خارجا عن الإجماع العربي.. لماذا يتأخر العراق في تطبيع العلاقات مع سوريا الجديدة؟

يوسف العلي | منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

خلافا للإجماع العربي، قرر العراق السير على خطى إيران، في عدم تهنئة أحمد الشرع بتولي منصب رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، ما أثار جملة من التساؤلات عن أسباب إحجام بغداد عن التهاني كما يقتضي العرف الدبلوماسي، فضلا عن التقارب الجغرافي.

وفي 29 يناير/ كانون الثاني 2025، أعلنت الإدارة السورية الجديدة تعيين الشرع رئيسا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، بجانب قرارات أخرى منها حلّ الفصائل المسلحة، والأجهزة الأمنية القائمة في العهد السابق، ومجلس الشعب، وحزب البعث الذي حكم سوريا على مدى عقود.

وبمناسبة تسمية الشرع رئيسا انتقاليا لسوريا، بعثت عديد من الدول العربية والمجاورة إلى سوريا رسائل تهنئه، وفي مقدمتها تركيا، لبنان، السعودية، مصر، قطر، الإمارات، الكويت، البحرين، سلطة عُمان، اليمن، الأردن، في حين غاب العراق.

"عدم اعتراف"

قبل تسمية الشرع رئيسا لسوريا بيوم واحد، أكد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين خلال مقابلة تلفزيونية، "وجود تواصل مستمر مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، رغم عدم وجود زيارة رسمية إلى دمشق في الوقت الحالي".

وكشف الوزير عن "توجيه من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني بشأن قيام وزير الخارجية بزيارة إلى سوريا ضمن خطوات جادة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين"، دون كشف مزيد من التفاصيل.

وفي 26 ديسمبر 2024، زار وفد عراقي يرأسه رئيس جهاز المخابرات، حميد الشطري، العاصمة السورية دمشق، والتقى بالرئيس أحمد الشرع، التي كان يتولى في حينها قيادة الإدارة الجديدة، وبحثا متطلبات الأمن والاستقرار في الحدود المشتركة بين البلدين.

وعلق وزير الخارجية العراقي الأسبق، هوشيار زيباري، على الموضوع ذاته، قائلا: إن "الحكومة العراقية متأخرة في التواصل مع قيادة سوريا الجديدة بعكس الدول العربية المشرقية تحديدا (الأردن، السعودية، الكويت، قطر، فلسطين، لبنان، عمان، البحرين)".

وشدد زيباري عبر تدوينة على "إكس" في 31 يناير، على أنه "من مصلحة البلد التعامل الإيجابي مع الوضع القائم كما هو؛ لأن الفوضى في سوريا سوف يهدد أمن واستقرار العراق مباشرة".

من جهته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي، إحسان الشمري، عبر "إكس" في 31 يناير، إن "رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء في العراق لم يهنئا أحمد الشرع بمناسبة توليه الرئاسة. يبدو أنه لا اعتراف رسميا اعراقيا حتى الآن بالوضع الجديد، وأن العلاقات تتسم بعدم الثقة".

على الصعيد ذاته، دعا مستشار رئيس الوزراء العراقي، إبراهيم الصميدعي، إلى دعم استقرار سوريا وذلك لوجود مصلحة اقتصادية بين البلدين تقتضي الشراكة بينهما، محذرا من العزلة وذهاب فرص التنمية التي أضاعها العراق إلى الجانب السوري.

وقال الصميدعي عبر منصة "إكس" في 1 فبراير، إن "نظرية التهديد الأمني ليست بذات الأهمية التي يعتقدها البعض، لكن التهديد الأكثر أهمية هو أن التجربة السورية التي من الواضح أنها تقرأ جيدا أخطاء التجربة العراقية والربيع العربي وتحاول تجاوزها بجد واستجابة كبيرة لاشتراطات الإقليم والعالم، تشكل تهديدا اقتصاديا وتنمويا كبيرا للعراق".

وبحسب مستشار السوداني، فإن سوريا "مرشحة بقوة لاستقطاب كل الفرص التنموية التي أضاعها العراق بعد الاعتكاف والجنون الصدامي (نظام صدام حسين)، حتى طريق التنمية، الأمل العراقي الكبير قد يغير اتجاهه عبر حلب إلى جزيرة العرب وإفريقيا".

ورأى الصميدعي أن "عدم الاستقرار في سوريا سيعود علينا (العراق) حتما بعدم استقرار آخر، وأن دعم استقرارها يضعنا شريكا مهما لها في كل الفرص التنموية الكبيرة بدل عزلنا في يباب قاسٍ".

“فيتو إيراني”

ورغم إرسال رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري ولقائه الشرع في دمشق، لكن الباحث في الشأن السياسي العراقي، حامد العبيدي، يرى أن "الموقف العراقي الحالي من سوريا لا يمكن فصله عن موقف إيران، التي تتعمّد شيطنة الإدارة السورية الجديدة منذ توليها السلطة".

وأوضح العبيدي لـ"الاستقلال" أن "طهران اتخذت موقفا عدائيا من الإدارة السورية الجديدة، وأن الحكومة العراقية تشكلت من قوى الإطار الشيعي الحليف لإيران، إضافة إلى أن الأخير كان يساند نظام بشار الأسد في سوريا، بالتالي القرار العراقي اليوم ليس بعيدا عما يتخذه الإيرانيون".

