حفل كيفن هارت نموذجا.. هكذا يستغل السيسي القومية الفرعونية لإلهاء المصريين

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

قبل أقل من 36 ساعة من موعد إقامته، جرى الإعلان عن إلغاء حفل للكوميديان الأميركي ذي البشرة السوداء كيفن هارت في مصر، وأرجعت شركة "آر برودوكشن" المنظمة الأمر إلى "أسباب لوجيستية" غامضة، وسط تساؤلات حول وجود دوافع سياسية وراء ذلك.

وجاء إلغاء الحفل عقب حالة من الجدل والرفض على مواقع التواصل في مصر، مع اقتراب تنظيم عرض "ستاند أب كوميدي" لهارت في القاهرة، الذي كان مقررا في 21 فبراير/ شباط 2023 ضمن جولة عالمية له.

وانتشر هاشتاغ #الغاء_حفل_كيفن_هارت للمطالبة بإلغاء العرض بسبب ما أشيع من تصريحات سابقة نُسبت له عن ملوك مصر القديمة، اتهمه ناشطون بسببها بـ"العنصرية وتزوير التاريخ المصري" على خلفية تبنيه نظرية "الأفروسنتريزم".

وعلى غرار حركة "تفوق البيض" العنصرية، انتشرت منذ عشرينيات القرن العشرين حركة مضادة تسمى "الأفروسنتريك" أو "الأفروسنتريزم" أي "المركزية الإفريقية"، كنموذج فكري يعلي من شأن أصحاب البشرة السوداء.

وتزعم هذه الحركة، التي نمت جذورها تحت آثار الاضطهاد والعبودية الغربية للأفارقة في أميركا، أن أصحاب البشرة السوداء، هم منشؤو الحضارات، ومنها الفرعونية المصرية القديمة.

ومن خلال تتبع أدبياتهم وكتبهم ومواقعهم على الإنترنت، تظهر خطورة الحركة في اعتقاد أعضائها أن المصريين الأصليين انتهوا، والموجودون حاليا "محتلون" لمصر، لأنهم من عرق عربي.

وينسب للمثل الأميركي قوله: "يجب أن نعلم أطفالنا التاريخ الحقيقي للأفارقة السود عندما كانوا ملوكا في مصر، وليس فقط عصر العبودية الذي عززه التعليم في أميركا"، بحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 20 فبراير.

كما أن هارت يملك حصة من شركة بلاك ساندز (الرمال السوداء)، وهي من أشهر داعمي حركة المركزية الإفريقية.

وهذه ثاني فعالية يعلن عن إقامتها في مصر لمؤيدي تيار الأفروسنتريزم من الأجانب ويجرى إلغاؤها لاحقا، ما يثير تساؤلات حول الهدف من إقامة مثل هذه الفعاليات والسماح بها من الأصل ثم إلغاؤها.

إذ سبق لأنصار هذه الحركة التي يتركز قادتها في أميركا، أن قرروا عقد مؤتمر في مدينة أسوان جنوبي مصر خلال الفترة بين 20-28 فبراير 2022، حيث يعتقدون أنه نشأ هناك "مركزية إفريقية" قامت على أكتافها الحضارة الفرعونية.

لكن نشطاء مصريين هاجموا المؤتمر، وعدته السلطات تهديدا للأمن القومي فتم إلغاء المؤتمر قبل انعقاده بأيام أيضا.

ولم يمنع إلغاء حفل "هارت" في مصر، أبو ظبي والرياض من استضافته لإقامة ذات الاحتفال في 22 و25 فبراير  على التوالي، حسبما أعلن هو عبر حسابه على تويتر، رغم انتقاد مصريين ذلك.

وتر القومية

وفي قراءة لهذا الجدل، يرى الباحث المصري عبد الرحمن الجندي أن "الحكومة المصرية تميل إلى استغلال المشاعر القومية عندما تشعر بأنها محاصرة بالتحديات".

وأوضح في مقال بموقع "نيولاين مجازين" الإلكتروني، أن الحملة التي أثيرت حول حفل هارت ومن قبلها الحملة على مؤتمر أسوان، مقصودة لتلميع السلطة واستغلال المشاعر القومية.

وتابع: في إطار ذلك "قامت حكومة مصر بنقل 22 مومياء إلى المتحف المصري في عام 2021، على بعد ثلاثة أميال من مكانها الأصلي، في موكب تكلف ملايين الدولارات لتغذية المشاعر القومية".

وأضاف الجندي أن هذا "الشعور القومي المتصاعد" يكتسب زخما رغم السحق والقمع السياسي والانهيار الاقتصادي في مصر، حيث يقبع عشرات الآلاف خلف القضبان بسبب آرائهم السياسية.

وفي السياق، نشرت صفحات إلكترونية تتبنى توجه القومية المصرية الحديثة، وتدعم نظام عبد الفتاح السيسي أسباب رفضها لحضور كيفن هارت إلى مصر، وفي مقدمتها صفحة "وعي مصر" التي لعبت دورا في إلغاء الحفل.

ورفعت الصفحة شعارات من قبيل "غير مرحب بك في مصر"، و"تاريخ مصر خط أحمر"، منذ اللحظة الأولى لإعلان حفل هارت بإستاد القاهرة الدولي.

