"صوت الحرية".. كيف أثار فيلم "مغمور" عن تجارة الأطفال انقساما سياسيا في أميركا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بينما كان يدور صراع في إمبراطورية السينما العالمية "هوليوود" بين اثنين من أضخم أفلام الصيف إنتاجا وتكلفة وهما "باربي" و"أوبنهايمز" حول أيهما يتفوق في شباك التذاكر، كان فيلم آخر، بميزانية إنتاج متواضعة، يشق طريقه في صالات السينما، بعدما أثار جدلا سياسيا.

الفيلم هو "صوت الحرية" (Sound of Freedom) الذي بدأ عرضه في الولايات المتحدة مطلع يوليو/تموز 2023، وفي أوروبا والعالم في 17 أغسطس/آب 2023، والذي تحول إلى مادة للصراع السياسي بعدما حظي بشعبية كبيرة.

لذا وصفته صحيفة "تايم" الأميركية في 29 أغسطس 2023 بأنه "مفاجأة شباك التذاكر في الصيف"، حيث حقق أكثر من 180 مليون دولار في الولايات المتحدة فقط خلال شهرين، متجاوزا الأفلام ذات الإنتاج الضخم مثل "مهمة مستحيلة" و"إنديانا جونز".

الفيلم يعالج قضية تجارة الأطفال ما بين أميركا الشمالية واللاتينية، واستغلالهم من قبل كارتلات الجنس والاستعباد للبشر، وشجع على الإقبال عليه رواج نظريات مؤامرة عن سعي هذه الكارتلات للتضييق عليه ما أدى لانقسام سياسي.

أهمية الفيلم

"صوت الحرية" فيلم دراما وسيرة ذاتية أميركية من إخراج أليخاندرو مونتيفيردي وبطولة جيم كافيزل وميرا سورفينو وبيل كامب، ويلعب فيه "كافيزل" دور تيم بالارد، المناهض للاتجار بالبشر ويدور حول قصة عن إنقاذ أطفال من المتاجرين بالبشر.

ويقدم صورة حقيقية، لكن بشكل مؤلم، عن كيفية استهداف الأطفال وتعريضهم للخطر نتيجة لهذه التجارب القذرة.

ويروي الفيلم قصة تيم بالارد، وهو عميل فيدرالي سابق، استقال من وظيفته في تحقيقات الأمن الداخلي لإنقاذ الأطفال الصغار من عصابة الاتجار بالجنس في كولومبيا، أحد كارتلات تجار البشر.

يلقي الفيلم نظرة على الاتجار بالأطفال في دول أميركا اللاتينية، وخاصة المكسيك. وعملية إنقاذهم، حيث تظهر القصة في الفيلم كيف ذهب "بالارد" إلى كولومبيا لإنقاذ 127 طفلا من عصابات الاتجار بالبشر.

ويصور الجانب الخفي والمريب للوسائط الاجتماعية والبيئة الساحرة للمشاهير والأثرياء، وكيف يُشكّلون خطرا حقيقيا يتربص بالأطفال ويعرضهم لخطر محقق.

ويقول نقاد إن أهمية قصة الفيلم أنه دعوة للتفكير العميق والتحرك، حيث يحمل رسالة واضحة مفادها أن تربية وحماية أطفالنا يجب أن تكون أولويتنا، وأن نكون على استعداد لمواجهة تلك المخاطر بقوة وتصميم.

وأكدوا أن "صوت الحرية" ليس مجرد فيلم ترفيهي، بل هو عبور إلى واقع مُرهق يجب مواجهته، حيث يسلط الضوء على مخاطر حقيقية تحدق بأطفالنا بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وجاذبية هوليوود، ونفوذ الأثرياء.

ويستعرض الفيلم كيف يمكن أن تستهدف هذه العناصر البريئة عبر حملات ترويجية مشوهة وملتوية تُغريهم إلى مواقع مظلمة تتضمن الاتجار بالبشر.

انقسام سياسي

وبحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية مطلع سبتمبر/أيلول 2023 "تسبب الفيلم المستقل ذو الميزانية المحدودة في حدوث توترات وانقسام سياسي كبير".

