اغتيالات بالذكاء الاصطناعي.. هذا ما يكشفه هجوم إسرائيل على إيران

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

لم يكن الهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران سوى "ثمرة مشاريع استخباراتية وعسكرية متقدمة" طُورت بالتعاون بين الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي "الناتو" وإسرائيل.

هكذا قرأ مركز البحوث الإستراتيجية لتركيا وآسيا "تاسام" طبيعة الهجوم الإسرائيلي "واسع النطاق" على إيران فجر 13 يونيو/حزيران 2025، مبينا أنه يُعدّ أحدث مثال على التطور الكبير في مفهوم الحرب والاستخبارات لدى الغرب. 

وقال الكاتب التركي "سعيد يلماز": إنه في مقابل هذا التكتيك، تتبع دول مثل الصين وروسيا أساليب مختلفة تتماشى مع ثقافاتها الأمنية؛ حيث تركز بكين على التجسس الاقتصادي، بينما تعتمد موسكو على التضليل الإعلامي.

حرب استخباراتية

واستدرك: تغيرت أساليب الاستخبارات من مراقبة عامة "بطريقة الصياد" إلى تركيز شديد على تعقب "الأهداف" وتدميرها عبر إستراتيجية "الضربة الاستباقية"؛ إذ جرى تأسيس مراكز مراقبة عبر الأقمار الصناعية، وتحليل كل ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي والصحف، إلى جانب عمليات تسلل وجنود سريين خاصة.

وأضاف: أصبحت الطائرات بدون طيار أداة رئيسة للاغتيالات الدقيقة، بحيث يمكن لقائد في واشنطن أن يوجه ضربة وهو في مكتبه من خلالها لاستهداف أهداف بعيدة.

أما الهجوم الإسرائيلي فكان مكثفا باستخدام حوالي 200 طائرة و100 طائرة بدون طيار، وقد استهدف قلب البرنامج النووي الإيراني، وأنظمة الدفاع الجوي بالإضافة إلى كبار القادة والعلماء العاملين في المجال النووي. 

وبين الكاتب أنّ استهداف أفراد مع عائلاتهم يعكس جزءا من ثقافة الاستخبارات الإسرائيلية في مثل هذه العمليات.

وقد جاء الهجوم قبل انطلاق محادثات نووية في سلطنة عمان بين إيران والولايات المتحدة، مع إعلان أميركي بعدم تورط واشنطن في الهجوم.

وهو أمرٌ يشير إلى لعبة سياسية معقدة تهدف لإضعاف إيران على طاولة المفاوضات، وفي الوقت ذاته تجنب إعطائها مبررا للهجوم على المصالح الأميركية.

وقد أوضح الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذلك برسالة وجهها إلى إيران عقب الهجوم، مفادها ضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة قبل أن تخسر كل شيء.

وأردف الكاتب: تُظهر الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران مدى تطور قدرات الاستخبارات الإسرائيلية، خاصّةً في اختيار الأهداف وتحديد مواقعها.

ويدُلّ هذا على وجود شبكة مراقبة موثوقة وعميقة داخل الأراضي الإيرانية، عملت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على بنائها لعقود طويلة، وفق تقديره. 

ومن المرجح أن تكون طائرات الشبح إف 35 وطائرات الاغتيال إف 15 قد شكلت جزءاً من تركيبة الهجوم، مما يعكس تنسيقاً متقدماً بين تقنيات المراقبة والتدخل الجوي. 

ضعف إيراني

مع ذلك، كان من اللافت أن الدفاعات الجوية الإيرانية لم تستطع التصدي للهجوم، ولم تتمكن طائرات القوة الجوية الإيرانية من الإقلاع أو مواجهة الطائرات المعادية.

وتأتي هذه النتيجة متسقة مع تقارير سابقة تؤكد أن أسطول الطائرات الإيرانية قديم، وعمره الافتراضي قد انتهى، مع وجود صعوبات كبيرة في تأمين قطع الغيار اللازمة، فضلا عن نقص التدريب لدى الطيارين. 

كما أن القدرات الإيرانية في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ تعاني من ضعف في دقة الاستهداف، وغالبا ما تُحبط بواسطة منظومات الدفاع الجوي الأميركية والإسرائيلية.

من هنا، يتضح أن إيران تفتقر إلى أدوات المواجهة الجوية الفعالة، لذا فإن إستراتيجياتها العسكرية ترتكز أكثر على محور المقاومة في الشرق الأوسط واستخدام الأسلحة الخفيفة مثل البنادق الكلاشينكوف وصواريخ الميدان في الحروب الحضرية. 

وهذا ما يفسر موقفها الرسمي الذي يعبر عن رفضها للحرب ومحاولتها المستمرة لتجنب التصعيد، مع تقديم ردود محدودة ومدروسة فقط عند الضرورة، وفق الكاتب.

