تطورات جديدة في الملف النووي الإيراني.. هل تقود إلى حرب؟

بعد أشهر من المفاوضات بين إيران والدول الغربية من أجل إحياء الاتفاق النووي، شهد هذا الملف تطورات جديدة في الفترة الأخيرة، كان أبرزها التقرير السري للوكالة الدولية للطاقة النووية.
وكشف التقرير الذي أصدرته الوكالة في 28 فبراير/شباط 2023 العثور على جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7 بالمئة في موقع فوردو جنوب العاصمة طهران.
وذكر أن المفتشين اكتشفوا في 21 يناير/كانون الثاني أن مجموعتين من أجهزة الطرد المركزي من طراز IR-6 في منشأة فوردو الإيرانية جرى تكوينهما بطريقة "تختلف اختلافًا جوهريًا" عما أعلن عنه سابقًا.
ظلال التوتر
وأضاف التقرير أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخذت عينات في اليوم التالي وأظهرت نقاوة في جزيئات اليورانيوم تصل نسبتها إلى 83.7 بالمئة.
وقد أدى الكشف عن محتويات هذا التقرير إلى ردود فعل عديدة، أبرزها ما صدر عن المسؤولين في الولايات المتحدة الذين حذروا من أن إيران على أعتاب تصنيع السلاح النووي.
ونشرت صحيفة "آرمان امروز" الفارسية الإصلاحية تقريرا تحت عنوان "السيناريو الثاني في القضية النووية"، تحدثت فيه عن رد الفعل الغربي المحتمل على ما بعد فشل الاتفاق بين إيران والغرب حول البرنامج النووي الإيراني.
ويرى التقرير أن النتائج التي ستترتب على لقاءات مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية، رافائيل غروسي، مع المسؤولين الإيرانيين في طهران، ومباحثاته معهم حول المخالفات الإيرانية، يمكن أن تكون ذريعة لشرعنة الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
وفي 4 مارس، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي، إننا نريد إجراء حوار جاد ومنهجي مع إيران في الملف النووي.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع محمد إسلامي مدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في اليوم الثاني من زيارته للعاصمة طهران.
وشدد على أهمية استمرار العمل المشترك مع طهران، بما في ذلك بحث القضايا التي يجب إضفاء الشفافية عليها واتفاق الضمانات الخاص ببرنامج إيران النووي، حسب وكالة "إرنا" الرسمية.
وبدورها، نقلت الصحيفة عن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز، ما صرح به في تقرير لشبكة CBC الإخبارية، من أن إيران واصلت التقدم في تخصيب اليورانيوم، ووصلت إلى نسبة 84 بالمئة، وأن هذه التصرفات الإيرانية تزيد من حدة المخاوف الدولية.
وكانت وكالة بلومبيرغ الأميركية قد نقلت عن مصادر دبلوماسية أن مفتشين تابعين للوكالة الدولية للطاقة النووية، قد اكتشفوا يورانيوم مخصبا بنسبة 84 بالمئة، أي أقل بقليل من نسبة 90 بالمئة اللازمة لإنتاج قنبلة نووية.
كما نقل التقرير تصريحات للسفير الأميركي لدى إسرائيل، توماس نايدس، حول الملف النووي الإيراني، أدلى بها في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الذي عقد في القدس المحتلة.
وأكد السفير في 20 فبراير 2023 أنه بإمكان إسرائيل، بل يجب عليها، أن تفعل ما يجب القيام به تجاه إيران، مضيفا أن "واشنطن تدعمها" في ذلك.
وأشار التقرير إلى أن التصريحات الأميركية صدرت بعد أن أجرت إسرائيل والولايات المتحدة مناورة مشتركة تسمى شجرة البلوط في مياه البحر الأبيض المتوسط.
أجريت هذه التدريبات بمقاتلات متطورة من طراز إف 35 وشاركت فيها حاملة طائرات جورج دبليو بوش، بحضور 6400 جندي أميركي و1500 جندي إسرائيلي.
وكانت صحيفة معاريف العبرية أفادت بأن المناورة العسكرية الضخمة بين إسرائيل والولايات المتحدة تحاكي الهجوم على أهداف إيرانية.
ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول دفاعي أميركي كبير قوله إن هذه المناورة الواسعة تظهر لخصوم مثل إيران أن واشنطن ليست مشتتة للغاية بسبب أزمة أوكرانيا والتهديدات الصينية.
ويذكر التقرير أن هناك أدلة أخرى على أن واشنطن أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لمهاجمة إيران، ويحذر من أنه إذا حدث ذلك فستكون له عواقب إستراتيجية واقتصادية سلبية واسعة النطاق.
نهاية الاتفاق النووي
يذكر التقرير أنه بعد فشل المفاوضات النووية الأخيرة بين إيران ومجموعة 5 + 1 في الوصول إلى نتيجة إيجابية، أعلن المسؤولون في جمهورية إيران الإسلامية أنهم وصلوا إلى 60 بالمئة من تخصيب اليورانيوم.
كانت هذه التصريحات هي المحاولات الأخيرة لإيران من أجل جذب انتباه الدول الغربية وإحضارها إلى طاولة المفاوضات وإحياء الاتفاقية النووية أو خطة العمل الشاملة المشتركة.
لكن على الرغم من جهود طهران، لم تظهر دول الترويكا الأوروبية (النرويج والمملكة المتحدة) إلى جانب الولايات المتحدة رغبة في استئناف المفاوضات.
وكان السبب في إزالة خطة العمل الشاملة المشتركة من أجندة الدول المذكورة هو تركيزها على حرب أوكرانيا ودعم إيران لروسيا فيها.
ويرى التقرير أن الحرب الأوكرانية وموقف إيران الداعم لروسيا من أسباب إحجام الدول الأوروبية عن التجاوب مع رغبات طهران في العودة إلى الاتفاقية النووية.
في هذا السياق، يوضح التقرير أن الغرب يرى أن الجمهورية الإسلامية أصبحت مؤيدة لروسيا في هذه الحرب بالفعل، وصارت ضد أوروبا.
وينسب إلى الغرب ما وصفه بالمزاعم حول وجود دور مهم لطائرات شاهد بدون طيار الإيرانية في سماء أوكرانيا، وأن هذا التواجد قد أشرك طهران بشكل غير مباشر في حرب أوكرانيا.
كانت هذه هي أكبر ضربة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، لكنها لم تكن العامل الوحيد.
فقد أصبحت التطورات الداخلية الإيرانية وقضايا حقوق الإنسان خلال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة (أبرزها المظاهرات بعد مقتل الشابة مهسا أميني في سبتمبر/أيلول 2022) سببا إضافيا لمنح الدول الأوروبية العذر اللازم لعدم التفاوض.
وقد جففت هذه العوامل والأسباب شجرة الاتفاقية الشاملة من جذورها، ولهذا فإن الحديث عن إحيائها يبدو غير منطقي ومستحيل، لأن طهران لم تعد لها تلك اليد القوية السابقة على طاولة المفاوضات.
كما أنه لم يعد لدى أي من الدول الأوروبية الرغبة في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وأصبح الجانبان متباعدين أكثر من ذي قبل، حتى إن الحديث عن إعادة إحياء الاتفاقية صار مزحة أكثر من كونه أمرا واقعيا، وفق الصحيفة الإيرانية.
في غضون ذلك، لفتت تصريحات رئيس وكالة المخابرات المركزية بشأن تخصيب طهران بنسبة 84 بالمئة انتباه الغرب في مواجهته للجمهورية الإسلامية التي صارت صديقة لروسيا وعدوا للمعسكر الغربي.
لذلك، فإن الحصول على قنبلة نووية يمكن أن يكون شبيها بالطائرات بدون طيار التي تستخدم في الحرب ضد أوروبا، وهو ما تردده إسرائيل بين الحين والآخر.
وأردفت الصحيفة: "وبهذا وجد الغرب العذر اللازم للرد، ذلك العذر الذي يمكن أن يساعد بسهولة في جذب الرأي العام في العالم إلى جانبه".
المتطرفون والحرب
لذلك، من المرجح - وفقا لما يراه التقرير - أن تكون زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية إلى طهران وسيلة من وسائل شرعنة هجوم إسرائيل على محطات ومنشآت الطاقة النووية الإيرانية، وذلك بعد نقل رسالة أوروبا وأميركا حول زيادة معدلات التخصيب إلى إيران.
