رجل "حزب الله" اللبناني للمهام الصعبة يزور الإمارات.. ما الصفقة المنتظرة؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

بينما يواصل "حزب الله" اللبناني المعارك مع إسرائيل على الحدود الجنوبية، فتح بصورة مفاجئة قناة اتصال مباشر مع دولة الإمارات التي تحظر الحزب على أراضيها وتصنفه "تنظيما إرهابيا".

وفي زيارة وصفت بـ"التاريخية"، زار "وفيق صفا" مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق التابعة لحزب الله والمسؤولة عن التنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، الإمارات في 19 مارس/ آذار 2024، وفق أربعة مصادر مقربة من الحزب.

حزب الله والإمارات

وذكرت الوكالة نقلا عن المصادر في 20 مارس أن المسؤول الكبير في حزب الله الخاضع للعقوبات الأميركية، وصل إلى الإمارات لتسهيل إطلاق سراح أكثر من عشرة مواطنين لبنانيين محتجزين هناك.

وأفادت قناة "الجديد" اللبنانية، بأن "صفا" عاد إلى بيروت من الإمارات، في 21 مارس 2024، مشيرة إلى أنه خاض مفاوضات بشأن استعادة الموقوفين اللبنانيين، فضلا عن مساعي تخفيف "بعض التوترات الإقليمية".

ودولة الإمارات التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل في عام 2020 تصنف حزب الله "تنظيما إرهابيا" وتتهمه بزعزعة أمن الخليج العربي، في حين يتهم الحزب الإمارات بأنها "وكر الصهاينة".

وقال محللون إن الزيارة التي جاءت بناء على دعوة من الإمارات قد تشير إلى تحول كبير عن العداء الذي ميز العلاقات منذ فترة طويلة بين حزب الله والإمارات.

ووصف أحد المصادر، الذي تحدث شريطة عدم كشف هويته، زيارة وفيق صفا بأنها "صفحة جديدة" في العلاقات بين الإمارات وحزب الله. 

وأوضحت أن الإمارات أجرت اتصالات مع حزب الله برسالة مفادها أنهم يسعون إلى الإفراج عن المحتجزين اللبنانيين الذين يقضي عدد منهم عقوبة السجن المؤبد.

وذكرت المصادر أن المحتجزين أُلقي القبض عليهم بتهم منها تقديم الدعم والتمويل إلى حزب الله، ووصفت المصادر التهم بأنها ذات دوافع سياسية.

والموقوفون الأربعة في الإمارات بحسب صحيفة "الأخبار" اللبنانية هم: عبدالله هاني عبدالله (الخيام - مؤبد)، علي حسن مبدر (صيدا - مؤبد)، أحمد علي مكاوي (طرابلس- 15 سنة)، عبدالرحمن طلال شومان (كفردونين - مؤبد)، أحمد فاعور (الخيام - محكوم 15 سنة)، فوزي محمد دكروب (زقاق البلاط - مؤبد)، وليد محمد إدريس (البقاع - 10 سنوات).

وخلال السنوات الماضية أوقفت أبوظبي عددا من المواطنين اللبنانيين على أراضيها واتهمتهم بالتعامل مع حزب الله، ونجحت سلطات بيروت في إطلاق سراح بعضهم. 

ودخل حزب الله اللبناني في تصعيد مع إسرائيل منذ اليوم الثاني للعدوان الإسرائيلي على غزة، تسبب بوقوع ما لا يقل عن 322 قتيلا لبنانيا.

وتصنف الدول الست في مجلس التعاون الخليجي، حزب الله "جماعة إرهابية" منذ عام 2016، كما فرض المجلس عقوبات عليه في 2013 لزجه بعناصره إلى جانب قوات الأسد لقتل السوريين.

جدير بالذكر أن سياسة الإمارات الخارجية انقلبت رأسا على عقب في السنوات الأخيرة، بداية من إعادة فتحها سفارتها بالعاصمة السورية دمشق أواخر 2018، وأصبح منذ ذلك التاريخ تواصل أبوظبي مع النظام السوري على المكشوف.

ثم بدأت الإمارات إعادة التواصل مع طهران في عام 2019، ورغم ذلك فقد بقي حزب الله ثابتا على مواقفه المعادية لدول الخليج والتي يراها مراقبون صدى لصوت إيران بالنهاية كونها المتحكم الأول بقرار الحزب.

