قلق أميركي إسرائيلي.. ما سر توقيت تحرك الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل؟

حسن عبود | منذ ١١ يومًا

12

طباعة

مشاركة

أثارت احتمالات إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال دولية بحق مسؤولين إسرائيليين جنون تل أبيب، حتى بدأت بترهيبها وممارسة ضغوط عليها.

وفي بيان نادر من نوعه، دعت المحكمة الجنائية الدولية، في 3 مايو/أيار 2024، إلى وقف محاولات تقويض استقلاليتها أو إعاقة مسؤوليها أو تخويفهم أو التأثير عليهم.

وأوضح مكتب المدعي العام بالمحكمة، أنه "مطلع على أن هناك اهتماما عاما بتحقيقاته، ويرحب بأي تعليقات ومخاوف بشأنها".

ورأى أن "تهديد المحكمة أو موظفيها يقوّض استقلاليتها وحيادها ويعد جريمة ضد إقامة العدل، بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي".

وأخيرا، تداول إعلام عبري تقارير تفيد باحتمال إصدار المحكمة الجنائية مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، على خلفية العدوان على قطاع غزة.

وتواصل إسرائيل العدوان على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، رغم إصدار مجلس الأمن قرارا بوقف القتال فورا، وكذلك رغم صدور تعليمات من محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية" وتحسين الوضع الإنساني في القطاع المحاصر.

خشية إسرائيلية أميركية

القلق الإسرائيلي دفع نتنياهو في 30 أبريل/نيسان 2024، إلى مناشدة من سماهم "زعماء العالم الحر" العمل على منع صدور مذكرات اعتقال دولية من المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين.

وتحدى نتنياهو المحكمة التابعة للأمم المتحدة بقوله: “لن يؤدي أي قرار، لا في لاهاي (بهولندا- مقر المحكمة) ولا أي مكان آخر، إلى إضعاف تصميمنا على تحقيق جميع أهداف الحرب”، وهما القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس واستعادة الأسرى.

كما وصف احتمالية ضم شخصيات إسرائيلية بارزة إلى قائمة المطلوبين بأنه "أمر مثير للغضب ذو أبعاد تاريخية"، متهما المحكمة الجنائية الدولية بمحاولة "شل قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها"، وفق تعبيره.

وشاطرت الولايات المتحدة التي تواصل دعم إسرائيل بالأسلحة خلال العدوان، تل أبيب نفس القلق متبعة نهج ترهيب المحكمة.

وفي نفس يوم تصريح نتنياهو، حذر رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، من أنه إذا أصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد الأول "فسيكون تطورا خطيرا، ويجب الرد عليها".

ودعا جونسون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المطالبة بشكل فوري لا لبس فيه، بتراجع المحكمة الجنائية الدولية واستخدام كل الأدوات المتاحة لمنع مثل هذا "الفعل الشنيع" على حد تعبيره.

وفي مطلع مايو 2024، عقد أعضاء بارزون بالحزبين الجمهوري والديمقراطي الأميركيين اجتماعا عبر الإنترنت مع مسؤولين كبار في المحكمة الجنائية الدولية للتعبير عن رفضهم لإصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين.

وفي 29 أبريل، أعربت الولايات المتحدة عن معارضتها اتجاه المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بشأن ممارسات إسرائيل في غزة.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيير إنه ليس من اختصاص الجنائية الدولية إصدار الأحكام بحق المسؤولين الإسرائيليين.

ووصل القلق الإسرائيلي إلى حد طلب نتنياهو، من بايدن خلال محادثة هاتفية، مساعدته في منع إصدار المحكمة مذكرات توقيف يمكن أن تستهدفه شخصيا أو وزير الجيش في حكومته أو رئيس الأركان، وفق، موقع أكسيوس.

وذكر الموقع الأميركي نهاية أبريل، أن أعضاء في الكونغرس الأميركي وجهوا تحذيرات وتهديدات قوية للمحكمة الجنائية الدولية، في أعقاب الحديث عن الإصدار المحتمل لمذكرات اعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين.

أهمية التوقيت

ورغم شن عدة حروب على غزة منذ عام 2008 وحتى اليوم، لم تدن المحكمة إسرائيل ولم تصدر أي مذكرة اعتقال بحق أي مسؤول بمن فيهم نتنياهو.

بينما لم يتطلب إصدار "الجنائية الدولية" مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوى أسبوعين، بعد أن تقدمت 39 دولة أعضاء في المحكمة بطلب التحقيق في الجرائم المرتكبة داخل أوكرانيا.

وشرعت الجنائية الدولية في التحقيق بالتهم الموجهة لإسرائيل وقادتها السياسيين والعسكريين بشكل رسمي عام 2021، بعد ست سنوات من جمع المعلومات وتحليلها لكن شيئا لم يتحقق على أرض الواقع.

وهذا ما يجعل كثيرا من المراقبين يتهمون المحكمة بالانحياز وإعطاء إسرائيل الفرصة في كل مرة للإفلات من العقاب، رغم الجرائم الموثقة بالصوت والصورة واعتراف الاحتلال بها وافتخاره في بعض الأحيان بتنفيذها.