ورأى الباحث العراقي، أن "رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ربما يتماهى مع الوقف العربي والدولي في التعاطي مع الواقع السوري الجديد، لكنه لا يملك من الأمر شيئا أمام قوى الإطار التنسيقي التي لا تستطيع الخروج عن الإرادة الإيرانية".

ولفت إلى أن "الإطار التنسيقي تسيطر عليه القوى والمليشيات الموالية لإيران، وأن رئيس الحكومة، لا يمتلك كتلة برلمانية كبيرة داخله، وإنما ثلاثة مقاعد ضمن تيار الفراتين الذي يرأسه". 

وبيّن الباحث أن "نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون، من أشد المعارضين للانفتاح مع سوريا وتطبيع العلاقات، فهو لا يزال يطلق خطابات طائفية حيال الإدارة السورية الجديدة".

وفي هذه النقطة، قال السياسي العراقي والبرلماني السابق، مشعان الجبوري: إن "العراق ضحية فيتو إيراني على التعاطي الإيجابي مع سوريا، وإلا فإن الحكومة العراقية في البداية بعثت برئيس المخابرات وبدأت تتحدث بشكل مسؤول، لكن بعدها انقلبت وبشكل مفاجئ".

وأضاف الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية، أن "الطريقة التي تجرى بها الأمور حاليا في العراق أستنتج أن هناك فيتو إيرانيا، لأن المدونين الشيعة تحولوا من كلامهم مرن في بداية الأمر إلى آخر حاد، وبدأوا بالتخوين ووصف الإدارة السورية الجديدة بالأعداء، وضرورة سحقهم".

وبحسب السياسي العراقي، فإن "إيران يبدو أنها وجهت كل وسائل الإعلام المنضوية ضمن (اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية)، الذي تموّله وتديره إيران، بمهاجمة الإدارة السورية الجديدة، والتحريض ضدها".

وأشار الجبوري إلى أن “من ينتقد الشرع ويصفه بالإرهابي، عليه أيضا أن ينظر إلى بعض المتصدرين للمشهد في العراق، فهم كذلك مدرجون على لوائح الإرهاب وارتكبوا جرائم، فلماذا يعد الأول إرهابيا والثاني مقاوما؟”

"تحريض مستمر"

وفي ظل غموض الموقف العراقي تجاه دمشق، فإن القيادي التنسيقي، نوري المالكي، دعا في 1 فبراير إلى ضرورة الوقوف أمام ما وصفه بـ"الفتنة الكبرى" في سوريا، مدعيا أن "أتباع أهل البيت" في سوريا (الشيعة) تنتظر مساندة شيعة العراق والحشد الشعبي لهم.

وقال المالكي، خلال كلمة له أمام مجلس عشائري بمدينة كربلاء: “لقد تم استهداف أتباع أهل البيت ويوميا نشاهد مقاطع فيديو عن مجازر تنالهم، وأن الإخوة في سوريا يبعثون فيديوهات يستنجدون أين شيعة العراق والحشد الشعبي وإيران وإين العشائر؟”

وزعم القيادي في الإطار التنسيقي أنهم (لم يسمهم) "لم يسفكوا الدماء فحسب، بل اعتدوا حتى على الأعراض"، متسائلا: "أليست هذه فتنة كبرى إن لم نقف أمامها فستعم هذه الفتنة حتى العراق".

وفي 22 يناير، خرج أكرم الكعبي زعيم مليشيا النجباء العراقية الموالية لإيران بخطاب تلفزيوني، قال فيه إن "البعض ربما يتصور للوهلة الأولى أن المحور (الإيراني) خسر في سوريا، لكن صبرا قليلا وربما يربح المحور سوريا وغيرها.. ورهاننا على الشعوب الحرة الغيورة".

وبعدها بيوم واحد، توعد القيادي في مليشيا "كتائب الإمام علي" العراقية الموالية لإيران، أيوب الربيعي، المعروف إعلاميا بـ"أبو عزرائيل"، بمواجهة حتمية مع أحمد الشرع، المعروف سابقا باسم "أبو محمد الجولاني".

ونشر "أبو عزرائيل" مقطع فيديو على منصة "إكس" في 23 يناير، يظهره وسط عناصره، وكتب قائلا: "لا تعطى الرحمة لمن لا يرحم، ولا تعطي الأمان لمن لا أمان له، ولا تعطي العفو لمن يسيء بلا ندم. فإن التساهل مع المجرمين يجعلك فريسة لهم".

ووجه كلامه إلى  الشرع قائلا: "الجولاني.. مواجهتك معنا حتمية، لم ولن ننسَى ما تفعله بأهلنا في سوريا يا إرهابي"، حسب تعبيره.

وتشكلت مليشيا "النجباء" بقيادة أكرم الكعبي عام 2013 على يد الحرس الثوري الإيراني، وتحديدا قائد فيلق "القدس" السابق، قاسم سليماني، عام 2011، للقتال في سوريا، وكذلك الحال بالنسبة لـ"كتائب الإمام علي" بزعامة شبل الزيدي، التي تشكلت في 2014.