آمال عريضة.. لماذا ينتظر لبنان نتائج إيجابية من استكشاف النفط والغاز بمياهه؟

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

وسط ترقب شعبي وحكومي، شرع لبنان في أولى الخطوات العملية للتنقيب عن النفط والغاز في مياهه ضمن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الذي جرى توقيعه عام 2022.

ويأمل اللبنانيون تحقيق نتائج إيجابية من الاستكشاف، بما يسهم في انتشال البلد من أزمته الاقتصادية الغارق فيها منذ عام 2019.

مهمة استكشافية

وأعلنت شركة "توتال إنرجي" الفرنسية، في 16 أغسطس/آب 2023، وصول منصة حفر إلى الرقعة رقم 9 الواقعة قبالة سواحل لبنان، استعدادا لبدء حفر بئر استكشافية.

وأفادت الشركة في بيان لها عن "وصول منصة الحفر (ترانس أوشن بارنتس) إلى الرقعة رقم 9 الواقعة على بُعد حوالي 120 كيلومترا من بيروت في المياه اللبنانية".

وتزامن ذلك مع وصول أول طائرة هليكوبتر إلى مطار بيروت، تابعة لشركة "غولف" للمروحيات، تعاقدت معها "توتال" لنقل الفرق إلى منصة الحفر.

ويشكل وصول الآليتين، وفق البيان، "خطوة مهمة في التحضير لحفر البئر الاستكشافية في الرقعة رقم 9 الذي سيبدأ أواخر أغسطس 2023".

وفي مايو 2023، أعلنت الشركة توقيعها مع شريكتيها "إيني" الإيطالية و"قطر للطاقة" عقدا ثابتا مع "ترانس أوشن بارنتس" لاستخدام منصة الحفر، وذلك بعد إبرام لبنان وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2022 اتفاقا وصف بـ"التاريخي" لترسيم الحدود البحرية بعد مفاوضات شاقة بوساطة أميركية.

ورأى وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، وليد فياض، هذه الخطوة التي جاءت بعد تسوية لبنان وإسرائيل نزاعهما حول الحدود البحرية أنها "صفحة جديدة".

وعلى هامش زيارته مع عدد من المسؤولين القاعدة اللوجستية لإقلاع وهبوط المروحية بمطار بيروت في 16 أغسطس 2023، أكد فياض أنه عندما يجهز الطاقم والأمور اللوجستية في غضون أيام، "سيبدأ الحفر إن شاء الله"، وفق قوله.

وأضاف "نحن على موعد، بعد شهرين أو ثلاثة أشهر، لنعرف نتيجة الحفر".

من جهته، أعرب وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني، علي حمية، خلال الجولة ذاتها عن أمله "بالوصول إلى نتائج إيجابية ومبشرة"، وأن "يصبح لبنان على خارطة الدول النفطية لتكون بارقة أمل للبنانيين"، حسب تعبيره.

وحصلت "توتال إنرجي" ضمن ائتلاف ضمها مع شركتي "إيني" و"نوفاتيك" الروسية عام 2018 على عقود للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين 4 و9 في المياه اللبنانية، قبل أن تنسحب الشركة الروسية وتحل مكانها "قطر للغاز" مطلع عام 2023.

ثروات منتظرة

قسم لبنان منطقته الاقتصادية الخالصة إلى 10 رقع، أبرزها الرقعة 9 حيث يقع حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين لبنان وإسرائيل، إذ ضمِن الاتفاق للبنان حقل قانا، على أن تحصل إسرائيل على تعويض من مشغلي الرقعة 9.

وبحسب ما سبق أن أعلنته "توتال إنرجي"، يتعين أن تنتهي قبل نهاية عام 2023، عملية التنقيب التي لن تكون سهلة وبكلفة تقدر بنحو 100 مليون دولار.

وتعول السلطات اللبنانية على وجود ثروات طبيعية تساعدها على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات والذي صنفه البنك الدولي من بين "الأسوأ في العالم" منذ العام 1850.

