سيناريوهات كارثية.. ماذا سيحدث حال دخول أميركا الحرب ضد إيران؟

إسماعيل يوسف | منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

منذ بدء الحرب بين إسرائيل وإيران في 13 يونيو/حزيران 2025، تصدر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشارات متضاربة ما بين نفي أي علاقة بالهجوم الإسرائيلي، وبين التهديد بتدمير طهران.

وما بين الموقفين المتناقضين، تتحدث الصحف الأميركية عن خلافات "نادرة" داخل معسكر ترامب وتيار “ماغا” (لنجعل أميركا عظيمة مجددا) بين صقور يدفعون باتجاه دخول الحرب مع إسرائيل وتدمير البرامج النووي الإيراني، وبين فريق آخر من "ماغا"، يدعمون إسرائيل أيضا، ولكنهم يرون أن برنامج ترامب الانتخابي قام على الابتعاد عن الحروب التي سبق أن تورطت فيها أميركا، وتحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي بما يفيد مصالح واشنطن اقتصاديا.

ويحذر هذا الفريق الثاني من رد طهران بضرب قواعد ومصالح أميركا في الشرق الأوسط حال تدخل الولايات المتحدة عسكريا بشكل رسمي، ما يُجهض ويضيع الأموال التي حصدها ترامب من دول الخليج.

نعم أم لا؟

وطلبت إسرائيل من أميركا التدخل رسميا في الحرب ضد إيران، لكن تضاربت تصريحات ترامب حول التدخل من عدمه، بحسب مصادر أميركية وإسرائيلية.

وظل ترامب ينفي "أي علاقة بالهجوم على إيران"، وينكر أي نية لدخول الحرب ضدها، لكن نُشرت تحليلات في الصحف الأميركية تشير إلى أن نتنياهو يسعى لتوريطه.

ومع شدة الضربات الإيرانية ضد إسرائيل، وتصاعد دعوات صقور تيار "ماغا" بالتدخل، سواء مباشرة أو عبر مد تل أبيب بقنابل وطائرات إستراتيجية لقصف مجمع "فوردو" النووي، قال ترامب "من الممكن أن نتدخل".

وأرسل بذلك إشارات متضاربة ما بين تدخله ضد إيران عسكريا وسعيه لإبرام اتفاق لوقف الحرب بينها وبين إسرائيل.

وهو ما يعكس حالة التخبط وشعور ترامب بمأزق تل أبيب بعدما اشتدت الضربات الإيرانية التي يصعب على دولة الاحتلال تحملها عدة أسابيع، وفق صحف أميركية.

فقد حذر من أنه "إذا تعرضنا لهجوم من قبل إيران بأي شكل من الأشكال، فإن القوات المسلحة الأميركية سترد بأقصى قوة وبمستويات غير مسبوقة".

ثم قال: "ومع ذلك، يمكننا بسهولة التوصل إلى اتفاق بين إيران وإسرائيل، وإنهاء هذا الصراع الدامي".

وأضاف: "على إيران وإسرائيل التوصل إلى اتفاق، وسنتوصل إلى سلام بينهما قريبا"، مضيفا: "أنا سأعقد اتفاقا بينهما كما فعلت مع الهند وباكستان". 

وقبل ذلك قال في منشور على منصة تروث سوشيال، إن طهران وتل أبيب "ستنعمان بالسلام قريباً"، مضيف أن هناك اجتماعات كثيرة تُعقد، وأنه ينبغي للبلدين التوصل إلى اتفاق وإنهاء هذا الصراع الدموي.

وفي حديثه مع شبكة "إيه بي سي" 15 يونيو، قال: إنه من الممكن أن تتدخل الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل في القضاء على البرنامج النووي الإيراني وتدميره بالكامل. وهي تصريحات قد تسبب مشاكل كبيرة لدول الخليج.

ففي حال حدوث هذا التدخل المباشر فإن القواعد الأميركية في الخليج ستكون هدفا مباشرا للضربات الصاروخية الإيرانية ما يضر حلفاءه.

وفي حال دخولها رسميا فقد تتوسع الحرب؛ إذ أعلنت باكستان وقوفها مع إيران.

وذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية  أن إسلام أباد أبلغت واشنطن بأن أي هجوم نووي على إيران سيقابله وقوف باكستان ضد إسرائيل.

‏وبدورها، نقلت بريطانيا مقاتلات وصواريخ إلى الشرق الأوسط، ومدمرة تساعد في توجيه مسيرات إسرائيلية تقصف إيران.

كما أن تركيا في حالة تأهب، ومجلس أمنها القومي في حال انعقاد دائم، ومقاتلاتها تنذر طائرات إسرائيلية بالابتعاد عن أجواء سوريا.

ورطة ترامب

وتشير تصريحات ترامب المتضاربة إلى أن نتنياهو ورطه في هذه المغامرة، وأنه أخطأ في تقدير حجم الخسائر الإيرانية وتصورها كافية لاستسلام طهران، وأنه بالتالي مطالب الآن بالتدخل في الحرب أو السعي لوقفها.

لذا فهو في ورطة وبين خيارين: أن يستجيب لإلحاح نتنياهو ويغامر بدخول الحرب لتدمير مفاعلات إيران النووية، غير آبه بالنتائج، أو أن يتوقف ويعقد اتفاقا لوقف إطلاق النار.

ويبدو أن ترامب يخشى الخيار الثاني؛ لأنه يعني عدم تحقيق الهدف من الحرب الإسرائيلية على إيران وهو إجبار طهران على توقيع اتفاق يقلص برنامجها النووي، وبشروط أميركية، بل وقد يدفع هذا الإيرانيين لفرض شروطهم.

كما أن مواقفه السابقة وثبوت خديعته لإيران كي توجه لها تل أبيب الضربة الأولى، لا تجعل طهران تثق به.

وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية 15 يونيو أن 28 طائرة أميركية لتزويد الوقود أقلعت باتجاه إسرائيل وربما يكون هدفها دعم العمليات ضد إيران.

وقد أكد مسؤول أميركي لموقع "أكسيوس" 14 يونيو أن إسرائيل طلبت من إدارة ترامب المشاركة في الضربات للقضاء على برنامج طهران النووي، وتدمير مفاعل فوردو في ظل افتقارها إلى القنابل الخارقة للتحصينات والطائرات القاذفة الكبيرة اللازمة لتدمير المنشأة النووية. 

لكن الموقع الأميركي كشف أيضا أن "إدارة ترامب لا تفكر حالياً في المشاركة في الضربات الإسرائيلية على إيران".

ونقل "أكسيوس" عن مسؤول إسرائيلي قوله: إن الولايات المتحدة تدرس الطلب، وأن واشنطن قد تنضم إلى العدوان على إيران. وأكد المسؤول أن ترامب قال في محادثة مع نتنياهو إنه سيفعل ذلك إذا لزم الأمر.

وقد نقلت صحيفة "واشنطن بوست"، 14 يونيو، عن مسؤول أميركي وصفته بـ"الكبير"، أن الولايات المتحدة لا تزال تأمل في عودة إيران إلى طاولة المفاوضات النووية في وقت "قريب"، وذلك رغم الحرب بين طهران وتل أبيب.

وكان من المقرر عقد الجولة السادسة من المفاوضات النووية في العاصمة العمانية مسقط، في 15 يونيو.

إلا أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال إنه "لا مبرر لاستمرار المفاوضات"، متهما الولايات المتحدة بـ"دعم مباشر للأعمال العدوانية الإسرائيلية".

وتحارب إدارة ترامب فعليا مع إسرائيل ضد إيران، عبر مشاركة الطائرات والسفن الحربية الأميركية والغربية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في إسقاط الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي تقصف تل أبيب.

وهذا بجانب عبر مد إسرائيل بأحدث الأسلحة، لكن واشنطن لم تعلن دخولها الحرب رسميا ضد إيران حتى هذه اللحظة.

ويشير تقدير لـ"معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، 14 يونيو إلى أن "الإدارة الأميركية ستواجه قريباً قراراً إستراتيجياً بشأن سياستها بعدم التدخل".

