشعب التونسي".

تمديد سعيد هذه المرة إلى "أجل غير معلوم" أثار ردود فعل غاضبة في الداخل التونسي إلى جانب غضب منظمات حقوقية عالمية، محذرة من هذه الخطوة التي وصفتها بـ"الخطيرة والمفتوحة على المجهول".

ولم تخل المواقف الدولية -رغم قلتها- من انتقاد هذه الخطوة، بينها ما عبّر عنه السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس مورفي، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، من خيبة أمله الكبيرة بعد قرار الرئيس التونسي تمديد الإجراءات الاستثنائية.

 وأوضح السيناتور الأميركي أن الولايات المتحدة وحلفاءها الديمقراطيين قد شجعوا تونس على العودة إلى المسار الديمقراطي لأسابيع، للحفاظ على التحول الديمقراطي التاريخي للبلاد.

يبدو أن سعيد لم يكن يستند على الدعم الأميركي بشكل أساسي عندما أصدر هذه القرارات، حيث استند إلى قوى إقليمية داعمة له بقوة بل ومشاركة له في تنفيذ هذه الإجراءات، وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة لن تتجاوز الرفض إلى مسارات عملية لإخراج تونس من مأزق هذه القرارات. 

واختلفت القراءات الدستورية لقرار "سعيد" حيث قال أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي في تصريح لـ"سبوتنيك" الروسية: إنّ التمديد كان منتظرًا باعتبار أن الأسباب التي من أجلها اتخذ الرئيس الإجراءات الاستثنائية مازالت قائمة حسب تقديره في ظل غياب المحكمة الدستورية التي تلعب دور الحكم. 

وفي المقابل، فإن هناك من يرى عدم دستورية هذه الإجراءات منذ بدايتها، وأنها انقلاب على الدستور من وجهة نظر قانونية، وذلك أن قبولها في بادئ الأمر سيجعل من الصعب انتقاد مثل هذه الخطوة وهي تمديد الإجراءات. 

"الخطر الداهم والظرف الاستثنائي" الذي استند إليه الرئيس قيس سعيد في إجراءاته الأخيرة، لم تكن تتوافق مع الحالة التونسية، كما ينقل أستاذ القانون الدستوري عبد الحميد العواك، أن الخطر المهدد لكيان الوطن هو خطر مهدد لبقائها، سواء كان هذا الاعتداء ينصبّ على إقليمها الجغرافي بالتوسع العدواني على حساب أراضيها، أو خطر يتهدد مواطنيها من خلال زعزعة الوحدة الوطنية، أو الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي تنتج عنها الأزمات الاقتصادية، وهو ما لم يتوفر عندما أعلن سعيد هذه الإجراءات.

كما يُعد التمديد بعد ذلك غير قانوني كذلك من وجهة قانونية أخرى. كذلك علق القاضي أحمد الرحموني، على بيان الرئاسة قائلًا في تدوينة له: إن "التمديد في الآجال لا يكون إلا لأجل معين.. و"إلى غاية إشعار آخر" لا يعرفها القانون. 

الجزائر

  • قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وتفاقم الأزمة بين البلدين 

نشرت وكالة الأنباء الجزائرية قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، في 24 أغسطس/ آب، حيث أعلن وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة قرار بلاده بقطع العلاقات، على خلفية أعمال "عدائية" شنتها المغرب على مناطق بالجزائر.

السياق التاريخي والعوامل التي أدت لقطع العلاقات 

شكلت الأزمة المغربية الجزائرية جزءًا هامًا من القضايا العربية المعاصرة، إذ إن جولاتها لم تسفر بعد أعوامها الطويلة عن حل، بداية بالحرب ونهاية بإعلان الخارجية الجزائرية قطع العلاقات الدبلوماسية مع جارتها المغرب.

العلاقة بين البلدين شهدت تاريخيًا فترات من التوتر، نتيجة عدة عوامل، تعود بداياتها إلى الحرب المفتوحة عام 1963 التي شنتها القوات المسلحة الملكية المغربية ضد الجزائر حديثة الاستقلال. 

بدأت العلاقة تتسم بشيء من الطبيعية عندما تمت معاهدة الأخوة وحسن الجوار والتعاون وكذا اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، الموقعتين في إفران عام 1969 والرباط عام 1972 لتكريس مبدأ حرمة الحدود الموروثة غداة الاستقلال. 

وفي عام 1976 قرر المغرب قطع العلاقات مع الجزائر، على خلفية اعتراف الأخيرة بقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. ولم تُستأنف العلاقات إلا بعد مرور اثني عشر عامًا، في 1988 بعد وساطة سعودية مكنت لوجود مناخ سياسي ملائم. 

البيان المغربي-الجزائري المشترك الصادر في 16 مايو/ أيار 1988، والذي مثل الأساس المشترك لاستئناف العلاقة بين البلدين، تضمن أربعة معايير جعلت عودة العلاقة ممكنة وقد ذكرها بيان الخارجية الجزائرية في إشارة إلى انتهاك المغرب لهذه المعايير.

أشار البيان إلى هذه المعايير الأربعة مؤكدًا أن من بينها السلم وحُسن الجوار والتعاون بين الشعبين الجزائري والمغربي، وإعادة تأكيد صلاحية المعاهدات والاتفاقات المبرمة بين البلدين. 

وأكد البيان، أنه انطلاقًا من مبادئ بلاده، ترفض الجزائر التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية، مهما كانت الظروف، مشيرًا إلى أن مواقف الجزائر أظهرت ذلك، خصوصًا خلال أزمات سياسية وأمنية هددت استقرار وأمن الرباط، إلا أن أجهزة الأمن والدعاية المغربية، تشن حربًا إعلامية واسعة النطاق، ضد الجزائر وشعبها وقادتها. 

كما أشار بيان الخارجية -في هذا السياق التاريخي- إلى  القرار أحادي الجانب بفرض تأشيرة الدخول وبطريقة تعسفية وغير مبررة على الجزائريين في أعقاب العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة مراكش عام 1994 والتي اتضح لاحقًا أنها من فعل شبكة إرهابية مغربية وأجنبية لا علاقة لها بالجزائر، يضاف إليها انتهاك حرمة مقر القنصلية العامة للجزائر بالدار البيضاء يوم الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

وفيما يتعلق بالالتزام بتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، تخلت المملكة المغربية عن التعهد الرسمي الذي التزم به الملك الحسن الثاني.

كان من بين التزامات المغرب في هذا الصدد، حل عادل ونهائي لنزاع الصحراء الغربية عبر تنظيم استفتاء حر ونزيه يسمح للشعب الصحراوي بتقرير مصيره كما ذكر لعمامرة. 

