تفاصيل جديدة.. هكذا وصل ابن سلمان إلى منصبه عبر سياسة الاغتيالات

شهرة ابن سلمان بدأت في أواخر سنوات مراهقته عندما أطلق عليه لقب أبو رصاصة
عادت فرقة النمر السعودية التابعة لولي العهد محمد بن سلمان إلى الواجهة مجددا، بعد نشر تفاصيل جديدة عن تاريخ الأخير في تنفيذ عمليات التصفية من أجل الاستيلاء على الحكم.
وكشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 21 أغسطس/آب 2024، أسرارا جديدة وكواليس صادمة استخدمها ابن سلمان حتى يبلغ غايته ومن بينها سياسة الاغتيالات التي كانت بمثابة عقيدة راسخة لديه.
أبو رصاصة
واستضاف الفيلم الوثائقي “المملكة.. أقوى أمير في العالم” مسؤول الاستخبارات السعودية السابق "سعد الجبري" وهو الآن معارض هرب إلى الخارج خوفا من ملاحقات ولي العهد.
وأدلى الجبري بأخطر شهاداته عن استخدام ابن سلمان لسياسة الاغتيالات، عندما عرض إمكانية قتل عمه الملك السعودي آنذاك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود.
وقال: "إن الأمير كان متلهفا للغاية لصعود والده إلى العرش لدرجة أنه اقترح في 2014 قتل الملك عبد الله، بخاتم مسموم حصل عليه من روسيا". وأضاف: "لا أعلم على وجه اليقين ما إذا كان يتفاخر فقط، لكننا أخذنا الأمر على محمل الجد".

وأتبع الجبري أنه شاهد مقطع فيديو سُجِّل سرا لمراقبة محمد بن سلمان وهو يتحدث عن الفكرة، مؤكدا أنه "مُنِع من دخول البلاط الملكي ومن مصافحة الملك لفترة طويلة".
كما استعان الفيلم بـ "جون ساورز" رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6) حتى عام 2014، وقال: "لقد نشأ ابن سلمان في بيئة منعزلة نسبيا، ولم يكن من المتوقع أن يصل إلى السلطة".
وأكمل: "نشأ في قصر كانت فيه العقوبات على السلوك السيئ محدودة، وهو ما قد يكون السبب وراء اكتسابه عادة عدم الاكتراث بآثار قراراته إلا بعد اتخاذها بالفعل".
وأشار ساورز إلى أن “شهرة محمد بن سلمان بدأت في الرياض أواخر سنوات مراهقته عندما أطلق عليه لقب (أبو رصاصة)”.
إذ أرسل ولي العهد الحالي رصاصة بالبريد إلى قاضٍ كان قد ألغى حكما له في نزاع على ملكية.
واستطرد: "الأمير محمد كان لديه ميل للقسوة، فهو لا يحب أن يعترضه أحد، ولكن ذلك يعني أيضا أنه كان قادرا على تحقيق تغييرات لم يتمكن أي زعيم سعودي آخر من تحقيقها".
فرقة النمر
وحقق ابن سلمان غايته بالوصول إلى ولاية العهد في 21 يونيو/ حزيران 2017، بعد أن أطاح بابن عمه محمد بن نايف، وأصبح أقوى رجل في البلاد، لتأخذ سياسة الاغتيالات لديه منحى مختلفا وأكثر خطورة.
إذ أسس "فرقة النمر"، وهي عبارة عن تشكيلة سيئة السمعة، مكونة من ضباط ورجال استخبارات سعوديين، اختيروا على الفرازة، لتنفيذ مهام قذرة (اغتيالات)، بأمر مباشر من ابن سلمان.
وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، نشرت صحيفة "فز جلياد" الروسية، تقريرا عن أنشطة "فرقة النمر" الخاصة التابعة لولي العهد والمتورطة في عدد من الجرائم والانتهاكات بحق المعارضين السياسيين.
ووصفت الصحيفة عمليات هذه الفرقة المحاطة بسياج من السرية بأنها "تاريخ أسود".
وبينت أنها مكونة من أفراد بالحرس السعودي والأجهزة السعودية الخاصة، مرجحة أن “يكون اللواء أحمد عسيري هو المسؤول عن فكرة تشكيلها”.

