قمة آسيان - الصين - الخليج.. هل يعيد التحالف الجديد تشكيل الاقتصاد العالمي؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

ضمن مبادرة رائدة شهدت العاصمة الماليزية كوالالمبور انعقاد القمة الأولى من نوعها بين رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" والصين ومجلس التعاون الخليجي.

وتصف صحيفة "سوهو" الصينية هذه القمة التي انعقدت في 27 مايو/ أيار 2025، بأنها "بداية فصل جديد في التعاون الثلاثي غير المسبوق"، وقد ركزت على تعزيز الشراكة في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والطاقة والاستدامة.

وأبرز البيان المشترك الصادر عن القمة التزام الدول بتطوير نموذج تنموي قائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، وسط تحديات اقتصادية عالمية متزايدة. 

وباختصار، ترى الصحيفة أن "القمة شكّلت منصة مبتكرة للتعاون، تدفع نحو بناء سوق مشتركة قوية وتعزز دور الجنوب العالمي في الاقتصاد الدولي".

نموذج مثالي مستقبلي

ووصفت وسائل إعلام عالمية القمة الثلاثية بأنها "لحظة فارقة في العلاقات الإقليمية والدولية" وأنها تشكّل "مدخلا إلى عصر جديد من التعاون يتجاوز الأطر الجيوسياسية التقليدية".

وبالتمعن في خريطة العالم، ترى الصحيفة أن مواقع الأطراف الثلاثة -الصين وآسيان ودول الخليج- تشكل مثلثا إستراتيجيا واسع النطاق، وهو ما دفع وسائل الإعلام الماليزية إلى وصف هذه الشراكة الجديدة بـ"المثلث الذهبي". 

وجاءت القمة بمبادرة من ماليزيا بصفتها رئيس رابطة آسيان لعام 2025، وشهدت مشاركة نشطة من الصين التي أدت دورا محوريا في فعالياتها. 

إضافة إلى ذلك، قدَّمت الصين مجموعة مقترحات اعتُمدت ضمن البيان الختامي المشترك، لتعزيز التعاون الثلاثي وتحويل هذا الإطار إلى نموذج عالمي يُحتذى به في مجالي التعاون والتنمية.

وبالحديث عن هذا البيان، فقد شمل عددا من التدابير الهادفة لتعميق التعاون في عدة مجالات رئيسة، منها التكامل الاقتصادي والترابط الإقليمي وأمن الطاقة والاستدامة والتحول الرقمي والابتكار وقضايا الأمن الغذائي والزراعة.

ومن جانبها، رأت الصين أن هذه الآلية الثلاثية بمثابة "ابتكار نوعي في مجال التعاون الاقتصادي الإقليمي".

وأوضح شو لي بينغ، الباحث في معهد الدراسات الآسيوية والمحيط الهادئ والإستراتيجية العالمية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن "ما يميز هذه القمة هو أنها تشمل ثلاث مناطق جغرافية محورية".

وهي شرق آسيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، ما يجعل من هذا النموذج شكلا نادرا من التعاون العابر للأقاليم داخل القارة الآسيوية.

وعلى صعيد الهيكلة المؤسسية، تبرز الصحيفة الصينية أن "هذه القمة تفوَّقت على الاجتماعات الثنائية السابقة، سواء تلك التي جمعت بين الصين وآسيان أو بين بكين ومجلس التعاون الخليجي، إذ أفرزت إطارا ثلاثيا جديدا أكثر تكاملا".

وفي هذا الإطار، تتوقع أنه "مع استمرار الصين في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق بمعايير جودة أعلى، ستتحول هذه الآلية إلى منصة إستراتيجية رئيسة لتعزيز التعاون بين الاقتصادات الناشئة".

ولفت إلى أن "الآلية الجديدة ستقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، لتصبح بذلك نموذجا يُحتذى في التعاون الإقليمي والدولي".

اندماج ثلاث قوى

وفي ظل سياق عالمي مضطرب جراء السياسات الاقتصادية الحمائية التي تتبناها بعض القوى الكبرى، تبرز قمة الآسيان - الصين - مجلس التعاون الخليجي، كعلامة فارقة في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي.

إذ أطلقت القمة مرحلة جديدة من التعاون العابر للأقاليم ضمن ما بات يُعرف بـ "الجنوب العالمي"، وفق الصحيفة.

وتلفت إلى أن "هذه القمة لم تكن مجرّد حدث دبلوماسي تقليدي، بل عكست بداية تأسيس آلية إستراتيجية واقتصادية جديدة".

"كما أنها تتحدى الأطر التقليدية التي لطالما هيمنت عليها الدول الغربية، وتفتح آفاقا واقعية للتكامل والتنمية المشتركة بين القوى الصاعدة". وفي هذا الصدد، تقول الصحيفة: إن "القمة بين ثلاث قوى ذات طموحات متكاملة".

وأشارت إلى جهود رابطة آسيان لتعزيز التكامل الإقليمي في جنوب شرق آسيا، ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي تهدف لتعزيز الترابط العالمي عبر تطوير البنية التحتية، وطموحات دول الخليج لتحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط عبر رؤى تنموية كـ "رؤية السعودية 2030". 

ومن خلال دمج هذه الرؤى، لفتت الصحيفة إلى انبثاق إمكانات هائلة للتعاون متعدد الأطراف، مؤكدة قدرة تلك الأطراف على إحداث تحولات حقيقية في موازين القوى الاقتصادية العالمية.

