بعد تمردها عسكريا على بوتين.. ما مصير قوات "فاغنر" الموجودة في سوريا؟ 

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلط تمرد قائد مرتزقة "فاغنر" الروسية الخاصة، يفغيني بريغوجين، على قيادة الجيش الرسمي في 23 يونيو/ حزيران 2023، الضوء على مصير مجموعاته المقاتلة في سوريا.

وتتمركز مرتزقة "فاغنر" في مناطق إستراتيجية وعسكرية حساسة بمحافظات سورية، لكن بأعداد محدودة، عقب سحب الدفعة الأكبر عقب غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

وراهنا يتوزع نخبة "فاغنر" بتوجيه مباشر من قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية التي تدير التدخل الروسي بسوريا الذي بدأ عام 2015.

تمرد فاغنر

وفي خضم بدء الهجوم الأوكراني المضاد على المواقع التي سيطر عليها الجيش الروسي وكانت مليشيا فاغنر رأس الحربة في تحقيق التقدم الميداني هناك، دعا بريغوجين إلى انتفاضة على قيادة الجيش الروسي للإطاحة بها.

وظهر هذا الخلاف بين قائد فاغنر والجيش الروسي خلال معارك غزو موسكو لكييف في 24 فبراير 2022.

وفي مناسبات عدة، اتهم بريغوجين كبار الضباط الروس بعدم تجهيز قواته بما تحتاجه من العتاد وتعطيل تقدمها في أوكرانيا لأسباب "بيروقراطية"، بينما تنسب لنفسها جميع الانتصارات التي حققها مقاتلو فاغنر، كما اتهمها بقتل عناصره في شرق أوكرانيا.

ووصف الرئيس الروسي فلادمير بوتين تمرد مجموعة فاغنر بأنه "طعنة في الظهر"، متهما بريغوجين بـ"خيانة" روسيا تلبية "لطموحات شخصية".

وبريغوجين هو رجل أعمال روسي بارز متعدد المهن، ومعروف بـ"طباخ بوتين"، وهو يقود مرتزقة "فاغنر" شبه العسكرية الخاصة منذ أن أسسها عام 2014.

وبقيت "فاغنر" كيانا غامضا للغاية تحرك روسيا مجموعاتها من المرتزقة متعددة الجنسيات إضافة للروسية، لخدمة مصالح موسكو في دول تريد بناء نفوذ لها هناك.

وبعد سنوات من النفي الشديد، أقر بريغوجين في 26 سبتمبر/أيلول 2022، في منشور على حسابات شركته "كونكورد" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه أسس فاغنر في مايو/أيار 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف بانتشار عناصر منها في إفريقيا وسوريا وأميركا اللاتينية خصوصا.

الإجرام بسوريا

أسهم تدخل روسيا عسكريا بسوريا عام 2015 لدعم رأس النظام بشار الأسد في قمع الثورة الشعبية ضده، في منع سقوطه، بعدما زجت موسكو بمجموعات هائلة من "فاغنر".

وحينئذ قاتلت فاغنر إلى جانب قوات الأسد، وارتكبت مجازر بشعة بحق السوريين ونكلت بمعارضي الأسد، مما مكن النظام من استعادة مساحات شاسعة من مناطق كانت بيد المعارضة، وقلبت الكفة العسكرية إلى يومنا هذا لصالح الأسد.

وجرى آنذاك توثيق ارتكاب مليشيا فاغنر جرائم حرب بحق السوريين، خاصة أنهم أصبحوا قوة بأعداد لا يستهان بها لدرجة أنها كانت هي من تقود عناصر الأسد في بعض الجبهات.

ومنذ زج فاغنر في سوريا كانت أعدادهم في تناقص وتزايد حسب المعطيات العسكرية، لكن صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية نقلت عن مصادر أمنية روسية وجود 2500 عنصرا في مارس/آذار 2016، بينهم 1600 مقاتل خصصت لهم موازنة بقيمة 350 مليون دولار منذ التدخل الروسي في هذا البلد.

وتردد في تلك الفترة وفق وسائل الإعلام الروسية أن رواتب هؤلاء تتراوح بين 3500-5200 دولار شهريا حسب طبيعة المهمة ونوع الوجود وطبيعة خبرة المرتزق القتالية، وتدفعها شركة "إيفرو بوليس" الروسية المملوكة لبريغوجين وتعمل في مجال خدمات الإطعام ومن بين زبائنها الجيش الروسي.