ففي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وفق مصدر سعودي، جرى وصفه أنه "مقرب من الاستخبارات السعودية"، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن تشكيل فرقة اغتيالات تعمل بتوجيه مباشر من ابن سلمان.
وقال الموقع: إن "الفرقة تسمى النمر، وهي معروفة جيدا لدى أجهزة استخبارات الأميركية، وتشكلت قبل أكثر من عام مضى، وتتألف من 50 عنصرا من أمهر العملاء الاستخباراتيين والعسكريين في المملكة".
وذكر أن "مهمة فرقة النمر، تتمثل في اغتيال المعارضين السعوديين خفية، داخل المملكة وعلى الأراضي الأجنبية، بطريقة لا تلاحظها وسائل الإعلام أو المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان".
ومن الأسماء البارزة في "فرقة النمر"، الذين شاركوا في قتل الصحفي جمال خاشقجي، كل من سعود عبد العزيز الصالح، وخالد إبراهيم عبد العزيز القاسم، ومشعل فهد السيد، وإبراهيم حمد عبد الرحمن الحميد.
وأيضا صلاح محمد علي الطبيقي المتهم بتقطيع جثة خاشقجي، ومحمد سعد حسين الزهراني، ومشعل سعد محمد البستاني، ووليد عبد الله محمد الشهري، وذعار غالب الحربي، وماهر عبدالعزيز مطرب، وسيف سعد القحطاني.
وتعد عملية قتل وتقطيع الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، من أشهر عمليات الاغتيال التي نفذتها هذه الفرقة حتى الآن، وهزت الرأي العام العالمي.
قتل الأمير منصور
وكشف التقرير أن "فرقة النمر" ظهرت في مناسبات عديدة قبل قتل الصحفي جمال خاشقجي.
وأوضح أن "المدون السعودي عمر عبد العزيز المقيم في كندا سبق أن تلقى دعوة لزيارة القنصلية السعودية في فانكوفر للحصول على جواز سفر جديد، لكن راودته الشكوك، وبعد مفاوضات مع موظفي القنصلية قرر عدم الذهاب إليها، مما أنقذ حياته منهم".
كما وجهت اتهامات لهذه الفرقة أنها وراء اغتيال الأمير السعودي منصور بن مقرن، عندما حاول الفرار من البلاد على متن طائرته الشخصية، إلا أن "فرقة النمر" استهدفت الطائرة، وأسقطتها.

وفي 6 نوفمبر 2017، تحطمت مروحية سعودية كان على متنها عدد من المسؤولين السعوديين البارزين، بينهم الأمير منصور بن مقرن نائب أمير منطقة عسير في جنوب غرب المملكة قرب الحدود مع اليمن.
الأمير المقتول كان على خلاف مع ابن عمه محمد بن سلمان، الذي أعفاه من منصبه كنائب أمير منطقة عسير عام 2015.
ومن بعدها انخرط ابن مقرن في الجبهة الداخلية لأمراء آل سعود الذين كانوا يتحفظون على صعود الأمير الشاب، ووصوله إلى منصب ولي ولي عهد المملكة، إلى أن أصبح وليا للعهد والآمر الناهي في البلاد.
طاغية لا يرحم
وعن جرائم ابن سلمان المروعة، وصفت صحيفة "واشنطن بوست" في 10 أغسطس 2020، ولي عهد المملكة، بأنه "طاغية لا يرحم".
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب صرح في 15 أكتوبر 2018، بأنه تحدث مع "ابن سلمان" حول اختفاء "خاشقجي" بعد دخوله القنصلية، لينفي له الأخير صحة أخبار مقتله في نفس اليوم الذي وصلت فيه فرقة اغتيالات ثانية إلى كندا، لتستهدف سعد الجبري.
وفي 7 أغسطس 2020، رفع الجبري دعوى قضائية مستندة إلى أدلة ووثائق، ضد ابن سلمان، يتهمه بملاحقته ومحاولة اغتياله من خلال فرقة موت سيئة السمعة.
وورد في دعوى الجبري أنه في يوليو/ تموز 2018، نجح ابن سلمان ووكلاؤه في زرع برنامج تجسس في هاتف الأول، بعد تلقيه رسالة مع ملف فيديو على تطبيق واتساب من صحفي سعودي كان يعرفه في المملكة.
واحتوى ملف الفيديو برامج تجسس سمحت بالوصول إلى المعلومات على هاتف الجبري، وربما حتى موقعه بشكل دقيق.
وأضاف أنه في أكتوبر 2018، وبعد أقل من أسبوعين من عملية قتل خاشقجي، سافرت مجموعة الاغتيال إلى كندا من أجل تصفية الجبري.

وبين أن عناصر المجموعة حاولوا دخول مطار أونتاريو الدولي عبر أكشاك منفصلة، وأنكروا معرفة بعضهم بعضا.
وهو ما أثار شكوك مسؤولي أمن الحدود الذين حولوهم لإجراء فحص مدقق، لكن سلطات المطار وجدت بإحدى حقائبهم صورة تجمع أفراد المجموعة.
وقبيل وصول فرقة القتل إلى كندا، أرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي "إف بي آي" (FBI) للسلطات الكندية، معلومات استخباراتية بموعد وصولهم.
وهو ما أدى إلى إصابة أعضائها بالذعر لعدم استعدادهم لهذا التحقيق غير المتوقع، فطلبوا استدعاء محامي السفارة السعودية.
لكن المحامي نصح المجموعة بالادعاء أنها سافرت إلى كندا للتحضير لزيارة وفد سعودي رفيع المستوى، والقبول بترحيلهم لتفادي مزيد من التحقيق.
وفي هذا الصدد يقول الكاتب الروسي "يفغيني كروتيكوف": إنه من الواضح أن مجموعة الاغتيالات أو فرقة النمر ارتكبت كثيرا من الأخطاء أثناء تنفيذ جرائمها".
وأشار إلى أن "المخابرات السعودية لم تلجأ إلى مثل هذه الأساليب، قبل تأسيس فرقة النمر، وقبل أن يصل ابن سلمان إلى سدة الحكم ويعتمدها".