وقف إطلاق النار في لبنان.. هل نجحت إسرائيل في تفكيك "وحدة الساحات"؟

يوسف العلي | منذ ٩ أيام

12

طباعة

مشاركة

على وقع التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار مع حزب الله اللبناني، تدور تساؤلات عن مدى نجاح الاحتلال الإسرائيلي في تفكيك ما يعرف بـ"وحدة الساحات" أو الجبهات، وتحييد جبهة الشمال من دون إيقاف العدوان على قطاع غزة. 

وبرز مصطلح "وحدة الساحات" بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفتح إيران وأذرعها- بعد تردد طويل- جبهات عدة ضد إسرائيل، لا سيما حزب الله اللبناني، والفصائل المسلحة في اليمن والعراق.

"فصل الجبهات"

وفي كلمته التي أعلن فيها موافقة "المجلس الوزاري المصغر" على وقف إطلاق النار في لبنان الذي دخل حيّز التنفيذ يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن "إسرائيل تحتفظ بحرية العمل العسكري إذا خرق حزب الله الاتفاق".

وأضاف نتنياهو خلال كلمته في 26 نوفمبر، أن "أحد أسباب وقف إطلاق النار في لبنان هو تحديث القوى وتجديد المخزون العسكري، لأن هناك تأخرا كبيرا في توريد الأسلحة والذخائر، وهذا التأخير على وشك الانتهاء قريبا".

وكشف أن "من شأن وقف الحرب مع لبنان، فصل ساحتها عن غزة، وإكمال الهمة هناك والاستفراد بـ(حركة المقاومة الإسلامية) حماس في المعركة"، مشيرا إلى أن الاتفاق ذاته "يعني أننا سنركز على التهديد الإيراني الآن".

وتابع: "دمرنا قدرات حزب الله على إنتاج الصواريخ. ولم يعد بنفس القوة السابقة وقضينا على كل قادته ومعظم بنيته التحتية. لقد أعدناه عقودا إلى الوراء.. سنرد بقوة على أي محاولة من الأخير لإعادة التسلح".

وأردف نتنياهو، قائلا: "أنا مصمم على القيام بكل شيء لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. إزالة التهديد الإيراني أولوية لضمان أمن إسرائيل.. إنجازات الجيش الإسرائيلي حصلت في 7 جبهات".

وتوعد رئيس النظام السوري في خطابه بالقول: "نواصل التصدي لمخاطر المسيرات في سوريا و(بشار) الأسد يلعب بالنار"، في إشارة إلى سماح الأخير للمليشيات المرتبطة بإيران باستهداف الأراضي المحتلة من المناطق التي تقع تحت سيطرته.

وتنص اتفاقية وقف إطلاق النار، على أن حزب الله وجميع المجموعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية لن تنفذ أي عمليات هجومية ضد إسرائيل. 

وفي المقابل، لن تنفذ الأخيرة أي عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان، سواء على الأرض أو في الجو أو في البحر.

كما تعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، وأن هذه الالتزامات لا تلغي حق الطرفين في ممارسة حقهما الطبيعي في الدفاع عن النفس.

وستكون قوات الأمن والجيش اللبناني الرسمية هي المجموعات المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو تشغيل القوات في الجنوب اللبناني، وأن أي بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة أو المواد المتعلقة بها في لبنان سيكون تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية.

وبحسب الاتفاق، سيتم تفكيك جميع المنشآت غير المرخصة المتورطة في إنتاج الأسلحة أو المواد المتعلقة بها. 

وكذلك تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة التي لا تتوافق مع هذه الالتزامات.

وستنشر لبنان قوات الأمن الرسمية والجيش الخاص بها على طول جميع الحدود ونقاط العبور والخط الذي يحدد المنطقة الجنوبية كما هو معروض في خطة الانتشار. 

وستنسحب إسرائيل تدريجيا من جنوب الخط الأزرق خلال فترة تصل إلى 60 يوما، وفق ما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 26 نوفمبر.