 وكان من أسباب تصاعد الأزمة المتعلقة بإقليم الصحراء، أن دعمت الجزائر جبهة البوليساريو الداعية إلى استقلال منطقة الصحراء الغربية لها، مما أجج نيران الحرب. 

ومؤخرًا، اتهم لعمامرة "أجهزة الأمن والدعاية المغربية" بشن حرب إعلامية دنيئة وواسعة النطاق ضد الجزائر وشعبها وقادتها، دون تردد في نسج سيناريوهات خيالية وخلق إشاعات ونشر معلومات مغرضة.

وفي هذا السياق، ذكر بيان الخارجية أن النهج المغربي تجاه الجزائر لا يزال مستمرًا في انتهاكات تجاوزت الحدود والمعايير التي تم بناء العلاقات على أساسها سابقًا. 

 وأشار إلى آخر هذه التجاوزات حيث ذكر البيان أن  المملكة المغربية جعلت من ترابها الوطني قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة وَالممنهجة ضد الجزائر. 

آخر هذه الأعمال العدائية تمثل في الاتهامات الباطلة والتهديدات الضمنية التي أطلقها وزير خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد خلال زيارته الرسمية للمغرب.

ويُذكر أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الأخيرة إلى المغرب، شهدت تصريحات ضد الجزائر، أعرب فيها عن قلق دولة الاحتلال مما قال: إنه "دور الجزائر في المنطقة وتقاربها الكبير مع إيران". وهو ما اعتبرته الجزائر حملة موجهة ضدها تقودها المغرب. 

 واتهمت الخارجية الجزائرية وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بأنه يحاول أن يضيف إلى "محاولته اليائسة لتشويه طبيعة نزاع الصحراء الغربية، الذي يبقى قضية تصفية استعمار، فاعلًا جديدًا متمثلًا في قوة عسكرية شرق أوسطية (إسرائيل) تواصل رفض السلام العادل والدائم مع الشعب الفلسطيني والاحتكام لمبادرة السلام العربية.

 وإضافة إلى جملة الأسباب، اتهمت الجزائر المغرب بالمشاركة في تمويل جماعات إرهابية تقف خلف حرائق الغابات الضخمة التي شهدتها البلاد، وقالت: إن إحدى هذه الجماعات الإرهابية مدعومة من الرباط.

 من الواضح أن المملكة المغربية قوضت بصفة آلية ودائمة القاعدة التوافقية التي ارتكز عليها البلدان لرسم ملامح علاقة أخوية مبنية على حسن النية والثقة المتبادلة وحسن الجوار والتعاون. فكان ذلك سبباً متراكماً أدى إلى قطع العلاقات بالإضافة إلى التوترات الأخيرة. 

وتقول صحيفة "النهار" الجزائرية: إن الجزائر قطعت علاقاتها مع "جار السوء"، في إشارة إلى المغرب، حيث أشارت إلى "تاريخ الاستفزازات والتحرشات المغربية بالجزائر" الذي سرده وزير خارجية الجزائر عند إعلانه قرار قطع العلاقات. 

  • ردود الفعل والآثار المترتبة على قطع العلاقات 

إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، اعتبره عدة مراقبين أنه كان منتظرًا، بسبب التصعيد في الأزمة القائمة بين البلدين في الآونة الأخيرة. 

لكن هناك من يرى أن هذه العلاقات كانت مقطوعة أصلًا منذ أن تم سحب الجزائر لسفيرها من الرباط على خلفية تصريح موفد المغرب في الأمم المتحدة حول منطقة القبائل. 

وبنت الجزائر قرار القطيعة الدبلوماسية مع الرباط على عدد من الأسباب استعرضها وزير الخارجية رمطان لعمامرة، اعتبر فيها أنه "ثبت تاريخيًا، وبكل موضوعية، أن المملكة المغربية لم تتوقف يومًا عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر" في 1962 حسب تعبيره. 

رد الخارجية المغربية استنكر البيان الجزائري واعتبر أن هذه الأسباب التي أوردها البيان زائفة. واعتبرت وزارة الخارجية المغربية في بيان أن القرار كان متوقعًا بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة من قبل الجزائر.

مع هذا القرار، من المفترض أن تنتقل العلاقات بين البلدين الجارين إلى وضع جديد، ستتعطل بموجبه كل أشكال التعاون الممكنة بينهما، خاصة في المجال الأمني والسياسي، إلا أن الإعلامي الجزائري علي بوخلاف ينوه في حديث لـ"فرانس 24" أن "التعاون كان متوقفًا منذ مدة، عندما سحبت الجزائر سفيرها في الرباط قبل أسابيع".

واعتبرت بعض الآراء، أن هذه الخصومة لن تصل إلى إحداث قطيعة بين الشعبين، إنما هي خصومة بين حكومتين، وستظل كل قنصلية تباشر العمل في خدمة رعاياها، في كلا الدولتين. 

 ومن المفترض أن يكون هذا هو الحد الأدنى حيث لا يمكن أن تصل الخصومة إلى حالة التضييق على الشعب المغربي في الجزائر أو العكس، إضافة إلى أن القطيعة الدبلوماسية لا تتضمن إغلاق القنصليات الخاصة بمباشرة خدمة مواطني الدولة، حسب القانون الدولي. 

أما ما يتعلق بقطع العلاقات بين الدولتين، فمن غير المنتظر أن تعود إلى طبيعتها في وقت قصير؛ نظرًا لصعوبة تغير المعطيات الحالية المليئة بالتوتر في كلا الجانبين. 

ومن أجل تجاوز هذا الوضع تحتاج كلا الدولتين إلى إجراء مراجعات جذرية في المسائل محل النزاع بينهما، وخاصة التاريخية الممتدة منها، كمسألة الصحراء الغربية، في إطار مفاوضات ومحادثات أكثر شفافية بين الدولتين. 

 وتراكم الخلافات دون أن تنبثق آليات مشتركة من الطرفين لاحتوائها وإجهاض مفعولها السلبي على العلاقات بينهما، يزيد من تعقيد وضعها أكثر مع توالي السنوات. 


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

في ظل تحركات ملموسة على صعيد تسوية بعض الخلافات في منطقة الشرق الأوسط، لوحظ نشاط في مجال التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الإسرائيلي خلال شهر أغسطس/آب، وهو ما تم رصده خلال المحور الاقتصادي، وفي إطار آخر، تستمر تداعيات جائحة كورونا في تداعياتها السلبية على اقتصاديات المنطقة.

