ردا على "آلية الزناد".. هل تطلق إيران "سلاح المهاجرين" على العراق وتركيا؟

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

مع ورود تقارير عن تفكير إيران بإطلاق سراح مئات آلاف اللاجئين الأفغان عند حدودها مع العراق وتركيا، ردا على العقوبات الغربية، الأمر الذي حذر منه دبلوماسيون ومسؤولون أمميون بسبب احتمالية تسرب منتمين إلى تنظيم الدولة عبر أعداد المهاجرين الكبيرة هذه.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من 1.5 مليون أفغاني غادر إيران منذ يناير/كانون الثاني 2025، وأن أكثر من 918 ألف منهم دخلوا أفغانستان بين 22 يونيو و22 يوليو، حسبما نقلت موقع إذاعة "بي بي سي" عن متحدث باسم وزارة شؤون اللاجئين الأفغانية (لم تسمه).

وفي أعقاب العدوان الأميركي الإسرائيلي ضد طهران في 13 يونيو، كثفت السلطات الإيرانية عمليات الترحيل الجماعي للاجئين الأفغان، وذلك مع تزامن انتشار مزاعم تتهم الأفغانيين بالتجسس لصالح الكيان الإسرائيلي.

“إستراتيجية هجومية”

على ضوء الهجوم على مواقعها النووية وتفعيل "آلية الزناد"، تدرس السلطات الإيرانية خطة لإطلاق سراح مئات آلاف اللاجئين الأفغان عند حدودها الغربية ودفعهم نحو العراق وتركيا؛ وذلك كجزء من إستراتيجية هجومية متعددة المستويات تتبناها طهران. وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وضمن حرب الـ12 على إيران تعرضت المواقع النووية الإيرانية إلى قصف أميركي، بعدها أعلنت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في 28 سبتمبر، إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على طهران "آلية الزناد"، وبررت هذا الإجراء بعدم وفاء طهران بالتزاماتها المتعلقة ببرنامجها النووي.

وأوضحت "الغارديان" خلال تقرير لها في 2 أكتوبر، أنّ "هذه الإستراتيجية تتضمن توسيع البرنامج الصاروخي، وتعزيز الدفاعات الجوية، وتعليق التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

وأفادت الصحيفة بأن "تهديد طهران باستخدام ورقة اللاجئين يُذكّر بتهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سابقا بدفع ملايين اللاجئين السوريين نحو قارة أوروبا".

وفي مطلع مارس 2020، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوروبا من تدفق ملايين المهاجرين نحوها، منددا في الوقت ذاته "بعدم اكتراث" الأوروبيين بالمهاجرين السوريين، وأن بلاده تكافح في سوريا من أجل أمن أراضيها وإنهاء الأزمة الإنسانية التي يعاني منها ملايين السوريين.

وعن سياق الخطة الإيرانية، حذرت بعض المصادر الدبلوماسية والأمنية من أنّ تنظيم الدولة قد يستغل موجة الطرد الجماعي للاجئين الأفغان من إيران وباكستان لخدمة أهدافه.

وخلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، في 24 سبتمبر، حذر هانس شندلر، المنسق السابق للجنة الأمم المتحدة لمراقبة الجماعات المسلحة، من خطورة خطوة إيران، وأن تنظيم الدولة في خراسان، يعد "الأفغان العائدين حديثا مصدرا محتملا للتجنيد مرتفعا للغاية".

وأضاف شندر أنّ ما يعرف بتنظيم "داعش- خراسان يعمل منذ أغسطس/ آب 2021 على تجنيد عناصر منشقين عن حركة طالبان وأفغان آخرين استُبعدوا من هياكل الحكم الجديد".

كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر دبلوماسي أوروبي قوله: "نعلم أنّ بعض الأفغان لا ينضمون إلى الجماعات الإرهابية عن قناعة، بل بدافع الضرورة الاقتصادية".

وبحسب التقديرات، فإن إيران استضافت في بعض الفترات نحو 6 ملايين لاجئ أفغاني، لكن منظمة العفو الدولية أكدت أنّه في عام 2025 أُعيد مليونان منهم إلى أفغانستان، بعدما فرّوا سابقا من الفقر أو من الواقع السياسي للبلد.

