تفكك داخلي.. ما رسائل ائتلاف نتنياهو الديني من إعفاء "الحريديم" من التجنيد؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

كي يضمن استمرار "شبكة أمان دينية" لبقائه في الحكم، استجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمساعي أحزاب اليمين المتطرف باستمرار إعفاء المتدينين (الحريديم) من الخدمة العسكرية ومرر قانونا منع تجنيدهم بـ63 نائبا مقابل 57.

لكن الرسائل التي مررتها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة من إعفاء "الحريديم" من التجنيد الإلزامي في الجيش، يُخشى بسببها أن يفجر الداخل بصورة أكبر. 

وأن يهدد هذا القانون تماسك الجيش نفسه، بعدما رفض وزير الدفاع يوآف غالانت القانون، وخرج عن طوع حزبه (الليكود) وصوت ضده في الكنيست.

وعمق هذه المخاوف، دعوة عائلات إسرائيلية جنودهم لإلقاء السلاح والعودة من غزة؛ احتجاجا على تحميلهم الأعباء  وحدهم، وإعفاء المتدينين (الحريديم).

وسيحال القانون، بعد الموافقة عليه بالقراءة الأولى في 10 يونيو/ حزيران 2024، إلى لجنة الخارجية والأمن لمزيد من المداولات قبل طرحه للتصويت بالكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة ليصبح قانونا نافذا.

موتوا بغيظكم 

كانت الرسالة التي ركزت عليها صحف عبرية، عقب تمرير الائتلاف اليميني الحاكم قانون الإعفاء الجديد في الكنيست هي أن الأحزاب الدينية والصهيونية تخرج لسانها لكل الإسرائيليين، وترى أن أبناءها المتدينين "حراس التوراة"، كما يسمونهم، على رأسهم ريشة. 

محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، قال إن تمرير ائتلاف نتنياهو اليمني قانون إعفاء الحريديم "يحمل رسائل سياسية عديدة".

وأوضح في مقال نشره في 11 يونيو 2024 أن "ملخصها هو قول الأحزاب الحريدية المتشددة لمختلف شرائح المجتمع الإسرائيلي موتوا بغيظكم فلن نتجند".

وأكد فيرتر أن الرسالة التي بعث بها 63 من أعضاء الكنيست ممن دعموا القانون، تؤكد، أنهم صوتوا من أجل تشكيل شبكة أمان تحمي الائتلاف الحكومي.

وقال ساخرا إن الحريديم لا يعرفون مصطلح "معا"، ويصرون على تكريس الانفصال والعزلة عن المجتمع، متصورين أنفسهم "صفوة دينية".

وأشار إلى أن شعارهم الخادع "ننتصر معا" يعنيهم فقط، ويقصدون به التصويت على بقاء الائتلاف الحكومي الديني، بينما شعارهم في الحروب هو "نموت منفصلين".

ولم يستبعد فيرتر اتساع ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية في صفوف الشبان اليهود، قائلا إنه "سيكون من الصعب توجيه انتقادات إلى الأمهات والآباء الذين بدأوا يتوسلون لأبنائهم وبناتهم لرفض الخدمة العسكرية في ظل هذه الحكومة".

نفس هذه الرسالة أشار لها مراسل الشؤون السياسية في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يهودا شليزنغر، في 11 يونيو وهو يشير إلى "تداعيات خطيرة لهذا القانون على تماسك المجتمع الإسرائيلي في ظل الحرب.

وأكد أن هذا القانون يهدف إلى "توفير شبكة أمان لحكومة اليمين"، ويصب في مصلحة نتنياهو "للبقاء قدر الإمكان على كرسي رئاسة الوزراء وتجنب المحاكمة بتهم الفساد وخيانة الأمانة".

وينجح الحريديم في التهرب من الخدمة العسكرية من خلال حزبين تابعين لهم، "يهودت هتوراة"، وهو حزب اليهود الحريديم الغربيين، وحزب "شاس" حزب الحريديم الشرقيين.

وكلاهما يستغل الصراع بين معسكر اليمين واليسار الصهيونيين على الحكم، ويشترط للانضمام لائتلاف أي من المعسكرين، كنوع من الابتزاز، ومواصلة عدم تجنيد شبابهم في الجيش، ودعم مدارسهم الدينية بميزانيات كبرى. 

ولحزبي "يهودوت هتوراه" و"شاس" 18 مقعدا بالكنيست من أصل 64 صوتا داعما للحكومة الحالية، ويلزم الحصول على ثقة 61 عضو كنيست على الأقل من أجل ضمان بقاء الحكومة، وبالتالي فانسحابهم يسقط الحكومة.

