العدوان على غزة.. كيف يستغله "حزب الله"  لتحقيق مبتغاه بشأن رئاسة لبنان؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم مواصلة حزب الله مناوشاته مع إسرائيل على الحدود الجنوبية للبنان، فهو يفاوض بقوة على استحقاقات داخلية منتفعا من التصعيد الذي يراه منتقدوه من الأحزاب الأخرى بأنه "استعراض للعضلات لا أكثر".

وحاليا، تجري مفاوضات داخل لبنان لتسوية تقودها الولايات المتحدة لتطبيق القرار 1701 لنزع فتيل التوتر على حدود لبنان الجنوبية، والتفات هذا البلد نحو مزيد من الاستقرار وتنشيط الاقتصاد المنهار منذ عام 2019.

إلا أن حزب الله اللبناني يأبى تطبيق القرار قبل ضمان فوز مرشحه سليمان فرنجية برئاسة لبنان، لكن هذا الأمر ترفضه بقية الأطراف السياسية في البلاد.

ومنذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول، عقب اندلاع العدوان على غزة بيوم، لم تهدأ الحدود الجنوبية اللبنانية جراء القصف المتبادل بين "حزب الله" من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ما أعاد للواجهة مسألة تنفيذ القرار "1701".

وفي 11 أغسطس/ آب 2006، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم "1701" الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل.

ودعا القرار إلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني (جنوب)، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات "يونيفيل" الأممية.

مناورة جديدة

وكشفت أوساط ديبلوماسية لموقع "نداء الوطن" أن "حزب الله" أرسل أخيرا عن طريق حليفه الأساسي رئيس مجلس النواب نبيه بري وغيره إلى اللجنة الخماسية الدولية والدوائر الدبلوماسية، أنه على استعداد لتنفيذ القرار 1701، لكنه لا يقبل تنفيذ القرار تحت سلطة معادية له"، في إشارة إلى منصب رئيس لبنان.

ووفق ما نقل الموقع في 30 ديسمبر 2023 عن الأوساط المذكورة يطالب حزب الله المدعوم من إيران بالسلاح والمال، "بسلطة تشكل ضمانة له".

فلا يكون خروجه من جنوب الليطاني جنوب لبنان على قاعدة وجود سلطة ورئيس للجمهورية يطعنانه في ظهره، وهو يطالب بتطمينات سياسية مقابل تنفيذ القرار 1701، بحسب الموقع.

ويواجه حزب الله ضغوطا للالتزام بمنطقة منزوعة السلاح على الحدود مع إسرائيل بعمق 30 كيلومترا انطلاقا من قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي عزز انتشار قوة حفظ السلام الأممية "اليونيفيل" في جنوب لبنان إثر انتهاء "حرب تموز  2006" بين الحزب وتل أبيب.

اللافت أن المقايضة التي بدأ حزب الله يطرحها أخيرا لتمرير مرشحه لرئاسة لبنان وهو النائب سليمان فرنجية، الذي يصفه الحزب بأنه "مطمئن للمقاومة"، مرفوضة من قبل باقي الأحزاب اللبنانية.

فبعد طرح بري الجديد حول الرئاسة، عادت القوى السياسية اللبنانية، لرفض هذه المناورة الجديدة من حزب الله.

فقد أعلن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع (مناهض لحزب الله) أن "رئاسة الجمهورية ليست جائزة ترضية، لا على مستوى الوضع الداخلي ولا لجهة المعادلات الإستراتيجية". 

وأضاف جعجع قائلا في اجتماع بمقر حزبه ببيروت في 29 ديسمبر 2023: "لا علاقة لتطبيق القرار 1701 بسدة الرئاسة، لا من قريب ولا من بعيد".

 كما رأى أن "ما نشهده على حدودنا الجنوبية ليس قرارا لبنانيا شرعيا، فلا الحكومة اجتمعت واتخذته ولا جرى مناقشته في مجلس النواب كما لا تفاهم عليه بين الأحزاب والفرقاء اللبنانيين، فهذا القرار اتخذه حزب واحد انطلاقا من اعتبارات غير لبنانية".