ويزعم التقرير أن الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان إقناع الرأي العام العالمي بأن إيران قادرة على صنع قنبلة نووية، وهذا ما يجب أن يقوله رافائيل غروسي.
ولذلك، إذا لم تستطع سلطات طهران إقناع غروسي، فإنها ستواجه رد فعل جدي من الغرب، بحسب توقعات التقرير.
وحول رد الفعل الغربي، يقول إن الرد سيكون مصحوبا بأدوات قانونية وإصدار قرارات من دول أوروبية ووسائل عسكرية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن منشآت إيران النووية.
وأوضح التقرير أن "الحرب المحتملة ستكون محل ترحيب من قبل المتطرفين في تل أبيب وطهران، لأنها تصب في مصلحتهم".
فمن ناحية، يسعى المتطرفون من أتباع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التستر على الاضطرابات الداخلية الناجمة عن تصرفاته بشأن القضاء الإسرائيلي، ومسألة السيطرة العسكرية على ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الحرب المحتملة ستستخدم في إيران من أجل التغطية على الأحداث الأخيرة، ولفت الأنظار نحو الدول المعادية، و"تقوية أيديولوجية المتطرفين".
وأردف التقرير: "من البديهي أنه عندما يصل المعتدلون إلى طريق مسدود على طاولة المفاوضات بالأدوات الناعمة والوسائل الدبلوماسية، يدخل المتطرفون إلى الميدان بأدوات خشنة ويرفعون راية الحرب التي ستأخذ أبعادا واسعة النطاق".
ففي حالة نشوب حرب، ستغلق الجمهورية الإسلامية مضيق هرمز، وهو ما سيؤدي إلى رد فعل أكثر جدية من جانب الولايات المتحدة، لأنها لن تكون قادرة على فتح المضيق على المدى القصير.
كما ستعاني الولايات المتحدة في هذه الحرب من تشتيت انتباهها وتحويل جزء من اهتمامها عن أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، لأن الدخول في الحرب سهل والخروج منه صعب.
أما التبعات الاقتصادية لهذه الحرب فستكون من نصيب الشعب الإيراني الذي سيعاني من زيادة فلكية في سعر الصرف، وارتفاع كبير في أسعار الغذاء والدواء، وفق تقدير التقرير.
وبشكل عام، يجب أن يقال إن الحرب تلقي الآن بظلالها على رأس الجمهورية الإسلامية في إيران أكثر من أي وقت مضى.
وأضاف: "على الرغم من أن المرجح هو أن هذه الحرب ستستهدف محطات ومنشآت الطاقة النووية الإيرانية فقط، فإن رد طهران سيجعل أبعاد الحرب أكثر شمولا".
وخلاصة القول هو أن إسرائيل تمكنت بعد سنوات من الحصول على موافقة الولايات المتحدة على الانضمام إليها في الهجوم على إيران، لأنها لم تكن قادرة على القيام بذلك منفردة.
والآن تعد إسرائيل التي تزعم أنها الضحية والهدف الرئيس للقنبلة النووية الإيرانية هذا التوافق الأميركي الإسرائيلي على مواجهة إيران فرصة جيدة لتحقيق أهدافها.
في المقابل، نوّه غروسي في مؤتمره الصحفي من طهران إلى أنه "تم إجراء محادثات مع مدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية حول التعاون الفني والعلمي بين الوكالة الدولية وإيران".وفي معرض تعليقه حول التهديدات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، قال إن "توجيه تهديدات ضد المنشآت النووية بات قضية رائجة، والسبب يعود الى الحرب في أوكرانيا".
وأكد أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية نددت في مؤتمراتها العامة بمثل هذه التهديدات. وأشار إلى أن "أي عمل عسكري ضد المنشآت النووية، يعد غير شرعي ويندرج خارج إطار عملنا".
ويختم التقرير حديثه عن الملف النووي الإيراني بالتأكيد على أن الأيام المقبلة ستكون حساسة وحاسمة بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران، لأن الغرب سيحدد واجبه تجاه هذا الملف إلى الأبد.