وتكاد عيون اللبنانيون مسمرة نحو البحر، أملا في عودة منصة الحفر بـ"أخبار إيجابية" حول مدى إمكانية البدء باستخراج النفط والغاز من هناك، واستخدام العائدات في تدوير عجلة الاقتصاد من جديد.

وهناك تفاؤل حكومي لبناني بوجود حقول تجارية ومكامن غاز تجارية في البحر، وتحديدا في حقل قانا ومحيطه أو ما يعرف بالبلوك رقم 9.

وفي حال ثبوت "مكمن تجاري" هناك فذاك دليل على أن لبنان يتمتع بثروة نفطية تدر عليه عودة الثقة بالمناخ الاستثماري فيه.

بالمقابل، فإن بعض الخبراء يرون أن لبنان لا يزال بعيدا من استخراج موارد النفط والغاز، الذي قد يحتاج من خمس إلى ست سنوات، في وقت يبدو فيه متأخرا جدا عن جهود إسرائيل التي تستثمر منذ سنوات في مياهها الإقليمية.

وفي بلد يستشري الفساد في مؤسساته، ويُتهم مسؤولوه بنهب المال العام، يتساءل كثيرون عما إذا كان استخراج تلك الموارد سيعود على الدولة بأرباح تساعد اقتصادها على النهوض.

لكن رغم ذلك، فإنه مع ارتفاع الطلب عالميا على الغاز، على وقع أزمة الطاقة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، يأمل لبنان أن يسهم أي اكتشاف بحري في التخفيف من حدة الانهيار الاقتصادي الذي جعل من غالبية سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر، مع فقدان قدرتهم الشرائية ونزيف الليرة المستمر.

انتظار حاسم

وسيحسم الحفر الأمر حول ما إذا كان يمكن اعتبار لبنان دولة قادرة على الاعتماد على إنتاجها من النفط والغاز ودخول مرحلة التطوير والإنتاج للبلوك 9، خاصة أنه سبق أن جرت عمليات حفر استكشافية في البلوك رقم 4 عام 2020 والتي لم تصل إلى نتائج رغم ضخ الأموال على العملية.

وحينها فإن البيانات التي جرى جمعها من البئر الأولى في الرقعة رقم 4، ساهمت في تحسين عمليات التحليل المرافقة لأعمال الاستكشاف في الرقعة رقم 9.

ويقدر إجمالي حجم الاحتياطيات البحرية اللبنانية من النفط، عند 865 مليون برميل، ومن الغاز عند 96 تريليون قدم مكعب.

وقدّر مسح زلزالي أجرته شركة "سبكتروم" البريطانية لمنطقة بحرية محدودة عام 2012 احتياطات الغاز القابلة للاستخراج في لبنان بـ25,4 تريليون قدم مكعب، فيما أعلنت السلطات اللبنانية بدورها عن تقديرات أعلى.

ولطالما كان لبنان يطمح إلى الاستفادة من الموارد المحتملة في مياهه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط، لكنه تعرض للإحباط بسبب مطالبات منافسة من إسرائيل الذي لا يزال لبنان يرى أنه في حالة حرب معها والتي تمنع الاتصال بالمسؤولين الإسرائيليين.

واليوم، يأمل لبنان أن تساعده اكتشافات الغاز والنفط في التغلب على أزمة اقتصادية خانقة كلفت العملة المحلية أكثر من 98 بالمئة من قيمتها، وأدت إلى تآكل الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، وتسببت في انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي في البلدات والمدن بشكل يومي.

وبافتراض وفرة الغاز، فإن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن تصل الإيرادات إلى خزائن الدولة، في وقت يخشى فيه البعض من أن الفساد المستشري الذي ميز نظام الحكم في لبنان والذي قد يمنع الأموال من إفادة حوالي ثلاثة ملايين شخص يعيشون تحت خط الفقر.