إلا أن ثمة حالة من التفاؤل بشأن التعافي النسبي للاقتصاد العالمي، الذي قد يكون له مردود إيجابي على اقتصاديات المنطقة، حيث سيزيد الطلب على النفط، ومن ثمة زيادة الإيرادات النفطية العربية.

 ولذلك يتناول المحور الاقتصادي هذا الشهر، التقرير الصادر عن منظمة الاسكوا، والخاص بالمسح الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية لعام 2020 – 2021. 

ويتناول المحور الاقتصادي هذا لشهر، إقدام الجزائر على سياسات اقتصادية جديدة، كثيرًا ما روج لها، على الرغم من التصريح باستحالة قبول شروط النقد الدولي، أقدمت الجزائر على الإعلان عن عزمها طرح حصص من بعض المؤسسات العامة والبنوك للقطاع الخاص.

  • الكيان الصهيوني يوسع علاقاته الاقتصادية مع الدول العربية

لم يكن الإعلان عن تطبيع أربع دول عربية لعلاقاتها مع الكيان في أواخر عام 2020 بالأمر الهين، حيث سعى "تل أبيب" إلى توسيع رقعة علاقاته الاقتصادية مع الدول العربية المطبعة، وبخاصة الإمارات التي تسرع بخطى كبيرة لعلاقات تجارية واستثمارية متعددة مع دولة الاحتلال.

فبعد مرور نحو عام على علاقات أبوظبي مع تل أبيب تم تقدير حجم التبادل التجاري بينهما بنحو 570 مليون دولار، وخلال الفترة من سبتمبر/أيلول 2020 وحتى يونيو/حزيران 2021، بلغت صادرات الكيان للإمارات من سلع وخدمات نحو 197 مليون دولار، بينما استوردت إسرائيل من الدولة الخليجية ما قيمته 372 مليون دولار.

وأوضح مجلس الأعمال الإماراتي-الإسرائيلي أن قيمة المبادلات التجارية بين البلدين خلال 2021 كاملًا قد تصل إلى مليار دولار، وأنه يتوقع أن ترتفع خلال السنوات الثلاث القادمة، لتصل لنحو 3 مليارات دولار سنويًا.

وتسعى الإمارات لشراكات كبيرة مع الكيان وبخاصة في مجال الطاقة، والتي كان آخرها شراء شركة مبادلة الإماراتية لحصة 22 بالمئة من شركة "ديليك" الإسرائيلية، بنحو مليار دولار.

 وتشمل العلاقات بين الجانبين أمورا تتعلق بالأمن القومي، حيث تعمل طائرات مسيرة من الكيان على رصد ومراقبة الأوضاع داخل الإمارات لحقول النفط ومزارع الطاقة الشمسية ومنشآت بنى أساسية أخرى.

ولا تعد الإمارات وحدها، من بين الدول العربية المطبعة مع الكيان التي تتوسع في مشروعات اقتصادية، ولكن المغرب هو الآخر دخل نطاق استقبال الاستثمارات الإسرائيلية، في مجال الزراعة.

إذ جرى الإعلان عن ضخ استثمارات لإحدى الشركات الإسرائيلية العاملة في مجال الزراعة لنحو 9 ملايين دولار لزراعة الأفوكادو بالمغرب، في مشروع يهدف لإنتاج نحو 10 آلاف طن سنويًا من تلك الفاكهة.

وفي إطار هذه الخطوات، فإن إسرائيل تحرص بشكل كبير على الاندماج في اقتصاديات دول المنطقة، عبر هذه الاستثمارات، ولكن تبقى قضيتها الكبرى، في كون الشعوب ترفض هذا التطبيع، وأن الحكومات العربية هي وحدها من تقدم على خطوات التطبيع.  

وفي إطار التطبيع مع الكيان وقع الأردن اتفاقًا، بموجبه يتم منح الصادرات الزراعية الأردنية ميزة تفضيلية للدخول إلى الأسواق الإسرائيلية، ويسري الاتفاق لمدة عام، من سبتمبر/أيلول 2021.

يسمح هذا الاتفاق بمرور واردات ساعية زراعية من الأردن إلى إسرائيل بنحو 50 ألف طن. كما سمح الكيان بزيادة الصادرات الأردنية إلى الأسواق الفلسطينية، لتصل إلى 700 مليون دولار سنويًا، بعد أن كانت تسمح فقط بنحو صادرات أردنية بنحو 200 مليون دولار فقط، على أن تستوفي هذه الصادرات المواصفات الفلسطينية. 

والجدير بالذكر أن التبادل التجاري مع الاحتلال، يبلغ في المتوسط نحو 100 مليون دولار، باستثناء قيمة صفقة استيراد الأردن للغاز الطبيعي من الكيان. 

لكن يلاحظ أن إسرائيل تركز على الدول العربية المطبعة ذات الإمكانيات والموارد الاقتصادية الجاهزة، فهي اتجهت للإمارات والمغرب، بينما أهملت مؤقتًا كلا من السودان والبحرين، بسبب المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها البلدان العربيان.

وهو ما جعل السودان على وجه التحديد، يعلن عن خيبة آماله في التعاون الاقتصادي مع الكيان. 

الاسكوا: توقعات بتحسن الناتج المحلي بالمنطقة العربية، واستمرار أزمة الديون في 2021 

صدر مؤخرًا أحد التقارير المهمة الصادرة عن منظمة الاسكوا، تحت عنوان "وقائع وآفاق في المنطقة العربية.. مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية 2020 – 2021" وتأتي أهمية التقرير من أنه يقدم قراءة مستقبلية لأداء اقتصاديات المنطقة العربية، بنهاية عام 2021.

 ويعتمد التقرير الذي يغطي جوانب مهمة لأداء اقتصاديات المنطقة، على تحليل الأداء من خلال سيناريوهين، الأول وهو ما يطلق عليه سيناريو الأساس، والذي يفترض أن سعر النفط سيكون بحدود 53 دولارا للبرميل في إطار حزمة نفط أوبك، والسيناريو الثاني هو البديل، الذي يفترض وجود قفزة في سعر النفط ليصل إلى 65 دولارا للبرميل من نفس الحزمة. 

واشتمل المسح على محاور خمسة، هي: السياق العالمي، والتطورات المتوقعة في النفط والغاز والفوسفات، وتطور الاقتصاد الكلي في المنطقة العربية، والوضع المالي والديون، وسوق العمل والفقر.

ذهب التقرير إلى وجود تعاف في الاقتصاد العالمي، وهو ما أدى إلى توقع بوجود زيادة في الطلب على النفط، بنحو 5.2 مليون برميل يوميًا، وذلك وفق تقرير الرابطة الدولية للطاقة، وتوقع تقرير الاسكوا أن تكون نتيجة زيادة الطلب على النفط سببًا في زيادة سعر النفط في السوق الدولية، وهو ما تحقق في فبراير/شباط 2021.