وكان ملفتا قول مؤسس الصفحة "زياد زين" لصحيفة "المصري اليوم"، التي تدير خطها التحريري حاليا أجهزة الأمن يوم 21 فبراير: "تلقينا دفعة تشجيع كبيرة" لتنفيذ هذه الحملة.

أيضا شارك في الحملة ضد الحفل صفحة على تويتر تُسمي "الصحوة القومية"، وشكرت الحكومة المصرية لتدخلها ومنعها الحفل "المصروف عليه مبالغ ضخمة وحملات ترويج".

وعدت إلغاء حفل كيفن هارت "انتصارا جديدا للمصريين والقومية المصرية على المركزية الإفريقية"، وأشارت لدورها أيضا في إلغاء حفل أسوان.

من جانبها، انتقدت "مونيكا حنا، الخبيرة المصرية في عالم المصريات والآثار لموقع "نيولاين مجازين" الحملة على كيفين هارت من قبل "القوميين المصريين".

وقالت: "يتبنى كل من القوميين المصريين المتطرفين والأميركيين الأفارقة خطابات تستند إلى أفكار عنصرية للون والعرق منفصلة تماما عن الحقائق العلمية والتاريخية والثقافية ومعاركهم تشبه تلك التي يخوضها مشجعو كرة القدم المتعصبون".

وأضافت حنا "فكرة الخطاب الإفريقي الذي يرى أن الأفارقة هم مركز الحضارة في مصر والغرب، جاء كرد فعل جذري على الخطاب الأوروبي العنصري ضد السود الأفارقة، بهدف استعادة التراث الذي سرقه الاستعمار الغربي". 

واستدركت قائلة: لكن "في مصر الفرعونية القديمة، لم يكن هناك تمييز على أساس العرق واللون".

تحت الطاولة

وكان ملفتا أن بعض من تزعموا الحملة المضادة للحفل ينتمون للجان إلكترونية حكومية، ما فسره خبير تسويق لـ"الاستقلال" على أنه "منافسة بين شركات الدعاية التابعة لشركة المخابرات (المتحدة) والشركة المصرية الخاصة التي تولت حفل هارت".

وتمتلك شركة المتحدة 7 شركات للدعاية وتنظيم الحفلات، وتحتكر أغلب هذه الفعاليات التي تقام في مصر. كما تمتلك 14 قناة فضائية مصرية و10 منصات إخبارية رقمية، و40 شركة متنوعة.

خبير التسويق لفت إلى أن بعض من هاجموا الشركة الخاصة، استغلوا ثغرة أن الكوميدي الأميركي يدعم ضمنا فكرة أن فراعنة مصر "أفارقة سود" ومزاعم أن المصريين الحاليين محتلون، للضرب على وتر قومي هو أن "مصر خط أحمر".

وبحسب دراسة منشورة في المكتبة المفتوحة "Jstor"، فإن الهدف الأساسي لتيار الأفروسنتريك "التركيز على دراسة التاريخ من وجهة نظر إفريقية، والتحول إلى تيار فكري وثقافي ممثل في المدارس والجامعات والأكاديميات الأميركية".

لكن هذه النظرة خرجت عن مسارها وتبنت أفكارا مغالطة للتاريخ مثل الزعم بأن السود قدموا إلى أميركا قبل المكتشف كريستوفر كولومبوس.

ويقول أستاذ الآثار بجامعة القاهرة جورج نعيم، لموقع "الحرة" الأميركي في 20 فبراير، إن "ما قاله كيفين هارت ليس كلاما عاديا من ممثل كوميدي، بل أمر خطير يمس الهوية المصرية والأمن القومي، لأنه متعلق بسرقة التاريخ"

ويضيف: "تبنى بعض الأفارقة خلال العقود الماضية فكرة تقوم على أن ملوك مصر القديمة أصلهم أفارقة، مستشهدين ببعض التماثيل الملونة باللون الأسود، وهذه نظرية خاطئة، لأنه كان يتم دهان بعض التماثيل باللون الأسود كدلالة رمزية لـ (الإله أوزوريس) إله العالم الآخر عند المصريين القدماء، وليس للون صاحب التمثال".

ويتابع: "يروج المنحدرون من أصل إفريقي أيضا إلى ترجمة خاطئة عن مصر القديمة، وهي أن كلمة كيميت Kemet (اسم مصر كما دعاها أبناؤها)، تعني (أرض السود)، وفسروها بأنها صيغت على أساس لون بشرة السكان. 

لكن علماء المصريات دحضوا هذه الترجمة، وفق نعيم، وقالوا إن الترجمة الصحيحة المتفق عليها بين علماء المصريات واللغة المصرية القديمة هي (الأرض السوداء)، التي تشير إلى لون التربة السوداء التي ترسبت بسبب الفيضانات السنوية للنيل وليس لون جلد سكان مصر القدماء.

وأشار إلى أنه "رغم توغل الحضارة المصرية القديمة داخل إفريقيا وقيامهم بجلب المئات منهم إلى مصر، إلا أن دورهم توقف عند حدود حراسة المعابد والقصور، ولم يكن للأفارقة) أي دور آخر سواء في الحكم أم بنيان الحكومة".