وسط منافسة روسيا ومصر.. هكذا تناور تركيا لتثبيت نفوذها في ليبيا

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تحاول تركيا استغلال الفراغ الجيوسياسي لتعزيز نفوذها في ليبيا عبر دعم حكومة طرابلس عسكريا واقتصاديا، مع التحول لاحقا إلى دبلوماسية براغماتية تشمل الشرق الليبي أيضا. 

ويحلل معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي الإستراتيجية التركية في ليبيا ضمن سياق التنافس الإقليمي والدولي، مستعرضا مواقف القوى الإقليمية الأخرى، خاصة مصر وروسيا، وما يترتب على ذلك من توازنات وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل مستقبل ليبيا.

وفي هذا السياق، يشير المعهد إلى أن تركيا قد تستخدم الورقة الليبية -كما فعلت في سوريا- للضغط على الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة.

توسع تركي

وشهدت السياسة التركية في ليبيا توسعا لافتا خلال السنوات الأخيرة؛ إذ برز هذا التوجه مع "رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي عدّ ليبيا محورا لإستراتيجية أنقرة الجيوسياسية، ضمن ما وصفه بالجوار القريب".

وتابع المعهد: "وفي عام 2011 شاركت تركيا في تدخل الناتو (حلف شمال الأطلسي) لدعم المعارضة الليبية (من أجل إسقاط رئيس النظام السابق معمر القذافي)، وبدأت بتقديم الدعم التدريجي للجماعات الثورية والإسلامية، معتمدة على الروابط الاجتماعية والدينية". 

وفي تلك الفترة، يذكر المعهد أن حزب "العدالة والتنمية" التركي نسّق تحركاته مع جماعة الإخوان المسلمين الليبية بدعم قطري.

ومع تصاعد الصراع إلى حرب أهلية ثانية عام 2014، انقسمت ليبيا إلى حكومتين متنافستين؛ واحدة في طرابلس تحظى بالدعم التركي، وأخرى في طبرق مدعومة من قوات اللواء الانقلابي خليفة حفتر. 

وبعد هجوم ما يسمى بـ "الجيش الوطني الليبي" -التابع لحفتر- على طرابلس عام 2019، قررت تركيا التدخل عسكريا بشكل مباشر، خاصة بعد انسحاب واشنطن من الملف الليبي.

وجاء ذلك ضمن سعي تركيا لمواجهة نفوذ روسيا والإمارات، اللتين تدعمان حفتر وتعارضان الإخوان المسلمين. وفق التقرير الإيطالي.

ويضيف المعهد أنه في أواخر 2019، وقعت تركيا مذكرة تفاهم أمنية وعسكرية مع حكومة الوفاق الوطني السابقة، تبعها إرسال طائرات مسيرة وأسلحة ومرتزقة سوريين، مما غير موازين القوى لصالح حلفاء أنقرة. 

"كما عززت أنقرة وجودها بإنشاء قواعد عسكرية في مصراتة والوطية"، حسب ما ورد عن المعهد. 

علاوة على ذلك، أفاد المعهد بأن "الاتفاق البحري بين تركيا وحكومة الوفاق، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وسع المطالب التركية في المتوسط، وأثار اعتراضات من مصر واليونان وقبرص".

وردا على ذلك، دعمت روسيا ومصر والإمارات قوات حفتر، ووقعت القاهرة اتفاقا بحريا مع أثينا عام 2020، في رد مباشر على التحركات التركية.

ومن جهة أخرى، يبرز المعهد أن "العلاقات بين أنقرة والقاهرة توترت منذ 2013 بسبب موقف أنقرة المؤيد للإخوان، لكنها عادت للتحسن أخيرا".

وأردف: "وفي 2021 تشكلت حكومة مؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ووقعت مذكرة نفط وغاز جديدة مع أنقرة عام 2022". 

كما بدأت تركيا في "التقارب مع الأطراف الشرقية، بما فيها عائلة حفتر، في تحول من المواجهة المباشرة إلى دبلوماسية واقعية لضمان نفوذ طويل الأمد في ليبيا"، وفق المعهد.

من التصادم إلى التقارب

وتطرق المعهد إلى زيارة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا في 4 سبتمبر/أيلول 2024، وقال: إنها “شكّلت علامة فارقة في العلاقات بين البلدين”.

وجاءت الزيارة بعد أخرى أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة في فبراير/شباط من نفس السنة والتي كانت الأولى له منذ 12 عاما.

وبعد هذا اللقاء، أعلنت الدولتان تأسيس مجلس تعاون إستراتيجي ثنائي، لـ “تنسيق أهدافهما الإقليمية المشتركة وتجنب أي صراعات محتملة مستقبلا”.

ومن وجهة نظر المعهد: "انعكس هذا التقارب بشكل مباشر على المشهد السياسي في ليبيا؛ حيث أبدت كل من أنقرة والقاهرة استعدادا للتعاون والعمل المشترك من أجل استقرار الأوضاع السياسية المتأزمة هناك". 