إذ تجاوزت الأسعار حاجز 60 دولارا للبرميل، بل وزادت لنحو 65 دولارا في مارس/آذار من نفس العام. ومن شأن استمرار اتجاه تحسن أسعار النفط أن تتحسن الأوضاع المالية بميزانيات الدول النفطية العربية.

والتوقعات الخاصة بأسعار الغاز الطبيعي، يرى التقرير أنها مماثلة لنفس اتجاهات النفط، لأن أسعار الغاز الطبيعي في السوق الدولية، مرتبطة بأسعار النفط، أما بالنسبة للفوسفات، فذهب التقرير إلى أن أسعاره زادت خلال النصف الثاني من عام 2020، وتضاعفت في فبراير/شباط 2021.

وتفسيرًا لهذه الزيادة يذكر التقرير أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية في السوق الدولية بشكل عام، حدث بسبب زيادة السيولة العالمية، ومن شأن زيادة تلك الأسعار أن يحسن من أوضاع ميزانيات الدول العربية المصدرة لها، إلا أن ذلك سوف يكون له أثر سلبي، يتمثل في زيادة معدلات التضخم في عام 2021.

  • زيادة معدلات الناتج

4.3 بالمئة هي النسبة التي يتوقعها تقرير الاسكوا لأداء معدل نمو الناتج المحلي للدول العربية، في ظل السيناريوهين، الأساسي والبديل.

في إطار سيناريو الأساس الذي يعتمد على سعر برميل النفط عند 53 دولارا خلال عام 2021، يرى تقرير الاسكوا أن معدل نمو الناتج المحلي بدول الخليج، سوف يكون بحدود 3.5 بالمئة، بينما في ضوء السيناريو البديل الذي يقدر سعر برميل النفط عند 65 دولارا للبرميل، سيكون معدل نمو الناتج بدول الخليج بحدود 3.6 بالمئة.

والسبب في بقاء معدلات النمو عند هذه المعدلات في عام 2021، هو بقاء التعافي في قطاعين مهمين عند معدلات ضعيفة، وهما قطاعا النقل الجوي والسياحة، وأن الحملة الدولية لنشر لقاحات كورونا، لن تنتهي قبل نهاية 2021.

أما الدول العربية متوسطة الدخل، فسوف يكون معدل النمو الاقتصادي بها بحدود 5 بالمئة في ظل سيناريو الأساس، بينما سيقل في ظل السيناريو البديل إلى 4.8 بالمئة، وذلك لأن غالبية الدول العربية متوسطة الدخل، هي من الدول المستوردة للنفط.

 وسيكون معدل النمو للناتج في غالبية الدول العربية متوسطة الدخل في عام 2021، إيجابيًا باستثناء لبنان، التي ستحقق ناتجًا سلبيًا بنحو 4.6 بالمئة، ولكن إذا نجحت بيروت في تشكيل حكومة، والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فسيكون لذلك دلالات إيجابية على معدلات نمو الناتج بها.

ودول النزاع العربي، قد تشهد معدل نمو في ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 8.4 بالمئة في ظل سيناريو الأساس، ونحو 8.5 بالمئة في ظل السيناريو البديل.

وتعتمد هذه النتيجة على استمرار اتفاق السلام في ليبيا، والتي يتوقع لها أن تنطلق مشروعاتها في البنية التحتية وإعادة الإعمار، بسبب عملية السلام التي تعيشها البلاد الآن.

أما الدول العربية الأقل نموًا، فتوقع لها التقرير أن تحقق معدل نمو بنحو 1.2 بالمئة في ظل السيناريوهين، وذلك بسبب التحديات التي تواجهها الدول العربية بشكل عام، وهما عدم الاستقرار السياسي، وتراجع الحالة الاقتصادية والاجتماعية.

وركز التقرير على السودان الذي توقع له أن يشهد ركودًا في نموه بنحو 1 بالمئة، بينما جيبوتي سينمو ناتجها بنحو 4.5 بالمئة.

  • زيادة العجز المالي

كرست أزمة كورونا أوضاعا مالية سلبية بدول المنطقة العربية، بسبب التداعيات الخاصة بفيروس كورونا خلال عام 2020، ويتوقع التقرير أن يستمر الوضع في عام 2021، ليصل العجز المالي لدول المنطقة إلى 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما سيصل الدين العام إلى 67.9 بالمئة من الناتج المحلي، وذلك وفق مسارات سيناريو الأساس.

ولكن من شأن تحسن أوضاع النفط عما هو عليه في سيناريو الأساس، أن ينخفض العجز المالي إلى نسبة 9.2 بالمئة من الناتج المحلي.

ولكن بالنسبة لدول الخليج فيتوقع لها أن تحقق عجزًا ماليًا بنهاية 2021 بنحو 11.3 بالمئة في ظل سيناريو الأساس، ونحو 9.3 بالمئة في ظل توقعات السيناريو البديل.

أما الدول متوسطة الدخل فيتوقع لها أن يساعدها التعافي الاقتصادي بأن يثبت العجز المالي عند نسبة 9.3 بالمئة، وتعتمد هذه النتيجة على أن تحسن أسعار النفط يفيد الوضع المالي بشكل كبير في الجزائر.

وفيما يتعلق بنسبة الديون إلى الناتج في الدول متوسطة الدخل بالمنطقة العربية، فيتوقع أن تصل إلى 89 بالمئة، وذلك بسبب اعتماد هذه الدول على الديون في تمويل احتياجاتها من مواجهة كورونا أو تمويل البنية التحتية على الديون.

أما في دول النزاع، فيتوقع لها المزيد من العجز المالي، بسبب العجز المالي الكبير في ليبيا، بينما الدول العربية الأقل نموًا فستظل تعاني من مستويات الديون المرتفعة خلال عام 2021.

  • البطالة والفقر

تعد البطالة من المشكلات المزمنة في المنطقة العربية، وساعد على تعميق آثارها السلبية، ما تمر به المنطقة من حالات عدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة.

 ويتوقع التقرير أن تنخفض نسبة البطالة في المنطقة إلى 11.3 بالمئة بنهاية 2021. وتعد هذه النسبة من أعلى المعدلات بين أقاليم العالم، ولكن التقرير شدد على أنه من غير المحتمل أن تنخفض البطالة في دول النزاعات في المنطقة وكذلك في الدول الأقل نموًا.