وقدّمت السلطات الإيرانية أرقاماً متباينة حول عدد اللاجئين الأفغان على أراضيها، إذ يُقدَّر أنّ ما لا يقل عن مليوني شخص يقيمون بشكل غير قانوني في البلاد، بينما توقعت المفوضية الأممية اللاجئين أنّ نحو 4 ملايين أفغاني قد يُعادون إلى بلادهم خلال العام 2025.

"سلاح المهاجرين"

وبخصوص ما إذا كانت إيران تسعى إلى إرباك المنطقة بتسريب آلاف اللاجئين الأفغان الذين قد تختلط معهم مجاميع من تنظيم الدولة، قال الباحث في شؤون الشرق الأوسط، بهاء الدين البرزنجي: إن "النظام الإيراني قد يخلق نسخة جديدة من داعش واستخدام المهاجرين من أفغانستان". 

وأضاف البرزنجي لـ"الاستقلال" أن "إيران لديها سابق خبرة وتجربة مع تنظيم القاعدة لا تزال غير بعيدة كيف أدخلتهم إلى العراق بعد احتلاله عام 2003، ونقلتهم إلى سوريا للعبث في الثورة ضد رئيس النظام السوري آنذاك بشار الأسد". 

لكن الباحث أكد أن "الظروف الحالية في المنطقة، ووضع إيران تحت مجهر الدول الغربية، يجعل من طهران غير قادرة على تكرار ما فعلته في السابق، خصوصا أن الولايات المتحدة والغرب بشكل عام هو من كان يغض الطرف عن ممارساتها بالمنطقة، كونها تخدم مصالحه ضمن سياسة الفوضى الخلاقة".

"الفوضى الخلاقة" هو تعبير استخدمته مستشارة الأمن القومي الأميركي وقتها كوندوليزا رايس بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، للإشارة إلى التغييرات العميقة التي كانت تسعى الإدارة الأميركية لتحقيقها في الشرق الأوسط عبر إثارة الأزمات والصراعات.

وخلص البرزنجي إلى أن "إيران تريد إيجاد نسخة جديدة من داعش لإرباك المنطقة وإشغال الغرب عنها وطرح نفسها جزءا من حل هذه المشكلة، لكن العالم اليوم متنبه جدا، وأن الكوارث التي سببتها في العراق وفي سوريا من الصعوبة تكرارها، خصوصا أن الأخيرة خرجت من المحور الإيراني".

وقبل ذلك، قال الباحث المختص في الشأن الإيراني المقيم في لندن، نجاح محمد علي: إن "تفعيل آلية الزناد (سناب باك)، إيران تمتلك خيارات عديدة لمواجهة هذا القرار، وأول خيار هو السير على خطى كوريا الشمالية عبر الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وتطوير برنامجها بلا قيود".

وأضاف محمد علي خلال تدوينة على منصة "إكس" في 20 سبتمبر 2025، أن "الأخطر من ذلك، هو إطلاق حر للتصرف الميداني دون الرجوع للقيادة، ويعني أن القوى غير الرسمية وغير المرتبطة بإيران والمؤيدة لها (إيران) قد تتحرك بشكل مستقل". في إشارة إلى إرباك المنطقة عبر أذرعها.

ولفت الخبير بالشأن الإيراني أن "ذلك يفتح الباب أمام عمليات غير متوقعة على الأراضي الأوروبية وحتى البريطانية. من يصرّ على تفعيل آلية الزناد عليه أن يتذكر: على نفسها جنت براقش".

ففي 28 سبتمبر/ أيلول 2025، أعلنت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا (الترويكا الأوروبية) إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة على إيران، بعد انقضاء مهلة الـ30 يوما التي منحتها للأخيرة، وبررت هذا الإجراء بعدم وفاء طهران بالتزاماتها المتعلقة ببرنامجها النووي.

وطلبت دول الترويكا من إيران استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى مواقعها النووية، وتسليم اليورانيوم المخصب إلى واشنطن، لكن طهران وافقت على الطلبين الأولين ورفضت الأخير.

