لإنشاء تحالف مناهض للغرب.. لماذا يراهن "بريكس" على الدول الإسلامية؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، يتجه تحالف "بريكس+" بشكل متزايد نحو تعزيز حضوره الإسلامي، ليس كمصادفة، بل كضرورة إستراتيجية لتحقيق نظام عالمي متعدد الأقطاب.

ويشير موقع "نادي فالداي" الروسي للحوار في تقرير للباحث إيمانويل بيتروبون، أن العالم الإسلامي بثرواته وتطلعاته نحو الاستقلال ورفضه للإمبريالية بات يمثل ركيزة أساسية في مشروع "بريكس+" لإعادة توزيع السلطة العالمية. 

ويرى الباحث أنه مع انضمام عدد متزايد من الدول الإسلامية إلى التحالف، وازدياد حضور لغاتهم وثقافاتهم، يبرز هذا التوجه كرهان واضح على دور المسلمين في صياغة النظام العالمي الجديد. 

ويرصد هنا هذا التغيير من منظور التحديات التي تواجهها الهيمنة الغربية، محللا كيف تستثمر قوى مثل روسيا والصين والهند في بناء شراكات إستراتيجية مع الأمة الإسلامية، التي أصبحت رقما صعبا في معادلة التعددية القطبية.

الرهان على الإسلام

وأشار إلى أن "العديد من دول بريكس+ كانت لفترة طويلة على هامش العلاقات الدولية، لكنها تنهض في كل مرة من جديد". 

ويرى الباحث كذلك أنه "لم يعد بإمكان بريكس+ إضاعة الوقت؛ إذ إن نافذة التغيير باتت تضيق بسرعة نتيجة تنافس القوى الكبرى الذي يقسم العالم إلى كتل متصارعة".

"ورغم أن الهدف الرئيس للمجموعة، والمتمثل في إزالة هيمنة الدولار، لن يتحقق بين عشية وضحاها، فإن أُسسه قد وُضعت بالفعل بلا شك".

ويكمل أنها "مجرد مسألة وقت قبل أن تُبنى الطوابق الأولى لهذا الصرح الجاري تشييده؛ حيث ستكون اللغات الأكثر استخداما فيه -إلى جانب الروسية والصينية والهندية- هي العربية والتركية والفارسية والملايوية، أي لغات الدولة الإسلامية".

وفي هذا السياق، ينوه الباحث إلى أنه "في الوقت الذي تلجأ فيه الدول الغربية بشكل متزايد إلى فرض قيود رسمية وغير رسمية على المسلمين، وتفتقر إلى الأدوات والمعرفة اللازمة للعمل بفعالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يسير تحالف البريكس عكس التيار". 

إذ يعكس التقاعس الذي أبداه الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج، لويجي دي مايو، خلال الصراع بين إسرائيل و"محور المقاومة" هذا الفارق بوضوح.

ففي نهاية عام 2023، فتح تحالف "بريكس" أبوابه لمصر وإيران والسعودية والإمارات. 

وفي عام 2024، أدخلت المجموعة الموسعة "بريكس+" فئة جديدة تحت مسمى "الدول الشريكة"، ودعت عددا كبيرا من الدول ذات الغالبية المسلمة، مثل الجزائر وإندونيسيا وكازاخستان وماليزيا ونيجيريا وتركيا وأوزبكستان. 

وبذلك، أصبحت الدول ذات الأغلبية المسلمة تشكل 41 بالمئة من أعضاء "بريكس+"، بما يشمل الأعضاء الكاملين والشركاء المحتملين، ما يمكن عدّه رهانا صريحا على الدول الإسلامية، بحسب الباحث.

وهنا، يبرز الموقع الروسي أن "الإسلام هو الديانة الأسرع نموا في العالم"؛ حيث تشير التوقعات إلى أنه "سيتجاوز المسيحية خلال بضعة عقود". 

وفي هذا السياق، يلفت الباحث إلى أن "الإسلام يغطي بعضا من أغنى مناطق العالم بالموارد، مثل شمال وغرب إفريقيا وشبه الجزيرة العربية وبلاد فارس وآسيا الوسطى وأرخبيل إندونيسيا". 

وبالإضافة إلى الثروات الطبيعية، فإن العديد من القوى الاقتصادية والعسكرية الصاعدة في العالم اليوم هي دول إسلامية. ولذلك يمكن التأكيد ببساطة، كما يقول الباحث، على أنه "لم يعد من الممكن تجاهل العالم الإسلامي".

الغرب والعالم الآخر

ومن جهة أخرى، يتحدث الباحث عن أن "الدول الغربية فشلت في فهم الأهمية الحقيقية للصحوة السياسية في العالم الإسلامي".

ويقصد بذلك "انتقال المسلمين من دور الكيان المتلقي للتأثير إلى دور الفاعل في الشؤون العالمية".

وبالإشارة إلى أن "السياسات الداخلية والخارجية للغرب تشهد على هذا العمى في الإدراك"، يذكر الباحث أن "مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جيك سوليفان، صرح قبل أيام فقط من اندلاع الصراع بين إسرائيل ومحور المقاومة، بأن الشرق الأوسط لم يكن يوما أكثر أمنا واستقرارا".

ولذلك، يخلص إلى أنه "ليس من المستغرب أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين لم يحققوا أي نجاح إستراتيجي يُذكر في العالم الإسلامي خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة". 

