تحولات لافتة.. لماذا غيرت تركيا سياساتها تجاه إسرائيل؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

تحدث معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عما عدها "نقطة تحول خطيرة" في العلاقات الإسرائيلية التركية، بسبب استمرار عدوان تل أبيب على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وجاء التحول عقب قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقف العلاقات التجارية تماما مع إسرائيل من أجل فرض وقف إطلاق النار في غزة، وكذلك بسبب تصريحاته القاسية بين الحين والآخر ضد تل أبيب.

ونقطة التحول، كانت في أبريل/ نيسان 2024، عندما فرضت تركيا حظرا على تصدير 54 فئة من المنتجات للكيان. ومن هنا، رأى أن "هناك تغييرا حقيقيا في نمط العلاقات بين البلدين".

وكانت الخطوة الأكثر دراماتيكية هي الإعلان في بداية شهر مايو/ أيار 2024 عن الوقف الكامل للتجارة مع إسرائيل.

وهو ما يمثل، وفقا لرأي المعهد، "خطوة غير مسبوقة تمثل ذروة سلبية جديدة في التوترات بين الجانبين". ويحلل المعهد في تقريره دوافع أنقرة لاتخاذ هذا القرار، وكيف ينبغي لتل أبيب التعامل معه.

تحول إستراتيجي

يقول المعهد إن من أهم أسباب ما عدها "إجراءات قاسية" من أردوغان ضد الاحتلال، هي نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في تركيا نهاية شهر مارس/آذار 2023.

ويرى أن الهزائم التي مني بها حزب العدالة والتنمية الحاكم وغيره في المدن الرئيسة، دفعت أنقرة لاتخاذ سلسلة إجراءات شديدة ضد إسرائيل في إطار العدوان على غزة.

ويعتقد كثيرون في تركيا أن الهزيمة الانتخابية عكست غضب الشارع من سياسة أنقرة تجاه العدوان، بعدما استمرت التجارة دون تغيير.

ويضيف المعهد: "تمثل بعض هذه الإجراءات خروجا عن أنماط سياسة أنقرة السابقة، بما في ذلك تلك التي اتخذت خلال العمليات التي نفذتها إسرائيل في قطاع غزة في الماضي، والتي كانت أيضا سببا لتدهور العلاقات بين الجانبين".

فهذا "الانحراف يتطلب إعادة النظر في العلاقات الثنائية، والاستعداد لتغيير في الفرضيات والاتفاقات الأساسية بشأن احتمالات السيناريوهات المتطرفة بين تركيا وإسرائيل".

وزعم أن موقف أنقرة القوي ضد إسرائيل يسيء لمكانتها في العالم، وعلاقتها مع الدول.

وقال: "يثير هذا الوضع الشاذ أيضا تساؤلات حول مكانة تركيا في الموازين العالمية والإقليمية، ويخلق الموقف التركي احتكاكات مع الولايات المتحدة في وقت بدا فيه أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن تسير في اتجاه إيجابي".

ورأى المعهد أن موقف أردوغان يؤثر سلبا على فرص التطبيع بين تل أبيب والعواصم "المعتدلة" العربية.

ورأى أن الدعم التركي لحركة المقاومة الإسلامية حماس والتقارب مع إيران يعرضان عمليات التطبيع بين تركيا والدول العربية المعتدلة للخطر.

ويستمر في نقد تركيا إزاء موقفها من العدوان على غزة، إذ يعتقد أنها "إحدى الدول التي برزت في خطابها المتشدد تجاه إسرائيل، لكنه كان في نمط مماثل لما يمكن رؤيته في جولات التصعيد السابقة مع الفلسطينيين".

واستطرد: "على الرغم من أن هذا الخطاب المتطرف كان مصحوبا ببعض الإجراءات العملية من جانب أنقرة، مثل إلغاء الأحداث المخطط لها بشكل مشترك واستدعاء السفير للتشاور، إلا أنها لم تصل إلى المستوى الذي لا تستطيع إسرائيل استيعابه"، وفق وصفه.