وزعم أن "فشل إسرائيل المستمر في إلحاق ضرر كبير بالبنية التحتية النووية الإيرانية رغم الغارات الجوية قد يدفع الولايات المتحدة للتدخل المباشر".

كما زعم أن "هناك إدراكا بأن التهديد العسكري الأميركي المباشر أو المشاركة الفعلية في الحملة قد يكون العامل الوحيد الذي يدفع إيران نحو قبول اتفاق، بما يتماشى مع الهدف الجوهري للرئيس ترامب".

لكن تحليل المعهد الاسرائيلي ربط التدخل الأميركي بإلحاق إيران ضررا مباشرا بالمصالح الأميركية أو وقوع أضرار جسيمة داخل إسرائيل.

"أو هجوم إيراني على أهداف إستراتيجية في دول صديقة للولايات المتحدة، ما سيغير حسابات عدم التدخل الأميركية".

ويرى المعهد الإسرائيلي أن قرار إيران بشأن إنهاء رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا سيما إذا أعلنت انسحابها من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، "سيعد خطاً أحمر في الساحة الدولية".

موقف صعب

ويبدو أن ما يزيد من ورطة ترامب، هو أنه يجد نفسه محاصرا بين مبادئ سياسته الخارجية "أميركا أولا" والتداعيات السياسية لهجوم إسرائيل على إيران، والذي تسبب في انقسام داخل إدارته، وفقا لموقع "بوليتيكو" 13 يونيو.

فقد خاض ترامب حملته الانتخابية وفاز بالرئاسة على وعد بإنهاء "حروب أميركا الأبدية"، لكنه الآن يواجه احتمال الانجرار إلى صراع جديد في الشرق الأوسط، ليس بقراره الخاص، بل بسبب تصرفات إسرائيل الأحادية الجانب، وفق "بوليتيكو".

إذ إن الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية يهدد بتوريط الولايات المتحدة عسكريا، بغض النظر عن إعلان الإدارة عدم ضلوعها فيه.

ويزيد من ورطته أن قاعدة ترامب المؤيدة لشعاره "لنجعل أميركا عظيمة مجددا"، أي تيار "ماغا"، ترفض أي تورط أميركي في حروب خارجية وتعارض تدخل الولايات المتحدة في نزاعات الشرق الأوسط.

وبحسب بوليتيكو: "هناك أصوات بارزة داخل هذه الحركة (ساغار إنجيتي وتشارلي كيرك) حذرت ترامب، منذ ضرب إسرائيل لإيران من أنه قد ينتهك وعده الأساسي في حملته الانتخابية لو شارك في الحرب".

وحذرت من أن هذا قد يؤدي إلى عواقب سياسية وخيمة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس 2026.

ويرسم موقع بوليتيكو صورة مقلقة بقوله: "إما أن ترامب يفتقر إلى النفوذ الكافي لكبح جماح أقرب حليف لأميركا (إسرائيل) أو أنه وافق ضمنيا على الخطوة ضد رغبات قاعدته السياسية، وهو ادعاء تنفيه إدارته".

وبحسب تحليل الموقع الأميركي: "يواجه ترامب الآن خيارين أحلاهما مر: إما السماح لإسرائيل بتحمل عبء الرد الإيراني بمفردها، أو أن يتدخل عسكريا ويخاطر بدفع الولايات المتحدة إلى صراع ممتد آخر".

ويجادل معلقون مؤيدون لماغا، مثل مات بويل، بأن ما سيفعله ترامب لاحقا قد يحدد معالم رئاسته، لا سيما في محاولته الموازنة بين الولاء لإسرائيل والأولويات الانعزالية لقاعدته السياسية داخل أميركا.

ويبدو أن هذا أجبر ترامب على مضاعفة جهوده الدبلوماسية علنا، إذ أعلن -عبر حسابه على موقعه تروث سوشيال- التزامه بالتوصل إلى حل سلمي مع إيران، مؤكدا أن إدارته تلقت توجيهات بمواصلة المفاوضات. كما تحدث عن سعيه لإبرام اتفاق لوقف القتال.