تاريخ لافت

منذ احتلال الأميركي لأفغانستان في أكتوبر عام 2001، وإسقاط حكم حركة طالبان، بحجة إيواء تنظيم القاعدة المتهم باستهداف برجي التجارة العالميين في نيويورك في 11 سبتمبر من العام نفسه، استقطبت إيران عناصر وقادة التنظيم، وتوطينهم مع عائلاتهم، وإنشاء معسكرات خاصة بهم.

ومع الدخول الأميركي للعراق واحتلاله وإسقاط نظام حزب البعث، زجّت إيران بعناصر وقيادات التنظيم، وعلى رأسهم "أبو مصعب الزرقاوي" الذي كان يتزعم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، حتى مقتله بغارة جوية أميركية استهدفته بمحافظة ديالى العراقية عام 2006.

وفي هذا السياق، يكشف قاسم داود السياسي المتحدث الأسبق باسم الحكومة العراقية عام 2004، في كتاب مذكرات أصدره في أغسطس 2025، بعنوان "سنوات الاشتباك"، عن تفاصيل لقاء جمعه بقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.

وقال داود: إنه في إحدى زياراته إلى طهران (لم يذكر التاريخ) التقيت مع سليماني، وسألني الأول عن أسباب رغبتي ببقاء القوات الأميركية في العراق لمدة عشرين عاما، حين سُئلت خلال مقابلة مع قناة "الحرة" الأميركية عن رأيي بالانسحاب الأميركي من البلاد.

وأضاف داود: "أجبت سليماني، أن الولايات المتحدة دمرت كل شيء ولم يبق جيش للعراق يحميه إذا حصل هجوم إرهابي، وهل سترسلون الحرس الثوري للقتال دفاعا عنا؟، لكن الأخير أطرق وابتسم، وقال: أنتم بالملايين ماذا سيحصل لو قتل مليون عراقي في سبيل الدفاع عن العراق، لأردّ عليه بأن الدم العراقي ليس رخيصا إلى هذا الحد". 

ويكمل داود، قائلا: "إن بثينة شعبان مستشارة رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد، كتبت مقالا (لم يذكر أين) قالت فيه: إن الأخير أخبرها بأنه ندم كثيرا لأنني رضخت لضغوط قاسم سليماني، حين طلب مني فتح معسكرات لتنظيم القاعدة بعد أشهر على احتلال العراق". 

وتابع: "الأسد سأل سليماني حينها كيف تتعاملون مع تنظيمات متطرفة وأنتم شيعة؟ لكنه رد أننا نتعامل معهم وندعمهم ولدينا بعض أفراد عائلة أسامة بن لادن (زعيم القاعدة السابق). وبعدها فتحت معسكرات للقاعدة في سوريا، وبدأت التفجيرات الانتحارية في العراق تخرج من سوريا".

ولفت داود في مذكراته إلى أن "ألف عنصر من عتاة قادة تنظيم القاعدة الذين فروا من سجن أبي غريب غرب العاصمة بغداد عام 2016، وكانت في انتظارهم باصات لنقلهم، والذين كانوا نواة لتشكيل تنظيم الدولة لاحقا، وهذا كان أمرا مخططا له".

ويُتهم رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي بالتعاون مع نظام بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني، بالوقوف وراء صناعة تنظيم الدولة، الذي سيطر على محافظة نينوى (مركزها الموصل) العراقية في 10 يونيو/حزيران 2014، ثم إعلانه عما أطلق عليه "دولة الخلافة" في سوريا والعراق.

وأكد حسن الشمري الذي كان وزيرا عام 2013، في حكومة المالكي المقرب من إيران، خلال مقابلة تلفزيونية في يناير 2014، أن هجوم عناصر القاعدة على السجنين (التاجي أبو غريب) بعملية أطلق عليها التنظيم "هدم الأسوار"، كانت مدبرة وتورط فيها رؤوس كبار في الدولة العراقية.

وأوضح، أن "رؤوسا كبيرة في الدولة سهّلت هرب سجناء تنظيم القاعدة من سجني أبي غريب والتاجي في بغداد"، ويرى أن ذلك يهدف "لتقوية النظام السوري من خلال تقوية التنظيم، وتخويف الولايات المتحدة من أي ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، ستكون القاعدة هي البديل".