ويبرز خطوة قطع التجارة بوصفها "قرارا غير عادي حتى في النظرة المقارنة للصراعات الأخرى في جميع أنحاء العالم، وليس أقلها فيما يتعلق بسلوك تركيا تجاه الجهات الفاعلة الأخرى".

ويوضح أن القرار يمثل تغيرا جذريا في النهج المتبع بين الجانبين، فسابقا تمكنت الحكومتان من عزل العلاقات التجارية عن الصدمات السياسية.

ويستشهد بالعقد الثاني من القرن الحالي، وهي فترة تميزت بزيادة مستمرة في التجارة بين تركيا وإسرائيل حتى في أوقات الأزمات. 

على سبيل المثال بعد حادثة الهجوم على سفينة مرمرة التركية التي اتجهت إلى تركيا عام 2010، أو الاعتراف بالقدس عاصمة مزعومة لإسرائيل من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، استمرت التجارة بين الدولتين.

ويشير المعهد إلى أنه كان من "المتوقع أن ينخفض حجم التجارة الثنائية بين البلدين بالفعل عام 2023 إلى 5.7 مليارات دولار من ذروة بلغت 8 مليارات دولار في 2022، لكن حتى بعد هذا الانخفاض، لا يزال حجم التجارة كبيرا جدا".

ويوضح أن القرار التركي الأخير سيكلف الاقتصاد الإسرائيلي عبئا إضافيا، حيث تعد تركيا من بين أكبر خمس دول مصدرة لإسرائيل.

ولهذا السبب، سيكون للقرار التركي تأثير على مجموعة واسعة من اللاعبين التجاريين وسيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع الأسعار في إسرائيل.

دعم المقاومة 

وعن العلاقة التي تجمع تركيا بحركة حماس، فقد كانت موضوع خلاف آخر مع إسرائيل لسنوات عديدة، وفق المعهد.

ويصف وضع الحركة في تركيا، إذ يقول إنها “تحظى باحترام كبير بعد عملية 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023”.

وتابع: "يتصرف قادة حماس هناك وكأنها قاعدة عملياتهم الجديدة في ظل الضغوط المتزايدة على قطر لطردهم من أراضيها"، وفق زعمه.

ويرى المعهد أن أنقرة "لا يبدو أنها تعيد النظر في علاقتها مع حماس، بل على العكس من ذلك، تعمل على تقويتها".

ولفت إلى أن "التصريحات والأفعال تظهر أن تركيا ستجد صعوبة في قبول سيناريو ترتبط فيه نهاية الحرب بالهزيمة الكاملة لحماس".

ويؤكد المعهد العبري على المكانة الرفيعة التي تربط حركة حماس بالحكومة التركية.

وقال: “تفرق العديد من الدول في أوروبا والشرق الأوسط بوضوح بين القضية الفلسطينية ومصير حماس، وتروج لخطط تجمع بين تعزيز المصالح الفلسطينية إلى جانب محاولة إضعاف الحركة”.

ولكن في المقابل، تقدم تركيا حركة حماس بوصفها شريكا طبيعيا لأي خطة مستقبلية، كما رفض أردوغان مرارا عدها “منظمة إرهابية”.

وهذا الموقف قال المعهد إنه "يخلق احتكاكا بين الحكومة التركية والحكومات الأخرى في المنطقة والغرب، ويضعها كلاعب ذي مواقف متطرفة وعامل إشكالي"، وفق زعمه.

جبهات متعددة 

ويبرز جوانب وإجراءات مختلفة اتخذتها تركيا خلال الشهور الأخيرة، ضد إسرائيل ودعما للفلسطينيين.

إذ انتقد انضمام تركيا إلى الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا أخيرا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية والتي تتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية. 

وبحسب المعهد، سبق أن انخرطت تركيا في جوانب من الحرب القانونية ضد إسرائيل، ولكن ليس بهذه الطريقة الصارخة.

أما من الناحية الإعلامية، فقد كان لأنقرة جهد كذلك في فضح انتهاكات إسرائيل، إذ يشير المعهد العبري إلى الفيلم الوثائقي التركي الرسمي الذي صدر أخيرا بعنوان "الشهادة" ويوثق جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة.

