جولة لافتة.. لماذا تعمل إيران على تمتين علاقتها مع الدول الإفريقية؟

لندن - الاستقلال | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

فتح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ما وصفه المسؤولون في حكومته "نقطة انطلاق جديدة" في العلاقة مع الدول الإفريقية، في وقت تسعى فيه طهران التي تواجه وضعا اقتصاديا قاسيا، لتنشيط حضورها في القارة بعد سنوات من فتور العلاقة.

وضمن محاولة طهران زيادة نفوذها في القارة عبر أساليب ووسائل ناعمة، بدأ الرئيس الإيراني جولة إفريقية بزيارة كينيا في 12 يوليو/ تموز 2023، والتقى نظيره الكيني وليام روتو.

ثم توجه رئيسي أيضا لإجراء محادثات مع نظيره الأوغندي يويري موسيفيني ورئيس زيمبابوي إيمرسون منانغاغوا في زيارته للدولتين المذكورتين.

وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن رئيسي يقود وفدا يضم وزير الخارجية وعددا من كبار رجال الأعمال.

وقد وقع وزراء إيرانيون وكينيون خمس مذكرات تفاهم خلال زيارة رئيسي هذه، في مجالات تكنولوجيا المعلومات ومصايد الأسماك ومنتجات الثروة الحيوانية وتعزيز الاستثمار.

وفي مؤتمر صحفي عقب لقائه روتو، قال رئيسي إنه يريد تعزيز العلاقات التجارية مع الدول الإفريقية.

بدوره أوضح روتو أنه يسعى للحصول على التزام من رئيسي بتسهيل تصدير المزيد من الشاي واللحوم ومنتجات زراعية أخرى من كينيا إلى إيران وعبر الأخيرة إلى دول آسيا الوسطى.

تقارب جديد

وقبيل زيارة رئيسي التي تعد الأولى لرئيس إيراني إلى تلك القارة منذ أن زارها الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في 2013، ذكرت وزارة الخارجية الإيرانية، أن حجم تجارة طهران مع الدول الإفريقية سيرتفع إلى أكثر من ملياري دولار عام 2023، لكنها لم تذكر رقما للمقارنة مع 2022.

وخلال زيارة رئيسي إلى أوغندا، التقى رئيسها يويري موسوني، ووقعت وفود رفيعة المستوى من البلدين 4 وثائق مهمة للتعاون الثنائي.

وذكرت وكالة "فارس" الإيرانية، أن افتتاح مكتب الابتكار والتكنولوجيا الإيراني في أوغندا، وزيارة المزرعة الإيرانية خارج الحدود في هذا البلد، والاجتماع مع ناشطين اقتصاديين من الطرفين، والمشاركة في اجتماع الحوار الديني في المسجد الوطني في كمبالا، من برامج زيارة رئيسي.

والملاحظ أن رئيسي توجه إلى كينيا وأوغندا وزيمبابوي كما يعزوها لوجود تقارب في "الرؤى السياسية المشتركة" بين إيران والدول الإفريقية الثلاث.

فعلى سبيل المثال زيمبابوي دولة معزولة إلى حد كبير على الساحة الدولية وتخضع لعقوبات أميركية وأوروبية بسبب الكسب غير المشروع وانتهاكات لحقوق الإنسان.

ولهذا فإن الرغبة في التقارب بين إيران وبعض دول القارة الإفريقية، يسير فيها كل منهما في اتجاه بين حاجة تلك الدول للتنمية، وبين طموحات إيرانية لتقوية نفوذها في القارة الإستراتيجية والتي تشكلت حلب تنافس دولي متصاعد.

وقبيل توجه رئيسي إلى جولته النادرة، استقبل في 8 يوليو/تموز 2023 في طهران وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف لتعزيز العلاقات مع الجزائر.

وعقب ذلك أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في 8 يوليو 2023، أنه اتفق مع نظيره الجزائري أحمد عطاف على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وفتح السفارتين، بعدما قطعت العلاقات عام 1993.

وظهرت إفريقيا كساحة معركة دبلوماسية مع محاولة كل من روسيا والغرب كسب تأييدها بعد غزو موسكو لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، الذي كان له تأثير اقتصادي مدمر على القارة، إذ أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

كذلك، سعت القوى الغربية إلى تعميق العلاقات التجارية مع إفريقيا، إلى جانب الهند والصين.

الدعم والفرص

ولهذا يرى مراقبون زيارة رئيسي للقارة، في نطاق محاولة إيران حشد دعم دبلوماسي لتخفيف عزلتها الدولية.

وقد حاولت طهران تضخيم أهمية الزيارة، حيث قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، بتاريخ 10 يوليو 2023، إنها تمثل "نقطة انطلاق جديدة" مع الدول الإفريقية "المهتمّة بشكل جدي بتطوير علاقتها مع إيران"، لا سيما في المجالين الاقتصادي والتجاري.

ومنذ عام 2018، تأثر الاقتصاد الإيراني بعقوبات الولايات المتحدة التي انسحبت أحاديا من الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، فضلا عن تسارع التضخم والانخفاض القياسي في قيمة الريال.

وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022، تقدم محافظ المصرف المركزي الإيراني باستقالته بعدما فقد الريال نحو 25 بالمئة من قيمته، كما سجل التضخم في الشهر المذكور نسبة 45 بالمئة وفق الأرقام الرسمية.

وعقب ذلك أكد إبراهيم رئيسي مطلع عام 2023، أن معالجة التضخم المتسارع وتراجع قيمة العملة المحلية، تشكلان أولوية في مشروع موازنة السنة المالية 2023-2024 التي قدمتها حكومته الى البرلمان.

