ممر "الشمال الجنوب".. هل يهدد قناة "السويس" ويعرقل تقارب القاهرة وطهران؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في محاولة للتخفيف من العقوبات الغربية، وقعت روسيا وإيران في 17 مايو/ أيار 2023، اتفاقا يقضي بإنشاء خط سكة حديد على طول ساحل بحر قزوين، يربط البلدين بريا، ويسهل التجارة بينهما.

هذا الخط، يرى مراقبون أنه سيكون المنافس الرئيس لقناة "السويس" المصرية، كونه معبرا لنقل السلع من شرق آسيا إلى شمال وغرب أوروبا، عبر إيران وروسيا.

كما أنه سيجعل فكرة القطار السريع المصري، المخصص لنقل الركاب والبضائع بين مدن البحر الأحمر والبحر المتوسط، والذي سيكلف 11 مليار دولار، "بلا جدوى".

وروَّجت صحف مصرية عام 2022، للقطار السريع بصفته "قناة سويس ثانية" و"رابطا بين آسيا وأوروبا" عبر إفريقيا.

فيما تقول روسيا إن الخط الجديد يمكن أن ينافس قناة "السويس" بصفتها طريقا تجاريا عالميا رئيسا، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية في 17 مايو 2023.

قصة الخط

ويتكون ممر "الشمال الجنوب" من شبكة خطوط بحرية وبرية وسكك حديدية يبلغ طولها 7200 كيلومتر، ويبدأ من بومباي في الهند ليربط المحيط الهندي ومنطقة الخليج مع بحر قزوين مرورا بإيران.

ثم يتوجه إلى مدينة سان بطرسبرغ الروسية، ومنها إلى شمال أوروبا، وصولا إلى العاصمة الفنلندية، مما يختصر المسافة مقارنة مع قناة السويس بمقدار أكثر من الضعف، مقلصا مدة الشحن وتكلفتها.

والغرض من هذه الشبكة هو زيادة التجارة بين روسيا وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان وإيران والهند عبر طرق سكة حديد وأخرى برية وثالثة بحرية.

وتهدف الاتفاقية التي جرى توقيعها في 17 مايو 2023، والبالغة قيمتها 1.6 مليار دولار إلى بناء خط سكة حديد بطول 162 كيلومترا (100 ميل) بين مدينة "رشت" الإيرانية على بحر قزوين ومدينة "أستارا" الإيرانية على الحدود مع أذربيجان.

لكن تاريخ هذا المشروع لخط سكة حديد يربط بين إيران وروسيا وصولا لأوروبا، يعود التفكير فيه إلى عام 2000، لكنه تعطل بسبب العقوبات الغربية على إيران.

ففي عام 2000 اتفقت كل من إيران وروسيا والهند على إنشاء "ممر إيران" أو ما اصطلح على تسميته "ممر الشمال – الجنوب".

ويصل هذا الممر بين بلدان جنوب آسيا والخليج العربي ودول المحيط الهندي، وشمال أوروبا من الجهة الثانية.

ثم انضم إليه لاحقا عدد من دول آسيا الوسطى والقوقاز والخليج، بهدف توسيع حجم التجارة بين الدول والأقاليم الواقعة على مساراته المختلفة مـن خلال تخفيض تكاليف التجارة وزمن النقل.

وتردد حينئذ أنه قد يشكل منافسة قوية لقناة السويس، لأن الممر الجديد يوفر الوقت والمال.

وفي 6 يوليو/تموز 2020، أعلن مسؤول إيراني عن استكمال مسار شحن ونقل البضائع من الهند إلى ميناء جابهار، في جنوب شرق إيران، الذي يطل على المحيط الهندي، ضمن هذا الخط.

ويجرى شحن البضائع بريا إلى ميناء بندر على ساحل بحر قزوين، ومرة أخرى عن طريق البحر إلى روسيا، ومنها إلى شمال هذا البلد أو أوروبا بالسكك الحديدية، مما يختصر فترة الشحن لنحو النصف.

وفي مارس/آذار 2022، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أثناء زيارته إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، عن البدء عمليا في مد السكة الحديدية لتسيير حركة قطارات منتظمة ضمن خط رشت – أستارا ومشروع ممر الشمال- الجنوب. 

