تدمير "النووي" أم تغيير النظام؟.. هدف إسرائيل الحقيقي من مهاجمة إيران

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل حالة التوتر غير المسبوقة بين إسرائيل وإيران، تثار تساؤلات جوهرية حول مآلات الهجمات المتبادلة وأهدافها بعيدة المدى، خصوصا في ظل الحديث عن سيناريوهات كارثية تشمل احتمال وقوع مواجهة إقليمية شاملة أو حتى اندلاع حرب عالمية جديدة.

وقال مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" إن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكدت أن الهدف المعلن للهجوم هو تنفيذ "ضربة وقائية"، تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي وتُحبط أي هجوم نووي محتمل ضد إسرائيل.

لكن  السياق العام للهجوم الذي بدأته إسرائيل في 13 يونيو/حزيران 2025، واتساع نطاق الأهداف يكشف أن هذا الادعاء لا يعكس الحقيقة الكاملة، بل يخفي وراءه أهدافاً أكثر عمقاً وتعقيداً، وفق المركز التركي.

ماذا تريد؟

وأوضح الكاتب "مصطفى جانير" أن الهجوم لم يقتصر على المنشآت النووية الإيرانية، بل شمل سلسلة واسعة من الأهداف المدنية والعسكرية والسياسية في مختلف أنحاء البلاد. 

وقد برز بشكل خاص تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة استهدفت قيادات رفيعة في الحرس الثوري والمؤسسة العسكرية، مثل رئيس الأركان العامة محمد باقري، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، وقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني (لم تؤكد طهران مقتله).

وأيضا علي شمخاني المستشار المقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، وأمير علي حاجي زاده قائد القوات الجوية في الحرس الثوري.

وبين الكاتب أن هذه الاغتيالات تشير إلى محاولة منهجية لضرب القدرات القيادية لإيران، وتفكيك بنيتها الأمنية والعسكرية من الأعلى. 

فاستهداف القيادة في مثل هذه الأوقات الحرجة من شأنه أن يُربك عملية اتخاذ القرار، ويضعف سرعة الاستجابة، حتى وإن كانت إيران قادرة على تعيين بدائل سريعة.

وأردف الكاتب التركي: إنّ أحد أبرز مؤشرات النية الإسرائيلية في هذه الهجمات هو تجاوز خيار التفاوض والمحادثات النووية، لصالح فرض الأمر الواقع عبر القوة. 

فإسرائيل لم تترك مجالاً للدبلوماسية، بل سعت إلى تصنيف إيران دولة مارقة (أي خارجة عن القانون)، وبالتالي تبرير أي عمل عسكري ضدها بوصفه ضرورة دفاعية مشروعة.

وبذلك، فإن إسرائيل لا تحاول فقط تحجيم مشروع إيران النووي، بل شلّ قدراتها العسكرية والسياسية بشكل عام أيضاً، ومنعها من تشكيل تهديد طويل الأمد في الإقليم، وفق الكاتب.

وأضاف: الهجوم الإسرائيلي يعكس تطبيقاً صارماً لما يُعرف في العقيدة العسكرية بـ"إستراتيجية قطع الرؤوس"، والتي تستهدف شلّ الدولة من خلال تصفية قياداتها، وضرب مراكز اتخاذ القرار، وتدمير البنية التحتية الحيوية للأمن والدفاع. 

تغيير النظام

وبين أنّ الغاية النهائية من هذه الإستراتيجية تتمثّل في خلق حالة من الفوضى الداخلية، وربما تحفيز انهيار داخلي في النظام. 

ولفت أن استهداف الرادارات والقواعد الجوية ومنشآت الصواريخ والمخازن العسكرية يدخل ضمن هذه الخطة، التي تهدف إلى حرمان إيران من القدرة على الرد الفعّال، أو حتى الدفاع عن نفسها في مواجهة أي تصعيد مقبل.

وفي خطوة تعبّر عن تصعيد خطير، أطلق نتنياهو تصريحات مباشرة دعا فيها الشعب الإيراني إلى "الوقوف متحداً ضد النظام الظالم والشرير" كما وصفه، مشجعاً الإيرانيين على التمرد والثورة. 

هذه الدعوة لم تكن مجرد تصريح عابر، بل تعكس جوهر إستراتيجية إسرائيلية أوسع تُعرف بـ"تغيير النظام"، وتهدف إلى إعادة تشكيل السلطة في إيران بما يخدم المصالح الإسرائيلية، حتى لو تطلب الأمر جرّ المنطقة بأكملها إلى مزيد من الفوضى.

واستدرك الكاتب: الهدف الأساسي من هذه الإستراتيجية هو ضرب مؤسسات الدولة الإيرانية، السياسية والأمنية على حدٍّ سواء، وذلك لتفريغها من فعاليتها وخلق فراغ في السلطة. 