أما عن معدلات الفقر في المنطقة، فيوضح التقرير أن الفقر سيبلغ نسبة 18.8 بالمئة مع نهاية 2021، وقد يساعد انعاش الاقتصاديات العربية ذات الدخل المتوسط، التعافي العالمي، وكذلك عودة نشاط السياحة، ومن غير المتوقع أن ينخفض الفقر في دول النزاع، والدول الأقل نموًا، وقدر التقرير بهما نسبة الفقر بنهاية 2021 بنحو 55.4 و41 بالمئة على التوالي.

وعن مشكلة اللاجئين في المنطقة العربية، أظهر التقرير أن عددهم يبلغ نحو 6 مليون لاجئ، ونحو 11 مليون نازح داخل الدول التي بها نزاعات، وذكر أن اللاجئين السوريين والبالغ عددهم نحو 5.6 مليون لاجئ يعيش نحو 50 بالمئة منهم تحت خط الفقر. 

  • الخصخصة تطرق أبواب المؤسسات العامة في الجزائر 

الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر منذ عام 2015، بسبب أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، لم تنته بعد، ثم أتت أزمة جائحة كورونا، لتعمق من أزمة الجزائر المالية والاقتصادية، وغير مرة صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأنه لن يتم الاقتراض من الخارج، أو الخضوع لشروط صندوق النقد الدولي.

إلا أنه في مطلع أغسطس/آب 2021، أصدر الرئيس الجزائري قراره بطرح حصص في ملكية منشآت عامة وبنوك للقطاع الخاص بسبب الأزمة المالية الخانقة، التي استنزفت احتياطي النقد الأجنبي، وكذلك أدت إلى زيادة العجز التجاري للبلاد، بسبب اعتماد الصادرات السلعية للجزائر بنسبة تقترب من 95 بالمئة على الصادرات النفطية، وهو أمر لم تجد معه أحاديث المسؤولين عن أهمية تبني إستراتيجية جديدة لتنوع اقتصاد البلاد. 

وتشير وسائل الإعلام إلى أن خطوة الخصخصة قد تنال في القريب العاجل من ثلاثة بنوك محلية، بسبب معاناتها من نقص السيولة، فالبيانات تشير إلى أن السيولة ببنوك الجزائر بشكل عام، انخفضت في منتصف عام 2020 إلى 8 مليارات دولار. 

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020 انخفضت أكثر إلى 4.8 مليارات دولار، وفي مطلع 2021 واصلت البنوك انخفاض السيولة المتاحة بها لتصل إلى 3.7 مليارات دولار.

ويرجع السبب في تراجع السيولة لدى الجهاز المصرفي في الجزائر، إلى سحب الأفراد لجزء كبير من مدخراتهم لمواجهة الأزمات الناتجة عن كورونا، وكذلك حالة التعثر التي تعاني منها الشركات، حيث ارتفعت مؤخرًا لتصل إلى 25 بالمئة.

وعلى الرغم من الأزمة الخانقة في البلاد، بسبب تراجع الإيرادات النفطية، إلا أن معدلات الفساد لا تزال عالية.

ولم تفض الانتفاضة السياسية التي أدت للإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى وجود المزيد من الرقابة الصارمة، التي تتيح محاسبة الفاسدين، ووقف نزيف الأموال العامة في البلاد. 

ولذلك يخشى أن تكون الأزمة التي تمر بها الجزائر على الصعيد المالي والاقتصادي، مجرد شماعة لتنفيذ سياسات الخصخصة، كنوع من التمهيد للذهاب لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

 فقد لوحظت هذه السياسة في أكثر من بلد العربي، حيث تترك المؤسسات العامة، دون أدنى محاولة للإصلاح، لتزداد خسائرها ويكون ذلك مبررًا لعملية خصخصتها.

وفي ظل هذه الأجواء الاقتصادية غير المواتية، تأتي الخلافات السياسية بين الجزائر والمغرب لتلقي بظلالها السلبية على اقتصاد البلدين.


المحور الرابع: الحالة الفكرية

يتناول المحور الفكري لشهر أغسطس/آب موضوعين، هما: الأول: وفاة أحد أقطاب الإصلاح والعمل الإسلامي.. المفكر الدكتور عبد الحميد أبو سليمان. 

أبو سليمان، سعودي الجنسية، يعد من أبرز المفكرين الإسلاميين، فقد أنفق حياته كلها في خدمة العمل الإسلامي ورسالته، وأبدع في تطوير وتجديد الفكر الإسلامي بما تركه للمكتبة العربية من مؤلفات وأبحاث عديدة.

بالإضافة إلى تأسيسه وترؤسه لعدد من المؤسسات التي قامت على خدمة الإسلام؛ كالمعهد العالمي للفكر الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، والجامعة الإسلامية بماليزيا. 

وكان أبو سليمان صاحب رسالة ورأي وعقلية مؤسسية وخبرة تنظيمية كبيرة، علاوةً على فهمه العميق لرسالة الإسلام والتحديات التي تواجهه. 

والثاني: فكر محمد حبش التنويري.. حقيقته وغايته

الدكتور محمد حبش سوري الجنسية، وهو أحد الباحثين في العلوم الإسلامية والشرعية، ينتمي لمدرسة الشيخ " كفتارو".

شغل الساحة الفكرية الإسلامية بما قدمه من أفكار اصطدمت في معظمها مع ثوابت الإسلام بل مع القرآن نفسه، وانشغل بقضية "التعددية الدينية"، التي تعني لديه أن جميع الأديان مظاهر شكلية لحقيقة واحدة، فكلها سواسية، ولا يحق لأحد منها الزعم باحتكار الحقيقة الكاملة.

أولاً: وفاة أحد أقطاب الإصلاح والعمل الإسلامي.. العلامة عبد الحميد أبو سليمان

فقدت الأمة العربية والإسلامية أحد أبنائها المصلحين الدكتور العلامة عبد الحميد أبو سليمان والذي وافته المنية يوم "عاشوراء" 10 محرم 1443هـ/ 18 أغسطس/آب 2021 في العاصمة الرياض.

أبو سليمان مفكر سعودي، ولد في مكة المكرمة عام 1355هـ / 1936م، ويعد قطبا من أقطاب العمل الإسلامي في العالم العربي والإسلامي وفي الغرب.

فقد شارك في تأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي،عام 1401هـ / 1981م، وكان أول رئيس له. وتولى منصب الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورئاسة قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود بالرياض، وكان مدير الجامعة العالمية الإسلامية في ماليزيا (1988 -1999).

كان أبو سليمان صاحب رسالة ورأي وعقلية مؤسسية وخبرة تنظيمية كبيرة، علاوةً على فهمه العميق لرسالة الإسلام والتحديات التي تواجهه، وأنفق حياته كلها في خدمة العمل الإسلامي ورسالته.