وكان المستشار السابق لوزارة الدفاع الأميركية دوغلاس ماكغريغور قال إن “إسرائيل، التي بدأت هذه المواجهة المجنونة، تجرنا إلى صراع إقليمي أوسع قد يتحول إلى حرب نووية”. 

قال: لدينا 40 ألف جندي في الإمارات، وقطر، ومناطق أخرى في الخليج، وهم أهداف مكشوفة.

وبين أن طائرات شاهد 136 الإيرانية تُكلف 20 ألف دولار فقط، في حين أن صاروخ باتريوت الأميركي الواحد يعادل 4 ملايين دولار، ما يعني أننا سنستنزف مخزوننا من الصواريخ ونُفلس، بينما يعود أبناؤنا في توابيت مغطاة بالعلم.

كارثة منتظرة

وترى مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة أولويات الدفاع "روزماري كيلانيك"، أن أي حرب أميركية مع إيران "ستكون كارثة".

أوضحت في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" 14 يونيو أن الولايات المتحدة تقترب بشكل مثير للقلق من الانجرار إلى تورط عسكري آخر في الشرق الأوسط، من قبل إسرائيل التي وصفتها بأنها لا تبدو صديقا حقيقيا.

أكدت أن الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على إيران قضى على أي فرصة للتوصل إلى الاتفاق النووي الذي سعت الولايات المتحدة إليه منذ أشهر.

كما عرّض نتنياهو، بتهور، القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة للخطر، مما جعلهم عرضة لخطر الرد الإيراني المباشر، مما قد يجر أميركا إلى حرب مع إيران.

وتؤكد "كيلانيك"، أنه لو نجح نتنياهو والأصوات المتشددة في أميركا في الضغط على ترامب لمساعدة إسرائيل على تدمير مواقع التخصيب النووي الإيرانية، وهو أمر قد يعجز حتى الجيش الأميركي عن تحقيقه، "سيكون هذا أسوأ خطأ في رئاسته".

قالت: "ستكون الحرب مع إيران كارثة، ونهايةً لعقود من التجاوزات الإقليمية للولايات المتحدة، وهي بالضبط نفس السياسة التي لطالما انتقدها ترامب".

وأوضحت أن غزو العراق عام 2003 بمعلومات مضللة لأن رئيس النظام السابق صدام حسين لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل، تلاه كارثة، وفوضى وحرب أهلية في العراق، وقلب موازين القوى الإقليمية لصالح إيران، وسمح لها بتأسيس مليشيات بالوكالة.

وحذرت الخبيرة الأميركية من أنه "لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن الحرب مع إيران ستسير بسلاسة أكبر، بل قد تؤول إلى نتائج أسوأ بكثير".

وأوضحت أن الحملة الفاشلة التي كلفت 7 مليارات دولار ضد الحوثيين، لم تحقق للولايات المتحدة حتى التفوق الجوي على اليمنيين.

وبينت أن إيران أكثر قدرة على الدفاع عن نفسها من الحوثيين، وإذا فشلت غارات واشنطن في تدمير القدرات النووية الإيرانية، فسيزداد الضغط بشكل كبير على القوات الأميركية للتدخل البري الكارثي.

قالت: حتى في أفضل السيناريوهات، لو ساعدت الولايات المتحدة في تدمير غالبية المواقع النووية الإيرانية، فلن يُؤدي ذلك إلا إلى تأخير تقدم إيران نحو تطوير قنبلة نووية، إذ لا يُمكن للحرب أن تمنع التسلح على المدى البعيد.

ولذلك فالخيار الأمثل للتعامل مع إيران هو الدبلوماسية أو عدم الاكتراث، وفق تقديرها.

وحتى لو أُطيح بالنظام، فماذا بعد؟ حيث إن وجود حكومة سيئة أفضل من فوضى غياب الحكومة، وفق نيويورك تايمز.

وتساءلت: هل نريد حقًا أن نُحوّل إيران إلى دولة فاشلة، مثل العراق أو ليبيا بعد أن هاجمت الولايات المتحدة تلك الدول؟