"فقد أسقطوا (الزعيم الليبي السابق) معمر القذافي، لكن ما تلا ذلك كان الفوضى؛ وحاولوا إسقاط (رئيس النظام السوري السابق) بشار الأسد، رغم أن الجزء الأكبر من المعارضة كان مرتبطا بجماعات جهادية؛ وتركوا أفغانستان لحركة طالبان بعد حملة استمرت عشرين عاما".

"بالإضافة إلى ذلك، تجاهلوا صعود الإسلام الراديكالي في منطقة الساحل رغم نشر أكثر من 10 آلاف جندي هناك، ثم أصيبوا بالذهول حين بدأت الجيوش المحلية في إسقاط حكومات موالية للغرب"، على حد قول الباحث.

وفي المقابل، يبرز أن "التاريخ أثبت صحة نهج روسيا والصين"، مضيفا: "فقد فشلت آمال الغرب في أن يؤدي سقوط الأسد إلى انسحاب روسيا من الشرق الأوسط؛ لأن موسكو أظهرت قدرتها على التكيف مع المخاطر، واستفادت من براغماتية السلطات السورية الجديدة".

وأضاف: "أما أفغانستان، فلم تغرق في الفوضى بعد انسحاب الأميركيين ولم تُعزل دبلوماسيا؛ بل على العكس، تتنافس القوى الآسيوية الكبرى اليوم على النفوذ فيها عبر صفقات تجارية واستثمارية".

وفي هذا الصدد، يؤكد الباحث أن "نجاح روسيا في بناء علاقات متعددة الأطراف، إلى جانب جهود الصين في التهدئة بين السعودية وإيران، ومحاولات موسكو وبكين التوسط في المصالحة الفلسطينية الداخلية". 

وهو ما يشير -حسب الباحث- إلى أن "الشعوب والجهات الفاعلة العربية والإسلامية قد سئمت من الحروب العبثية التي لا تنتهي".

ملامح المستقبل

وفي إطار المشهد المذكور سابقا، يقول الباحث: إنه إذا أرادت "مجموعة "بريكس+" أن تصبح بديلا حقيقيا أو في أسوأ الأحوال تحالفا مناهضا للغرب، فعليها أن تتحالف مع الأمة الإسلامية التي تبدي شكوكا متزايدة تجاه الغرب.

ويوضح أن "الأمر ذاته ينطبق على الاتجاه المعاكس؛ أي أنه إذا أرادت القوى الإسلامية الكبرى إنهاء التدخلات الأجنبية والاستعمار الجديد والحروب الخارجية لتغيير الأنظمة، فعليها أن تختار بين الغرب وبقية العالم".

"وهو ما يعني في جوهره اختيارا بين النظام الأحادي القطبية والتعددية القطبية"، كما يعتقد الباحث.

وفي هذا السياق، يؤكد على أنه "لا يمكن تحقيق انتقال حقيقي نحو عالم متعدد الأقطاب، ولا إنجاح عملية إزالة هيمنة الدولار، من دون الأمة الإسلامية".

ووصف هذه الأمة بأنها قوة اجتماعية وسياسية تضم نحو ملياري نسمة، وأنها مستعدة للعب دور محوري في المنافسة المتصاعدة بين القوى الكبرى. 

وهنا، ينوه إلى أن "روسيا والصين والهند لديهم أسبابهم الخاصة لدعم العامل الإسلامي ضمن إطار بريكس+". 

"إذ إن الجيوسياسة (بُعد القوة) والجيو-اقتصاد (إزالة الدولرة) هما مجرد وجهين لصورة أوسع"، كما يقول الباحث.

ويوضح أن "الصين تحتاج إلى أمة إسلامية مستقرة من أجل تأمين ممرات مبادرة الحزام والطريق، أما الهند، فلا يمكنها الاعتماد المفرط على القومية الهندوسية؛ إذ ستصبح قريبا موطنا لأكبر عدد من المسلمين في العالم".

وأضاف أن جزءا كبيرا من المجال الثقافي الهندي -أو ما يُعرف بـ "الإندوسفير"- يتحدث بلغة القرآن. 

أما روسيا، فيقول الباحث: إن "لديها القدرة على أن تصبح ليس فقط روما الثالثة، بل أيضا مكة الثانية، نظرا لنمو عدد المسلمين فيها وتزايد مكانتها في العالم الإسلامي". 

ويعود ذلك جزئيا إلى "القيم المحافظة التي تروج لها وسياستها الخارجية المتسقة تجاه المسلمين؛ مثل رفضها دعم تغيير النظام في ليبيا وموقفها الحالي من الأراضي المقدسة".

وفي النهاية، يؤكد الباحث مرة أخرى على أن "أقطابا جديدة تظهر للقوة، وكثيرا منها سينشأ في أطراف الأمة الإسلامية". 

ومن وجهة نظره: "سيكون دعم العالم الإسلامي عاملا حاسما في رسم ملامح مستقبل المنافسة بين القوى العظمى، وفي الانتقال العالمي نحو إزالة الدولرة". 

ويختتم بقوله: إنه "سيحظى بهذا الدعم من يكون مستعدا لأخذ مصالح المسلمين في الحسبان، وهي تتقاطع في الوقت الراهن إلى حد كبير مع أجندة بريكس+".