"تفكيك الساحات"

وبخصوص مدى نجاح إسرائيل في مسعاها لتفكيك وحدة الساحات، قال الأكاديمي والباحث العراقي، ميثم محمد صاحب، إن "الاحتلال تمكن بالفعل وفق الاتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان من عزل جبهة لبنان عن قطاع غزة التي كانت الشرارة الأولى للحرب".

وأضاف صاحب لـ"الاستقلال" أن "الغلبة المرحلية ستكون للاحتلال الإسرائيلي في الجبهة اللبنانية، وأن إيران مجبرة على الصمت لأن أمنها ومستقبل دولتها أولوية بالنسبة لها لا يمكن التهاون فيهما".

وأشار الباحث إلى أن "العراق يتوسل للولايات المتحدة الأميركية في الوقت الحالي حتى تحميه من أي ضربة عسكرية إسرائيلية، وأن حزب الله اللبناني إن لم يكن ذاب وانتهى، فتأثيره أصبح محدودا". 

وفي 22 نوفمبر، نقلت "قناة 12" العبرية عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقا، عاموس يدلين، حديثه عن وجود "فرصة كبيرة للتسوية" في لبنان، وأن هناك فرقا كبيرا بين الأخير وقطاع غزة.

"فالمفاوضات نجريها مع حكومة شرعية، ولا يوجد مخطوفون في لبنان"، في إشارة إلى الأسرى الإسرائيليين بيد حركة حماس.

وأضاف: “صحيح أن حزب الله لاعب مهم، لكنه تعرض لضربة قاسية في قيادته وفي قدراته النارية”.

وزعم أنه بعد أن قتلت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار "أصبح ممكنا أن نقتل رؤيته بأن هناك معركة متعددة الجبهات".

وقال المسؤول الإسرائيلي السابق "إن الإيرانيين خائفين، ولم يردوا على الهجوم الإسرائيلي (في أكتوبر 2024) الناجح جدا، واللبنانيون سيخرجون، لتجد حماس نفسها وحدها"، لافتا إلى أن "أهم إنجازات التسوية مع لبنان هو تفكيك وحدة الساحات".

وبدوره، رأى الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي، أحمد الشريفي، أنه كانت "هناك مشكلة عالقة تجعل الهدنة غير قابلة للتمثيل لأن حزب الله يرى أنه يجب أن تكون شاملة في ساحتي الصراع بغزة ولبنان".

وأوضح الشريفي في حديثه لموقع "تايمز عربي" بتصريح سابق يعود إلى 5 أكتوبر، أن "إسرائيل ترى أنه من الضروري جدا فصل الساحتين، وأن ما يتعلق بغزة يفترض أن يكون خط تفاوض، وأن ما يتعلق بلبنان يكون خط تفاوض آخر".

وأكد الخبير الأمني أن "إسرائيل تتبنى خيار عزل الساحات، وأن حزب الله يتبنى خيار وحدتها".

وفي 15 أكتوبر، قال الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في خطاب تلفزيوني، إن “حزب الله طالب بوقف إطلاق النار في غزة لإتمام التهدئة في لبنان”.

وأكد قاسم أن "إسرائيل ومَن وراءها يقاتلون ويرتكبون المجازر، ونحن في وضع يتطلب أن نتخذ موقفا"، مشيرا إلى أنه "لا يمكن فصل لبنان ولا المنطقة كلها عن فلسطين".

"خشبة إنقاذ"

من جهته، شن الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان هجوما حادا على الأطراف اللبنانية التي قبلت باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان من دون إنهاء الحرب على قطاع غزة، متهما حزب الله بالتخلي عن إرث زعيمه السابق حسن نصر الله.

وقال عطوان خلال مقطع فيديو نشره على "يوتيوب" في 26 نوفمبر، إن "اتفاق وقف إطلاق النار هو بمثابة تقديم خشبة الإنقاذ إلى إسرائيل من أكبر هزيمة في تاريخها"، واصفا الاتفاق بأنه مؤامرة من "عاموس هوكشتاين" (المبعوث الأميركي إلى لبنان).

