تتقرب من إيران وتضيق على الإخوان.. كيف بدلت الإمارات جلدها في المنطقة؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

لم تقطع دولة الإمارات تواصلها على حزب الله اللبناني أبرز أذرع إيران في المنطقة، بينما لا تزال تحارب الإخوان المسلمين وتشيطنهم، وتدعم خصومهم لإجهاض وتدمير تجاربهم في الحكم.

ولم تثبت الإمارات على أي موقف اتخذته ضد إيران وحلفائها في المنطقة، لكنها منذ اندلاع ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010، تعادي تنظيمات الإخوان المسلمين التي تصدرت المشهد في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، فضلا عن المقربين منهم في دول الخليج.

"صفحة جديدة"

رغم تصنيفه على لوائح الإرهاب لديها، ووصفه بأنه من أبرز خصوم حلفائها في دول الخليج، خصوصا السعودية والبحرين والكويت، لكن ذلك لم يمنع دولة الإمارات من عقد لقاءات مع حزب الله اللبناني، في العاصمة أبوظبي، من أجل إعادة تطبيع العلاقات بينهما.

ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 20 مارس/ آذار 2024، عن 4 مصادر مقربة من حزب الله (لم تكشف عن هويتهم)، قولهم إن وفيق صفا، المسؤول البارز في الجماعة اللبنانية المتحالفة مع إيران، أجرى أخيرا زيارة إلى الإمارات.

وجاءت الزيارة التاريخية، لتسهيل إطلاق سراح أكثر من 10 مواطنين لبنانيين محتجزين بالإمارات، فيما لم يصدر ردّ من وزارة الخارجية الإماراتية على طلبات "رويترز" للتعليق.

وفي مايو/ أيار 2019، أصدرت محكمة إماراتية حكما بالسجن مدى الحياة في حق لبناني، وبالسجن عشر سنوات على آخرين، بعدما دانتهم بتهمة التخطيط لشن هجمات لصالح حزب الله.

وأثمرت وساطة قادتها الحكومة في لبنان مع الإمارات عام 2021 عن إطلاق سراح عشرة موقوفين لبنانيين على الأقل في الإمارات. ولا يزال سبعة آخرون قيد الاعتقال بينهم محكومون بالمؤبد أو السجن لسنوات طويلة.

ولفتت "رويترز" إلى أن الزيارة التي جاءت بناء على دعوة من أبوظبي قد تشير إلى تحول كبير عن العداء الذي ميز العلاقات منذ فترة طويلة بين جماعة حزب الله الشيعية والإمارات الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة.

ووصفت زيارة وفيق صفا بأنها "صفحة جديدة" في العلاقات بين الإمارات و"حزب الله"، الذي تصنفه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الخليجيون "جماعة إرهابية".

وذكرت أن صفا سافر إلى الإمارات، في 19 مارس، وهو يدير وحدة الارتباط والتنسيق التابعة لـ"حزب الله" المسؤولة عن التنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، ويخضع لعقوبات أميركية.

وفي 23 مارس، قالت صحيفة الأخبار" اللبنانية، إن سلطات أبو ظبي طلبت بداية التواصل المباشر مع "حزب الله"، الذي فضّل الحفاظ على دور الوسيط، وفي مرحلة لاحقة رفع الإماراتيون وتيرة جهودهم، وطلبوا من رئيس النظام السوري بشار الأسد، التوسط لدى الحزب.

وأشارت الصحيفة إلى أن "حزب الله تعامل بإيجابية مع المبادرة السورية وحسن النية الإماراتية، وجرى ترتيب اجتماعات مباشرة بين مسؤولين من الطرفين في دمشق، برعاية سورية".

وكشفت أن "لقاءات عدة جرت في دمشق بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، ومستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد، وجرى التأكيد من الطرفين، على أن هذه الاجتماعات ذات طابع أمني وليست سياسية، كونها محصورة في محاولة معالجة قضية الموقوفين".

وفي عام 2016، صدر بيان من دول مجلس التعاون الخليجي يصنّف فيه حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، كونه "يشكل تهديدا للأمن القومي العربي"، بعدما فرض عقوبات عليه عام 2013 لمساندته النظام السوري عسكريا.

