أميركا والصين.. من يقلد الآخر في طريقة التعامل مع الشرق الأوسط؟

لماذا تفضل الصين اتباع نهج صفقاتي وبراغماتي غير سياسي في الشرق الأوسط؟
تحدث موقع فرنسي عن تبني الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، نهجا صينيا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط.
وقال موقع "أتلانتيكو" إن مقاربة واشنطن الحالية تتميز بتبني أدوات مأخوذة من الدبلوماسية الصينية، مع التركيز على المصالح الاقتصادية والتحالفات الإستراتيجية بدلا من الخطاب الديمقراطي التقليدي أو التدخلات العسكرية المباشرة.
ويسلط الموقع الضوء على أبرز مظاهر هذا التغيير من خلال "اتفاقات أبراهام" التطبيعية، التي أعادت رسم جزء من المشهد الإقليمي لصالح الولايات المتحدة.
كما يناقش تداعيات هذا التحول في ظل التغيرات اللاحقة في السياسة الأميركية تحت إدارة الرئيس السابق جو بايدن واتساع النفوذ الصيني في المنطقة، مما يمهد لساحة تنافس جديدة بين القوتين العظميين.

على خطى الصين
وتساءل الموقع: “لماذا تفضل الصين اتباع نهج صفقاتي وبراغماتي غير سياسي في الشرق الأوسط؟ هل هو خيار إستراتيجي أم نتيجة لقيود بنيوية؟”
وللإجابة عن هذا السؤال، يوضح أن "الصين تعتمد قبل كل شيء على لعبة توازن بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين؛ السعودية وإيران. ومنظورها لا يشبه منظور الأوروبيين الذين يرون الصراع من زاوية الانقسام بين السنة والشيعة".
وبعكس ما يُشاع عن حيادها، لم تكن الصين بعيدة عن السياسة خلال الحرب الباردة، بل حاولت في كثير من الأحيان منافسة الدبلوماسية السوفيتية في المنطقة.
"ودفاعها عن القضية الفلسطينية من خلال دعم فصائل معارضة لتلك المدعومة من موسكو كان مثالا واضحا على ذلك"، من وجهة نظر الموقع.
وأردف: "ثم في حقبة ما بعد مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ، ومع تقربها من الولايات المتحدة، اعترفت بكين بدول كانت معارضة بوضوح للاتحاد السوفيتي".
علاوة على ذلك، يلفت إلى أن "إنشاء علاقات دبلوماسية مع إيران في عهد الشاه -التي كانت تُوصف في حينها في البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) بأنها دولة جبهة- كان دليلا على هذا التوجه".
وهذا يعكس أيضا سمة ثابتة في خيارات الدبلوماسية الصينية؛ وهي التقرب من الأقوى مع الحفاظ على خصوصيتها.
أما اليوم، فالدبلوماسية السائدة هي "دبلوماسية الطاقة"، كما أن خيارات بكين تُبنى قبل كل شيء على البراغماتية.
ومن جهة أخرى، يبرز الموقع أنه "في الواقع، ما يحكم سياسات بكين هو الواقعية السياسية، بلا عواطف، وتحت شعار حماية المصالح العليا للصين".
وبالإشارة إلى أن الإستراتيجية الدبلوماسية لترامب في الشرق الأوسط تبدو بمثابة "نسخ ولصق" للنهج الصيني، يلفت "أتلانتيكو" النظر إلى الميل الواضح للرئيس الأميركي نحو إبرام "صفقات" تذكرنا ضخامتها المالية بتلك التي تنفذها الصين.
وإحدى هذه الصفقات تمثلت في صفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 142 مليار دولار.
ولكن -من وجهة نظر الموقع- فإن الرابحين الحقيقيين في هذا السياق هي الدول العربية، فقد كانوا أول من استفاد من الجولة الدبلوماسية الأولى للرئيس الأميركي في مايو/أيار 2025.
ومع ذلك، لم تتخل هذه الدول عن علاقاتها القائمة مع الصين، كما لم تتنازل عن موقفها من القضية الفلسطينية، وخصوصا ما يتعلق بسكان غزة.
كما تسعى قبل كل شيء إلى الحفاظ على المظلة الأمنية الأميركية "كوسيلة ردع لأي تهديد أو عدوان من إيران".