وأخيرا زاد حجم فرض دول غربية عقوبات على طهران بعد اتهامها بتزويد روسيا بطائرات مسيرة تستخدم في الغزو على أوكرانيا المتواصل.

وأمام ذلك تسعى إيران لتحقيق مصالحها الإستراتيجية، ولهذا فإن اتجاه طهران شرقا نحو الصين وروسيا وتعزيز شراكاتها معهما، يبدو أنه لا يلبي طموحاتها.

فهناك في "قارة الفرص" كما وصفها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ما هو أبعد من الحلفاء الجدد.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر محمد سي بشير، "أن طهران تنظر إلى العلاقة مع القارة الإفريقية كجزء من إدارة الأزمة مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة".

ولهذا فهي تريد إرسال رسائل على أنها بديل للدبلوماسية الغربية المعروفة بأنها وريثة للرؤية الاستعمارية والتعامل الاستعماري والرأسمالي الوحشي مع الدول وترك الدول دون مساعدتها على التطور وتقديم لها وسائل التطور والتكنولوجيا، وفق ما قال في تصريحات تلفزيونية بتاريخ 14 يوليو 2023.

وبين أن "إيران تريد تقديم نفسها على أنها يمكن أن تساعد الدول الإفريقية في بعض المجالات على غرار الأسلحة والتكنولوجيا كما تفعل الهند".

أما بخصوص الخيارات الإفريقية في توطيد العلاقة مع إيران، قال سي بشير: "إن بعض دول القارة تريد أن تستفيد من التكنولوجيا التي تأتيها من غير الغرب على مبدأ رابح رابح وليس أن تبقى موطنا لاستغلال ثرواتها واليد العاملة الرخيصة في بعض الاستثمارات"، خاصة أن إفريقيا هي القارة الواعدة في استقبال الاستثمارات في الوقت الراهن، بحسب تقديره.

أغراض أخرى

وفي هذا السياق يشير الكاتب السوري المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو، إلى أن "التوجه الإيراني نحو القارة كان منذ زمن الشاه، لكن عقب تولي ملالي إيران السلطة أصبحت أهدافها في إفريقيا أكبر".

وأضاف جلو، لـ "الاستقلال"، أن لإيران أهدافا سياسية منها حشد التأييد الدولي لها داخل المحافل الدولية والمنظمات الأممية، وكذلك أهداف اقتصادية منها فتح أسواق جديدة في إفريقيا، خاصة أنه في السنغال يوجد معامل لتصنيع السيارات الإيرانية.

ولفت إلى أن "إيران تطمح للحصول على الموارد المعدنية المهمة التي تحتضنها القارة الإفريقية سواء المواد الخام من اليورانيوم والذي يحتاجه المشروع النووي الإيراني السري، وكذلك الألماس والذهب.

وبرأيه فهذه تكون عبارة عن تجارة للحرس الثوري الإيراني الذي ينشط في عمليات تدريب مليشيات أو بناء أخرى موالية له في الدول الإفريقية المسلمة.

ومضى يقول" إن إيران تقسم القارة الإفريقية إلى دول مسلمة وغير مسلمة، إذ تعتمد على حملات تشييع عبر إرسال مبشرين بالإضافة إلى استقبال عدد كبير الطلاب الأفارقة في جامعات إيرانية وعلى رأسها جامعة المصطفى الدولية".

وتدعم هذه الجامعة كذلك معاهد في دول إفريقية تنشأها إيران مستغلة حالة الفقر والعوز الاقتصادي، وفق تقديره.

واستدرك جلو قائلا: "إن إيران تهدف من خلال التشييع لتأسيس مليشيات تتبع لها في القارة الإفريقية وتنفذ سياستها وأكبر مثال على ذلك في نيجيريا".

وبين أن إبراهيم الزكزاكي ممثل إيران في إفريقيا، أسس مليشيا شبيهة بحزب الله اللبناني وهو الذي حاول الانقلاب على الدولة والسيطرة عليها قبل أن يجرى اعتقاله والإفراج عنه لاحقا.

وإبراهيم الزكزاكي ولد عام 1953 شمالي البلاد، وهو زعيم شيعي نيجيري، ويرأس "المنظمة الإسلامية في نيجيريا" التي ترعى التشيع بالبلاد، وبينما يصفه أتباعه بأنه "علم من أعلام ولاية الفقيه" يقول خصومه إنه "قائد مليشيا مذهبية تهدد سيادة الدولة".

وأشار جلو، إلى أن "إيران تحاول أن تعزز نفوذها خاصة في شرق إفريقيا في السودان والصومال وجيبوتي وإثيوبيا قرب المعابر الدولية والبحر الأحمر بقصد التأثير على التجارة الدولية".

فضلا عن مضايقة السعودية ومصر، والتأثير في المعابر التجارية التي تستخدمها إسرائيل بإفريقيا بمحاولة لخلط الأوراق الدولية وخلق مقايضات مع الغرب، بحسب تقديره.

ونوه جلو، إلى "أن أول من نبه إلى السياسات الإيرانية في إفريقيا هي المملكة المغربية التي قطعت علاقاتها معها بناء على عدم التزام إيران بضوابط المنطقة من تنفيذ عمليات تشييع وتحويل هؤلاء لقوة عسكرية مليشياوية، وخاصة دعم جبهة البوليساريو (المناهضة للرباط في إقليم الصحراء)".

وفي مايو/أيار 2018، أعلن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران بسبب دعمها لجبهة البوليساريو وتزويدها بالأسلحة.

وصرح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، في ذلك الوقت، خلال مؤتمر صحفي، بأن الرباط ستغلق سفارة إيران وتطرد سفيرها، واتهم حزب الله اللبناني بتوريد الأسلحة للبوليساريو.