العدوان الإسرائيلي على إيران.. هل جاء انتقاما من حصول طهران على وثائق سرية؟

رمضان بورصا | منذ ١٩ ساعة

12

طباعة

مشاركة

نفذت إسرائيل في 13 يونيو/ حزيران 2025 تهديداتها بضرب المنشآت النووية الإيرانية، بعد عدة تطورات عقب إعلان طهران تفكيك خلية تجسس تعمل لصالح إسرائيل، وإعلان الأخيرة اعتقال مواطنين إسرائيليين يعملون لصالح الحرس الثوري.

وتسبَّبت الضربة الإسرائيلية على العاصمة الإيرانية طهران وتبريز، ومنشأة نطنز النووية في أصفهان، ومدينتي لرستان وكرمانشاه؛ في مقتل قائد الحرس  الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي المقرب من المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي. 

كما قتل في الهجوم 6 علماء نوويين وهم عبد الحميد منوشهر، وأحمد رضا ذو الفقاري، وأمير حسين فقهي، ومطلب زاده، ومحمد مهدي طهرانجي، وفريدون عباسي. 

فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن "هدف العملية غير المسبوقة هو ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية ومصانع الصواريخ الباليستية والعديد من القدرات العسكرية".

مشاريع سرية

عندما نأخذ في الحسبان أن العنصر الأكثر أهمية في الحروب هو الحصول على معلومات استخباراتية موثوقة وسليمة، يمكن القول: إن الصراع الاستخباراتي بين طهران وتل أبيب “سيتعمق أكثر وسيأخذ طابعا منهِكا”.

والجديد هذه المرة أن وزارة الاستخبارات الإيرانية أعلنت عن نقل عشرات الآلاف من الوثائق الإسرائيلية المشتملة على معلومات سرية من إسرائيل إلى طهران، وهو ما جذب انتباه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المقام الأول، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى والإعلام العالمي.

وفي الوقت الذي أصدرت فيه إيران تصريحات بشأن محتوى الوثائق، تحاول من جهة أخرى أن تُظهر قوة استخباراتها داخل إسرائيل. 

ورغم أن إيران قد أدلت في 9 يونيو 2025 بتصريحات حول محتوى الوثائق، إلا أنها لم تنشر أية وثيقة. 

وتجدر الإشارة إلى أن هذه العملية تعيد إلى الأذهان العملية الاستخباراتية التي نفذتها إسرائيل ضد إيران عام 2018.

وشاركت وزارة الاستخبارات الإيرانية، في بيان لها، معلومات عن محتوى الوثائق التي حصلت عليها من إسرائيل وعن كيفية تنفيذ العملية الاستخباراتية.

وأكد البيان أن "الوثائق التي حصلت عليها تحمل قيمة إستراتيجية وبحثية وعلمية"، مشيرا إلى أن "جزءا منها يحمل معلومات مختلفة حول البرامج النووية السرية وغير القانونية للنظام الصهيوني".

كما تشمل المعلومات "عددا من المنشآت والأبحاث والاتصالات مع المؤسسات الأميركية والأوروبية، بالإضافة إلى البرامج النووية الحالية والمستقبلية".

كذلك أعلنت الاستخبارات الإيرانية أنها تمتلك المعلومات كافة المتعلقة بالمسؤولين العاملين في المشاريع المهمة والسرية في إسرائيل.

وأوضحت أن "الأقسام الأخرى تتضمن وثائق تتعلق بالبرامج العسكرية وبرامج الصواريخ، والوثائق الفنية الخاصة بالمشاريع ذات الاستخدام المزدوج العلمي والتقني، وأسماء المديرين والمسؤولين والعلماء المشاركين في هذه المشاريع، وكذلك هوياتهم وبياناتهم الشخصية وصورهم وعناوينهم".

كما ورد في البيان الإيراني أن هناك أيضا أشخاصا غير إسرائيليين يعملون في مشاريع إسرائيلية سرية ومهمة، وأن هويات هؤلاء الأشخاص قد حصلت عليها أيضا.

كذلك جاء في البيان أن إسرائيل قدمت تقارير إلى بعض المؤسسات الدولية حول الأنشطة النووية الإيرانية، وأن التقارير التي نشرتها تلك المؤسسات متوافقة مع ما قدمته إسرائيل.

وذكرت الاستخبارات الإيرانية أن "العملية التي نُفذت ضد إسرائيل لم تكن عملية إلكترونية، بل عملية فعلية على الأرض". 