وعقب ذلك، قدمت موسكو مكافآت كثيرة لقائد فاغنر على الأرض السورية، منها عقود حماية بعض آبار النفط والغاز.

فمنذ عام 2017 تسيطر مجموعات فاغنر على حقول الغاز في مناطق توينان وآراك والشاعر ومنجم الفوسفات في خنيفيس بحمص السورية.

كما أن روسيا لم تكتف بذلك، بل حاولت منح فاغنر أوراق جديدة بسوريا تدر عليها عوائد مالية، حينما وجهتها منفردة في 7 فبراير/ِشباط 2018 للسيطرة على حقل كونيكو للغاز شرقي دير الزور الذي تديره واشنطن شرقي سوريا.

كما أشرفت مجموعات من فاغنر على عمليات التنقيب عن الآثار السورية وتورطت في سرقتها والمساهمة في تهريبها، بحجة ترميم المواقع الأثرية.

بالإضافة لوجودها ضمن المنطقة التي تخضع لتفاهمات تركيا وروسيا وإيران والتي تعرف بمنطقة "خفض التصعيد" بسوريا.

أوراق وملفات

لكن النقطة الأكثر حساسية في وجود فاغنر بسوريا هو توليها ملفات تجنيد مئات السوريين للقتال في الخارج مقابل رواتب بالدولار تتراوح بين 1500 دولار إلى 2500 دولار.

في أوكرانيا، يؤكد بريغوجين البالغ 62 عاما أن لديه "25 ألف" مقاتل يتبعون أوامره وقد دعا الجيش والمواطنين الروس إلى الانضمام إليه نافيا أن يكون أقدم على "انقلاب عسكري" بروسيا.

وكرر بريغوجين تصريحات سابقة بأن الجيش الروسي يتراجع على الجبهات في مواجهة الهجوم الأوكراني المضاد، متحدثا عن سقوط نحو ألف قتيل وجريح من الجنود يوميا هناك.

ردا على ذلك، باشرت الأجهزة الأمنية الروسية النافذة جدا تحقيقا في حقه بتهمة "الدعوة إلى تمرد مسلح" وهي تهمة خطرة يمكن أن تدخله السجن لفترة طويلة.

كما دعا جهاز الأمن الفدرالي الروسي عناصر "فاغنر" على الأراضي الروسية لاتخاذ إجراءات لإلقاء القبض على بريغوجين وعدم الامتثال لأوامره.

وكان بريغوجين، قد أقر في مقابلة نشرها المدون المؤيد للكرملين كونستانتين دولغوف في 24 مايو/أيار 2023، بأن حوالي 10 آلاف من بين 50 ألف سجين جندتهم فاغنر من السجون الروسية، قتلوا في أوكرانيا على خط المواجهة في معركة باخموت الدامية.

ورفض بريغوجين التوقيع في 11 يونيو/حزيران 2023 على عقود مع وزارة الدفاع الروسية.

إذ صدر أمر من الدفاع الروسية ينص على أنه يجب على جميع أعضاء ما تسمى بـ"وحدات المتطوعين" أن يوقعوا عقودا بحلول الأول من يوليو/تموز 2023 لإخضاعهم لسيطرة وزير الدفاع سيرغي شويغو، وذلك في وقت تحاول فيه موسكو إحكام سيطرتها على الجيوش الخاصة التي تحارب نيابة عنها في أوكرانيا.

في المقابل، سيحصل المقاتلون المتطوعون على جميع المزايا والضمانات التي تحصل عليها القوات النظامية، بما في ذلك تقديم الدعم لهم ولعائلاتهم إذا أُصيبوا أو قتلوا.

وأمام هذه "التمرد" لفاغنر داخل روسيا، طرحت تساؤلات عن مصير مرتزقتها في سوريا التي بقيت عقب سحبها للقتال في أوكرانيا، في حال إحكام جيش بوتين قبضته على هذا التمرد ومنع تمدده أكثر في الأراضي الروسية.

لا مفر من الاستسلام

وفي هذا السياق، يرى المحلل والخبير العسكري السوري العقيد إسماعيل أيوب أن "هناك أمرا غريبا بأن تقوم شركة عسكرية خاصة بعصيان مسلح كونها عادة ما تكون مضبوطة من قبل أجهزة المخابرات ووزارة الدفاع في الدول، بينما في روسيا يبدو أن بريغوجين لديه طموح أن يكون مكان وزير الدفاع شويغو أو رئيس الأركان، فاليري غيراسيموف".

