بعد تمرد فاغنر في روسيا.. كيف يستفيد جيش بيلاروسيا من خبرات المرتزقة؟

لندن - الاستقلال | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رغم أن كواليس انتقال قائد مرتزقة "فاغنر" الروسية الخاصة، يفغيني بريغوجين، إلى بيلاروسيا عقب تمرده على قيادة الجيش الرسمي في 23 يونيو/ حزيران 2023، ما تزال غامضة، إلا أن مينسك تحاول أن تبعث إشارات تبقي سمعة "فاغنر" لامعة.

وفي خطوة غير متوقعة، دعا الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، في خطاب ألقاه بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2023، بمناسبة عيد استقلال البلاد، مجموعة "فاغنر"، لتدريب جيشه، وفق ما أفادت به وكالة "بيلتا" الرسمية للأنباء.

وقال لوكاشينكو: "للأسف، مجموعة (فاغنر) ليست هنا، وإذا جاء مدربوها، كما أخبرتهم بالفعل، ونقلوا لنا الخبرة القتالية، فسنقبل هذه التجربة".

وأضاف لوكاشينكو في خطابه قائلا: "إنه لا يخاف من أعضاء مجموعة (فاغنر) لأنه يعرفهم منذ فترة طويلة... هؤلاء هم أناس قاتلوا في جميع أنحاء العالم لتأسيس حضارة، والغرب يكرههم حتى النخاع".

كما قال الرئيس البيلاروسي: "لم نبن أي معسكرات بعد. ولكن إذا أرادوا، فسنؤويهم، انصبوا الخيام من فضلكم. لكنهم الآن في لوغانسك في معسكراتهم"، مضيفا أن قوات فاغنر عرض عليها بعض الأراضي المهجورة داخل بيلاروسيا إذا احتاجوا إليها.

فاغنر والتمرد

ويظهر أن العلاقة بين لوكاشينكو وبريغوجين قوية للغاية، وبدا ذلك حينما حذر الرئيس البيلاروسي، قائد فاغنر خلال التمرد الأخير من أن قواته ستدمر إذا واصلوا مسيرتهم إلى العاصمة الروسية موسكو.

وحتى أن لوكاشينكو، قال لبريغوجين (62 عاما) خلال مكالمة هاتفية يوم 27 يونيو، وفقا لوسائل الإعلام الحكومية البيلاروسية: "في منتصف الطريق سوف يجري سحقك مثل حشرة".

ويحكم لوكاشينكو (68 عاما) روسيا البيضاء منذ عام 1994 لكنه يواجه موجة غضب شعبية؛ بسبب الاقتصاد وسجل حقوق الإنسان لديه، بينما يصور نفسه بأنه ضامن لاستقرار البلاد.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال في خطاب متلفز بتاريخ 26 يونيو/حزيران 2023، إنه سيفي بوعده بالسماح لمقاتلي فاغنر بالانتقال إلى بيلاروسيا، إذا أرادوا ذلك أو توقيع عقود مع وزارة الدفاع أو العودة إلى عائلاتهم.

وانتهى تمرد بريغوجين، بشكل مفاجئ رغم إعلان فاغنر بأنها باتت على بعد 350 كيلومترا من جنوب العاصمة موسكو، عقب وساطة من رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وافق بموجبه على الذهاب إلى المنفى في بيلاروسيا.

وبموجب هذا الاتفاق الذي لم يكشف للإعلام جميع تفاصيله، يحق لمقاتلي فاغنر الذهاب إلى بيلاروسيا، أو الالتحاق بالجيش الروسي النظامي أو العودة إلى الحياة المدنية، في حين يتعين على فاغنر تسليم أسلحتها الثقيلة لوزارة الدفاع الروسية.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، عدوة مجموعة فاغنر، أن "التحضيرات جارية لنقل المعدات العسكرية الثقيلة من فاغنر إلى وحدات الجيش".

ورأى الرئيس الروسي الذي شكل تمرد فاغنر أول هزة قاسية لحكمه المستمر منذ عام 2000، أن عناصر فاغنر هم أيضا "كانوا وطنيين وحرروا أراضي تابعة للوطن"، لكنه لم يشر بوتين في الخطاب وقتها إلى بريغوجين الذي قاد التمرد ووصفه بـ"مسيرة من أجل العدالة".