ونوه جعجع إلى أن "(العدوان الإسرائيلي على) غزّة هي الحجّة”، وراح يقول: "هدف ما يجري على حدودنا الجنوبية هو قول حزب الله ومن ورائه محور المقاومة وصولا إلى إيران أنهم موجودون في المعادلة كي يحفظوا لأنفسهم موقعا فيها لينالوا فيما بعد بعض المكاسب عندما يحين موعد التفاوض".

كلام جعجع، يبرهن وفق المراقبين على أمرين اثنين الأول صلابة الجبهة الداخلية أمام طموح حزب الله بإعادة ابتلاع منصب رئاسة الجمهورية من جديد لمدة ست سنوات قادمة.

والثاني، التأكيد على أن مناوشات حزب الله على الحدود مع إسرائيل، هي ورقة يستثمرها في تنصيب مرشحه كرئيس للبنان بعد كل هذا الشغور الرئاسي.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون حليف حزب الله أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس.

وذلك على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد والمدعوم من إيران، وخصومه.

ودخل حزب الله منذ تأسيسه على يد الحرس الثوري الإيراني في ثمانينيات القرن العشرين، بمناوشات عسكرية محدودة مع إسرائيل بعد يوم من عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ووضعها الحزب في إطار "دعم قطاع غزة وتأييد مقاومته".

ورغم تنفيذ حزب الله عمليات يومية ضد أهداف عسكرية إسرائيلية قرب الحدود اللبنانية، فإنها بقيت مضبوطة عسكريا ولم تخرج عن صيغة القصف المتبادل أو الخروج عن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ نحو 16 عاما هناك.

"مشاغلة مدروسة"

لكن الأحزاب السياسية في لبنان بدأت تشعر بأن حزب الله دخل في "مشاغلة" مع إسرائيل تصب في مصلحته هو لا في مصلحة البلاد، وأنه يجب إنهاء التصعيد عند الحدود كون تبادل إطلاق النار ذاك هو "عملية من الحزب لإنقاذ ماء الوجه".

وهذا ما أشار إليه رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة، في حديث لصحيفة "الراي" الكويتية، في 24 ديسمبر 2023 بقوله "إن ادعاء حزب الله بمشاغلة القوات الإسرائيلية جزء من عملية إنقاذ ماء الوجه، وتاليا فإنه يأخذنا إلى حافة الهاوية". 

وأضاف السنيورة "إننا لدينا القرار 1701 الذي لم تطبقه إسرائيل، وكذلك حزب الله لم يتقيد به". 

وتابع أن "الأمور وصلت إلى نقطة تستوجب الكثير من التبصر من حزب الله الذي لا يمكنه المضي في المعاندة على أساس أن إسرائيل لا يمكنها وغير قادرة. مع العلم أن القرار في ما خص وضعيته وما يقوم به في الجنوب ليس عنده بل في يد إيران التي يتعين عليها أن تقيس الأمور بدقة".

ويأتي كل ذلك وسط تبلغ لبنان مجددا نية حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو فتح الجبهة اللبنانية والذهاب إلى تنفيذ عملية عسكرية ضد "حزب الله". 

وقد وصلت رسائل إلى الجهات الرسمية اللبنانية مفادها أن ضغوط الدول الغربية على إسرائيل، لم تفلح حتى الآن في إسقاط احتمال ذهابها إلى حرب مفتوحة مع لبنان.

وبينما بدأ نبيه بري ينشط لتحريك المياه الراكدة بملف الرئاسة عبر طرح مقايضة حزب الله على هذا الملف، خرجت بعض الأصوات اللبنانية لإبداء اعتراضها على هذا التوجه الجديد. 

وقد كتب النائب اللبناني فادي كرم، عبر منصة "إكس" في 30 ديسمبر 2023: "ضرر تسليم الرئاسة اللبنانية لمحور الممانعة على اللبنانيين يوازي، بل يتجاوز، ضرر الحرب عليهم".

وأضاف كرم: "تطبيق 1701 بوجود رئيس بإمرة المحور ليس إلا تحضيرا لحرب جديدة تندلع عند حاجة إسرائيل أو إيران لها".

واستدرك قائلا: "لن نسمح لمقايضات تأتي على حساب سيادتنا ووجودنا، وتؤدي إلى دمار لبنان".