وقد أبدع في تطوير وتجديد الفكر الإسلامي؛ فله العديد من الدراسات القرآنية المتميزة من  منظور المقاصد الشرعية، وأزمة العقل المسلم، والتربية الوالدية، وفقه الأقليات، والعنف وإدارة الصراع السياسي في الفكر الإسلامي بين المبدأ والخيار رؤية إسلامية، والنظرية الإسلامية للعلاقات الدولية.

وكتب قيمة عديدة حول فكر التجديد والاجتهاد، وإصلاح الفكر الإسلامي، إضافة إلى العديد من البحوث العلمية القيمة حول مفهوم ومنهج التعامل مع القرآن الكريم ومع السنة النبوية المشرفة.

ومن القضايا المهمة التي شغلت فكر أبو سليمان: الأمة بين أزمتين: "أزمة العقل المسلم" ، و"أزمة الإرادة والوجدان"، وسنعرض لهما لدورهما الإصلاحي في سياق المرحلة التاريخية التي تعيشها الأمة.  

أزمة الأمة:

عندما تعرض أبو سليمان للأزمة التي تمر بها الأمة المسلمة ، كتب عن " أزمة العقل المسلم"،   و"أزمة الإرادة والوجدان". ولا يماري أحد في أن الأزمة التي تمر بها الأمة يأتي على رأسها الأزمة الفكرية. 

وذلك بعد أن ابتعدت شعوب الأمة عن مقوماتها الأساسية واستقلال إرادتها وثقافتها، وأصبح الصراع محتدما بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، كما يقول الشيخ أبو الحسن الندوي. 

من هذا المنطلق أراد أبو سليمان أن يوصِّف الأزمة التي يعيشها العقل المسلم، فهو يذهب إلى أن النقطة الصحيحة في عملية التغيير يجب أن تبدأ بالفكر؛ لأنَّ "الفكر الصحيح هو الذي يوجد النهضة الصحيحة، وهو الذي يأخذ بيد الأمة للخروج من أزمتها الخانقة". 

وأخذَ أبو سليمان على الحركات الإصلاحية السابقة أن منطلقاتها تركزت في أمرين لا يحققان لها النهوض من كبوتها، ولا يمكن أن يوصل أي طريق منهما إلى الغاية المرجوة؛ أما الطريق الأول، فهو اتباع الغرب وتقليد الأجنبي في كل ما صدر عنه، وأما الطريق الثاني، فهو منطلق التقليد التاريخي؛ مع إلغاء الأبعاد الزمانية والمكانية وآثارها. 

يقول: "لا بد للأمة من طريق جديد، ولا بد لقادتها ومفكريها من محاولة جديدة جادة تتفادى المسالك المسدودة والمناهج العقيمة". وهو يرى أن الأمة وقاداتها إذا أرادت استعادة طاقتها وعافيتها أن تأخذ نفسها بأربعة أمور:

الأول: تحديد المنطلق الصحيح للحل.

الثاني: القناعة الكاملة به.

الثالث: السير بخطى ثابتة باتجاهه وعلى هدى منه.

الرابع: توفير الوسائل العملية الفعالة لتحقيقه وتربية الأمة عليه.

إن منطلق الأصالة الإسلامية المعاصرة، أو ما يسميه هو "الحل الإسلامي المعاصر": يمثل – في رؤيته – الحل لمواجهة تحديات العصر من منطلق إسلامي. 

وهو مبني على أساس الإسلام في الغاية والعقيدة والتصورات؛ لأن الأمة المعنية بالنمو والحركة والبناء هي أمة إسلامية في عقائدها وفي قيمها وفي تكوينها النفسي والفكري، ولا سبيل إلى تحريكها ولا دفع عجلتها بتجاوز هذه الحقيقة الأساسية في فهم شخصيتها ومكامن طاقتها ودوافعها، مهما اعتورتها الأمراض والتشوهات والمحن. 

وتتمثل الجذور التاريخية للأزمة – كما يعرضها – في نقطتين جوهريتين: الأولى؛ الفصام بين القيادة الفكرية والقيادة السياسية فيها، بعدما كان من الفتنة وسقوط الخلافة الراشدة، أخذت طاقة دفع الإسلام تخبو تدريجيا وتتضاءل، ولم يبق لحضارة الإسلام وعطاء الأمة في العصور المتأخرة إلا بقايا طاقة معالم الإسلام ونور هدايته في النفوس".

ولم تعد القيم والغايات والمقاصد والمعايير النبوية الخالصة هي نفسها التي يستند إليها الجيش الجديد والقاعدة السياسية الجديدة، وكان ذلك أساسا لما نجم بعد ذلك من عوامل الضعف والتدهور والتمزق وتراجع الطاقة الهائلة التي فجرها الإسلام في النفوس والأمم، وأن أزمة الأمة، ليست في عقيدة الإسلام، أو قيمه أو مقاصده وأهدافه، وإنما هي أزمة فكر ومنهج في التعامل مع الدين، وأزمة وسيلة في تحقيق غايات الإسلام ومقاصده.

الثانية، أن هذا السياق التاريخي فرض على أفراد الأمة حصارا نفسيا من الخوف والرهبة وانعدام الثقة بالنفس هو" فحوى الأزمة"، فغدا الخلط هو نظام الرؤية اللا متوازن، لماضينا وحاضرنا وللآخر، فتوزع العقل المسلم مضطربا بين الأخذ والترك على الجملة خبط عشواء وبلا تمييز لتراثه المقدس واللا مقدس، أو تميز في حاضره لأداء مهمته الشهودية في عالم الشهادة الذي هو مسؤول عنه.

في سبيل الإصلاح

يذهب عبد الحميد أبو سليمان إلى أن استنهاض همة أفراد الأمة واستعادة قدرتها، والبحث في نجاح مشروع الإصلاح ينطلق من محورية الطفولة وبناء الإرادة في الوجدان، وأن إسقاط دور الطفولة – وبخاصة في المشاريع الإصلاحية السابقة – يعد من أهم أسباب الأزمة. 

وذلك مرده إلى أمرين: الخلل العام الذي يعاني منه منهج الفكر الإسلامي. والأمر الثاني هو غياب الخطاب النفسي العلمي التربوي السليم لبناء نفس الطفولة في المجتمعات الإسلامية. 

فهذا التغييب هو المسؤول عن الانحرافات الموجودة في الذات، وفي المجتمع، إنه خلل في منهج الفكر. ولأجل هذا الخلل لم يؤت مشروع الإصلاح الحضاري الإسلامي أكله، على الرغم من سلامة الغايات والنوايا.