وقد دعا بريغوجين في 23 يونيو 2023، إلى انتفاضة على قيادة الجيش الروسي بعدما اتهمها بقتل عدد "هائل" من عناصره في قصف استهدف مواقع خلفية لهم في أوكرانيا، في اتهام نفته موسكو.

في البداية تمرد بريغوجين، أعلنت روسيا ملاحقته بتهمة "الدعوة إلى تمرد مسلح"، ووصف بوتين الأمر بـ "الخيانة".

لا سيما أن بريغوجين حينما شن التمرد الذي استمر 24 ساعة، وعد "بتحرير الشعب الروسي"، حيث صوب سهامه المعادية خصوصا نحو وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان الروسية فاليري غيراسيموف اللذين يتهمهما بالتضحية بآلاف الجنود في أوكرانيا.

وكان بوتين قد تعهد في البداية بسحق التمرد الذي شبهه بالفوضى التي جرت في عام 1917، وأدت إلى الثورة البلشفية ثم حرب أهلية.

مواصلة الخدمات

اللافت أنه فور إعلان انتهاء التمرد بعد الوساطة، قال لوكاشينكو: "بإمكان جيش بلاه أن يستفيد من "خبرة" قادة فاغنر، مع تقليله في الوقت نفسه من أهمية الأنشطة التي سيسمح للمجموعة بالقيام بها في بيلاروسيا".

وبعد الاتفاق، توجه بريغوجين إلى بيلاروسيا من روسيا بتاريخ 27 يونيو 2023.

وتشكل عناصر فاغنر قوة رئيسة في غزو أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، إذ قال قائدها في رسالة صوتية نشرها مكتبه ببداية التمرد، إن عدد مقاتليه يبلغ 25 ألف عنصر، لكن ليس من الواضح كم هي الأعداد التي ستستقر في بيلاروسيا.

ولهذا يبدو أن هذا الإجراء هدفه تحييد مجموعة فاغنر، المنظمة العسكرية التي كانت قبل التمرد مكلفة تنفيذ عمليات يأمر بها الكرملين في أوكرانيا وروسيا وسوريا دول إفريقية عدة.

وسابقا كانت السلطات الروسية تنفي وجود أي صلة بينها وبين مجموعة فاغنر، لكن بوتين أقر بخطاب متلفز في 27 يونيو بأن الدولة "مولت بالكامل" هذا الجيش الخاص وسددت لفاغنر في عام 2022 نحو مليار يورو.

وبالنسبة للعديد من المحللين، فإن تمرد مجموعة فاغنر سلط الضوء على نقاط ضعف نظام بوتين وجيشه في مواجهة رجال مدججين بالسلاح سيطروا على مواقع عسكرية واجتازوا مئات الكيلومترات وزحفوا خلال يوم واحد نحو موسكو إلى أن أمرهم بريغوجين بصورة مفاجئة بوقف الزحف والعودة أدراجهم.

وفي السياق، رأى المحلل الأمني والإستراتيجي السوداني، أمين إسماعيل مجذوب، أن "دعوة الرئيس البيلاروسي لمجموعة فاغنر لتدريب جيش بلاده هي في نفس الإطار بأن تعمل المجموعة كشركة خدمات أمنية خاصة".

وأضاف مجذوب لـ"الاستقلال" أنه "يبدو أن مسألة استبعاد فاغنر من الحرب في أوكرانيا جرى بالاتفاق مع روسيا، بحيث يجرى إدخال مجموعات فاغنر المتبقية إلى بيلاروسيا، وبالتالي تعمل تحت سيطرتها".

ومضى يقول: "هذا يتوازى مع محاولات سحب مجموعات فاغنر الموجودة في القارة الإفريقية في بلدان جنوب الصحراء وسحبها إلى دولة أخرى مشابهة لبيلاروسيا أو للأخيرة".

ورأى اللواء أن "استفادة بيلاروسيا من فاغنر ودمجها في جيشها هذا مستحيل وإنما هي فترة مؤقتة لحين تسوية الخلافة والتمرد الذي قادته المجموعة على الجيش الروسي".