وأضاف: "كما تسعى الدولتان إلى دفع كل من حكومة الشرق بقيادة خليفة حفتر، وحكومة الوحدة الموحدة بالغرب، إلى تسوية الخلافات القائمة بينهما".

ومن ناحية أخرى، يتوقع معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي أن تؤدي هذه الجهود أيضا إلى "تعزيز إنتاج الهيدروكربونات في ليبيا، بما يشكل فرصة لتعزيز نفوذ البلدين في المنطقة".

وخلال زيارته إلى القاهرة شدد أردوغان على نية بلاده ترسيخ علاقات مؤسسية مع طرابلس. وهو ما عُدّ -بحسب المعهد- خطوة "قد تقوض الاستقرار النسبي في العلاقة مع مصر". 

ويوضح المعهد أن "هذا التوجه جاء مدعوما بمذكرة التفاهم التي وُقعت في أغسطس/ آب 2024 بين الحكومة التركية وعبد الحميد الدبيبة".

ونصّت المذكرة على "توسيع الوجود العسكري التركي في ليبيا، ومنح القوات التركية حق الوصول إلى الأراضي والمجالين الجوي والبحري الليبيين".

وبعدها، وجّهت القاهرة دعوة رسمية إلى رئيس الحكومة في الشرق أسامة حماد لزيارة مصر، ما عدّته سلطات طرابلس تصعيدا دبلوماسيا، وردت بطرد اثنين من الدبلوماسيين المصريين.

ورغم هذا التوتر، يقول المعهد: إن "تركيا واصلت اتباع سياسة دبلوماسية حذرة في شرق ليبيا"؛ إذ نفذت عدة استثمارات اقتصادية بارزة، أبرزها مشروع شركة "Tosyali" التركية للحديد والصلب، التي أعلنت عن خطط لبناء أكبر مصنع من نوعه في مدينة بنغازي. 

تكرار التجربة

وفي هذا الإطار، يبرز أن مقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار، عبد الغني الككلي، المعروف باسم "غنيوة"، في 12 مايو/ أيار 2025، أدخل طرابلس في موجة جديدة من الفوضى؛ حيث اندلعت اشتباكات بين مليشيات مرتبطة بحكومة الوحدة الوطنية.

وهذا التصعيد قد يسهم -وفق المعهد- في "تعزيز موقف الدبيبة، المدعوم من تركيا وحكومة الوحدة، خاصة بعد محاولات متكررة لعزله".

وأردف: “قد تزداد قوة ونفوذ الفصائل التابعة لوزارة الدفاع، وعلى رأسها اللواء 444 بقيادة محمود حمزة والذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع أنقرة”.

ويحضر هنا أيضا اللواء 111، والقوة المشتركة من مصراتة؛ حيث من المتوقع أن تعزز هذه الكيانات مواقعها، في ظل التوتر. 

وفي هذا السياق، يقول المعهد الإيطالي: إن "تركيا تفضل مشهدا أمنيا أكثر استقرارا وأقل انقساما في طرابلس". لافتا إلى أن "غياب غنيوة قد يسهم في تحقيق بيئة أكثر وحدة وأمانا".

من زاوية أخرى، يتحدث عن أنه "بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، فتح المجال أمام تركيا لتوسيع نفوذها الإقليمي، ومن هنا، فقد تسعى لتكرار التجربة في ليبيا، ولكن عبر أسلوب مختلف". 

"فبفضل قدرتها على التحرك في عدة جبهات واستغلال الأوضاع غير المستقرة، قد تعمل تركيا على توسيع حضورها في البلاد".

ورغم ذلك، ينوه المعهد إلى أن "وجود أطراف فاعلة أخرى مثل روسيا ومصر لا يمكن تجاهله، إذ تلعب تحركاتهما دورا حاسما، فهما من جهة يؤكدان أهمية إعادة توحيد المؤسسات الليبية، ومن جهة أخرى يسعيان لتحقيق مصالحهما الخاصة في البلاد".

وفي هذا الصدد، يبرز أن "روسيا، التي تحتفظ بقواعد عسكرية في ليبيا، تربطها علاقات متينة بالحكومة الشرقية؛ حيث قدمت دعما متكررا لخليفة حفتر". 

وبالرغم تأثر نفوذها الإقليمي بالحرب في أوكرانيا، أكد المعهد أن "حضورها في ليبيا لا يزال فاعلا". أما مصر، فرغم عودة الحوار مع تركيا، فلا تزال تسعى لترسيخ دورها في الملف الليبي.

وفي النهاية، لا يستبعد المعهد أن "تستخدم تركيا وروسيا الوضع الحالي كورقة ضغط على أوروبا في قضايا الهجرة"، مشيرا إلى أن "هذا التكتيك استُخدم سابقا في سوريا وأسهم في تغيير موازين القوى".

ويختتم بالقول: "إذا ما تدهورت الأوضاع، وهو سيناريو غير مرجح لكنه وارد، فقد تشهد الساحة الليبية مواجهة جديدة بنتائج أكثر تعقيدا وخطورة".