تحذيرات مسبقة

وفي هذا الإطار، قال الكاتب والباحث السياسي، رضوان عقيل: "في حال جرى استكشاف نفطي أو غازي في هذه البقعة، حسبما تشير إحدى الدراسات عن وجود 4 تريليون قدم من الغاز في البلوك 9، فإن توتال تستطيع أن تعطي نتائجها خلال 45 يوما".

ورأى عقيل خلال تصريحات تلفزيونية في 16 أغسطس 2023 أن "ساسة لبنان بدأوا يروجون إلى أن المن والسلوى سيأتي من البحر، وأن لبنان سيستطيع تسديد ديونه وأن ودائع المواطنين ستعود إلى جيوبهم، لذلك علينا أن ألا نسبق الأمور".

ولفت إلى أنه "في حال تأكد وجود مخزون غازي بظل المناكفات السياسية في لبنان فإنه سيجري الاختلاف على من سيدير الصندوق السيادي الذي ستودع فيه عائدات الغاز ومن سيكون رئيسه من الطوائف اللبنانية، لأن هناك جهات محلية لا تريد أن يكون لبنان دولة نفطية، بل تريده أن يبقى دولة فقيرة".

واستدرك عقيل قائلا: "إن انتخاب رئيس جمهورية وتعيين حكومة وإدارة هذا الملف الغازي بعناية، يمكن بعدها القول إننا نسير على الطريق الصحيح، لأن خلاف ذلك يعني أننا نقدم ثغرة مجانية لإسرائيل لتكون لها حصة من الحقول وفي حال تمددت أكثر مما يحق لها".

ويعيش لبنان حاليا شغورا بمنصب رئيس الجمهورية منذ أن غادر ميشال عون قصر بعبدا نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، كما أن حكومة تصريف الأعمال ناقصة الصلاحيات ما تزال عاجزة عن تنفيذ الكثير من الإصلاحات المطلوبة على مستوى الاقتصاد لحصول البلد على مساعدة من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات.

ويؤكد مراقبون اقتصاديون أنه مهما كانت نتائج التنقيب الاستكشافية، فإنه يجب أن تترافق مع حزمة إصلاحات على مستوى بناء اقتصاد إنتاجي لا يعتمد فقط على عوائد بيع الغاز حتى لا تذهب هدرا كما ذهبت ودائع اللبنانيين من البنوك البالغة 186 مليار دولار.

لأن من شأن تلك الإصلاحات أن توفر الضمانات الأساسية التي تحتاجها الشركات الدولية لكي تعمل مع مخاطر أقل لاحقا.

ويشير الخبراء إلى أن الانعكاسات الاقتصادية لاستخراج النفط والغاز ستكون كبيرة على الاقتصاد اللبناني، في غضون السنوات الخمس القادمة، في حال جرى ضبط عائدات هذا القطاع وحمايته من السرقة من الطبقة الحاكمة التي "نهبت" خلال العقود السالفة ثروات البلد.

وضمن هذه الجزئية، يرى المحلل اللبناني، أسامة وهبي، "أنه في حال جرى اكتشاف الثروات النفطية والغازية، لن ينعم بها الشعب بوجود هذه المنظومة الفاسدة، سيزداد ثراء الحكام وبؤس الشعب، إلى أن يتم التخلص منها".

وشدد وهبي، في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 18 أغسطس 2023، على أن "لبنان اليوم يعاني من أزمة حكم ونظام وطبقة سياسية عمدت إلى إفقار الناس وتجويعهم وسرقة مدخراتهم".

وأوضح أن "هناك توجها اليوم بإنشاء صندوق سيادي لوضع كل الأموال التي ستأتي من النفط والغاز، وإدارة الصندوق ستكون محاصصة بين المنظومة الحاكمة الفاسدة، كل زعيم طائفة وحزب سيأخذ حصته من النفط، وسيبقى الشعب في حالة عوز وعتمة وجوع والبحث عن لقمة عيش بشكل يومي".

ولفت وهبي إلى أن "هذه الثروات قد تُسرق من قبل المنظومة إذا ما استمرت في حكمها".