وضع خطير.. كيف كشف عدوان غزة اختلال معايير واشنطن في الجنائية الدولية

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

العدوان الإسرائيلي على غزة المتواصل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وخلف آلاف القتلى والجرحى مع تدمير القطاع على نحو غير مسبوق، سلط الضوء على "المعايير المزدوجة" للولايات المتحدة في المحكمة الجنائية الدولية.

ويتعارض موقف واشنطن بشأن الملف الفلسطيني الإسرائيلي في المحكمة الجنائية الدولية، مع سعيها المستمر وراء الكواليس، لمحاكمة روسيا على جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها في أوكرانيا.

ومع عودة الملف الفلسطيني إلى أروقة المحكمة الجنائية الدولية تزامنا مع عدوان الاحتلال الغاشم على غزة، عادت المخاوف من ضغوط أميركية متصاعدة حيال أي قضية ترفع ضد إسرائيل، وذلك رغم تكثيف واشنطن تنسيقها مع المحكمة لتوثيق جرائم الحرب التي تنسب لروسيا في أوكرانيا.

ازدواجية المعايير 

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2023، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، أنه على مدار عام كامل قاد الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن جهودا حثيثة لإشراك الولايات المتحدة بشكل أوثق مع المحكمة في لاهاي، ما أثار أجواء من الحماس وانعدام الثقة على حد سواء. 

ورأت المجلة أن "هذا الدور علامة على إضعاف المحكمة، كما يشعر المتابعون بالقلق إزاء محاولات تأثير أقوى دولة في العالم على قرارات المحكمة الجنائية الدولية".

وهو ما ظهر على سبيل المثال في سبتمبر/ أيلول 2021، وبعد ثلاثة أشهر من أدائه اليمين الدستورية، قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان تأكيدات بـ"إلغاء إعطاء الأولوية" لتحقيقات المحكمة في الجرائم التي ارتكبها الجيش الأميركي ووكالة المخابرات المركزية في أفغانستان والسجون السرية في أوروبا، ما يسهل تعاون واشنطن مع المحكمة. 

ومع توقف هذه التحقيقات فعليا، استدعى خان المحامية والمدعية الأميركية، بريندا هوليس، لترأس ملف الحرب الروسية الأوكرانية. 

وكانت هوليس في السابق مدعية عامة في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لسيراليون التي حاكمت وأدانت الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور. 

ولكن بمجرد عودة الولايات المتحدة إلى أروقة المحكمة، حذر بلينكن من أن واشنطن "ستعارض أي قضية ترفع" ضد حلفائها وخاصة إسرائيل.

وذكرت "إنتيليجنس أونلاين" أن الولايات المتحدة أكدت منذ فترة طويلة أن المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بالسلطة القضائية على الدول التي ليست عضوا فيها، كما هو الحال بالنسبة لها تماما.

وتتلخص سياسة واشنطن في التعامل مع الجنائية الدولية في المشاركة لا الانضمام، ومحاولة فرض نفوذها حين يصب ذلك في مصلحتها.

وهو المبدأ الذي طرحه المحامي الأميركي والمسؤول القانوني السابق في وزارة الخارجية، هارولد هونججو كوه.

لكن ما ينطبق على واشنطن وحلفائها، خاصة إسرائيل لا ينطبق على دولة مثل روسيا، خاصة منذ بدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022،.

فقد سعى البيت الأبيض لتجاوز الصلاحيات القضائية هذه المرة، وسمحت واشنطن للمحكمة الجنائية الدولية بملاحقة موسكو قضائيا.

محفوف بالمخاطر

ومع ذلك، فقد بات موقف الولايات المتحدة بشأن المحكمة الجنائية الدولية أكثر حساسية بسبب الخلافات الداخلية، وعدل الكونغرس القوانين للسماح بالتعاون مع المحكمة في قضيتها ضد روسيا.

وجاء التعديل قبل أربعة أشهر فقط من إصدار المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهم "ارتكاب جرائم حرب" (صدرت المذكرة في 17 مارس/ آذار 2023). 

قبل ستة أسابيع من تعديل القوانين، توقفت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 أثناء عودتهم من أوكرانيا في مقر المحكمة بلاهاي للقاء المدعي العام للجنائية الدولية، كريم خان. 

وضمت المجموعة كلا من روب بورتمان، ودانييل سوليفان، وروبرت مينينديز، وكريستوفر كونز، وشيلدون وايتهاوس، وكات نيكاس كبير مستشاري السيناتور الأميركي ليندسي جراهام، حيث حظوا بترحيب حار هناك، لكن البنتاغون لم يرحب بهذه الخطوة.