أزمة الإرادة

ثم يشخص الداء النفسي الذي بدا في أزمة الإرادة وكأن الأمة تعاقره طوعا، وهي سلسلة من ستة عناصر من التشوهات والانحرافات الفكرية التي" شوهت وضعضعت بناء الأمة النفسي، وحالت دون استرداد الأمة عافيتها، ومنعت مشروع الأمة الحضاري من أن يحقق أهدافه ويبلغ مقصده وغايته، وهي:

  1.  تشوه الرؤية الكلية، التي تتمثل بالرؤية الكونية التوحيدية الشمولية الإيجابية.

  2. التشوه المنهجي، والذي أبرزه للواقع التاريخي هو عزلة العلماء وتحول الفكر الإسلامي إلى فكر نظري لا يخرج عن الاستظهار والتقليد والمحاكاة.

  3. تشوه المفاهيم، فالعلماء غائبون مغيبون عن المحاكمة والنقد، وهذا أسهم بدوره في تمرير مفاهيم جديدة عليها مؤاخذات، أو التلاعب في مفاهيم أصيلة في العقل المسلم.

  4. تشوه الخطاب، والذي أفرزه الفصام بين النخبتين، الفكرية والسياسية.

  5. عقلية الشعوذة والخرافة، فأمة الفكر والتدبر وتتبع السننية يفشو بها فكر الخرافة! فالاستبداد والتخلف تربة الخرافة والشعوذة فيها.

  6. العرقية "دعوها فإنها منتنة"؛ هي تلوث عقدي ثقافي اجتماعي خطير يمزق الجسد الواحد، بل الأمة الواحدة.

في معالجة أزمة الإرادة

يقدم خطة العمل لإصلاح الخلل والقصور في الخطاب التربوي الإسلامي، وهو مشروع متعدد الأبعاد، يتطلب عملا متكاتفا في جبهات مختلفة يجعل هدفه ومتطلباته ووسائله المنهجية تدور في فلك واحد ولأجل نجم واحد، هو: الطفل. 

فتوعية المثقفين والمفكرين هي الخطوة الأولى لتوجيه قدر مناسب من اهتمام المفكرين والتربويين والإصلاحيين إلى أهمية الطفل والأسرة تربويا، وبذل الجهد اللازم للتنقية الثقافية وتطوير المفاهيم والوسائل التربوية.

 لذلك فإن المطلوب هو التعامل الجاد مع الأزمات الثلاث، أزمة العقل والمنهج، وأزمة الفكر والثقافة، وأزمة الوجدان والتربية، وعلى أساس من التوازن بين السياسي والفكري والتربوي في جهود حركات الإصلاح، بهدف تحقيق القدرة، وتحرير نفسية المسلم وتفعيل وجدانه.


ثانيًا: فكر محمد حبش التنويري.. حقيقته وغايته

نشرت عربي 21 حوارا مطولا مع الدكتور محمد حبش، جاء مثيرا للتفكير والتأمل، نحو شخصية عرفت بتقلباتها الفكرية، حتى وصل إلى ما وصل إليه من الانحراف الفكري، والافتراء على ثوابت الإسلام، بدعوى "التجديد الديني"، بمفهوم استنكرته جماعة "أحمد كفتارو" مفتي سوريا الأسبق، التي ينتمي إليها.

وأطلق عدة مشاريع لما أسماه "تعزيز خطاب التنوير الإسلامي"، وأسس "رابطة كتَّاب التنوير، حتى وصفه البعض بأنه "الماسونية في أجلى صورها". وقد تصدى للرد على فكره هذا عدد من الباحثين والعلماء، وتفنيد شبهات مشروعه الفكري الذي يقوم على المغالطة والتضليل . 

والداعية السوري محمد حبش المولود في دمشق عام 1962، وأحد أبناء جماعة "أحمد كفتارو" مفتي سوريا في عهد رئيس النظام الأسبق حافظ الأسد، مؤلف وباحث له العديد من المؤلفات مستفيدًا منه ومن الشيخ جودت سعيد. 

وكان حبش مثار الجدل دائمًا في سوريا وغيرها من البلدان، حيث كان يتحدث عن أفكار صادمة للأصول الإسلامية، ممَّا عرضه للنقد الشديد من علماء الإسلام، في حين لقي قبولًا كبيرًا لدى الاتجاهات العلمانية الحداثية من المفكرين العرب! ودولة الإمارات التي استقطبته ضمن عدد آخر من أصحاب الرؤى الفكرية التي عليها علامات استفهام كبيرة. 

ولعل الاهتمام به راجع إلى أن مشروعه يدعو لما يسمى" وحدة الأديان" أو" إخاء الأديان"، وهذا يتفق مع ما تروج له "الإمارات" وغيرها مما يسمى زورًا وتدليسًا "الديانة الإبراهيمية". وهذا ينسجم مع التوجه العالمي الذي تتبناه الولايات المتحدة، وظهر جليًّا في الفترة "الترامبية" في إشارة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب.

يلخص حبش "مشروعه التنويري" في رسالة خاصة بعنوان "رسالة التجديد" ويختصره في النقاط الآتية .

  • الدعوة إلى الله على بصيرة.

  • إخاء الأديان وكرامة الإنسان.

  • إسلام بلا عنف.

  • أديان بلا حروب.

  • حرية الإنسان حق مقدس والعبودية بكل ألوانها كفر وعار.

  • كل حقيقة برهن عليها العلم فهي كلمة الله، لها قوة الكتاب المنزل.

  • القرآن مصحف مسطور والكون مصحف منشور.

  • النص القرآني نور يهدي وليس قيداً يأسر.

  • السنة النبوية تجربة كفاح رائعة، تلهم ولا تلزم.

  • التشريع المطلوب هو تشريع مصالح الأمة بالاستحسان والمصالح والاستصحاب والعرف.

  • مصادر التشريع الإسلامي صالحة لإنتاج الأحكام الشرعية في كل زمان ومكان.

  • تطوير الإسلام في صورة تليق بمشروعه الحضاري .

  • العبادات غيب ومدارها على النص.

  • العادات شهود ومدارها على العقل.

  • نظام الحكم في الإسلام كلمة: وأمرهم شورى بينهم.

  • نظام الحياة في الإسلام كلمة: أنتم أعلم بأمور دنياكم.

  • القياس على النصوص المقدسة نور على نور، ولكن الحكم للواقع.

  • نأخذ من تراث الآباء الجذوة لا الرماد.

  • دين بين الأديان وليس ديناً فوق الأديان.

  • أمة بين الأمم وليس أمة فوق الأمم.

  • جيران على كوكب واحد.