ضرورات المرحلة

وفتح قناة تواصل بين حزب الله والإمارات في هذا التوقيت الذي تتواصل فيه الإبادة الإسرائيلية بحق غزة، يحمل وفق مراقبين لمسات وترتيبات من نظام الأسد.

لا سيما أن أبوظبي لعبت الدور الأكبر في إعادة علاقات دول عربية مع الأسد قبل أن يجري منح مقعد سوريا في الجامعة العربية في مايو 2023 للنظام السوري الذي استبق هذه الخطوة بتطبيع العلاقات أيضا مع السعودية.

لكن مع ذلك، تشكل زيارة المسؤول الكبير في حزب الله إلى الإمارات، تطورا جديدا في تكتيكات الحزب وعلاقاته من ناحية الدخول بشكل مباشرة على خط المفاوضات بدلا من اللجوء إلى الوسطاء والمفاوضين من الحلفاء.

إذ لم يسبق أن تولت شخصية في "حزب الله" دورا مباشرا في مفاوضات أو وساطات تتعلق بمعتقلين أو سجناء مرتبطين به.

فهو عبر تاريخ طويل منذ تأسيسه بعد العام 1982 كان يتكل على آخرين ليتولوا هذه المهمة، وآخرهم المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم.

وسبق أن أنجز اللواء عباس إبراهيم، المنحدر من الطائفة الشيعية، إطلاق سراح الطبيب اللبناني ريتشارد خياط، بعد اعتقاله في أبو ظبي لأكثر من شهر لنشره تغريدات رأتها السلطات الإماراتية تشهيرية قبل أن يعود إلى وطنه أواخر أبريل 2022.

كما نجح عباس إبراهيم، بموجب اتفاق بين لبنان والإمارات، من إتمام صفقة إطلاق سراح ثمانية لبنانيين، في يناير/كانون الثاني 2021، كانوا معتقلين في أبوظبي، وذلك بعد توقيفهم لأشهر عدة في الدولة الخليجية لاتهامهم بالتعامل مع حزب الله اللبناني. 

وفي نهاية مايو 2023 أفرج عن 9 مواطنين لبنانيين كانوا موقوفين من أصل 10 أشخاص في الإمارات منذ مارس من العام المذكور.

وينتمي هؤلاء إلى الطائفة الشيعية وجرى توقيفهم بتهمة التعامل مع حزب الله  حسبما أكد الناطق باسم أقارب اللبنانيين الموقوفين في الإمارات عفيف شومان حينها.

بينما أحد الموقوفين العشرة يدعى غازي عزالدين، توفي قيد التوقيف في الرابع من مايو 2023، ما أثار إدانات من مجموعات حقوقية بما فيها منظمة العفو الدولية.

وتوجهت الأنظار إلى الإمارات في هذا الملف، بعد وفاة اللبناني غازي عز الدين (50 عاما) تحت التعذيب في 4 مايو/أيار 2023، بعد توقيفه من قبل سلطات أبوظبي في 22 مارس/آذار من العام ذاته.

وبحسب "منظمة العفو الدولية" في 12 مايو/ أيار 2023، تواصلت السلطات الإماراتية، مع نجل المتوفى وطلبت منه الحضور للتعرف على جثة والده، إلا أنها لم تسمح له سوى برؤية وجهه.

كما رفضت سلطات أبوظبي تسليم جثة غازي لعائلته لدفنها في بيروت، بل عمدت إلى دفنه في دبي بحضور ابنه وشقيقيه الموقوفين اللذين أطلقت سراحهما لاحقا.

"رؤية جديدة"

ورغم أن وسائل إعلام مقربة من حزب الله حصرت الزيارة المفاجئة إلى أبوظبي بملف الموقوفين، إلا أن هناك من يرى أن هذا التقدم في هذا الملف يعد بمثابة بالون اختبار لطبيعة العلاقة بين الطرفين في المرحلة المقبلة.

وخاصة أن حزب الله لديه ملفات يمسك بها داخل لبنان كتعطيله ملف انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية منذ أكتوبر 2022. 

