كيف تسببت إبادة غزة في "ضربة موجعة" لاقتصاد الكيان الإسرائيلي؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم أنه توصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إلا أن صحيفة روسية ترى أن الكيان الإسرائيلي “يتجهز  لخوض معركة أخرى لا تقل ضراوة عن معارك جبهات القتال”.

فالاقتصاد الإسرائيلي، بحسب صحيفة “إزفستيا”، يعيش أزمة عميقة غير مسبوقة، إذ يتفاقم العجز في الموازنة العامة، وتتراجع الاستثمارات، وتنكمش حركة السياحة، بينما تصل النفقات اليومية لوزارة الدفاع إلى مئات الملايين من الدولارات.

وتشير التقديرات إلى أنه خلال 12 يوما فقط من العدوان العسكري ضد إيران، ربما خسرت إسرائيل نحو ثلث ميزانية الدفاع. 

في هذا السياق، سلطت الصحيفة الضوء على الضربات القاسية التي تلقاها الاقتصاد الإٍسرائيلي خلال عامين من إبادة غزة، موضحة كيف أدت الحرب إلى فقدان ثقة المستثمرين في إسرائيل، وهجرة مليون إسرائيلي إلى خارج البلاد.

تباطؤ معدلات النمو

وبحسب الصحيفة، أدت العمليات العسكرية المتواصلة على مدار سنتين إلى تباطؤ معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل وزيادة كبيرة في العجز الحكومي.

والدليل على ذلك، أنه منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خفضت وكالات التصنيف الائتماني الدولية تصنيف إسرائيل الائتماني عدة مرات.

"ويؤدي تصاعد العمليات العسكرية إلى زيادة الأوضاع سوءا"، تقول الصحيفة.

وتابعت: "فعشية الضربة على إيران، أظهر مشروع الموازنة الإسرائيلية لعام 2025، الذي أُقر قبل ثلاثة أشهر فقط من العملية، تجاوزا في الإنفاق بلغ 6 مليارات دولار".

في الوقت ذاته، أشارت الصحيفة إلى أن "وزارة المالية الإسرائيلية تقر بأن الطريقة التقليدية لتغطية النفقات من خلال زيادة العجز أصبحت محفوفة بالمخاطر".

لذلك، يقترح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش البحث عن موارد مالية داخل الموازنة ذاتها، من خلال تقليص عدد الوزارات، وخفض التمويل المخصص لصناديق الائتلاف الحاكم، وإعادة النظر في برامج المساعدات الاجتماعية. 

وأضافت الصحيفة: "كما يجري النقاش حول وقف تمويل المؤسسات التعليمية التي لا تدرس المواد الأساسية".

وأفادت أنه "وفقا لتقديرات الوزارة، بلغت تكلفة العمليات العسكرية حتى نهاية عام 2024 نحو 31 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع هذه القيمة إلى 70 مليار دولار بحلول نهاية عام 2025".

ضربة موجعة

وفي حديثه للصحيفة، أوضح البروفيسور خضر زعرور، المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة ولاية كارولاينا الشمالية، أن "الصراعات العسكرية خلال العامين الماضيين ألحقت أضرارا جسيمة بالاقتصاد الإسرائيلي على عدة مستويات".

وأشار إلى أن "التكلفة اليومية لتشغيل الأنظمة الدفاعية تتراوح بين 10 ملايين و200 مليون دولار".

وتابع: "فإطلاق صاروخ واحد من منظومة الدفاع الصاروخي (مقلاع داود)، التي طورت بالتعاون مع الولايات المتحدة، يكلف حوالي 700 ألف دولار، بينما يبلغ تكلفة الاعتراض باستخدام صاروخ (السهم-3) حوالي 4 ملايين دولار".

فضلا عن ذلك، ذكر زعرور أن "تكاليف تشغيل الطيران الحربي تصل إلى عشرات الملايين يوميا، حيث يكلف تشغيل ساعة طيران واحدة لمقاتلة (F-35) حوالي 10 آلاف دولار، دون احتساب تكاليف الوقود والذخائر".
بدوره، يرى رئيس معهد السياسات الاقتصادية "آرون" في جامعة رايخمان الإسرائيلية، تسفي إيكشتاين، أن "النفقات اليومية التي تكبدتها إسرائيل خلال العمليات العسكرية ضد إيران تجاوزت بكثير تلك التي أنفقتها في حملاتها على غزة أو ضد حزب الله".

وعزا ذلك إلى "حجم الأسلحة الدفاعية والهجومية المستخدمة في هذا الصراع".

وأوضح أن "البند الأكبر في النفقات يرتبط بالصواريخ اللازمة لاعتراض القذائف الإيرانية، والتي تتراوح كلفتها اليومية بين 10 ملايين و200 مليون دولار".

ووفق الصحيفة الروسية، "بلغت النفقات المباشرة على الذخائر والطلعات الجوية واستدعاء قوات الاحتياط، خلال أول يومين فقط من المواجهة مع إيران، نحو 1.6 مليار دولار".

وفي الوقت نفسه، تلقت مصلحة الضرائب الإسرائيلية 2400 طلب تعويض عن الأضرار الناجمة عن القصف، حسب ما أفاد التقرير.