وعندما التقى خان بأعضاء مجلس الشيوخ هؤلاء في واشنطن خلال مايو/ آيار 2023، أخبرهم أن البنتاغون "لا يتعاون مع المحكمة ويفشل في تقديم معلومات موثقة حول ضربات المدفعية الروسية في أوكرانيا واختطاف الأطفال واقتيادهم إلى داخل روسيا". 

وبعد ذلك، أصبح هؤلاء الأعضاء أفضل المدافعين عن المحكمة وأثاروا الأمر مع وزير الدفاع لويد أوستن، الذي قال إنه لا يعارض محاكمة الرئيس الروسي، لكنه مع ذلك يخشى التداعيات المستقبلية لمثل هذا التعاون. 

وهذا التعاون قد يعطي المسوغات لمحاكمة قادة الحرب في إسرائيل، على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وهو ما تعمل واشنطن على تجنبه، خاصة مع تصاعد الأصوات الدولية التي تطالب بذلك. 



مطالب دولية 

وفي 16 نوفمبر 2023، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، أنها تلقت طلبا مشتركا من خمس دول للتحقيق في الوضع بالأراضي الفلسطينية.

وذكرت أن الطلب جاء من جنوب إفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي.

وأعلنت جنوب إفريقيا عبر رئيسها ماتاميلا راما فوزا أن الطلب قدم "لضمان إيلاء المحكمة الجنائية الدولية اهتماما عاجلا بالوضع الخطير في فلسطين".

وتجري المحكمة الجنائية بالفعل تحقيقا في "الوضع في دولة فلسطين" فيما يتعلق بجرائم حرب يقال إنها ارتكبت منذ 13 يونيو/ حزيران 2014.

وقال المدعي العام خان، في بيان إنه "جمع قدرا كبيرا من المعلومات والأدلة" بشأن جرائم إسرائيلية ارتكبت في الأراضي الفلسطينية.

وإسرائيل ليست عضوا في المحكمة ولا تعترف بسلطتها، لكن يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق مع مواطني الدول غير الأعضاء في ظروف معينة، مثل حالة الاتهامات المتعلقة بارتكاب جرائم في أراضي الدول الأعضاء.

والأراضي الفلسطينية مدرجة ضمن أعضاء المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2015.

يذكر أن المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، تورد استثناء لحظر استعمال القوة المنصوص عليه في المادة (2) من الميثاق.

وتنص على أن "الحق الفردي والجماعي في الدفاع عن النفس يمكن أن يمارس إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة".

وتضيف: "على الدول أن تبلغ المجلس فورا بالتدابير المتخذة وأن تتوقف عن اتخاذها حالما يتخذ هذا الأخير الإجراءات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدوليين".
 


تلك الحالة دفعت عددا من المحامين الدوليين وخبراء القانون لانتقاد المؤسسات الدولية المعنية بتطبيق العدالة، منها محكمة العدل الدولية. 

وفي 15 ديسمبر 2023، قال الباكستاني حسن إسلام شاد، أول محام من دولة مسلمة بالمحكمة الجنائية الدولية، إن "نهج النظام الدولي انتقائي، وإن ما يحدث في قطاع غزة سقوط كامل لعدالة النظام الجنائي الدولي".

وأضاف شاد لوكالة أنباء "الأناضول" التركية الرسمية، أن "شعوب العالم تنتظر من النظام الدولي تأسيس العدالة منذ الحرب العالمية الثانية".

واستطرد: "كان الناس يأملون أن تتحقق سيادة القانون من أجل نجدة المضطهدين، واليوم تشهد نفس الشعوب انهيار القانون الدولي بشكل كامل في فلسطين".

ولفت شاد إلى أنه "في ظل الأوضاع القائمة فإن العالم شهد الكثير من الأمثلة على فشل القانون الدولي في تحقيق أهدافه ومبادراته، لكن ما يحدث في غزة هو سقوط كامل لعدالة النظام الجنائي الدولي".

وشدد على أن "عدم اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف الإبادة الجماعية الممنهجة ضد أهالي قطاع غزة، أدى إلى رد فعل بين شعوب العالم، وتحقيق تحول في النظام الدولي ضد العنف الإسرائيلي".

كما رأى أن "المنظمات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، أصبحت مجرد أدوات سياسية تعمل وفق أجندات معينة". 

وأكد شاد أهمية أن تعمل الدول الإسلامية بشكل جماعي لإنشاء مؤسسات جديدة، تستطيع من خلالها الحصول على حقوقها.

وخلف العدوان الإسرائيلي المدمر على غزة، حتى 22 ديسمبر، أكثر من 20 ألف شهيد فلسطيني وما يزيد عن 53 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة.