انتقادات ألمانيا العلنية لإسرائيل.. ما مدى مصداقيتها وتأثيرها على الاحتلال؟

منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

في خطوة وُصفت بالمفاجئة، وجه المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس "انتقادات حادة وغير متوقعة للهجوم العسكري الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة".

وأثارت تصريحات ميرتس الجدل في الأوساط السياسية الألمانية؛ إذ يشير موقع "دويتش فيله" الألماني إلى أنه "لم يسبق لأي سياسي ألماني كبير أن تحدث بوضوح عن الحرب في قطاع غزة مثل ميرتس".

وتباينت آراء المحللين السياسيين حول دوافع تصريحات المستشار الألماني ومدى مصداقيتها، وعما إذا كانت تمثل فرصة حقيقية للتأثير على إسرائيل ودفعها لوقف الحرب على القطاع.

مأساة إنسانية

وفي كلمة ألقاها خلال "منتدى أوروبا" على هامش مؤتمر "ريبوبليكا الرقمي" في برلين، قال ميرتس: "بصراحة، لم أعد أفهم ما هو الهدف الذي تسعى إليه القوات الإسرائيلية من عملياتها في قطاع غزة".

مؤكدا أن "إلحاق هذا القدر من المعاناة بالمدنيين، كما يحدث بشكل متزايد في الأيام الأخيرة، لم يعد بالإمكان تبريره بأنه جزء من الحرب ضد إرهاب حركة حماس".

ورغم ذلك، أفاد الموقع بأن "المستشار الألماني شدد على أن برلين تلتزم بضبط النفس إلى أقصى درجة ممكنة عندما يتعلق الأمر بانتقاد إسرائيل علنا"، مشددا على أن "لا دولة أخرى في العالم تمارس مثل هذا الحذر".

 لكنه استدرك: "إذا انتهك القانون الإنساني الدولي، فعلى المستشار الألماني أن يتحدث علنا".

وأوضح ميرتس أنه "وجه تحذيرا إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال محادثات جرت بينهما"، داعيا إياه إلى "عدم المبالغة"، واصفا الهجمات التي نالت البنية التحتية المدنية بأنها "مأساة إنسانية"، وفق الموقع.

وأضاف التقرير: "كما جدد ميرتس انتقاده لإسرائيل خلال زيارة رسمية إلى فنلندا، حيث دعا الحكومة الإسرائيلية إلى السماح بإدخال المساعدات الإنسانية وضمان الأمن الغذائي لسكان قطاع غزة".

وردا على سؤال حول ما إذا كان الموقف الألماني الرسمي تجاه إسرائيل سيشهد تغيرا، قال المستشار: إن الأمر "يُناقش داخليا ضمن الحكومة".

عقيدة الألمان

في هذا السياق، أشار الموقع الألماني إلى أن "معظم التصريحات التي أدلى بها ممثلو الحكومة الألمانية منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أكدت دائما على أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وأن حماس تنكر حق إسرائيل في الوجود".

"وهي النبرة التي تبناها المستشار السابق أولاف شولتس (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) ووزيرة خارجيته آنالينا بيربوك (حزب الخضر)"، بحسب التقرير.

مشيرا إلى أن "مواقف المستشار المحافظ الجديد فريدريش ميرتس ووزير خارجيته يوهان فادفول (من الحزب الديمقراطي المسيحي) جاءت متماشية مع هذا الخطاب في بداية الحرب".

حيث أكد الطرفان أن "التزام ألمانيا التاريخي تجاه حماية حق إسرائيل في الوجود ينبع من (عقيدة الدولة الألمانية)"، "وذلك في إشارة إلى مسؤولية ألمانيا التاريخية عن جريمة الإبادة الجماعية لليهود الأوروبيين على يد النظام النازي (1933–1945)"، كما أفاد الموقع. 

من جانبه، علق السفير الإسرائيلي في برلين، رون بروسور، على تصريحات ميرتس قائلا: "إن كلمات المستشار فريدريش ميرتس لها وزنها".

مضيفا: "وبما أنه صديق لإسرائيل، فإننا نأخذ كلماته على محمل الجد، على عكس أولئك الذين ينتقدون إسرائيل باستمرار من جانب واحد".

"ولكن من الواضح أيضا أن إسرائيل لا يمكنها (قبول دولة إرهابية ثانية لحماس) بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول"، حسب تصريحات السفير الإسرائيلي.