من يكسب المنطقة؟
وفي هذا الإطار، يبرز "أتلانتيكو" أن "عودة الولايات المتحدة إلى الانخراط النشط في الشرق الأوسط، بعد فترة من الانكفاء النسبي، تثير تساؤلات حول مدى تأثير هذه العودة على النفوذ الصيني الذي كان في تصاعد".
وفي هذا السياق، يرى الموقع أن "ترامب منح الأولوية في سياسته الإقليمية لدول الخليج العربي، في حين اعتمدت الصين أسلوبا أكثر تدرجا وانتشارا في بناء نفوذها، دون التخلي عن حضورها في المنطقة".
وأشار إلى أن "بكين تنظر إلى عواصم مثل بغداد والقاهرة ودمشق بوصفها تمثل شبكة علاقات تاريخية ينبغي الاستمرار في تعزيزها وتقدير أهميتها".
وعلى المستوى الأيديولوجي، يوضح الموقع الفرنسي أن "الصين حافظت على موقف ثابت يتمثل في الانخراط الاقتصادي مع الدول الإسلامية مع احترام سيادة الأنظمة القائمة، دون التدخل في شؤونها الداخلية".
وأردف: "تميز الصين بوضوح بين علاقاتها الاقتصادية ومواقفها السياسية، معتبرة أن مساعي الشعوب لتغيير أنظمتها هي شأن داخلي لا يخصها".
وهنا، يلاحظ الموقع أن "هذا الموقف الأيديولوجي أصبح مشتركا إلى حد ما مع ما يطرحه ترامب، الذي أعاد إنتاج خطاب مشابه لما عبر عنه الرئيس الأسبق باراك أوباما، في خطابه الشهير بالقاهرة عام 2009".
إلا أن الإدارة الأميركية، وفقا للموقع، تعاني من "تأخر مزدوج"، موضحا أنه "من جهة يظهر التأخر في تبني نموذج اقتصادي جديد يواكب التحولات العالمية، وفي صياغة خطاب جذاب قادر على التأثير في المنطقة من جهة أخرى".
وفي هذا الإطار، يشير إلى أن "الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط في تراجع مستمر، خصوصا مع تراجع الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للطاقة".
وبالتالي، فإن اقتصار الولايات المتحدة على البعد الاقتصادي في علاقتها بالعرب يُعد تخليا عن أحد جوانب "الخصوصية الأميركية".
"ورغم أن هذه الخصوصية كانت تُنتهك في كثير من الأحيان، فقد وفرت لبعض النخب العربية مساحة للأمل في إمكان التغيير القائم على القيم".
أما الصين، وبحكم طبيعة نظامها السياسي، فهي لا تقدم نموذجا ملهما يمكن أن يثير تطلعات الشعوب.
وفي ظل هذا الفراغ، يطرح الموقع سؤالا حول "ما إذا كانت أوروبا قادرة على ملء هذا الدور -ولو جزئيا- في المرحلة المقبلة".

عوامل ديمغرافية
وفي هذا السياق، يسلط الضوء على أن "السياسة الخارجية الصينية في بعض جوانبها تميل إلى إضفاء طابع أيديولوجي واضح يميزها عن النهج الأميركي في عهد ترامب".
ويتجلى ذلك، على سبيل المثال، في رفض بكين تصنيف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" كمنظمة إرهابية، ما يعكس تفضيلها الخطابي للعالم الإسلامي على حساب الغرب.
ويأتي هذا التوجه مدفوعا بعوامل ديمغرافية، حيث يشكل العالم الإسلامي الأغلبية السكانية، مما يدفع الصين إلى استمالة دعم هذه الأغلبية ضمن إستراتيجيتها الدولية.
ومع ذلك، يرى الموقع أنه "لا يمكن لأي قوة عظمى أن تتخلى عن البعد القيمي والرمزي في سياستها الخارجية، دون أن تتعرض لتناقض داخلي يضعف شرعيتها".
وفي المقابل، ينوه أن "الولايات المتحدة الأميركية تواجه صعوبات في إعادة بناء ما فُقد من مكانتها الرمزية والقيادية لا سيما في العالم العربي الذي يرى في ترامب تجسيدا لحالة من التوتر والهستيريا السياسية".
وهذا الواقع -في رأي الموقع- يدفع الدول العربية إلى توخي الحذر تجاه خيارات واشنطن التي تواصل دعمها لإسرائيل.
"مع العلم بأن بعض الأيديولوجيين المحيطين بترامب قد يسعون إلى تحويل الأرض المقدسة إلى ساحة لصراعات دينية جديدة، تحمل طابعا صليبيا"، وفق وصف الموقع.
وفي هذا الإطار، يختتم بالتأكيد على أن "الأيديولوجيا تظل مكونا أساسيا في الفعل السياسي الدولي"، مشددا أنه "لا يمكن فصلها عن الديناميات التي تحكم العلاقات بين الدول، ما يجعلها مستمرة بقوة في تشكيل المشهد العالمي".