وقبلها، في يناير/كانون الثاني 2022، التقى وزير النقل والتنمية الحضرية الإيراني مهرداد بازرباش، مع مبعوث الرئيس الروسي إيغور ليفيتين، لمراجعة التقدم في السكك الحديدية بين البلدين وتسريع تطوير ممر العبور الدولي بين الشمال والجنوب.

تهديد السويس

يشكل الخط الجديد الذي دشنه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي عبر "فيديو كونفرنس"، يدخل في إطار مشروع "ممر شمال- جنوب" اللوجستي بين روسيا وإيران، معبرا أساسيا للسلع من شرق آسيا إلى شمال وغرب أوروبا، بعيدا عن العقوبات الغربية.

كما يمثل مفرا اقتصاديا للبلدين الواقعين تحت عقوبات غربية قاسية، وحلول للالتفاف على العقوبات والقيود الاقتصادية الغربية، والتي لم تمس بعد قطاع الشحن بواسطة السكك الحديدية والقطارات، ويراه الخبراء موفرا للوقت والمال.

وهو ما يجعلها المنافس الرئيس لقناة "السويس"، إذ يختصر الوقت ويخفض تكلفة النقل، وفق صحف إيرانية وروسية.

وأوضح تقرير صحفي إيراني نشر عام 2021 أن الدراسات الأولية أظهرت أن الخط سـيسـهم فـي تخفيـض تكلفـة التجارة بيـن الدول الواقعـة علـى هـذه المسـارات بنسـبة 35 بالمئة تقريبـا، وتخفيـض مـدة النقـل بنحـو 45 بالمئة مقارنة بالمسارات التقليدية.

ومنذ بناء الفرنسي، فرديناند ديليسبس، لقناة السويس، ودول مختلفة في الشرق الأوسط تحاول منافستها، لكن الخط الإيراني الروسي هو "أخطر مشروع" يمكن أن يؤثر على القناة، بحسب مجلة "إيكونوميست" البريطانية في 4 مايو 2023.

وقالت المجلة إن دافع إيران وروسيا من بناء الخط هو "الخوف المشترك من العزلة من قبل القوى الغربية وأن يكون هذا الخط غير خاضع للعقوبات".

وأشار موقع "المونيتور" الأميركي في 17 مايو 2023 إلى أن هذا الخط يمكن أن ينافس ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب قناة السويس، في حالة "إذا بدأت المزيد من الدول استخدامه".

وأوضح أنه لو حدث هذا مستقبلا "فستكون هذه معركة شاقة بين الخط والقناة، إذ يمر من قناة السويس حاليا حوالي 12 بالمئة من التجارة العالمية".

وحين بدأت فكرة الخط، ظلت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية تؤكد مرارا وتكرارا أن هذا الممر "بديل لقناة السويس".

وذكرت قناة "برس تي في" الإيرانية، أن هذا المشروع المخصص للنقل بطول 7200 كيلومتر، سيكون بديلا أرخص وأقصر من قناة السويس، بحسب موقع "روسيا اليوم" مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

وحسب تقرير القناة الإيرانية، من المفترض أن يقلل هذا الممر المخصص للنقل الدولي، من وقت وتكلفة نقل البضائع بنسبة 30-40 بالمئة، وبالمقارنة مع قناة السويس.

لكن مع بدء الحديث عن تدشين الخط عام 2020، نقلت صحيفة "المال" المصرية في 29 يوليو/تموز 2020 تعليقا من المتحدث باسم هيئة قناة السويس، جورج صفوت، أكد فيه أن "قدرات الممر الإيراني محدودة".

وذكر أن ممر إيران البحري يحتاج 320 قطار بضائع لنقل سفينة واحدة تعبر من قناة السويس، مقللا من تأثيره، "لأن معظم ما ينقله تجارة بينية بين دول آسيا، وقناة السويس لا تستهدف تلك التجارة"، وفق قوله.

وأكد صفوت أن حمولة سفينة حاويات واحدة تعبر قناة السويس تحتاج إلى 23 ألف عربة قطار بضائع في المسار الثاني للممر الإيراني، بمعدل 230 قطارا، واصفا ذلك بأنه "غير منطقي تماما".

كما أن نقل الحاويات من الهند وحتى ألمانيا أو روسيا، عبر هذا الخط، يستغرق 16 يوما، دون احتساب مدد التفريغ والشحن بين المسارات المختلفة بالممر، مما يستغرق وقتا أطول.