وقد سبق أن صنفت وزارة الخارجية الأميركية "حزب الله" اللبناني منظمة إرهابية أجنبية في أكتوبر/تشرين الأول 1997 وكيانا إرهابيا عالميا مصنفا في نفس الشهر من عام 2001. 

"إيران ولا الإخوان"

لكن خطوة الإمارات هذه لم تكن الأولى تجاه التقارب من حلفاء وأذرع إيران في المنطقة، إذ يكشف أحد السياسيين العراقيين أن هذه الدولة الخليجية غيّرت من تعاطيها مع المليشيات الموالية لإيران في العراق.

وقال النائب السابق السياسي العراقي، مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 8 يناير 2024، إن "الإماراتيين بدّلوا نهجهم في العراق بشكل كامل، فقد كانوا يتعاملون مع السُنة فقط كونهم مظلومين، لكنهم يتعاطون مع الجميع، وحتى مع مليشيا عصائب أهل الحق".

ولفت الجبوري إلى أن "المسؤولين في دولة الإمارات يرون حاليا أن العراق فيه تنوّع اجتماعي وبالتالي يجب عليهم التعاطي مع الجميع، وانفتحوا على جميع المكونات في البلاد. ما يعنيهم اليوم هو حماية أعمالهم واستثماراتهم".

وقبل ذلك، وتحديدا في عام 2021 أعادت دولة الإمارات علاقتها مع نظام بشار الأسد في سوريا، بعد مقاطعة قاربت على عشر سنوات، وسعت بعدها إلى إعادة دمجه بالمنظومة العربية.

كما سحبت دولة الإمارات جنودها العاملين باليمن في 8 فبراير/شباط 2020، وتغيير إستراتيجياتها من هزيمة مليشيا الحوثي، عند مشاركتها في تشكيل التحالف العربي لعودة الشرعية، إلى الاكتفاء بالاعتماد على قوات محلية حليفة لها.

وبتصفير الإمارات جميع المشكلات مع أذرع وحلفاء طهران في المنطقة، باتت المقولة المأثورة عن بعض حكام دول الخليج أقرب للحقيقة، وهي أنها تقبل بـ"إيران ولا حكم الإخوان".

وفي هذه النقطة، يرى الباحث العراقي، ميثم محمد صاحب، أن "الإمارات تسخّر الأموال للضغط على كل دول المنطقة، فهي اليوم تريد أن تمسك بكل الخيوط، لذلك تسعى على ما يبدو إلى الدخول على الملف اللبناني".

ولفت صاحب في حديث مع "الاستقلال" إلى أن "دولة الإمارات تريد أن تكون أيضا مفاوضا تنوب عن إيران، فهي من كان لها الدور في التطبيع العربي مع النظام السوري، وإعادة تأهيل بشار الأسد مرة ثانية".

وعن أسباب تقرب أبوظبي من إيران وحلفائها وأذرعها في المنطقة في الوقت الذي تستمر فيه بمحاربة الإخوان المسلمين، قال صاحب إن "الإمارات تدعم أي دين غير أهل السنة، فهي افتتحت أول معبد للهنود في الجزيرة العربية، وأعادت عبادة الأصنام".

وأكد الباحث أن "الإخوان المسلمين يمثلون تهديدا وجوديا لمعظم الأنظمة العربية الفاسدة، وخصوصا الإمارات التي تغلب مصلحة قادتها على مصالح الأمة، لذلك كانت أول من طبّع من دول الخليج مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بحجة البعبع الإيراني، الذي لم تقاطعه يوما".  

"تاريخ أسود"

ومنذ بداية الربيع العربي في أواخر عام 2010، دأبت السياسة الخارجية الإماراتية على مساندة الأنظمة السلطوية وتقديم الدعم بمختلف أشكاله وأنواعه لأطراف لم تأت بها الخيارات الديمقراطية، حتى عدت مساندة الانقلابات العسكرية خطًا ناظما لتلك السياسة.

أولى محطات تقويض المسارات الديمقراطية في الدول العربية، بدأتها الإمارات بدعم انقلاب وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، من خلال تقديم الدعم المالي والإعلامي للتغطية على جرائمه. 

واتبعت الإمارات سياسة خارجية لها بإستراتيجية تقوم على ثلاثة محاور كما يشير خليل العناني أستاذ العلوم السياسية في جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية: أولها السعي للقضاء على الثورات العربية في أهم مراكزها مصر عبر تحالفات مع القوى المناوئة للديمقراطية.