فيما أثار البعض تساؤلات حول دقة الفيلم من الناحية الواقعية، وانتقده آخرون بسبب علاقته المحتملة مع نظرية المؤامرة التي يروج لها اليمين المتطرف الموالي للرئيس السابق دونالد ترامب.

تسبب هذا الفيلم في حدوث انقسام سياسي كبير وقالت تقارير صحفية أميركية إنه "تعرض لسلسلة من المؤامرات لعدم الترويج له بسبب قصته عن التجارة في الأطفال".

زاد الجدل أن "بالارد" أسس منظمة مكافحة الاتجار بالبشر Operation Underground Railroad" (OUR)" وأثار نجاحها توترات سياسية وتساؤلات حول دقة عمله وعلاقته بنظرية المؤامرة وجماعات محافظة أميركية تدعم ترامب.

وانتقد خبراء مكافحة الاتجار بالبشر فيلم "صوت الحرية" لتقديمه "تصورا خاطئا" عن الاتجار بالأطفال وتعزيز أساليب "الإنقاذ" التي قد تعرض الضحايا الحقيقيون للخطر.

لكن بسبب هذا الصراع حول الفيلم قيل إنه يجرى التعتيم عليه في أميركا وهو ما جاء بنتائج عكسية وزاد الإقبال عليه.

وأشار لهذا الممثل والمنتج، جيم كافيزل، في فيديو إلى الجمهور أفاد فيه بأن هذا الفيلم الذي طال انتظاره "واجه كل عقبة يمكن أن تتخيلها"، لكنه لم يخض في التفاصيل.

لكن كافيزل قال لصحيفة "نيويورك بوست" في 12 يوليو 2023 إنه رغم أنه لا يفهم الانتقادات المحيطة بالفيلم، إلا أنه يرى أنها "نعمة"، لأن الجدال حوله أسدى لنا معروفا، فكلما هاجموا الفيلم، زاد إقبال الجمهور عليه وأنقذ "صوت الحرية" أرواح أطفال.

وقال إن الأبطال الحقيقيين للفيلم هم الفتاة الصغيرة وشقيقها، وأن "هؤلاء الأطفال يمكن أن يكونوا أقوى من زعماء الكارتلات، أو الرؤساء، أو أعضاء الكونغرس، أو حتى مليارديرات التكنولوجيا". 

ورغم أن الفيلم لا يتخذ موقفا سياسيا مباشرا أو يروج لمجموعات محافظة أميركية ويركز على فكرة إنقاذ الأطفال من عالم مظلم يجرى استدراجهم إليه عبر مواقع التواصل وجاذبية هوليود وغيرها، سعى سياسيون مثل ترامب للدفاع عنه فيما يبدو محاولة انتخابية للظهور كـ"حامي حمى الأسرة والفضيلة".

وأقام ترامب عرضا للفيلم في ناديه الخاص في ولاية نيوجيرسي خلال يوليو 2023، وهنأ الممثل الرئيس بنفسه على نجاح الفيلم، واستضاف السيناتورين الجمهوريين تيد كروز وتيم سكوت اللذين أشادا بالفيلم.

أيضا تجند ممثلون منهم، ميل جيبسون، للدفاع عنه وظهر في فيديو مخصوص للدعاية له، بحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية في 1 سبتمبر 2023.

جيبسون، قال في مقطع فيديو إن "إحدى أكثر المشاكل إثارة للقلق في عالمنا اليوم هي الاتجار بالبشر، وخاصة الاتجار بالأطفال، والخطوة الأولى في القضاء على هذه الجريمة هي الوعي... اذهب لرؤية صوت الحرية".

نظريات المؤامرة

وغرق الفيلم في الجدل عبر الصحف والفضائيات الأميركية، وتعرض لاتهامات من قبل نقاد موالين لكارتلات الاتجار في الأطفال، وانتقادات أخرى حول مبالغاته واقترابه من تيار ترامب الإنجيلي المحافظ.

نقاد قالوا إنه يبالغ في التصوير المضلل لاستغلال الأطفال، ويلعب دورا في الترويج لنظريات المؤامرة اليمينية المرتبطة بحركة "كيو أنون" التي تتزعم نظريات المؤامرة.

