السجن 15 سنة لرئيس موريتانيا السابق ولد عبد العزيز.. عدالة أم انتقام؟

"الملف لم ينته بعد، وما تزال فصوله مستمرة"
أدت مضاعفة الحكم القضائي القاضي بسجن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز إلى تفاعلات واسعة بالبلاد، بين مؤيد ومنتقد، بينما يرى آخرون أن الإشكال في المنظومة السياسية ككل وليس في الرئيس المحكوم عليه فقط.
حيث قضت محكمة استئناف في نواكشوط في 14 مايو/أيار 2025، بالسجن النافذ 15 عاما بحق ولد عبد العزيز بتهم تتعلق باستغلال النفوذ لجمع ثروة ضخمة.
ووفق ما ذكر موقع "صحراء ميديا"، فقد صدر الحكم بعد استئناف قدمته الدولة وفريق الدفاع ضد قرار محكمة الدرجة الأولى التي قضت في ديسمبر/كانون الأول 2023 بسجن ولد عبد العزيز 5 سنوات.
وأيدت محكمة الاستئناف أيضا مصادرة ممتلكات الرئيس السابق، وتجريده من حقوقه المدنية.
ومثل الرئيس السابق أمام محكمة الاستئناف إلى جانب عدد من كبار المسؤولين والمقربين بينهم رئيسا وزراء سابقان ووزراء سابقون ورجال أعمال بتهمة "الإثراء غير المشروع" و"استغلال النفوذ" و"غسل الأموال".
وقضت المحكمة بالسجن سنتين نافذتين على كل من صهر الرئيس السابق رجل الأعمال محمد ولد امصبوع، والمدير الأسبق للشركة الوطنية للكهرباء (حكومية) محمد سالم ولد إبراهيم فال.
وأمرت بحل "هيئة الرحمة الخيرية" التي كان يديرها نجل الرئيس السابق بدر ولد عبد العزيز، ومصادرة أملاكها، في حين برأت رجل الأعمال محمد ولد الداف.
وتشير المادة 93 من الدستور الموريتاني إلى أنه "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعال قام بها في إطار ممارسته لوظائفه إلا في حالة الخيانة العظمى.. وتتم محاكمته من طرف محكمة العدل السامية".
ويعد الحكم المشدد الصادر في الاستئناف ضربة جديدة لولد عبد العزيز الموقوف منذ 24 يناير/كانون الثاني 2023، وجمدت السلطات 41 مليار أوقية (أكثر من 100 مليون دولار) في إطار القضية، أكثر من نصفها من ممتلكات ولد عبد العزيز وأفراد عائلته، بحسب وسائل إعلام محلية.
وحكم ولد عبد العزيز (68 عاما) موريتانيا ولايتين رئاسيتين (2009-2019) لكنه لم يترشح لانتخابات 22 يونيو/حزيران 2019؛ حيث دعم خلفه محمد ولد الغزواني.
تقييم المسار
تعليقا على الحكم الجديد، يرى المحامي الموريتاني المشري أمبيريك، أن المسار القضائي لملف حكم الرئيس السابق ولد عبد العزيز المعروف بملف "العشرية" مسار طبيعي جدا، احتُرمت فيه كل المساطر، وصولا إلى الحكم الابتدائي قبل عام والاستئناف الآن.
وأوضح أمبيريك لـ "الاستقلال" أن الملف أخذ وقتا كبيرا، بالنظر إلى حجمه وخصوصية المتهمين، أي رئيس الجمهورية السابق وعدد من الوزراء والمسؤولين، وهذا أمر غير مسبوق.
ورأى أن المحاكمة في حد ذاتها هي سابقة قضائية في موريتانيا والمنطقة، ولذلك سيكون لها ما بعدها.
وشدد المحامي على أن المفسدين يجب أن ينالوا جزاءهم العادل، لكن يجب الحذر من إدانة الأشخاص قبل أن يفعل القضاء، في جميع القضايا والملفات؛ لأن القضاء هو صاحب الكلمة في الاتهام؛ ضمانا لقرينة البراءة وعدم الوقوع في التشهير أو غيره.
وذكر المتحدث ذاته أن لولد عبد العزيز ومن معه 15 يوما للطعن في الحكم القضائي الجديد، مشيرا إلى أن المحكمة العليا يمكن أن تراجع حكم الاستئناف، وإذا تم نقضه فسيتم العودة بالملف إلى محكمة الاستئناف بتشكيلة قضائية جديدة.
وأشار إلى أنه في حالة العودة إلى الاستئناف، فيمكن للمحكمة الإبقاء على حكم الاستئناف الأخير أو الحكم الابتدائي أو إصدار حكم جديد، مما يعني أن الملف لم ينته بعد، وما تزال فصوله مستمرة.
هيئة الدفاع
دفاع ولد عبد العزيز لم يرقه الحكم القضائي، وفي هذا الصدد، قال محامي الدفاع محمدن إيشدو في تصريح صحفي عقب النطق بالحكم: “إنه قرار يعكس الضغط الذي تمارسه السلطة التنفيذية على القضاء”. مشيرا إلى أن الدفاع سيستأنف الحكم الجديد أمام المحكمة العليا.
وأكد إيشدو أن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف "مشوب بعدم الاختصاص وينتهك المادة 93 من الدستور وغير مستند إلى أي أساس منطقي، أو سند قانوني، أو مستند واقعي".
بدوره، قال المحامي الموريتاني، سيد المختار ولد سيدي: إن "محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بتهمة الفساد تشم منها رائحة الاستهداف".