أما الباحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) تومر فادلون، فيقدر أن "إجمالي الخسائر وصل إلى نحو 12 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبا ثلث ميزانية الدفاع الإسرائيلية".

وأوضح فادلون أن "اتباع هذا النهج بعد عامين من العجز المالي المرتفع يعد أمرا بالغ الخطورة، خاصة أن العجز المخطط له قبل العملية بلغ 4.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يمكن أن ترفع العملية هذا المعدل إلى ما بين 6 و7 بالمئة".

تكاليف مخفية

في غضون ذلك، لفتت الصحيفة الروسية إلى أن "الخسائر الاقتصادية لا تقتصر على النفقات العسكرية المباشرة، بل تشمل أيضا أضرارا غير مباشرة".

وتابعت موضحة: "فكل ثلاثة أشهر، تفقد الوزارات والبلديات نحو 5 مليارات دولار نتيجة تحويل هذه الأموال إلى القطاع العسكري".

وأردفت: "كما أن استدعاء أعداد كبيرة من قوات الاحتياط يؤدي إلى توقف العديد من الشركات وانخفاض النشاط الاستهلاكي".

"وقد نالت الأضرار كذلك البنية التحتية المدنية بشكل كبير، إذ ارتفعت تكاليف تشغيل خدمات الطوارئ وإجلاء السكان، ودفع التعويضات للمتضررين بشكل متسارع"، وفق ما أفادت به الصحيفة الروسية.

إلى جانب ذلك، لم يكن قطاع السياحة بمنأى عن هذه التداعيات، فوفقا لبيانات وزارة السياحة، فقدت إسرائيل منذ بداية الحرب نحو 18.7 مليار شيكل (ما يعادل 4.9 مليار دولار) من عائدات السياحة الأجنبية.

كما أدى إغلاق المطارات والتهديدات الصاروخية إلى مغادرة السياح ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب للبلاد، بحسب الصحيفة.

وفي هذا السياق، قال البروفيسور زعرور: "في السابق، كانت إسرائيل تستقبل خلال فصل الصيف آلاف الطلاب الأجانب والحجاج، أما اليوم، فقد توقفت هذه الأنشطة تقريبا بشكل كامل".

وأضاف: "حتى شركات الطيران الكبرى مثل الخطوط الجوية الأميركية، ودلتا، والخطوط الجوية البريطانية، أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل، ما وجه ضربة قاسية إلى قطاعي السياحة والنقل بأكمله".

ثقة مفقودة

علاوة على ذلك، أشارت الصحيفة الروسية إلى أن "تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج تفاقم بسبب حالة عدم اليقين".

فوفقا لها، "تم تأجيل أو تحويل استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار كانت مقررة لصيف 2025 إلى دول أخرى، ما أدى إلى خسائر إضافية في الميزانية تقدر بنحو 6 مليارات دولار من الضرائب والرسوم التي لم تُجبى".

وعقب زعرور قائلا: "ثقة المستثمرين تُبنى على مدى سنوات، لكنها تنهار في غضون أشهر، وقد تحتاج إسرائيل إلى عقود من الزمن لاستعادة مستوى الثقة السابق".

"إلى جانب التكاليف العسكرية والاقتصادية الداخلية، برز عامل دبلوماسي يزيد من تعقيد المشهد"، تقول الصحيفة.

وتابعت موضحة: "فقبل وقف الحرب، هددت كل من بريطانيا وفرنسا وكندا باتخاذ (إجراءات ملموسة) في حال لم تُرفع القيود المفروضة على إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، كما أعلن الاتحاد الأوروبي عزمة مراجعة اتفاقية التعاون التجاري مع إسرائيل".

وأوضحت الصحيفة أن "تطبيق هذه الإجراءات كان من شأنه أن يُحدث أثرا كبيرا على الاقتصاد الإسرائيلي".

وأردفت: "تحتل بريطانيا المرتبة الحادية عشرة بين الدول المصدرة إلى إسرائيل، والثامنة بين الدول المستوردة من إسرائيل؛ وبالتالي، فإن أي تجميد محتمل للعلاقات التجارية قد يُلحق ضررا إضافيا بالمؤشرات الاقتصادية للبلاد".

وفي معرض رده على سؤال حول تداعيات تحويل الأموال العامة من الخدمات الاجتماعية إلى الإنفاق العسكري، أشار البروفيسور خضر زعرور إلى أن "هذه السياسة أضعفت مستوى الخدمات العامة، وأدت إلى موجة هجرة واسعة".

وذكرت الصحيفة أنه "وفقا لبياناته الخاصة، غادر أكثر من مليون إسرائيلي البلاد مستفيدين من امتلاكهم جنسية مزدوجة".

وهكذا، خلصت الصحيفة إلى أن إسرائيل "تجد نفسها في وضع معقد حيث تحولت المعارك على عدة جبهات إلى أزمة لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل أيضا الجانب الاقتصادي".

واختتمت بالقول إن "خسائر بمليارات الدولارات، وتراجع الاستثمارات، وانخفاض السياحة، إلى جانب التهديدات بفرض عقوبات من دول غربية؛ كلها عوامل تشكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد الإسرائيلي، وتضعه أمام تحديات غير مسبوقة".