وأضاف أن “الإسرائيليين سرّعوا في اتفاق وقف إطلاق النار لأنهم أدركوا أنهم انهزموا، لكن لماذا يسرّع اللبنانيون في ذلك، ونكافئ (الرئيس الأميركي جو) بايدن ونتنياهو عن المجازر في غزة ولبنان؟”

واتهم عطوان من أسماهم "سماسرة لبنان" بالتعجيل في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، واصفا ما جرى بأنه انقلاب على توجهات وإرث حسن نصر الله الذي أصر إلى آخر خطاب له على ضرورة وقف الحرب على غزة مقابل عودة المستوطنين الإسرائيليين في الشمال.

 

وفي السياق ذاته، علق المحلل السياسي الفلسطيني، إبراهيم الحمامي، قائلا: "انتهت التكهنات... حزب الله إلى شمال الليطاني مع تفكيك البنية التحتية جنوبه، ومنع تسليحه، بل وحصاره لبنانيا عبر الجيش ودوليا باليونيفيل والولايات المتحدة".

وأضاف الحمامي خلال تدوينة على "إكس" في 26 نوفمبر، بالقول إن "وحدة الساحات المفترضة انتهت. محور المقاومة المفترض انتهى. لكن الحرب لم تنته لا في لبنان ولا في غزة ولا في المنطقة برمتها".

وعلى الصعيد نفسه، قال النائب السابق في البرلمان اللبناني مصطفى علوش، إن "وحدة الساحات" تفككت، وإن المشاركة الوهمية التي كانت من اليمن والعراق وسوريا وإيران كلها تؤكد أن حزب الله كان يقاتل وحيدا، وأن لبنان وغزة كانوا يتلقون الصواريخ وحدهما".

وأوضح علوش خلال مقابلة تلفزيونية في 27 نوفمبر، أن "من أسقط وحدة الساحات هو من قرر أن هناك وحدة ساحات (إيران) لكن (علي) خامنئي (المرشد الإيراني الأعلى) لا يزال يتحدث عنها، وأن على الفلسطينيين واللبنانيين القتال إلى النهاية".

وخلص النائب السابق إلى أن "الهدنة في لبنان ستكون مؤقتة إذا لم يتخل حزب الله اللبناني عن طبيعته العسكرية".

من جهتها، أصدرت كتائب حزب الله العراقية بيانا في 27 نوفمبر، قالت فيه إن "استراحة طرف من محور المقاومة لن يؤثر على وحدة الساحات بل ستنضم أطراف جديدة تعزز ساحة الصراع المقدس لمواجهة أعداء الله ورسوله والمؤمنين".

وخلال مرحلة ما قبل التوصل إلى اتفاق لإيقاف إطلاق النار في لبنان، سعت إسرائيل بشكل كبير إلى فصل الساحات، فبحسب ما ذكرت ورقة بحثية صادرة عن مركز "المسار للدراسات الإنسانية" في 13 نوفمبر 2024، فإن مسؤولي تل أبيب تواصلوا مع روسيا وأميركا بخصوص ذلك.

وأوضحت الورقة البحثية أن "وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر تولى مسؤولية المفاوضات الرامية للتوصل إلى تسوية تنهي الحرب بين لبنان وإسرائيل، بصفته ممثلا لنتنياهو".

وذكرت أن تقارير صحفية إسرائيلية أكدت أن عددا من الوزراء الإسرائيليين البارزين، ومن ضمنهم ديرمر، عارضوا توسيع الحرب على الجبهة الشمالية مع لبنان.

وعلى هذا الأساس، شهدت الأيام الماضية حراكا ما بين عدة عواصم عالمية منها موسكو وواشنطن، قادها ديرمر من الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي دلل على توجه إسرائيلي لخفض التصعيد مع حزب الله اللبناني، وفقا للورقة البحثية.