وأكمل: "هناك معضلة، حيث يُفترض بنا إنقاذ الرهائن وتوفير احتياجات سكان غزة ومحاربة الإرهابيين في آن واحد".

وادعى أن "المدارس حُولت إلى مستودعات أسلحة، والمساجد إلى ثكنات عسكرية، والمستشفيات إلى مراكز قيادة".

مخاوف متزايدة 

وانتقل الموقع لعرض ردود الفعل الداخلية على تصريحات ميرتس، وأشار إلى أن تصريحات المستشار الألماني المتزامنة مع الحصار الذي فرضته إسرائيل على دخول المساعدات منذ مارس/ آذار 2025، أثارت "ردود فعل واضحة داخل الساحة السياسية الألمانية".

وأضاف: "فقد دعا العديد من السياسيين، خصوصا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم (SPD)، إلى وقف صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل".

وذكر أن النائبة في البرلمان الألماني عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إيزابيل كاديمارتوري، كتبت على منصة "إكس": "يجب تعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، لأن على برلين ألا تشارك في جرائم الحرب التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية".

محذرة من أن ألمانيا "قد تواجه محاسبة قانونية أمام المحاكم الدولية إن لم تتخذ موقفا واضحا".

وعقب التقرير: "يبدو أن هذا التحذير لا يعبر فقط عن موقف فردي، بل هو انعكاس لمخاوف متزايدة يُعبَّر عنها خلف الكواليس في برلين منذ فترة، وإن كانت لم تُطرح في السابق علنا".

ووفقا لتقديرات خبراء، فقد بلغت قيمة صادرات الأسلحة من الشركات الألمانية إلى إسرائيل عام 2024 حوالي 161 مليون يورو.

"أما أقوى الانتقادات التي وُجهت لحكومة نتنياهو، فجاءت على لسان مفوض الحكومة الألمانية لمكافحة معاداة السامية، فيليكس كلاين"، وفق الموقع.

حيث قال: إن "تجويع الفلسطينيين وتعمّد تفاقم الوضع الإنساني ليس له أي علاقة بحماية حق إسرائيل في الوجود، ولا يمكن أن يكون هذا من صميم عقيدة الدولة الألمانية".

رفض قاطع

على النقيض من ذلك، وفي غضون مناقشات حادة جرت في بروكسل حول تعديل أو حتى إلغاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، عبرت أصوات ألمانية عن رفضها القاطع لأي تغييرات في هذا الاتفاق، كما ذكر التقرير.

فقد صرحت النائبة الأوروبية عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي هيلديغارد بينتيلي، لـ "دويتشه فيله": "لا ينبغي لنا قطع علاقاتنا مع إسرائيل، بل علينا أن نستخدم هذه العلاقات لممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية".

وأضافت: "لذا، يجب ألا نُنهي التعاون، بل من الأفضل أن نعززه، خصوصا الآن، من أجل إعادة إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة".

في هذا الصدد، أفاد الموقع بأن وزير الخارجية الألماني يوهان فاديبول "واجه خلال زيارته الأخيرة إلى إسبانيا، مطالبات بفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وهي دعوة سبق أن تبنتها الحكومة الإسبانية منذ فترة طويلة، وهو ما عده الوزير (طرحا مبالغا فيه)".

مع ذلك، أشار التقرير إلى أنه قال عقب لقائه بنظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس: "لا أحد يقول: إن الوضع الحالي مقبول أو يمكن الاستمرار في تحمله، ولا ألمانيا كذلك".

وأوضح الموقع أن فاديبول "حظي بدعم من حزب الخضر المعارض، حيث عبّر رئيس الحزب فيليكس بانازاك عن رفضه لفرض حظر شامل على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل".

وقال: "هذا البلد (إسرائيل) مهدد وجوديا منذ تأسيسه، ومن حوله دول لا تضمر له نوايا طيبة، لا يمكن ترك إسرائيل عُرضة للخطر دون وسيلة للدفاع عن نفسها"، مشيرا إلى الهجمات الإيرانية كمثال على هذه التهديدات.

مناورة محسوبة

وحلل الموقع الألماني أسباب ما وصفه بـ "التصعيد والتحول المفاجئ والملحوظ" في خطاب ميرتس، الذي سبق وتمنى منذ بضعة أسابيع دعوة نتنياهو إلى ألمانيا، مع أنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم تتعلق بجرائم حرب.