جيش ضعيف

لقد سبق لأوكرانيا التي تواجه غزوا روسيا، أن أعربت مرارا عن خشيتها من أن تتعرض لهجوم انطلاقا من بيلاروسيا، البلد الذي تتمركز فيه قوات روسية من دون أن يشارك جيشه في شكل مباشر في غزو القوات الروسية لأوكرانيا.

وتؤكد وسائل إعلام دولية، أن الرئيس البيلاروسي يقوم بتعبئة سرية وحملة دعائية جديدة، حيث يتلقى أعضاء سابقون في الجيش وضباط شرطة متقاعدون استدعاءات. كما يتم تدريب الأطباء العسكريين.

وقد تلقى بعض المدنيين كلمة مفادها أنه إذا دعت الحاجة سيتم حشدهم في الموجة الأولى، وذلك خشية هجوم وشيك ضد بلاده من أوكرانيا الملاصقة.

ومع ذلك، فإن فكرة إرسال قوات بيلاروسية للقتال في أوكرانيا لا تحظى بشعبية كبيرة على المستوى المحلي ويمكن أن تكلف لوكاشينكو دعم جيشه، أو تخاطر بتصاعد الاضطرابات المدنية.

أما بالنسبة لجيش بيلاروسيا فهو متواضع ويمتلك تكنولوجيا عفا عليها الزمن، حيث ورثت بيلاروسيا جيشها من القوات المتمركزة في البلاد تحت الحكم السوفيتي، حيث كانت خلفية مهمة للجيوش السوفيتية المتمركزة في بولندا وألمانيا الشرقية.

ويضم الجيش البيلاروسي حاليا 50 ألف جندي وضابط، بالإضافة إلى 15 ألف فرد مدرجين كأفراد عسكريين.

وبحسب تقرير التوازن العسكري لعام 2021، يبلغ الاحتياطي العسكري القابل للاستدعاء في حالة التعبئة 290 ألف فرد، لدولة يبلغ عدد سكانها 9.5 مليون نسمة.

وبالمقارنة في هذا الصدد، فإنه يبلغ عدد سكان دولة بولندا المجاورة لبيلاروسيا، أربعة أضعاف عدد السكان، وميزانية أكبر 20 مرة على الأقل، إضافة إلى 125000 جندي.

والآلات السوفيتية القديمة وفيرة في بيلاروسيا، رغم فقدان قيمتها القتالية تدريجيا، لكن التوظيف سيتطلب إما تعيين موظفين جدد أو إرسال وحدات من القيادات الحالية.

وتعد القوات البرية هي أكبر هيكل في الجيش البيلاروسي، ولكن لا يتوفر على الفور سوى جزء ضئيل من أفرادها.

وفقا لتقرير صادر عن المركز الروسي لتحليل الإستراتيجية والتكنولوجيا، يخدم 10،000-15،000 جندي فقط في القوات البرية البيلاروسية يوميا في وقت السلم، ويجب استدعاء الباقي عند الطلب.

وفقا لتقارير عام 2020، قد يكون لدى بيلاروسيا 1200 دبابة مع 800 منها في الاحتياط، ومن المرجح أن يكون الرقم مبالغا فيه، ومعظم الدبابات السوفيتية هي من طراز Т-72Bs.

كما أن معظم مدفعية بيلاروسيا موروثة أيضا من الاتحاد السوفيتي منها 583 مدافع هاوتزر Msta-B مقطوعة، وبعض قطع المدفعية القديمة ذاتية الدفع Gvozdika و Akatsiya.

ومع ذلك، تمتلك بيلاروسيا رسميا ستة أنظمة مدفعية صاروخية جديدة من طراز Polonez 300 ملم تم إنتاجها محليا، وأنظمة المدفعية البيلاروسية قادرة على إطلاق صواريخ عالية الدقة بمدى إطلاق أقصى يصل إلى 200 كيلومتر.

ويشغل الطيران البيلاروسي حاليا بضع عشرات من الطائرات المقاتلة السوفيتية MiG-29 وطائرة Su-25 الهجومية، والطائرة الجديدة الوحيدة هي أربع مقاتلات من طراز Su-30SM و12 طائرة تدريب قتالية من طراز Yak-130.