وأوضح ولد سيدي في تصريح لموقع "صحراء24"، 14 مايو، أن "تركيز محكمة مكافحة الفساد على ولد عبد العزيز، رغم انتشار الفساد في موريتانيا، غير طبيعي".
وأضاف أن الأموال التي اتهم ولد عبد العزيز بأخذها "لا يمكن أن تصل إليه إلا عن طريق الوزراء والموظفين السامين".
وتابع ولد سيدي: ""إذا أمكنت تبرئة الوزراء والموظفين فالأحرى أن يكون ولد عبد العزيز بريئا مثلهم".
في المقابل، رحب بالحكم إبراهيم بتي، أحد المحامين المدعين عن الدولة الموريتانية، وقال في تصريح صحفي بالمناسبة: إن "كل الأدلة أثبتت أن الرئيس السابق، الذي حكم البلاد بأكملها بمفرده، تورط في الإثراء غير المشروع، وإساءة استخدام السلطة، وغسيل الأموال".
كما اتهم المحامي فضيلي ولد الرايس، الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وأسرته المباشرة وأبناء عمومته الذين تربطه بهم علاقات وثيقة، بسرقة الأموال العامة في موريتانيا، ورأى أنه لم يستفد منها سواهم.
وأضاف ولد الرايس، وفق "وكالة كيفة للأنباء"، 15 مايو، أن "هذا الأمر تم توضيحه بالأدلة، خاصة فيما يتعلق بالقطع الأرضية التي استولى عليها ولد عبد العزيز بطرق غير شرعية".
ورأى ولد الرايس أن الوزراء الذين تمت تبرئتهم في الاستئناف، لم يكونوا مسؤولين عن أي شيء، ولم يستفيدوا من أي شيء، بل إن بعض المحامين طلب تبرئتهم منذ البداية.
وأكد المتحدث ذاته أن "الأموال العامة ليست عند هؤلاء الوزراء، بل هي عند ولد عبد العزيز وأقاربه".
وأوضح أن محكمة الاستئناف أضافت شخصين إلى الملف، أحدهما صهر الرئيس السابق، المتورط في ملف الفساد، "والذي يمتلك 9 مليارات أوقية".
تفاعل حقوقي
بمناسبة إصدار الحكم القضائي، أصدر عدد من الهيئات الحقوقية الموريتانية، بيانا بخصوص مجريات المحاكمة التاريخية للرئيس السابق، والمعروفة بملف "العشرية".
ووفق ما ذكر موقع "موريتانيا الآن"، 15 مايو"، أكدت الهيئات الحقوقية أن "المحاكمة قد جرت وفقا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في القوانين الوطنية والدستور الموريتاني، ومرت بجميع درجات التقاضي، بما فيها مرحلتا التحقيق والمحاكمة الابتدائية، وصولا إلى محكمة الاستئناف، التي وفرت ضمانات التقاضي العادل.
وشددت الهيئات أن "المتهمين في هذا الملف، وعلى رأسهم الرئيس السابق، قد مُنحوا كامل الحق في الدفاع عن أنفسهم، من خلال فرق دفاع حضر محاموها بانتظام لجميع الجلسات، وقدموا دفوعهم ومرافعاتهم دون قيد أو إكراه".
ورأت أن "ما صدر عن القضاء الموريتاني من أحكام، سواء بالإدانة أو بالبراءة، يشكل تجسيدا لاستقلال القضاء، وحرصا على تحقيق العدالة في أحد أكثر الملفات حساسية في تاريخ البلاد".
وشدد المصدر ذاته أن "استرجاع الأموال العمومية المنهوبة، كما قضت به المحكمة، يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح نحو ترسيخ ثقافة المساءلة ومكافحة الفساد، ويبعث برسالة قوية مفادها أن المال العام أمانة، لا تسقط بالتقادم ولا تُحمى بالحصانة".
ودعت الهيئات الحقوقية إلى "توجيه الموارد المسترجعة من هذه القضية إلى مشاريع تنموية مستدامة تعود بالنفع المباشر على المواطنين، خصوصا في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية ومكافحة البطالة في صفوف الشباب الموريتاني".
وأكدت أن "هذه المحاكمة تشكل سابقة قضائية مهمة، ينبغي البناء عليها لمأسسة الرقابة القضائية على المال العام، وتحصين مؤسسات الدولة من الانحراف في استخدام السلطة".
غير أن الصحفي والناشط السياسي محمد لمين أحمد، عبر عن ألمه لكون عدد من شركاء ولد عبد العزيز ما يزالون في مواقع المسؤولية حتى الآن.
وأضاف أحمد في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، 14 مايو، "في العيون غصة، وفي الصدور مرارة، ليس لأن ولد عبد عزيز يُدان، بل لأن من يُدينونه كانوا شركاءه في الأيام السمان، يقاسمونه الولائم والمغانم، يغرفون من ذات المائدة، وينسجون معه شبكة المصالح التي خنقت البلاد، واليوم يتنكرون له".
واسترسل: "اليوم يُسجن، لكن الأجساد الأخرى ما زالت طليقة، تتزين بالخطب، وتغمس أيديها في السلطة كما كانت تفعل بالأمس".
وأردف: "لهذا فقط حزن الناس، لا حبا فيه، ولا ندما على سقوطه، بل لأنهم رأوا في المشهد كله مهزلة لا عدالة، تصفية لا تطهيرا، واستبدالا".
وخلص للقول: "لقد ملّ الناس المشاهد المتكررة، والعناوين المزيفة، والمجرمين الذين يتبادلون الأدوار أمام الكاميرات.. يريدون وطنا لا يحتاج كل عقد إلى محكمة لتصفية حسابات القصر".