ثقل اقتصادي

وبالحديث عن البيانات الاقتصادية، تعكس الصحيفة الصينية "مدى ثقل هذه الشراكة الثلاثية"؛ إذ تُعد آسيان خامس أكبر اقتصاد عالميا، بإجمالي ناتج محلي يتجاوز 3.6 تريليونات دولار وسوق استهلاكية تقارب 700 مليون نسمة. 

أما مجلس التعاون الخليجي، فيمتلك احتياطيات ضخمة من الطاقة وصناديق سيادية تُقدر بتريليونات الدولارات. كما أنه يسعى جاهدا لتحقيق نقلة اقتصادية نوعية بعيدا عن النفط.

ومن جانبها، حققت الصين في عام 2024 ناتجا محليا إجماليا بلغ نحو 134.9 تريليون يوان (1 دولار = 7,18 يوان صيني)، مع قدرات هائلة في التصنيع والابتكار التكنولوجي والبنية التحتية. 

وبشكل عام، تنوه "سوهو" الصينية إلى أن "القوى الثلاث معا تشكل ما يقارب ربع الناتج العالمي، وتخدم أكثر من 2.1 مليار مستهلك، وهو ما يجعل من هذا التحالف قوة اقتصادية لا يمكن تجاوزها في مشهد الحوكمة العالمية".

من جهة أخرى، ومع تصاعد الحمائية الغربية، وفرض الولايات المتحدة رسوما جمركية شاملة أضرت بالتجارة العالمية، تبرز الصحيفة أن "الحاجة باتت ماسة إلى مسارات بديلة أكثر شمولا واستقرارا". 

وفي هذا المشهد تشدد على أن "التعاون بين الصين وآسيان ودول الخليج يمثل نموذجا مختلفا قائما على تبادل المصالح والانفتاح الاقتصادي والاحترام المتبادل، لا على التكتلات الأيديولوجية أو الإقصائية".

تعاون شامل

على جانب آخر، تتحدث الصحيفة عن أن "مكامن التكامل في هذه الشراكة تتجلى من خلال التوزيع الذكي للموارد والإمكانات"؛ إذ تمتلك آسيان طاقة بشرية شابة وموارد طبيعية وافرة، وتوفر الصين الخبرة الصناعية والتكنولوجية وسوقا ضخمة، بينما تسهم دول الخليج في الموارد المالية والطاقوية التي تُعد ضرورية لتفعيل مشاريع تنموية مشتركة.

ويعزز البيان المشترك الصادر عن القمة هذا التوجه؛ حيث حدد أولويات التعاون في مجالات مثل التجارة الحرة والاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة والمدفوعات عبر الحدود وخلق فرص في الصناعات الناشئة.

وفي خطوة لافتة، أعلنت الصين عن منح إعفاءات من التأشيرة لمواطني السعودية وأربع دول خليجية أخرى، لتصبح جميع دول مجلس التعاون مشمولة بالإعفاء. 

وهو ما يسهم في تسهيل حركة الأفراد وتدفق رأس المال وتبادل المعرفة وتعزيز التكامل بين الأطراف الثلاثة.

ومن زاوية أخرى، تشير الإحصاءات إلى نمو مطرد في التجارة الإقليمية؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وآسيان في الربع الأول من عام 2025 نحو 1.71 تريليون يوان، بزيادة 7.1 بالمئة عن عام 2024.

بينما تجاوزت التجارة بين الصين ودول الخليج 288 مليار دولار عام 2024، مع مساهمة الخليج بنحو 40 بالمئة من واردات بكين النفطية. 

وعلى صعيد السياسات، توضح الصحيفة الصينية أن "وتيرة التنسيق تتسارع أيضا؛ حيث حُدثت أخيرا منطقة التجارة الحرة بين الصين وآسيان إلى نسختها الثالثة، بما يعزز التعاون الرقمي والمستدام".

وذلك في الوقت الذي تستمر فيه مفاوضات بين الصين ومجلس التعاون، يُتوقع أن تسفر عن واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم.

تجربة ملهمة

وفي النهاية، تسلط الصحيفة الضوء على أن “أهمية هذه الشراكة لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية”.

بل تشمل كذلك الدفاع عن النظام التجاري متعدد الأطراف ورفض الأحادية وتقديم نموذج للتعاون القائم على التنمية المشتركة". 

وقالت وكالة الأنباء الماليزية: إن ما يميز هذا النموذج هو "مرونته وشموليته وعدم استبعاده لأي طرف، ما يمنحه القدرة على الانتشار في بقية أنحاء الجنوب العالمي". 

ووفقا للصحيفة، يرى محللون أن "هذه التجربة قد تلهم دولا أخرى للانخراط في شراكات مماثلة، بما يعزز التوازن في النظام الدولي ويضخ طاقات نمو جديدة".

وأردفت: "من طريق الحرير القديم، مرورا بمبادرة الحزام والطريق، وصولا إلى هذه القمة التاريخية، يتواصل بناء جسور التعاون بين الصين وآسيان ودول الخليج". 

ومع توسع "المثلث الذهبي" في مجالات التجارة والتكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية، تؤكد أن “فرص التكامل والمنفعة المتبادلة تصبح أوضح من أي وقت مضى”.

وتشدد على أن "هذا التحالف الثلاثي يرسخ مكانته كقوة دافعة في الاقتصاد العالمي الجديد".