والمنظمة العسكرية الوحيدة في بيلاروسيا ذات الخبرة القتالية المناسبة هي قوات العمليات الخاصة. يوظف هذا الفرع ثلاثة ألوية من النخبة المشاة بإجمالي 3000-6000 جندي.

وقد ثبت أن هذه هي الوحدات الأكثر فاعلية وولاء للجيش البيلاروسي. كان لواءان جزءا من القمع الوحشي لاحتجاجات عام 2020 التي أشعلتها انتخابات رئاسية عدها المجتمع الدولي غير حرة أو عادلة.

في حين أن الجيش البيلاروسي ليس لديه خبرة في ساحة المعركة، فقد شاركت قوات العمليات الخاصة في مهام "حفظ السلام" في لبنان، وعملت مع بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في دونباس، وشاركت في قمع أعمال الشغب في كازاخستان في يناير 2022.

أساليب جديدة

وضمن هذه الجزئية، أوضح المختص بالحرب الكيميائية السورية سابقا، طارق حاج بكري، أن "غالبية مرتزقة فاغنر هم من متقاعدي جيش روسيا والجيوش النظامية في بلدانهم، مما يعني أنهم خضعوا لتدريبات جيدة وقسم منهم هم من المتطوعين خاضوا معارك في مناطق كثيرة العالم أخيرا في أوكرانيا وسوريا وإفريقيا وأميركا اللاتينية".

وأضاف حاج بكري لـ"الاستقلال" أن "فاغنر تمتلك خبرة عسكرية كبيرة تشمل الأعمال القتالية واستخدام أنواع من الأسلحة لكون تدريبها العسكري متنوع بين الغربي والشرقي".

وتابع: "مما يعني أنه يمكن لبيلاروسيا أو أي دولة في العالم أن تستفيد من خبراتهم في تدريب عناصرها، خاصة أن بيلاروسيا بعد انفراد عقد الاتحاد السوفيتي عام 1991 أصبحت ضعيفة وجيشها قليل وعتادها سيئ مما يعني أنها بحاجة لخبرات كبيرة لتأهيل جيشها".

وذهب للقول: "قوات فاغنر لم تنته في روسيا بل جرى الضغط عليها لكي تتمرد وبالتالي قد هزمت أمام دولة كبيرة كروسيا ولذلك عناصرها يمكن أن ينتشروا في كل أنحاء العالم ما لم يجر ملاحقتهم في جرائم حرب، ولكن يبقى لهم خبرتهم القتالية التي يمكن أن تستفيد منها الدول خاصة الديكتاتورية منها ذات الحكم الفردي المطلق".

بدوره، يرى الخبير الأمني والعسكري العراقي، سرمد البياتي، أن "جيش بيلاروسيا هو جيش نظامي ومدرب من دول الاتحاد السوفيتي، وبالتالي من المفترض أن يكون لديه جزء من تراث وتدريب الجيش الروسي، لكن عملية تمرد فاغنر مبهمة وقد ظهرت أشبه بالمسرحية وحتى في ذهابهم إلى روسيا".

وتساءل البياتي خلال حديثه لـ"الاستقلال" قائلا: "في هذه الحالة على ماذا يدرب مجموعة فاغنر الجيش البيلاروسي؟ خاصة أن الأغلبية مرتزقة، مما يعني أنه لا يمكن التعويل على مثل هذه الدعوات التي ينادي بها الرئيس البيلاروسي، لأنه أساسا في كراسات التعبئة العسكرية هي أغلبها روسية من الاتحاد السوفيتي السابق".

واستدرك قائلا: "إلا إذا كانت بيلاروسيا بحاجة إلى أساليب حرب جديدة وأساليب حرب عصابات خاصة أن فاغنر هي ليست مجموعة للقتال النظامي".

وذهب للقول: "أمام ذلك فإن التفكير في استخدام فاغنر لتدريب جيش بيلاروسيا غير منطقي إلا في حال كان هناك نيات مبيتة، أو كان الموضوع محاولة لرفع شأن فاغنر عقب تمردها بروسيا، وبالتالي الأمر داخل في إطار عملية سياسية تحتمل الكثير من التأويلات والتفسيرات في ظل حرب أوكرانيا".