ولكن الآن، أصبحت أهمية المحكمة أكبر مقارنة بالسنوات السابقة على الرغم من أن جرائم الاحتلال لم تبدأ اليوم، وفق ما يرى مدير الشؤون القانونية والسياسات في منظمة "سكاي لاين" الدولية لحقوق الإنسان، محمد عماد.

وبين عماد لـ"الاستقلال" أن الزخم السياسي للعدوان المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر، دفع المحكمة للتحرك بجدية هذه المرة.

وتابع: “لا يمكن فصل الدور القانوني عن السياسي وهو ما نلمسه حاليا خاصة مع الحراك الشعبي الأميركي والأوروبي وقمع طلاب الجامعات الذين يعارضون العدوان الإسرائيلي وهو ما شكل موجة جديدة لإبراز دور المحكمة بشكل أكبر وتجاهل الضغوط السياسية”.

ولفت إلى أن أي تحرك فلسطيني أو دولي نحو محاكمة قادة الاحتلال كان يواجه بجبهة موحدة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

لكن الجبهات الدولية متنافرة اليوم في ظل تصاعد جرائم الاحتلال، ولذلك، فقد بدأت تسير المحكمة في مسارها الصحيح لمساءلة قادة الاحتلال على جرائمهم، وفق عماد.

وأكد عماد على ضرورة “استغلال الأجواء الحالية والتحرك الإيجابي من قبل المحكمة خاصة بعد تنديدها بتهديد أعضائها”.

وفي هذا الجانب، شدد على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه وزارتا الخارجية والعدل في رام الله والمنظمات الحقوقية الفلسطينية لإعداد الملفات سريعا خصوصا فيما يتعلق بالجرائم الكبيرة التي حدثت في بداية العدوان.

إمكانيات الملاحقة

بدورهما، لا تعترف الولايات المتحدة وإسرائيل باختصاص المحكمة الجنائية الدولية وهما ليستا من أعضائها، لكن السلطة الفلسطينية انضمت إليها في عام 2015 وحاولت منذ ذلك الحين مقاضاة تل أبيب دون الوصول إلى نتيجة.

إذ لم توقع واشنطن وتل أبيب على اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية كما دفع مسؤولون من كلا الجانبين على مدار السنوات الماضية بأن سلطتها القانونية لا تنسحب على مسؤوليها.

فيما أكدت المحكمة في عام 2015 وجددت التأكيد في 2021، أن له الولاية القانونية للنظر في أي جرائم ترتكب على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة وغزة وشرق القدس أيا كانت جنسية مرتكبها حتى ولو كانت دولة الجنسية ليست عضوا في اتفاقية إنشاء المحكمة.

وعن إمكانيات الملاحقة، يقول الحقوقي محمد عماد إنه “خلال السنوات السابقة، كان من الصعب الوصول إلى محاكمة القادة الإسرائيليين، لكن الزخم القانوني والسياسي والحراكات الدولية الحالية قد تغير المعادلة”.

ورأى أنه في حالة صدور حكم من المحكمة باعتقال مسؤول إسرائيلي ما، فإن الدول التي انضمت لهذه المنظومة القضائية ستجد نفسها محرجة من عدم تطبيق القرار.

وينظر عماد إلى الخطوة بإيجابية، حيث يعتقد أنها قد تزيد عزلة إسرائيل دوليا وتدفع قادتها للخوف من السفر للخارج وخاصة نحو الدول الأوروبية".

وبين أن “هذه نقطة ستكون لصالح الفلسطينيين، حتى لو يتم تنفيذ قرار الاعتقال فإن الأمر مهم للضغط على إسرائيل”.

وبات موقف الولايات المتحدة بشأن المحكمة الجنائية الدولية أكثر حساسية بسبب الخلافات الداخلية وازدواجية المعايير بين إسرائيل وروسيا بعد غزو الأخيرة لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وعدل الكونغرس القوانين للسماح بالتعاون مع المحكمة في قضيتها ضد روسيا، وفق ما قالت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2023.

وجاء التعديل قبل أربعة أشهر فقط من إصدار المحكمة في 17 مارس/آذار 2023 مذكرة اعتقال بحق بوتين بتهم "ارتكاب جرائم حرب".

وقبل ستة أسابيع من تعديل القوانين، توقفت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 أثناء عودتهم من أوكرانيا في مقر المحكمة بلاهاي للقاء المدعي العام للجنائية الدولية، كريم خان.

وعندما التقى خان بأعضاء مجلس الشيوخ في واشنطن خلال مايو/ أيار 2023، أخبرهم أن وزارة الدفاع الأميركية "لا تتعاون مع المحكمة وتفشل في تقديم معلومات موثقة حول ضربات المدفعية الروسية في أوكرانيا واختطاف الأطفال واقتيادهم إلى داخل روسيا".

وبعد ذلك، أصبح هؤلاء الأعضاء أفضل المدافعين عن المحكمة وأثاروا الأمر مع وزير الدفاع لويد أوستن، الذي قال إنه لا يعارض محاكمة الرئيس الروسي، لكنه مع ذلك يخشى التداعيات المستقبلية لمثل هذا التعاون.

وهذا التعاون قد يعطي المسوغات لمحاكمة قادة الحرب في إسرائيل، على رأسهم نتنياهو، ووزير جيشه يوآف غالانت، وهو ما تعمل واشنطن على تجنبه، خاصة مع تصاعد الأصوات الدولية التي تطالب بذلك، بحسب المجلة الفرنسية.