وانتقد المعهد كذلك الأداء الدبلوماسي للخارجية التركية، ويستشهد برفض أنقرة إدانة الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل يومي 13 و14 أبريل/ نيسان 2024، حيث أصدرت بيانا في أعقاب الحادث أكدت فيه مسؤولية تل أبيب عن التصعيد.

ولم يتوقف الدعم التركي لفلسطين عند هذا الحد، فبحسب التقرير العبري، "سمحت الحكومة التركية فعليا بمواصلة الاستعدادات لأسطول جديد مخطط له الإبحار إلى شواطئ غزة، وكان من المفترض أن ينطلق في نهاية أبريل 2024".

 ولكن يبدو أن الجهود الدبلوماسية، بقيادة الولايات المتحدة، دفعت غينيا بيساو إلى عدم السماح لاثنتين من سفن الأسطول -من بينها سفينة شحن- بالإبحار تحت علمها إلى غزة.

وحتى على المستوى الشعبي، يشير المعهد إلى أن مواطنا تركيا يعمل إماما -أي أنه موظف حكومي- كان في القدس كجزء من رحلة حج نظمتها هيئة الشؤون الدينية التركية، عمد إلى طعن ضابط شرطة إسرائيلي في البلدة القديمة بالقدس في 30 أبريل 2024.

ويوضح أن هذه "أول حادثة تحدث في إسرائيل على يد مواطن تركي". وتابع: "ورغم أنها بقرار مستقل، لكنه دليل على عمق التحريض في تركيا، وبالتالي يتطلب إعادة النظر في سياسة الموافقة على التأشيرات السياحية للمواطنين الأتراك".

ويفسر القرار التركي بشأن وقف التجارة، كنتيجة للضغوط الداخلية، وخاصة الرأي العام التركي المعادي بشكل كبير لإسرائيل.

ورأى أن نتائج الانتخابات المحلية في 31 مارس/ آذار 2024 كانت مفصلية في اتخاذ قرار قطع العلاقات التجارية مع الاحتلال.

إذ كانت حملة قضية التجارة مع إسرائيل محورية في الدعاية الانتخابية. وأشار المعهد العبري إلى اتجاه بعض أفراد التيار المحافظ من أنصار حزب العدالة والتنمية، إلى انتخاب الحزب الإسلامي الجديد "الرفاه الجديد".

وجاء ذلك كرسالة احتجاج إلى الحكومة التركية إزاء استمرار بعض أشكال التجارة مع إسرائيل. ولفت المعهد إلى أن ذلك الانقسام بين المعسكر المحافظ سمح بانتصار المعارضة.

ويرى أن الحكومة استمعت إلى تلك الرسالة، وتهدف إجراءاتها الأخيرة "إلى إسكات بعض الانتقادات الموجهة إليها، وإعادة الناخبين إلى أردوغان".

دور حيوي 

ووصف المعهد اللهجة التركية تجاه إسرائيل بأنها "متطرفة"، وأنها "جزء من جهود أنقرة للتأثير على مسار الحرب في قطاع غزة". 

ويوضح سياسة أنقرة التي استهدفت لعب دور الوسيط لإنهاء الحرب، قائلا: "عملت الحكومة التركية -التي كانت تحاول في السنوات الأخيرة تعزيز نفسها كقوة ذات مكانة إقليمية مركزية- جاهدة للعب دور مهم".

وتابع: "عرضت تركيا نفسها كوسيط، وهو ما برر أيضا صمتها أمام تصرفات حماس وإيران، كما أنها تقدم مساهمة كبيرة للقطاع، حيث أرسلت إليه قدرا كبيرا من المساعدات الإنسانية".

ويكمل: “في مرحلة مبكرة من الحرب، اقترحت تركيا نموذجا لضمان أمن الفلسطينيين تلعب فيه دورا نشطا”.