وثاني تلك المحاور، بحسب تقرير نشرته وكالة الأناضول التركية في 4 يونيو/ حزيران 2020، هو "التأثير على القوى الإقليمية في المنطقة لمحاولة وضعها تحت التأثير الإماراتي، فتم ذلك أولا في مصر ومن ثم في السعودية من خلال استغلال الأزمة داخل الأسرة الحاكمة.

وثالثها محاصرة الدول الداعمة للربيع العربي، لذا كان واضحا حجم التأييد الإعلامي لمحاولة انقلاب يوليو في تركيا 2016، ناهيك عن الحديث عن دعم غير معلن لأطراف شاركت في الانقلاب، وكذلك المشاركة في حصار قطر في 2017.

بهذه الطريقة، تضيف الوكالة، أن السياسة الخارجية الإماراتية عمدت إلى توسيع نطاق نفوذها في الدول التي شهدت ثورات شعبية ضد النظم السلطوية التي عاشت سنين استقرار رخو مرهون بالتبعية لقوى دولية من جهة وبالقبضة الأمنية القمعية ضد معارضيها من جهة أخرى.

ولم يشمل النفوذ الإماراتي مصر وحدها، ولكن وسّعت أبو ظبي من تأثيرها بالتدخل في اليمن من خلال التحالف الذي أقامته مع السعودية في 2015 وبدت جليا مآربها وأطماعها في اليمن من خلال احتلال جزيرة سقطرى وإقامة السجون السرية في عدن.

كما عملت أبو ظبي على تمويل الجماعات المسلحة الخارجة عن الشرعية اليمنية ودعم انفصال الجنوب فيما سمي "المجلس الانتقالي الجنوبي" في 2017، وإدخال البلاد في حالة من الفوضى واغتيالات طالت قادة حزب "الإصلاح" في اليمن المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.

ولم يختلف الأمر كثيرا في ليبيا التي قدّمت فيها أبو ظبي دعمًا عسكريا ولوجستيا وإعلاميا ودبلوماسيا منقطع النظير للجنرال الانقلابي خليفة حفتر منذ 2014 إلى اليوم.

وعدت تونس الحالة الاستثنائية الوحيدة في بلدان الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي التي نجحت في السير على مسار تحقيق الانتقال الديمقراطي والنجاة من فخ الثورات المضادة، إلى حين انتخاب قيس سعيّد رئيسا للبلاد في عام 2019.

ومنذ قدوم سعيّد، أصدر قراراته بتجميد عمل البرلمان، وإقالة الحكومة، في 25 يوليو 2021 وما أعقب ذلك من عمليات توقيف، لشخصيات سياسية، أبرزهم رئيس البرلمان، زعيم "حزب النهضة" الذراع السياسي للإخوان المسلمين، الذي لا يزال في المعتقل منذ أبريل 2023.

وفي عام 2021، وجه الغنوشي خلال حديث لصحيفة "التايمز" البريطانية، أصابع الاتهام للإمارات بالوقوف وراء ما تشهده تونس، مؤكدا أنها تقف خلف “انقلاب” قيس سعيّد على الدستور.

ونقلت "التايمز" عن الغنوشي قوله، إن “أبو ظبي مصممة على إنهاء الربيع العربي، الذي انطلق من تونس عام 2011 وأطاح بحكم الديكتاتور زين العابدين بن علي”.

وأضاف: "عدت الإمارات الديمقراطية الإسلامية تهديدا لسلطتها، وأخذت على عاتقها أن تموت فكرة الربيع العربي التي بدأت في تونس مثلما انطلقت منها".

وتابع زعيم "النهضة" أن "سيطرة عسكرية على السلطة، على غرار ما حدث في مصر، لن تكون ممكنة في تونس، لأن الأخيرة ليست مصر، وهناك علاقات مختلفة بين الجيش والحكومة وقد حمى الجيش الحرية وصناديق الاقتراع منذ الثورة".

كما تناول الغنوشي في وقتها مخاوف الإمارات من الأحداث السياسية في ليبيا، قائلا: إنها "تخشى من تسوية سلمية هناك"، مضيفا: "هم خائفون من التحولات الديمقراطية وإمكانية انتشارها في بقية المنطقة العربية".