  • تطوير الحدود والاجتهاد فيها من أجل فقه إسلامي مناهض للتعذيب.

  • الحضارة كفاح إنساني والمسلمون مدعوون للدخول إلى النادي الحضاري.

  • الديمقراطية فطرة الله.

  • الإنسانية أسرة واحدة، والإنسان أخو الإنسان أحب أم كره.

  • الحضارة الحديثة نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم.

  • الأخذ بعموم الآية: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، والطيبون من كل دين وملة في رحمة الله.

  • ضد احتكار الخلاص واحتكار الجنة واحتكار الدين واحتكار الحقيقة.

  • الأصل عدالة الله، والآخرة غيب، وكل ما ورد عنها مما لا يتفق مع العقل أو العدل فهو وهم يجب تأويله.

  • الأخذ بما دلت عليه العقول، وتأويل ما ناقضه من المنقول.

والذي يطالع ما أورده "حبش" يتضح له التعارض الكبير بين هذه الأفكار "أو جلها" وصريح القرآن الكريم. ولنا أن نتوقف مع قضيتين مهمتين مما آثارهما: الأولى؛ التعددية الدينية، والثانية؛ ما يتصل بأمور العقيدة.

التعددية الدينية

هي مصطلح نشأ في الغرب العلماني، وخلاصة هذه التعددية أن جميع الأديان مظاهر شكلية لحقيقة واحدة، فكلها سواسية، ولا يحق لأحد منها الزعم باحتكار الحقيقة الكاملة.

وبذلك يتجلى المفهوم الحقيقي للتسامح الديني الذي يتبناه "حبش"، وهو المفهوم الذي يساوي الإسلام القائم على توحيد الخالق بالأديان الوثنية، وفي هذا الفهم خلط عجيب تجعلك في حيرة من أمر هذا الرجل، الذي يقرأ كتاب الله، ثم يذهب هذا المذهب البائس في الفهم.

فالقرآن الكريم يبين بكل وضوح تعدد الرسالات السماوية، لكنه يبين في الوقت نفسه أنها كلها تقوم على أساس واحد هو التوحيد، وما عداه فهو الشرك والكفر الذي ينتهي بصاحبه إلى سوء المصير!.   

يلاحظ أن الشخصيات التي تبنت مفاهيم التعددية الدينية، كانت شخصيات غربية، أو هندية، وأن مفهوم التعددية الدينية ظل غريباً في الحالة الإسلامية، فالإسلام يقر بتعدد الأديان، ولا يكره أحداً على تغيير معتقده، ويفرض على أتباعه التعايش الحسن مع أهل الأديان دون شرط تغيير معتقداتهم الدينية.

وكم نرى في القرآن خصوصية لعلاقة المسلمين بأهل الكتاب، بالرغم من عدم إقرار هؤلاء بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو الاعتقاد بنسبة القرآن الكريم للوحي.

فإلام يهدف "حبش" من وراء هذا الفهم المعوج؟ غايته هي الرغبة في الظهور بمظهر المفكر الإسلامي الحر المستنير، ولو كان ذلك على حساب دينه. 

والاتساق مع الحركة العالمية - بقصد أو بدون قصد -  التي تهدف إلى صناعة دين جديد للبشرية، وهو ما يطلق عليه "الإبراهيمية"، وتوظيف كل متطلع وباحث عن المجد والشهرة والمال في هذه السبيل. 

أما المغالطات الاعتقادية التي يتبناها "حبش" وأضرابه، والتي حصرها أحد الباحثين من خلال تتبعه لما كتبه الأول، فهي:

1 - الاعتقاد بنسبية الحقيقة، ما يعني نفي الثقة عن الدين عامة، وعن الإسلام خاصة.

2- الاعتقاد بأن بعض النصوص الإسلامية لا قيمة لها، أو هي أساطير تعارض العقل مما يوجب استبعادها.

3- التركيز على الشعائر الدينية الوجدانية مثل التصوف الذي يتجاوز النص.

4- في سبيل التسامح ينبغي التخلي عن القناعات الدينية التي لا تقر بالتساوي مع الآخر، مهما كانت عقيدته الدينية!

5- كل الأديان سواء، ومن ثم لا معنى للتحول من دين إلى آخر.

6- التعددية الدينية - التي يتبناها حبش - تبالغ في شأن العقل البشري إلى درجة تضعه مكان الله في تحديد الخير والشر والصلاح والفساد .

لقد علم أعداء الإسلام أنهم لن يستطيعوا القضاء على الإسلام لرسوخ العقيدة في نفوس المسلمين، فبدؤوا يعملون على تشكيك المسلمين في دينهم، فكانت حركة "الاستشراق"، ثم تربَّى على منهج المستشرقين في التشكيك نفر من أبناء المسلمين أنفسهم - بدافع الإعجاب بالغرب وحضارته أو لتحقيق مآرب شخصية - حتى يكون خطابهم للمسلمين مقبولا، فهم من بني جلدتهم.

ثم خرج مفكرون وعلماء دين يرددون ما ورثوه من هذا الاتجاه الاستشراقي في فهم الإسلام، دافعهم الرغبة في المكانة والشهرة والمال؛ وأبدعوا بعد ذلك في ضلالهم بدعوى التنوير والتجديد.

تماما كما استُعيض عن الاستعمار العسكري، باستعمار محلي يقوم على تنفيذ سياسة الاستعمار العالمي، فكان الاستبداد والطغيان الذي حل بالعرب والمسلمين، فعطَّل نهضتهم، وشلَّ حركتهم. فاجتمع على العرب والمسلمين طامَّتان: المستغربون من مفكري العرب، والحكام المستبدون.


خاتمة

في الوقت الذي تتقارب فيه دول عربية وإسلامية لأسباب متباينة، كالتقاربين المصري-القطري، والتركي-السوداني، تقطع دول عربية أخرى علاقاتها مع جيرانها من ذات المعتقد والثقافة، مثل ما حدث بين الجزائر والمغرب خلال شهر أغسطس/ آب. 

وبعيدًا عن أسباب التقارب أو أسباب التباعد، فإن الحوار بين الأطراف المختلفة يظل هو السبيل الوحيد للارتقاء بالعلاقات للمستوى الذي يفيد الشعوب، خاصة في المجال الاقتصادي. 

إذ إن كل تقارب وتعاون بين الدول العربية والإسلامية ينعكس على الشعوب إيجابًا، بينما كل تباعد يفوت عليها الفرص، ويزيد من أزماتها الداخلية. 

كذلك، فإن الحوار سيظل كذلك هو الضمانة لعدم تدهور الأوضاع، وتفاقم الخلافات بين الأطراف المختلفة.