ومجموعة نظريات المؤامرة التي نشأت عام 2017 ومعروفة باسم "كيو أنون" QAnon)) وتتبناها حركة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، تطلق مزاعم غريبة وادعاءات تصل للزعم أن الحزب الديمقراطي (حزب الرئيس جو بايدن) "يدير عصابة للاتجار الجنسي من خلال محل بيتزا!".

كما يروجون لنظرية تقول إن ترامب يقود المعركة ضد عصابة من المتحرشين بالأطفال، ولهذا دعم الفيلم واحتفى به هو وأنصاره.

ونفى نيل هارمون، مسؤول الشركة التي توزع الفيلم "أنجل استوديو" أن يكون الفيلم سياسيا أو مرتبطا بنظريات المؤامرة.

وقال هارمون لمجلة "تايم" في 29 أغسطس 2023، "أي شخص يشاهد هذا الفيلم يعرف أنه لا يتعلق بنظريات المؤامرة، إنه لا يتعلق بالسياسة".

ومع ذلك، أدى الدعم القوي للفيلم من اليمين المسيحي الإنجيلي المتطرف إلى تصنيفه على أنه "صديق لنظرية ماجا" والمؤامرة التي يعتنقها كل من المحافظين ومنظري المؤامرة اليمينيين المتطرفين. 

وخلال فترة رئاسة ترامب عرف العالم شعاره الذي أطلقه في حملته الانتخابية 2016 وهو "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" واختصاره بالإنجليزية "ماجا"، وهو نفس الشعار الذي استخدمه الرئيس الأسبق رونالد ريغان لأول مرة في حملته عام 1980.

وتقول مجلة "أتلانتيك" الأميركية، إنه وعلى مدى السنوات الأربع التي قضاها ترامب، لعب دورين.

الأول، دور الرئيس والثاني "نقطة تجمع لتحالف من الثيوقراطيين ومتطرفي الشبكة العنكبوتية من أصحاب نظرية المؤامرة والمتفوقين البيض الذين لا يلتزمون بأي حال من الأحوال التحولات السلمية". 

ولعل أبرز مثال على ذلك عندما اقتحم أنصاره المتطرفون مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة في 6 يناير/ كانون الثاني 2021.

وبحسب مجلة "تايم" في 29 أغسطس 2023، ألقى بطل ومنتج الفيلم "كافيزل"، الذي اشتهر بلعب دور المسيح في فيلم " آلام المسيح" لميل جيبسون، خطابات ومقابلات روج فيها لنظرية المؤامرة التي لا أساس لها.

والتي تقول إن عصابة دولية غامضة من كبار السياسيين الديمقراطيين والنخب الليبرالية الشهيرة تختطف الأطفال وتجبرهم على ممارسة الجنس، لكن الفيلم نفسه لا يعرض أي نظريات مؤامرة صريحة.

ويروج كافيزل في مؤتمراته الصحفية أيضا أن الاتجار بالأطفال هدفه استخلاص مادة كيميائية هي "الأدرينوكروم" من دمائهم، لاستهلاكها كإكسير للشباب والنضارة، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية في 30 أغسطس 2023.

واتهم الصحفيان آنا ميرلان وتيم مارشمان في تحقيق حول "بالارد وشركته" (OUR) بأنهما يروجان نمطا مضللا من بناء الأساطير، وسلسلة من المبالغات في قصته، بحسب مجلة "فانيتي فير" الأميركية في 20 يوليو/تموز 2023.

وزعموا أن بالارد وشركته انخرطوا في "مهام تخريبية -نفذها جزئيا وكلاء عقارات ومانحون رفيعو المستوى -وبدت وكأنها تهدف بشكل أساسي إلى إنتاج لقطات فيديو مثيرة للترويج لشركته ومن ثم لفيلم "صوت الحرية".

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن بعض المشرفين على الفيلم يروجون إلى أن "مجموعة من النخب من عبدة الشيطان يديرون شبكة لممارسة الجنس مع الأطفال ويحاولون السيطرة على سياستنا وإعلامنا".