ولاحظ أن "انتقادات ميرز جاءت أشد حدة من مواقف سلفه الاشتراكي الديمقراطي، رغم أن القواعد الشعبية لحزب الاشتراكيين الديمقراطيين تطالب منذ فترة بتبني موقف أكثر نقدا تجاه إسرائيل، وتدعو في الآونة الأخيرة إلى وقف صادرات الأسلحة لها".

وهو ما يطرح "تساؤلات جادة بشأن مصداقية هذا التحول الخطابي، إذ يشكك كثيرون في كون تصريحات ميرتس تعبر فعلا عن تغير حقيقي في الموقف السياسي الألماني".

حيث يرى البعض أنها "مجرد مناورة خطابية تهدف إلى تحسين صورته في استطلاعات الرأي، وتعزيز نفوذه بين قادة الاتحاد الأوروبي".

"خصوصا بعد أن باتت ألمانيا تُعد في بعض الأوساط الأوروبية، تسير عكس التيار فيما يخص سياستها تجاه الشرق الأوسط"، وفق التقرير.

ولفت إلى أنه "في الآونة الأخيرة، أصبحت برلين تبدو وكأنها تقف وحيدة بمواقفها المتحفظة نسبيا تجاه إسرائيل، بينما ارتفعت حدة الانتقادات من عدة دول أوروبية كبرى".

فقد جاءت مواقف حادة من فرنسا، حيث وصف الرئيس إيمانويل ماكرون ما تفعله حكومة بنيامين نتنياهو بـ "العار". مشيرا إلى أن "ما تقوم به حكومة نتنياهو اليوم أمر غير مقبول. فلا يوجد ماء، ولا توجد أدوية، ولا يمكن إخراج الجرحى".

من جهة أخرى، لفت التقرير إلى أن "ردود الفعل تجاوزت حدود الاتحاد الأوروبي، إذ أعلنت كل من فرنسا وبريطانيا وكندا استعدادها لفرض عقوبات على إسرائيل، إذا استدعى الأمر ذلك"، وهو ما يشير -حسب التقرير- إلى "تحول لافت في الخطاب السياسي الغربي تجاه سياسات الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة".

ولذا، رجح الموقع الألماني أن تكون انتقادات ميرز "ليست أكثر من محاولة محسوبة لإعادة التموضع السياسي، بدلا من أن تكون تعبيرا عن تحول حقيقي في السياسة الألمانية تجاه إسرائيل".

وقدّر أن "الموقف الرسمي لم يتغير جوهريا"، متوقعا "أنه سيبقى على حاله في المدى المتوسط".

واستطرد: "لو كان هناك بالفعل ما يدعو إلى القلق بشأن تحول جوهري في سياسة ألمانيا تجاه إسرائيل، لما بدا سفير إسرائيل في برلين، رون بروسور، هادئا في رد فعله على تصريحات ميرتس".

إذ يدرك بروسور أن "الانتقادات، رغم حدتها الظاهرية، إلا أنها لا تُعد تهديدا فعليا للعلاقة"، بحسب التقرير.

وأضاف: "كما أن غياب أي رد رسمي غاضب من تل أبيب يعزز الانطباع بأن ميرتس ربما أبلغ وزير خارجيته أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل أنه سيضطر لإطلاق تصريحات أكثر حدة لاحقا، لكن دون أن يترتب عليها أي خطوات عملية".

ولذلك، خلص الموقع إلى أن "هذه التصريحات قد أُعدت سلفا بعناية لتبقى في حدود الكلام، دون أن تُحدث تغيرا حقيقيا في مسار السياسة الألمانية".

ورأى أنه "وعلى عكس المستشار شولتس، يدرك ميرز جيدا قوة الخطاب وأثر الظهور الإعلامي".

مضيفا أنه "يعرف كيف يستثمر اللحظة".

وحسب التقرير: "يبدو أن لجوءه إلى (إلقاء قنابل دخانية تكتيكية) -أي إطلاق نقد محسوب لا يُغضب أحدا- أكثر فعالية من الصمت أو التواري، لا سيما عندما يكون الهدف هو الحفاظ على شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع تل أبيب، دون إثارة توترات".

في الوقت ذاته، يعتقد التقرير أن “إسرائيل لا ترى في هذه الانتقادات خطرا حقيقيا على استمرار الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الذي تتلقاه من برلين، رغم أن الحرب على غزة وُصفت من قبل العديد من المنظمات الحقوقية والأكاديميين بأنها تصل إلى حد الإبادة الجماعية”.