وأشار إلى أنه، بالمقابل، يستغرق نقل الحاويات من الهند وحتى أوروبا عبر قناة السويس 19 يوما، كما أن تكلفة الممر الإيراني في نقل الحاويات ترتفع إلى ما يقرب من 450 بالمئة عن تكاليف عبور قناة السويس.

ولفت إلى أن الممر الإيراني ينقل التجارة البينية بين دول آسيا خاصة الحبيسة منها، وأن قناة السويس لا تستهدف تلك التجارة.

وقلل محللون اقتصاديون مصريون من تأثير الخط الإيراني الروسي المزمع إنشاؤه كجزء من ممر دولي، على حركة التجارة التي تعبر من قناة السويس، مشيرين إلى أنها لن تكون في أي حال من الأحوال "بديلا عن قناة السويس".

وتشير دراسة لـ"الاستقلال" مطلع أبريل/نيسان 2022 أن الحديث عن حلول المشروع الإيراني الروسي محل قناة السويس "مبالغة ودعاية إعلامية، لأن الإيرانيين يدركون أن المشروع سيكون بديلا جزئيا حال اكتماله".

ورأت الدراسة أن "أقصى ما يمكن أن يحققه هو تحويل جزء من التجارة الآسيوية التي تعبر القناة المصرية إلى تشابهار".

لكنها أوضحت أن المصريين يدركون أن الممر المذكور وأمثاله من الممرات البديلة، سيختصم من حصة قناة السويس، وأن القناة لم تكن الممر التجاري الوحيد ولن تكون، خاصة أن الدول تبحث عن بدائل آمنة توفر لها الوقت والمال"، خاصة بعد حادث السفينة "إيفر غيفن"، التي كلفت الاقتصاد العالمي خسائر بالمليارات.

وتشكل عائدات قناة السويس التي بلغت 8 مليارات دولار عام 2022، مصدرا رئيسا للنقد الأجنبي في مصر التي تعاني من شح في العملة الأجنبية.

تأثير على التطبيع

ويرى محللون أن الممر الإيراني الروسي الجديد يمكن أن يكون إحدى عقبات التقارب المصري الإيراني الجاري حاليا، والذي تشرف عليه وساطة عراقية.

وتجري مصر وإيران محادثات بشأن تطبيع العلاقات منذ مارس 2023، حسبما قال مسؤولون من الجانبين لصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية في 8 مايو 2023.

فيما قال مسؤولون مصريون للصحيفة الإماراتية إن الاجتماع الأخير عقد في مطلع مايو 2023.

وأكد الجانب الإيراني الشيء ذاته في مارس 2023، فبعد أيام قليلة من توقيع اتفاق تاريخي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر کنعاني، إن بلاده ترغب في تحسين العلاقات مع مصر. 

وأوضح دبلوماسي عراقي لصحيفة "ذا ناشيونال" أن "العراق يتوسط المفاوضات وأن جولتين من المحادثات أجريتا في بغداد خلال مارس وأبريل 2023".

وأضاف أن كلا الجانبين على استعداد للمضي قدما، ولكن "لا يوجد تقدم ملموس حتى الآن"، وهو نفس ما نقلته ونقلت صحيفة "طهران تايمز" في 5 مايو 2023.

وأكدت صحيفة "روزكار" الإيرانية دور العراق في لعب دور مهم في الوساطة بين القاهرة وطهران، بعد أن لعب الدور نفسه بين الرياض وطهران، ونجح في استضافة عدة جولات بين الطرفين.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"الاستقلال" إن "القاهرة كانت متحفظة بشأن تحسين العلاقات مع إيران لأسباب تتعلق بتوتر العلاقات السعودية الإيرانية".

واستدركت: "لكن مع تحسن علاقات الرياض وطهران لم تعد القاهرة تتحفظ خاصة أنها تسعى لجلب السياح الإيرانيين الشيعة ضمن خطتها لزيارة حصيلة السياحة المالية وهي تبحث عن أي مصدر مالي لسداد ديونها، فضلا عن مشاريع الطاقة المحتملة مع إيران".

لكن المصادر قالت إن القاهرة متوجسة من مشروع الممر الايراني التجاري خشية أن يؤثر على دخل قناة السويس، وهناك ما يشبه "خلية أزمة" تُعقد في إدارة القناة بالتعاون مع جهات سيادية، حين تظهر أن مشاريع منافسة للقناة.