وحول كيفية تنفيذ العملية قالت: إن "طرق وصول جنود إمام الزمان المجهولين (الاسم الذي يُطلق على عناصر الاستخبارات الإيرانية) إلى وثائق النظام، وتكتيكات إخراج هذه الوثائق من الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد صُمّمت ونُفذت بطريقة تجعل شبكات الأمن متعددة الطبقات والممرات الأمنية المتشابكة للنظام المتغطرس عديمة الفعالية تماما". 

وأضافت أن "هذه العملية التاريخية اكتملت بنجاح مع نقل كمية كبيرة من الوثائق إلى البلاد أخيرا، وعادت جميع القوات المشاركة في العملية إلى قواعدها سالمة".

كذلك رأت إيران أن "قيام إسرائيل أخيرا باعتقال مواطنين إسرائيليين بذريعة عملهم لصالح إيران، محاولة للتستر على فشل استخباراتي".

عرض تهديد

عقب إعلان وزارة الاستخبارات الإيرانية عن حصولها على وثائق إسرائيلية، توالت التصريحات من المسؤولين والمؤسسات الإيرانية.

ويبدو أن إيران لم تكتفِ بالحصول على الوثائق السرية لإسرائيل، بل كانت تهدف إلى تحويل هذه العملية إلى استعراض قوة وعنصر تهديد.

وفي هذا الصدد، أرسل رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، الجنرال محمد كاظمي، رسالة تهنئة إلى وزير الاستخبارات حجة الإسلام السيد إسماعيل خطيب، "بمناسبة الاستيلاء على وثائق إستراتيجية حساسة تعود لإسرائيل".

وأشاد كاظمي بنفوذ الاستخبارات الإيرانية داخل البنية الإسرائيلية، ووصف ما حدث بأنه "عمل فني فريد".

وأضاف: "رفاقنا الشجعان في وزارة الاستخبارات فتحوا جرحا لا يمكن ترميمه في جسد النظام الصهيوني المخزي، وهو جرح لا يستطيع العدو الضعيف الصامت أن يرد عليه أو ينكره".

وتابع كاظمي: "من جهة أخرى، فقد أظهرت هذه العملية الحساسة قدرة أجهزة الاستخبارات والأمن على حماية مكاسب الثورة الإسلامية، وتوجيه ضربات لأعداء إيران اللدودين، وتأمين سلامة شعبنا العزيز، وكانت دليلا آخر على ضعف وعجز رئيس وزراء النظام الصهيوني الوحشي".

وأردف: "من المؤكد أن خبراء الاستخبارات في العالم يعترفون بأن التسلل إلى الهياكل الاستخباراتية لنظام مغتصب يقوده قادة ينفقون ميزانيات غير محدودة لإظهار صورة مفادها أن أمنهم لا يتزعزع، وفي ظل بيئة جغرافية شديدة الحماية ومزودة بمعدات وقائية متنوعة، هو بلا شك عمل استخباراتي فني فريد من نوعه".

بدوره، نشر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بيانا هدد فيه إسرائيل، محذرا من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.

ورأى المجلس أن "الوصول إلى هذه المعلومات قد منح إيران القدرة على الرد الفوري بالمثل على أي هجوم محتمل من إسرائيل، من خلال استهداف منشآتها النووية السرية".

من جانبه، هدد القائد السابق للحرس الثوري، محسن رضائي، إسرائيل، عبر منشور على منصة "إكس"، قائلا: إن "إيران تعرف أكثر الأماكن سرية في إسرائيل، وأنها قادرة على الوصول إلى كل نقطة فيها".

وأضاف: "لم يتبقَ في الأراضي المحتلة أي مكان سري أو مخفي أو بعيد المنال أو آمن بعد الآن".

أما القائد العام للحرس الثوري حسين سلامي، فأشار في رسالته التي كتبها قبل أن تغتاله إسرائيل في هجوم الجمعة، إلى أن "جهود وزارة الاستخبارات ستزيد من دقة الصواريخ الإيرانية".

ووصف سلامي عملية وزارة الاستخبارات بأنها "نسخة ثانية من طوفان الأقصى".

وقال: "كانت هذه العملية بمثابة طوفان الأقصى (2) في المجال الاستخباراتي.. هذه المعلومات الحساسة ستجعل بالتأكيد الجهود الرامية إلى تدمير النظام الصهيوني المحتل أكثر فاعلية".

كما صرّح عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، مجتبى زاري، قائلا: "نعرف الآن القنابل التي تملكها عصابة إسرائيل، وأين هي، وفي أي مخبأ، وعمق تلك المخابئ، وإمكانات حمايتها، والمواد التي صنعت منها (القنابل)، وماهية حساباتهم ضد إيران".