وكانت المحكمة العليا قد ألغت قانونا، صدر عام 2015، يقضى بإعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمس بـ"مبدأ المساواة وتقاسم الأعباء".

ومنذ عام 2017 فشلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي في هذا الشأن.

ودأب الكنيست على تمديد إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، ومع نهاية مارس/ آذار 2024 انتهى سريان أمر أصدرته الحكومة بتأجيل تطبيق التجنيد الإلزامي لهم، وتم مده شهرا آخر حتى نهاية أبريل/ نيسان 2024.

وأصدرت المحكمة في فبراير/شباط 2024، أمرا يطالب الحكومة بتوضيح سبب عدم تجنيد الحريديم، لكن ظلت تتلكأ وتؤجل الرد حتى أصدرت الإعفاء الجديد.

الجيش يضيع

أخطر رسالة وجهها تصويت ائتلاف نتنياهو المتطرف باستمرار إعفاء الحريديم من التجنيد الإلزامي، هي أن التجنيد لم يعد أمرا قوميا يشمل كل الإسرائيليين، لذا بدأ جنود يرفضون الخدمة، وأسر تشجعهم على ترك العدوان على غزة، ما يهدد بتفكك جيش الاحتلال.

أهالي بعض الجنود الإسرائيليين وجهوا رسالة إلى وزير الدفاع غالانت ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، أبلغوهم فيها أنهم يطالبون أبناءهم "بإلقاء أسلحتهم والعودة إلى منازلهم".

صحيفة "هآرتس" العبرية في 11 يونيو، قالت إنهم أكدوا أنهم فعلوا ذلك "بعد تصويت الكنيست بإعفاء الحريديم من التجنيد".

واتهمت العائلات "الحكومة بخيانة مواطنيها، وتسليم حياة أبنائنا، ولكن من أجل البقاء السياسي تحافظ على حياة الآخرين آمنة".

صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أكدت في 11 يونيو أن "استياء كبيرا يشعر به جنود الاحتياط عقب تصديق الكنيست على تمديد قانون إعفاء الحريديم من خدمة التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال.

ونقلت عن بعض الجنود قولهم، إن حكومة نتنياهو "طعنتهم في الظهر" بعد إعفاء الحريديم من خدمة التجنيد الإجباري، في وقت يعاني فيه الجيش "نقصا كبيرا في عدد الجنود، واستنزافا جسديا ونفسيا جراء طول الحرب وما يعانونه على أيدي المقاومة".

وتحدث الجنود عن “حكومة تحشد (في الكنيست) من أجل بقائها السياسي، بدلا من الحشد للحرب الصعبة في قطاع غزة، متسائلين: أليس هذه خيانة؟”

اللواء المتقاعد غيورا آيلاند حذر أيضا من أن الخط الذي يربط بين قانون التجنيد وبين إخفاق 7 أكتوبر، "رفيع"، منتقدا إعفاء الحريديم.

واتهم آيلاند في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت" في 12 يونيو، حكومة نتنياهو أنها "تسببت بتآكل قوة الردع الإسرائيلية، وتستخدم حاليا كل حيلة ممكنة من أجل منع إصدار أمر الساعة، وهو الزيادة الفورية للقوات النظامية في الجيش من خلال تعبئة واسعة النطاق لتلامذة المدارس الدينية".

وطرأ ارتفاع فعلي في عدد الجنود الإسرائيليين الذين يرفضون الخدمة، احتجاجا على سياسة الحكومة ضد الفلسطينيين.

وهو ما أكدته حركة "يوجد حد" التي تساعد رافضي الخدمة، التي رصدت أن عدد الرافضين "غير مسبوق" في العدوان الحالي على غزة، بحسب تقرير نشره موقع "زمان يسرائيل" الإخباري في 5 يونيو.

وأكدت حركات رافضي الخدمة في جيش الاحتلال، أن عدد الرافضين لأسباب دينية أو غيرها ارتفع بمئات النسب المئوية، ومن أسبابه أيضا تراجع معنويات الجنود بسبب إطالة الإبادة.

وقال المتحدث باسم حركة "يوجد حد"، يشاي مينوحين، لموقع "يديعوت أحرونوت" في يونيو 2024 إنه ساعد قرابة 40 جنديا ومجندة رفضوا الأمر العسكري باستدعائهم لقوات الاحتياط. 

وقال إن حركته تلقت قرابة 100 طلب بالمساعدة من رافضي الخدمة العسكرية، بينما كانت الحركة تتلقى 10 – 15 طلبا كهذا سنويا وحوالي 40 طلبا في سنوات الحرب على لبنان والانتفاضتين الفلسطينيتين.