اللافت أن "التيار الوطني الحر" أو ما يعرف بـ"التيار العوني" الذي يرأسه جبران باسيل، والذي يعد أحد حلفاء حزب الله، يرفض كذلك القبول بمرشح الثنائي الشيعي (حزب الله - حركة أمل).

وهذا ما أفشل محاولة حزب الله فرض مرشحه سليمان فرنجية بسبب التضاد المسيحي حول التوافق على اسم رئاسي.

وهو ما دفع برئيس البرلمان نبيه بري الذي يقود حركة أمل، إلى خوض المهمة نيابة عن حزب الله.

وهناك من يرى أن حزب الله يسعى إلى استباق الحل الإقليمي حول غزة بتنصيب رئيس للبنان مطابق لشروطه.

غياب الإرادة

وضمن هذه الجزئية قال ربيع هبر مدير “ستاتيسكتيكس ليبانون” المحدودة وهي شركة متخصصة في استفتاء الآراء والبحوث: "إن حزب الله لن يعطي تنازلات بشأن 1701 ويسحب قوته الأساسية من جنوب لبنان إلا في حال اطمئن لرئاسة الجمهورية".

وأضاف هبر خلال تصريح تلفزيوني في 31 ديسمبر 2023: "تمسك حزب الله بالمرشح فرنجية يعني عدم وجود إرادة لانتخاب رئيس، وبالتالي لن يكون هناك انتخاب قبل الحل في قطاع غزة ويمكن أن يمر حتى عام 2024 (ينقضي)" دون التمكن من حل أزمة الرئاسة.

وسبق أن أبدى رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي في 22 ديسمبر 2023 استعداد بلاده لتطبيق القرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة والذي ينص على انتشار الجيش اللبناني فقط على طول الحدود مع إسرائيل، بشرط انسحاب الأخيرة من أراض حدودية محتلة يطالب بها لبنان.

وأوضح مكتب ميقاتي أنه يشير الى الأراضي التي يطالب بها لبنان ولا تزال تحتلها إسرائيل منذ انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، وهي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من قرية الغجر.

ووسط هذا الانسداد الذي ما يزال حزب الله يناور فيه بطرح بين الفينة والأخرى ورقة جديدة أمام خصومه تحمل ذات الاسم لمرشحه الرئاسي، بدأ بالحديث عن "حل مؤقت" تبقى فيه كل الأطراف اللبنانية على ذات المسافة من فرض مرشحها الرئاسي عبر جس النبض حول "رئيس مؤقت للبنان" للخروج من الأزمة الراهنة.

وهذا ما قاله رئيس تحرير شبكة مرايا الدولية فادي بو دية بأن "هناك وشوشة خارجية وفي الغالب فرنسية في كواليس الملف الرئاسي طرحت انتخاب رئيس انتقالي لمدة سنتين في ظل استعصاء الاتفاق على مرشح للرئاسة يحوز على غالبية أصوات النواب".

وأضاف خلال تصريح تلفزيوني في 28 ديسمبر 2023 أن تلك الفترة تتيح انتخاب مجلس نيابي جديد وإيجاد أرضية للاتفاق وإقرار المراسيم المتوقفة على توقيع رئاسة الجمهورية.

ومضى بو دية يقول: "ما يزال الثنائي الشيعي متمسكا بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية".

ومع مراوحة الاستحقاق الرئاسي مكانه طوال عام 2023 من دون نتيجة إيجابية، تلفت أوساط دبلوماسية لموقع "القوات اللبنانية" إلى أن عام 2024 سيكون حاسما.

وتابع: "لم يعد هناك إمكانية لاستمرار الشغور نتيجة عوامل عدة، "منها الحرب على غزة وتداعياتها على جبهة الجنوب القابلة للتوسع في أي لحظة".

 وبالتالي، "فإن الجهود منصبة انطلاقا من منع توسع الحرب وضرورة الوصول الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وملء الشغور الرئاسي والذهاب إلى تشكيل حكومة جديدة وتفعيل العمل السياسي والدبلوماسي في لبنان وإعادة إحياء المؤسسات والإدارات في الدولة"، وفق الموقع المذكور.