كما ادعى النائب مجتبى زاري أنهم حصلوا على أكثر من 10 ملايين وثيقة، مضيفا أن "نشر أي جزء منها سيخلق أزمة في آسيا وأوروبا وأميركا".

الوكالة حذرة

من جهته، أدلى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بتصريحات حول الموضوع استخدم فيها لغة حذرة، كما وجه تحذيرا إلى إسرائيل.

وأوضح مدير الوكالة أنهم لم يتلقوا بعد أي إشعار رسمي بخصوص الوثائق السرية الإسرائيلية التي أعلنت إيران حصولها عليها.

وفيما يتعلق بتصريح طهران بأن الوثائق التي حصلت عليها تحتوي على معلومات حول المنشآت النووية السرية لإسرائيل، قال غروسي: "ما أعلنته إيران، على ما يبدو، يشير إلى مركز سوريك، وهو مركز أبحاث إسرائيلي نقوم نحن بمراقبته"، محاولا بذلك التقليل من وقع التصريحات الإيرانية.

من جهة أخرى، قال غروسي: "لا نجري أي رقابة على الأقسام الإستراتيجية من البرنامج النووي الإسرائيلي".

في المقابل، التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت تجاه إعلان الاستخبارات الإيرانية؛ حيث إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وجهاز الموساد، فضلوا عدم الإدلاء بأي تصريحات بشأن الوثائق.

ويصف خبراء الأمن الإسرائيليون مزاعم طهران بشأن حصولها على معلومات استخباراتية حساسة من إسرائيل بأنها مبالغ فيها أو نوع من الحرب النفسية.

وفي تصريح أدلى به لقناة "إيران إنترناشيونال"، قال الرئيس السابق للإنتربول الإسرائيلي، آشر بن-آرتزي: "أعلم أن المعلومات المعنية محمية بشكل جيد للغاية في إسرائيل، ولا أعتقد أن قراصنة الإنترنت يمكنهم الوصول إليها".

وأضاف أن "إيران تريد أن تُظهر للعالم أن جهاز استخباراتها محترف، لكنهم يعتقدون على الأرجح أن استخدام التضليل سيزيد من نجاحاتهم".

من جانبه، قال محلل الاستخبارات الإسرائيلي رونين سولومون: "لا نعلم إن كان ما حُصل عليه شيء علمي أم عملياتي، وربما يكون كذلك شيئا متعلقا بتفاصيل سلسلة الإمداد". 

وتابع: "لم يؤكد أحد في إسرائيل ذلك رسميا، ولذلك قد يكون الأمر بمثابة حرب نفسية".

وأشار سولومون إلى عملية الاستخبارات الإسرائيلية عام 2018 التي استهدفت الأرشيف النووي الإيراني في طهران، قائلا: "تحاول إيران تقليد ما قامت به إسرائيل في 2018 عندما استولت على الأرشيف النووي الإيراني في طهران".

وفي تقريرها حول إعلان وزارة الاستخبارات الإيرانية، تشير صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إلى أن إيران لم تقدم أي دليل يثبت مزاعمها.

وقالت الصحيفة: "لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا التسريب مرتبطا بادعاءات اختراق مركز أبحاث نووية إسرائيلي عام 2024"، كما انتقدت صمت حكومة نتنياهو وعدم إصدارها أي بيان.

كما لفتت "تايمز أوف إسرائيل" الانتباه إلى أن إيران أصدرت هذا البيان في فترة يتصاعد فيها الضغط على برنامجها النووي.

أما نتنياهو، فقد أجرى، عقب إعلان إيران، مكالمة هاتفية استغرقت 40 دقيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وذكرت المصادر أن نتنياهو وترامب ناقشا المفاوضات النووية الأميركية-الإيرانية التي وصلت إلى طريق مسدود.

وفي هذا السياق، ارتفعت حدة التوتر في المنطقة، بعد خطوة الولايات المتحدة؛ حيث تحدثت الأنباء عن بدء الاستعدادات للإجلاء من سفارة واشنطن في العراق، كما مُنحت عائلات أفراد القوات الأميركية في البحرين الإذن بمغادرة المنطقة طوعا.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن صحفيين إسرائيليين نشروا منشورات ومعلومات تفيد بأن حدثا كبيرا سيقع في المنطقة.

ونشر الصحفي اليهودي موشي جرادي، من أصول يمنية، منشورا قال فيه: "ستشهد الأيام المقبلة حدثا كبيرا".

ورغم أن إسرائيل لم ترد على إعلان إيران بأنها "حصلت على وثائق مهمة"، إلا أنها شنت هجومها على المنشآت النووية الإيرانية.