أيضا قالت مجموعة تُسمى "رافضات"، تساعد شبانا وفتيات يرفضون التجنيد في الجيش قبل استدعائهم للخدمة الإلزامية، إن عدد رافضي الخدمة الذين توجهوا إليهم لطلب المساعدة في تزايد.

وإضافة إلى رافضي الخدمة بدافع ديني، بدأت أخيرا ظاهرة رفض الخدمة من جانب جنود "تراجعت معنوياتهم بسبب إطالة الحرب". 

ففي نهاية أبريل 2024، أعلن حوالي 30 جندي احتياط في لواء المظليين، الذين تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية في رفح، أنهم يرفضون المثول فيها، لأنه خلال أشهر الحرب الطويلة تضررت دراستهم وعملهم وعائلاتهم وتسبب ذلك بضائقة نفسية وجسدية.

ما أغضب الإسرائيليين من استثناء الحريديم من التجنيد أيضا، هو أن هناك عجزا في القوات في غزة بسبب الجنود القتلى والمصابين بالآلاف.

"القناة 12" العبرية، كشفت أن رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي أبلغ القيادة السياسية أن الجيش يحتاج إلى 15 كتيبة جديدة، بحجم فرقة عسكرية تضم 4500 جندي، حتى يتمكن من القيام بمهامه على عدة جبهات.

وذكرت أنه "أبلغ نتنياهو أن النقص ليس فقط نتيجة الحرب، بل أيضا بسبب إعفاء المتدينين، والحاجة إلى زيادة حجم القوات من أجل المهام الإضافية للجيش".

وقالت القناة إن "قوات الاحتياط تعاني من نقص حاد في الجنود، لدرجة أنها بدأت تعلن عن متطوعين للقتال بغزة عبر إعلانات على تطبيق واتساب".

وكشفت مديرية شؤون الموظفين في جيش الاحتلال، أمام لجنة في الكنيست أواخر فبراير 2024، أن نحو 66 ألف شاب من "الحريديم" حصلوا على إعفاء من الخدمة العسكرية خلال عام 2023، فيما وافق 540 منهم فقط بسبب غزة.

تأجيلات سنوية

يشكل اليهود الأرثوذوكس (الحريديم) 13 بالمئة من السكان في الكيان المحتل، ويجرى إعفاؤهم من الخدمة العسكرية منذ 1948 بدعوى أنهم يكرسون أنفسهم لتعلم التوراة في مدارس وكليات دينية خاصة بهم.

ويزعمون أن "التوراة أهم من البندقية في الدفاع عن اليهود"، وهذا ما يستخف به بقية الإسرائيليين خاصة العلمانيين.

ويقصد بهم طائفة يهودية متطرفة، تطبق الطقوس الدينية وتعيش حياتها اليومية وفق "التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية" وهي وفق هذا المعنى طائفة يهودية أصولية.

ويطلقون على أنفسهم هذا الاسم (الحريديم) لأن كلمة "حريدي" تعني "التقي" في اللغة العبرية، ويرون أن مهمتهم هي حماية الشريعة اليهودية عبر قراءة التوراة التي بين أيديهم حاليا.

ومقابل ذلك، يحصل طلاب المدارس الدينية الحريدية على رواتب للدراسة، في إطار القانون الذي يسمح لهم بالحصول على تأجيلات سنوية للخدمة العسكرية حتى بلوغهم سن الإعفاء.

وهذا التيار الديني اليهودي لا يؤمنون بالحياة التكنولوجية الحديثة ويُحرمون مشاهدة التلفزيون.

ولا يحملون مثلا هواتف ذكية تتصل بالإنترنت، بل أجهزة يطلق عليها اسم "كوشير" (تعني حلال في اليهودية)، وهي هواتف مخصصة للاتصال والإرسال فقط، لأن هذا التيار يحرم على اتباعه استخدام الإنترنت والتقنيات المتقدمة.

وعام 2023 هاجم بعضهم متجرا لبيع الهواتف الذكية وحطموه لأنه قدم عروضا لهم لشراء الهواتف، وشاهدوا طالبا منهم يشتري منه.

ويرى "الحريدي" أن الخدمة العسكرية، والاندماج الأوسع مع العالم العلماني، يشكلان تهديدا لهويتهم الدينية، واستمرارية تقاليد مجتمعهم المعزول.

وهم ضد التجنيد في الجيش لأنه يشغلهم عن ممارسة معتقداتهم الدينية بشكل كامل، حتى إنهم ليس لديهم أي مشاركة اقتصادية في دولة الاحتلال ويعيشون على الإعانات الحكومية والمساعدات، ويمضون وقتهم في المدارس الدينية والعبادة.