وتسعى إسرائيل إلى استغلال الأزمات الداخلية وحالة السخط الاجتماعي والاقتصادي من أجل تأجيج الفوضى.

كما حاولت سابقا خلال احتجاجات مهسا أميني (شابة توفيت في سبتمبر/أيلول 2022 بعد 3 أيام على توقيفها لدى شرطة الأخلاق المعنية بمراقبة قواعد لباس النساء)، عبر تدخلات استخباراتية وتحريض إعلامي يهدف إلى دفع الناس نحو التمرد والاضطرابات.

لكنّ إسرائيل لا تكتفي بإحداث فوضى داخلية، بل تطمح إلى أن تسفر هذه الاضطرابات عن صعود قوى سياسية معارضة للنظام الأيديولوجي القائم، بحيث تتولى الحكم وتكون مستعدة للتنسيق أو حتى التحالف مع إسرائيل. 

وهناك نسخة بديلة من هذه الخطة تقوم على أمل حدوث انقلاب عسكري من داخل الجيش الإيراني، يُطيح بالمرشد الأعلى علي خامنئي وقيادته، ويؤسس لنظام جديد أكثر ملاءمة للمصالح الإسرائيلية.

خطط مستحيلة

وأردف الكاتب: رغم ما تنطوي عليه هذه الخطط من طموحات سياسية، فإن الواقع الإيراني المعقّد يجعلها أقرب إلى الخيال السياسي منها إلى الإستراتيجية القابلة للتطبيق. ويمكن تفنيد هذه الرهانات الفاشلة من خلال نقطتين رئيستين:

أولاً: تجاهل الروح الوطنية الإيرانية، حيث تفترض إسرائيل خطأً أن الإيرانيين بمجرد سخطهم من النظام سيكونون مستعدين للتحالف معها ضد دولتهم. 

لكنها تغفل عن حقيقة تاريخية راسخة: الإيرانيون يتمتعون بروح وطنية قوية، ويتّحدون ضد أي تدخل أجنبي، حتى في أوقات الخلاف الداخلي، وفق الكاتب.

فخلال الحرب العراقية–الإيرانية قاتلت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية (معارضة) إلى جانب العراق، وما زالت حتى اليوم محل ازدراء من جميع أطياف الشعب الإيراني، سواء من المؤيدين أو المعارضين للنظام.

ثانياً: لا قاعدة للانقلاب داخل الجيش، وهذا السيناريو لا يقل سذاجة عن الأول، حيث إنّ المؤسسة العسكرية الإيرانية لا تحتوي على تيارات مناوئة للنظام، بل تخضع بالكامل لولاء هيكلي وفكري للمرشد الأعلى. 

كما أن البنية الاقتصادية والبيروقراطية للدولة مترابطة مع القوى الأمنية والعسكرية، وتخضع لمنظومة فكرية وتنظيمية مشتركة تجعل من المستحيل تقريباً حدوث انشقاق داخلي بهذا الحجم.

وأضاف الكاتب: لقد حاولت إسرائيل منذ سنوات بناء علاقات مع بعض الشخصيات المعارضة في الخارج، وعلى رأسهم رضا بهلوي نجل الشاه السابق، الذي أبدى دعمه الصريح للهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وكذلك منظمة مجاهدي خلق. 

غير أن هذه الأطراف تعد في الوعي الجمعي الإيراني قوى "عميلة" لا تملك أي شرعية شعبية حقيقية، ولا يُتوقع أن تلعب دوراً مؤثراً في أي تحول سياسي داخلي.

وتابع: تاريخ التدخلات العسكرية حول العالم يثبت أن الضربات الجوية وحدها لا يمكن أن تُحدث تغييراً جوهرياً في بنية الأنظمة السياسية، ولا أن تقطع العلاقة بين الدولة وشعبها. 

ومهما بلغت قوة القصف وشدة التحريض، فإن رهان إسرائيل على تفجير إيران من الداخل عبر دعم عناصر معارضة أو إحداث انقلابات لن يحقق إلا مزيداً من الفوضى والمعاناة.

في نهاية المطاف، ما تسعى إليه إسرائيل ليس “الحرية للشعب الإيراني” كما تدّعي، بل نظاماً موالياً لها، ولو على أنقاض بلدٍ ممزق، وفق الكاتب.

غير أن حساباتها تتجاهل عمق الوطنية الإيرانية، وتركيبة النظام المتماسكة، والتّاريخ الطويل من الفشل لكل من ظنّ أن بإمكانه تغيير الشعوب بالصواريخ وحدها، بحسب تقديره.