كما أن هناك من ينظر إلى أن "صفا" مكلف من حزب الله بالتعامل مع المسؤولين الإماراتيين في ملفات حرب غزة وامتداداتها إلى لبنان. لا سيما أن وسائل إعلام لبنانية تحدثت عن قدوم طائرة إماراتية خاصة لنقل "صفا" إلى الإمارات.

وضمن هذه النقطة قالت مصادر سياسية بارزة لصحيفة "الأخبار" اللبنانية، إن زيارة صفا أتت بعد مسار طويل من المحادثات بدأ منذ حوالي ستة أشهر.

وكشفت المصادر أن "الإمارات حاولت أكثر من مرة فتح قنوات للتواصل المباشر مع الحزب بينما كان الأخير يرفض هذا الأمر".

وكشفت أن "فتح قنوات التواصل بين الإمارات والحزب أتى بعد وساطة من دولة إقليمية، علما أن مساعي بذلها مسؤولون أمنيون لبنانيون لدى نظرائهم السوريين ولدى الحكومة العراقية للتوسط لدى الإمارات لإقفال هذا الملف".

وأكدت المصادر أن "الاتصالات التي كانت قائمة أحيطت بسرية تامة ولم يكن أحد على علم بها ولا حتى حلفاء الحزب في الداخل الذين استوضحوا عن ذلك بعد تسريب الخبر، وأن زعيم الحزب نصرالله أوكل المهمة لصفا، بوصفها أمنية بامتياز ولا أبعاد سياسية لها".

 

وفي هذا السياق، قال قاسم قصير الكاتب السياسي المتخصص في الحركات الإسلامية، إن زيارة وفيق صفا تؤشر إلى سعي حزب الله للتواصل مع الإمارات على عكس المرحلة السابقة والإمارات أيضا حريصة على إيجاد قنوات إيجابية مع حزب الله".

وأضاف قصير في تصريحات تلفزيونية أن إطلاق سراح الموقوفين اللبنانيين إذا تم يؤشر على العلاقة الجيدة التي يمكن أن تربط الإمارات مع حزب الله في المرحلة المقبلة.

وأشار إلى أنه "منذ توقيع اتفاق التطبيع السعودي الإيراني في مارس 2023 اتبع حزب الله نهجا جديدا وابتعد عن أي إشكالات ضد الدول العربية حتى أنه في انتقاده للدول المطبعة مع إسرائيل لم يكن يذهب إلى خطاب حاد ضدهم".

ومضى قصير يقول: "عقب معركة طوفان الأقصى حرص حزب الله على إرسال رسائل إيجابية إلى دول الخليج ومصر والأردن ومن هنا يمكن أن نقول هناك رؤية جديدة لحزب الله تجاه الدول العربية".

وذهب للقول: "إطلاق سراح الموقوفين لا يتم الإعلان عنه بشكل سريع إلا بحال وجود تحقيق للأهداف بمعنى لا يمكن ذهاب وفد من حزب الله إلى الإمارات إلا بوجود تقدم في الملف".

وأشار إلى أن "العلاقة بين حزب الله والدول العربية يمكن أن تحل مشكلة الشغور الرئاسي في لبنان، خاصة في ظل مرحلة جديدة على المستوى العربي والإقليمي". 

بدوره، قرأ الكاتب اللبناني إبراهيم بيرم دوافع الأداء الجديد لحزب الله بأنها تعود لـ"التداعيات الموجعة لإطالة أمد المواجهات التي يخوض غمارها على طول الحدود الجنوبية مع إسرائيل".

وأضاف بيرم في مقال له أن "إيفاد رجل المهمات الصعبة في الأمانة العامة للحزب ورجل الثقة عند حسن نصرالله إلى دولة الإمارات يشكل انعطافة سياسية مفتاحها الأساس الانفتاح على عواصم خليجية وتحسين علاقته بها".

وأرجع ذلك لرغبة الحزب في "بث جرعة من الطمأنينة في بيئته وعند جمهوره القلق من جهة أخرى ولكي يظهر في مظهر الحريص على أمنهم الاجتماعي وسعيهم الاقتصادي".

وذهب للقول: "لذا من المنطقي أن يبدأ حزب الله برحلة البحث عما يجعله حاضرا ولاعبا وليس مستبعدا ومعزولا، وقد وضع في حساباته حلول يوم تصاغ فيه صفقات وتسويات كبرى في هذا الإقليم المشتعل منذ نحو ستة أشهر".