أما على الصعيد النووي، تمتلك إيران نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، ما يكفي لصنع حوالي 15 قنبلة نووية، لكنها ليست جاهزة للاستخدام الفوري. 

وحتى في حال التوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب، فإن الخطط الإستراتيجية التي تستهدف إيران لن تتغير؛ حيث تظل هناك نوايا واضحة للقضاء على قدراتها العسكرية وتغيير نظامها وتقسيمها والاستيلاء على مواردها النفطية والغازية.

ومن المهم أن نضع في الحسبان أن النزاعات التي تشمل إيران هي جزء من صراعات أوسع تشمل آسيا الوسطى والصين وروسيا، وفق الكاتب.

ويتوقع أن تمتد المواجهة إلى مناطق بحر قزوين، وأن تشمل أطرافا مثل أذربيجان وجورجيا وتركيا، مما يشير إلى احتمال اندلاع حرب متعددة الجبهات في المنطقة. 

في ظل هذه التحديات، يرى أن تركيا بحاجة إلى الابتعاد عن دوامة الصراعات في الشرق الأوسط، والتركيز على بناء تحالفات مع الدول الناطقة بالتركية لاستعداد مشترك لما بعد السيناريوهات الإيرانية، "فالوقت لم يعد في صالح أحد".

وتجدر الإشارة أيضا إلى أن أساليب الهجوم المتقدمة نفسها تُستخدم في النزاعات الأخرى، مثل الحرب في أوكرانيا وغزة؛ حيث تُعد هذه المواجهات بمثابة ساحة اختبار لتقنيات حربية جديدة. 

أنظمة غربية

واستدرك الكاتب: لا يمكن اختزال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على أهداف إيرانية وفلسطينية في مجرد نجاح عسكري لتل أبيب فقط.

بل هي جزء من منظومة استخباراتية وتقنية ضخمة يقودها الغرب، خصوصا الولايات المتحدة، وذلك عبر منظومات المراقبة الفضائية والاستخباراتية العالمية. 

فروسيا وإيران، رغم قدراتهما العسكرية، لا تملكان أدوات فعالة لمواجهة القدرات الجوية والفضائية المتطورة التي يمتلكها الغرب. 

وهذه الهجمات ليست إلا تطبيقا عمليا لنظام استخباراتي عسكري متقدم يجمع بين الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وأجهزة الاستشعار، والرادارات في منظومة متكاملة تسمى نظام "مافن الذكي".

يرتكز هذا النظام على جمع وتحليل بيانات هائلة لتحديد الأهداف بدقة فائقة، ومن ثم تنفيذ ضربات سريعة وحاسمة عبر اتخاذ قرارات آنية. 

ويُعَدّ تطورا جديدا لنظام "القتل المستهدف" الذي طورته الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، ليصل اليوم إلى مستوى متقدم من الذكاء والسرعة والدقة.

وفي السياق الإسرائيلي، يستخدم الجيش أربع أدوات أساسية في تخطيط وتنفيذ هجماته:

أولا: نظام تتبع الهواتف المحمولة لمراقبة عمليات إخلاء الفلسطينيين في مناطق محددة من شمال غزة.

ثانيا: برنامج يُسمى "الإنجيل" لإعداد قوائم الأهداف مثل المباني والمواقع الإستراتيجية.

ثالثا: نظام "اللافندر" الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد قوائم الاغتيالات بناءً على تقييم احتمالية انتماء الأفراد إلى جماعات مسلحة.

رابعا: نظام "أين أبي؟" الذي يراقب أهدافا معينة عبر الذكاء الاصطناعي، ويتأكد من مواقعهم بدقة، وغالبا ما تُختار منازل الضحايا وأسرهم كنقاط هجوم، كما حدث في الهجوم الإيراني الأخير.

أنشطة الصين

واستدرك الكاتب: كشف تحقيق حديث عن تصاعد التوترات الخفية بين الصين وروسيا، رغم الخطابات العلنية التي تتحدث عن "صداقة بلا حدود" بين البلدين؛ إذ لاحظت السلطات الروسية أخيرا سرقات متكررة لمعدات عسكرية حساسة وأدوات مزدوجة الاستخدام.

وتبيّن بعد التحقيقات أن بعض المواطنين الصينيين المقيمين أو العاملين في روسيا يقفون خلف هذه العمليات، مستهدفين سترات واقية، ودروعا جسدية، وحقائب قتالية.

واللافت هنا هو أنّ هذه الأنشطة جاءت في ظل الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث استغلت الصين ضعف الانضباط العسكري الروسي لتجنيد جواسيس يجمعون المعدات الميدانية، بل وتسعى حاليا إلى سرقة تقنيات متطورة مثل محركات الطائرات وتكنولوجيا الصواريخ. 