"لكن المقترحات التركية لم تلق قبولا إيجابيا من قبل الأطراف المعنية، وبالتالي لم تؤثر أنقرة على مختلف العمليات على الأرض".

وبحسب قوله، "فإن تشديد اللهجة ضد إسرائيل والدعم الواضح لحماس يمثل محاولة من جانب تركيا لإعادة تعريف دورها كداعم حيوي للحركة وبالتالي اكتساب النفوذ الذي لم تحققه حتى الآن".

ويضيف: "يرى صناع القرار في تركيا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نقطة ضعف، ولن يكمل فترة ولايته، وهذا التصور يحفز استعدادهم لتحمل المخاطر في سياستهم تجاه إسرائيل".

عواقب منتظرة

وحول الانعكاسات السلبية على أنقرة جراء قرار قطع العلاقات التجارية، يقول المعهد إن "الاقتصاد التركي يفقد مصدرا مهما للعملة الأجنبية". 

وأضاف: "تنتهك تركيا بذلك اتفاقية التجارة الحرة من جانب واحد وبشكل فوري مما يعرضها لمحاكمة إسرائيلية أمام المنظمات الدولية، ويقوض مصداقيتها في نظر جميع شركائها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن موقف تركيا المتطرف المؤيد لحماس يعزلها"، على حد وصف المعهد العبري.

ومن شأن القرار الأخير، التأثير سلبا على العلاقة بين أنقرة وواشنطن، فبحسب المعهد، فإن "زيارة أردوغان التي كان من المفترض أن تتم في شهر مايو إلى واشنطن، تم تأجيلها وربما إلغاؤها، حتى قبل قرار وقف التجارة مع إسرائيل".

واستطرد: "يبدو إذن أن التأجيل كان بمثابة إجراء وقائي من جانب تركيا، التي كانت تعلم أنها ستصعد الخط ضد إسرائيل، وتخشى انتقادات واشنطن".

ويؤكد المعهد أن "هذا دليل آخر على الابتعاد التركي عن تقديرات السياسة الواقعية، حيث كانت الزيارة مهمة بالنسبة لأردوغان".

ويضيف: "قد فسر البعض موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو (حلف شمال الأطلسي)، في يناير/ كانون الثاني 2024، على أنها مدفوعة، من بين أمور أخرى، بالرغبة في تحقيق ترقية طائرات إف 16".

 لكن التحرك التركي ضد إسرائيل قد يثير الآن مرة أخرى معارضة في الولايات المتحدة لإتمام الصفقة.

يرى المعهد العبري أن قرار تركيا قطع التجارة يمثل معضلة كبيرة لإسرائيل، لأنه يمكن تجديده حتى بعد وقف إطلاق النار في غزة.

وينظر للأمر برمته بوصفه "تحولا استراتيجيا في علاقة تركيا مع إسرائيل، مما يجعلها أقرب إلى وضع دولة عدو خطير من كونها دولة منافسة بشكل رئيس على المستوى الخطابي، ومن الواضح أن هذا سيكون له آثار تتجاوز الجانب الاقتصادي أيضا".

ويحرض الدول الإقليمية والدولية ضد تركيا، قائلا: "يجب عليها أيضا أن تشعر بقلق بالغ إزاء الخطوة التركية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الخليج السنية ودول الاتحاد الأوروبي، وخاصة الجنوبية منها".

وتابع: "استعداد تركيا للمخاطرة بمثل هذه الخطوة ضد إسرائيل يشير وباحتمال كبير إلى عودة السياسة التركية الاستفزازية إلى الواجهة، كما حدث في 2019-2020، وتعزيز التقديرات الأيديولوجية والداخل التركي في تشكيل السياسة الخارجية على حساب التقديرات الواقعية".

واختتم متسائلا: "هل القرار التركي الأخير ظاهرة تقتصر على العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وترتبط بما تشهده الساحة الإسرائيلية الفلسطينية وخصائصها، أم أنه يمثل تحولا شاملا في السياسة الخارجية التركية؟". 

ويعتقد المعهد أن "السؤال المطروح ليس له إجابة واضحة حتى اللحظة".