وأضاف أيوب لـ"الاستقلال" أنه "رغم أن العقيدة القتالية الشرقية تفترض أن يكون هناك أمن حربي في السلم، وفي الحرب يكون معززا بحيث تكون التصريحات مدروسة، لذلك فإن بوتين لن يسكت على تصرف طباخه، مما يعني أن مستقبل فاغنر بات قاب قوسين أو أدنى من حلها".

واستدرك قائلا: "لأن هذا يضع هيبة روسيا على المحك كونها تسمي نفسها دولة عظمى وثاني أقوى دولة نووية في العالم، وتقوم مجموعة من فاغنر بتمريغ وجه موسكو في الأرض أمام الإعلام العالمي وحلف الناتو الذي يضع كل قوته لكسر روسيا في أوكرانيا".

وذكر أيوب أن "حل مرتزقة فاغنر سواء في روسيا أو سوريا هو أولوية من قبل القيادة الروسية، وهذا كله مرتبط بوجود وتمركز فاغنر على جبهات أوكرانيا أو في دول إفريقية، فضلا عن أن ما شهدته روسيا تؤكد أن بوتين لن يتسامح مع بريغوجين وسيدفع الأخير ثمن تمرده وعصيان خاصة بعدما استولى على قطع عسكرية في مدينة روستوف".

ورأى أيوب أن "مواقع فاغنر في سوريا قامت روسيا بتجميعها عقب حرب أوكرانيا، وقد أبلغت موسكو الولايات المتحدة بمواقع تجميع القوات الروسية؛ لمنع وقوع أي احتكاك عسكري".

وأردف قائلا إن "قوات فاغنر في الوقت الحالي ليست بأعداد كبيرة في سوريا، وهي مختصة بحماية آبار النفط والغاز هناك، وهم باتوا الآن في وضع لا يحسدون عليه، خاصة إذا أمرت القيادة الروسية بالقضاء عليهم أو القبض عليهم، وبالتالي فإن خيارهم الوحيد هو الاستسلام لأوامر الدفاع الروسية وما تقرره حول مصيرهم".

من جانبه، يشير الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد، إلى أن "الوضع متلازم بين التمرد في روسيا ووجود فاغنر في سوريا، وقد جرت في 23 يونيو 2023 اشتباكات داخل قاعدة حميميم بين فاغنر والقوات الروسية، وهذا دليل على ترابط هذه المرتزقة بقيادة واحدة".

وأضاف الأسعد لـ"الاستقلال": "لكن قوات فاغنر في سوريا لم يبق منها إلا القلة القليلة عقب حرب أوكرانيا، وبالتالي فإن طريق عودة هذه الأعداد هو شائك، لأن ذلك يجري عن طريق طائرات الشحن الروسية، وهذا مرتبط بقرار موسكو وبتطورات الوضع بروسيا لاحقا".

ونوه الخبير العسكري إلى أن "مصير عناصر فاغنر في سوريا سيكون تخييرهم بين التوقيع على عقود مع وزارة الدفاع كما طلب من كل وحدات المتطوعين للقتال في أوكرانيا أو التمرد وهو خيار ضعيف جدا نظرا لقلة الأعداد وتبعيتهم لقاعدة حميميم".

وختم بالقول: "أعتقد أن تلجأ روسيا إلى الطلب من إيران ملء الفراغ العسكري في بعض المواقع حال قررت حلها أو سحبها، وقد تقلص روسيا حتى قواتها بشكل كامل في سوريا خاصة في حال تدحرج كرة الثلج لفاغنر في روسيا وكتب لها التقدم على الأرض الروسية ولم يجر السيطرة عليها وكبح توسع نفوذها".

ورأت وزارة الدفاع البريطانية في تقييم استخباري بتاريخ 24 يونيو/حزيران 2023، أن تمرد فاغنر يعد "أهم تحد للدولة الروسية في الزمن الحديث"، مضيفة أن "ولاء القوات الأمنية الروسية وخصوصا الحرس الوطني سيكون محوريا في مسار الأزمة".

بينما استبعد "معهد دراسة الحرب" في واشنطن نجاح التمرد المسلح، لكنه رأى أن "هجوما مسلحا من فاغنر على القيادة العسكرية في مدينة روستوف-نا-دونو ستكون له تداعيات مهمة على الجهد الحربي الروسي في أوكرانيا".