وعلى الرغم من اعتماد موسكو على بكين اقتصاديا بسبب العقوبات الغربية، فإن الاستياء الروسي من هذه التجاوزات بات واضحا، رغم غياب التصريحات الرسمية.

في الواقع، تختلف الرؤى والمصالح الإستراتيجية بين البلدين. فالصين لا ترغب في أن تكون روسيا الشمالية القوية تهديدا لها في أوراسيا. 

وكذلك فإن روسيا الممزقة والضعيفة تخدم مصالح الصين أكثر. وتسعى بكين حاليا إلى التقرب من أوروبا، خاصة في الجانب الاقتصادي، وذلك كرد فعل على حرب ترامب التجارية. 

في المقابل، تحاول الولايات المتحدة السيطرة على روسيا وإعادة تشكيلها كحليف غربي. 

والآن، تجد روسيا نفسها في وضع حرج، وقد تختار الوقوف مع الولايات المتحدة في مواجهة ما تفعله الصين، وفق قول الكاتب.

وفي سياق الإستراتيجية الصينية الأوسع، يُظهر مشروع "الحزام والطريق" أبعادا عسكرية واستخباراتية تخدم أهدافا إمبريالية؛  إذ يجرى توظيف البنى التحتية البرية والبحرية (مثل الطرق والموانئ) في تسهيل التحركات العسكرية الصينية. 

ومن الأمثلة على هذه الإستراتيجية، إقامة قاعدة محصنة في أنغولا، بحيث تضم 11 ألف سجين يُستخدمون في البناء مقابل أجور زهيدة، مع توافر مرافق ترفيهية غير أخلاقية، وذلك في نموذج يعكس السيطرة الناعمة دون تدخل عسكري.

خارج الحدود

وأردف الكاتب: تعتمد روسيا والصين من حيث الهجمات السيبرانية على قواعد تقع في دول أخرى أو في مناطق خارجة عن السيطرة. 

على سبيل المثال، يشن الروس هجماتهم من شرق أوكرانيا، فيما طورت الصين أسلوبا فريدا أخيرا عبر تجنيد 30 ألف شخص من دول مختلفة، ونقلهم إلى مبانٍ مغلقة في أبو ظبي.

وهناك يُسحب منهم جواز السفر ويُجبرون على العمل في غرف صغيرة بمجال الاستخبارات السيبرانية دون حرية الحركة. وجرى اعتماد بنية مماثلة في قاعدة ضخمة بكمبوديا.

وقال الكاتب: نجد في تركيا أنّ حوادث الابتزاز من خلال اختراق حواسيب الأفراد المختارين قد أصبحت أكثر شيوعاً. 

ففي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين نشطة للغاية داخل تركيا أيضا. فقد جرى القبض على سبعة جواسيس صينيين في مايو/أيار 2025 كانوا يتعقبون أبناء تركستان الشرقية (الإيغور) المقيمين في إسطنبول خلال السنوات الخمس الماضية. 

ومن جهة أخرى، جرى الكشف عن تنفيذهم أعمال تجسس عبر تركيب 17 محطة بث متنقلة في إسطنبول و12 في أنقرة، مما يشير إلى أنهم كانوا يتنصتون على منشآت تركية ويكتشفون ثغرات في البنية التحتية السيبرانية في تركيا. 

كما أنهم أنشأوا شركات في أطراف المدن بغرض التجسس الاقتصادي، حيث تعمل الصين، التي تسعى إلى السيطرة الكاملة على سوق السيارات الكهربائية عالمياً، على شراء سيارة توغ الكهربائية التركية وتخطط لبناء مصنع في مانيسا غربي تركيا.

باختصار، لا توجد دول صديقة في العالم، وكل دولة مطالبة بتطوير قدراتها الذاتية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وفي الوقت نفسه، يتوجب عليها حماية بيئتها المعلوماتية، وفق الكاتب.

ومع ذلك، يبقى التعاون الدولي أو نقل التكنولوجيا أمرا ضروريا لاكتساب التقنية. فحين تعجز عن تطوير الأسلحة والمعدات التي تحتاجها، تصبح مرتهنا لدول أخرى، لذلك يجب أن تبني علاقاتك مع هذه الدول وفق منطق واقعي يخدم مصالحك الوطنية. 

ولا يكفي الاعتماد على المهندسين وحدهم، بل نحتاج أيضا إلى علماء ومفكرين يرسمون مفاهيم وتوجهات هذه التكنولوجيا، فضلا عن الاستفادة من خبرات الجنود ورجال الاستخبارات المخضرمين، بحسب الكاتب.