لإنهاء الحرب مع إسرائيل.. ماذا يعني الرد الإيراني على طريقة قاسم سليماني؟

أعاد الرد الإيراني بضرب قاعدة أميركية في الخليج في 23 يونيو/حزيران 2025. إلى الأذهان مشهد الرد على اغتيال قاسم سليماني، مما يعيد ضبط الأوراق بعد خلطها.
وفي 3 يناير/كانون الثاني 2020 أمر الرئيس دونالد ترامب، قبل نهاية ولايته الأولى بأيام، باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني.
في المقابل، أخلت واشنطن قاعدة "عين الأسد" العسكرية بالعراق، حتى تضربها إيران، وقالت صحف غربية: إن "هذا لحفظ ماء وجه إيران".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وخلال حملته الانتخابية، زعم ترامب وجود تنسيق مسبق بين واشنطن وطهران للرد قائلا: "بعد أن ضربناهم أبلغونا أنهم سيطلقون صواريخ باتجاه قاعدة عين الأسد العسكرية لحفظ ماء الوجه".
لكن المستشار السياسي للمرشد الإيراني خامنئي، علي شمخاني، نفى تصريحات ترامب، لكنه أكد إبلاغ إيران للعراق بالضربة، ما يعني علم واشنطن بها.
لذا جاء الرد الإيراني بضرب قواعد أميركية في الخليج (العيديد في قطر) أشبه بتكرار سيناريو سليماني، لضرب القوات الأميركية وأيضا المجموعة الجوية الاستطلاعية رقم 83 التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، الموجودة في القاعدة أيضا.
وتأتي هذه التطورات تزامنا مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 23 يونيو، التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران يدخل حيز التنفيذ في غضون الساعات المقبلة.
دلائل التنسيق
هناك العديد من المؤشرات على أن الهجوم الإيراني على قاعدة أميركية واحدة هي "العديد"، سبقه تنسيق إيراني أميركي غير مباشر، عبر إبلاغ الدوحة بالهجوم ومن ثم واشنطن.
من هذه المؤشرات، أولا، إعلان قطر تحديدا غلق مجالها الجوي، ضمن مجموعة من الإجراءات الاحترازية، وتأكيدها أن ذلك "مؤقتا"، لحين انتهاء الضربة الإيرانية التي تمَّت بـ6 صواريخ تم صدّها كلها.
ثانيا، كشف صحف أميركية أن الجيش نقل المقاتلات والجنود من قاعدة العديد مبكرا قبل ضربها منذ 18 يونيو/حزيران 2025.
وأظهرت صور للأقمار الصناعية سحب عشرات الطائرات العسكرية الأميركية من مدرج قاعدة "العديد" في قطر إحدى أكبر القواعد الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
وبين 5 و19 يونيو 2025، فرغت قاعدة العديد الأميركية في قطر بصورة شبه كاملة من الطائرات العسكرية الظاهرة، وفق ما بينت صور بالأقمار الاصطناعية عائدة لـ"بلانيت لابز بي بي سي" حللتها وكالة الأنباء الفرنسية.
وكانت هناك نحو 40 طائرة عسكرية متوقفة على مدرج القاعدة في 5 يونيو، وحاملات معدات كبيرة وناقلات جنود وطائرات استطلاع وطائرات عمليات خاصة من طراز "سي-130 هيرقليس".
ولكن في صورة ملتقطة في 19 يونيو لم يتبق سوى 3 طائرات نقل مرئية.
ثالثا، الضربة الإيرانية على القاعدة في قطر، سبقها عقد ترامب اجتماعا لمجلس الأمن القومي برئاسته، للاستعداد لتلقي الضربة وصدها.
واستهدفت إيران قاعدة العُديد في قطر بـ10 صواريخ قصيرة المدى، أُسقط 9 منها، ما يشير إلى أنها ليست من النوع المتطور الذي تمّ إطلاقه على إسرائيل (خيبر وخرمشهر وسجيل العنقودية).
ونقل موقع "أكسيوس" عن مصادر أميركية أن ترامب استدعى المجلس استعدادا للهجوم الإيراني على القواعد الأميركية، وأكدت قناة "فوكس نيوز"، 23 يونيو 2025، قدوم الضربة الإيرانية والاستعداد لها، كأن الأمر متفق عليه.
رابعا، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” في 23 يونيو، عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين تأكيدهم أن "إيران نسّقت الهجمات على القاعدة الجوية الأميركية في قطر مع المسؤولين القطريين، وقدمت إشعارا مسبقا بوقوع الهجمات لتقليل الخسائر البشرية".
وقالوا: إن "إيران كانت بحاجة رمزية للرد على الولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه سعت لتنفيذ الهجوم بطريقة تتيح لجميع الأطراف مخرجا".
ووصفوا هذه الإستراتيجية بأنها مشابهة لما حدث عام 2020، عندما أبلغت إيران العراق مسبقا قبل إطلاق صواريخ باليستية على قاعدة أميركية في العراق ردا على اغتيال أبرز جنرالاتها، سليماني.
ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي في 23 يونيو، عن مصدر مطلع، أن "إيران نسّقت هجومها على قاعدة العديد الجوية مع قطر، وكانت إدارة ترامب على علم مسبق بالتهديد".
وقال مصدر ثان للموقع: إن "الولايات المتحدة تلقت "تحذيرا مسبقا جيدا" من الهجوم الإيراني.
وأكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 22 يونيو، أن إيران تنقل قاذفات صواريخ إلى مواقع استعدادا لهجوم محتمل على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، ردا على الضربة الأميركية ضد ثلاثة مواقع نووية إيرانية، وفقا لمسؤولين أميركيين.
أيضا نقلت شبكة "سي إن إن" في 23 يونيو 2025، عن مسؤول في البيت الأبيض تأكيده أن إدارة ترامب كانت تتوقع أن تقوم طهران بالرد بعد ضرب مواقعها النووية.
المسؤول الأميركي قال: "كنا نعلم أنهم سيردون، لقد فعلوا شيئا مشابها بعد مقتل سليماني"، و"الصواريخ التي أطلقتها إيران لم تصب أهدافها المقصودة".
وأكَّد أن "الرئيس لا يرغب في مزيد من الانخراط العسكري في المنطقة"، ما يشير إلى أن "الضربة والرد تمّوا وسيتم الانتقال لمرحلة ترتيب وقف الحرب بين إسرائيل وإيران.
وأشار المسؤول إلى أنّ الرئيس ترامب مستعد لتصعيد التدخل العسكري الأميركي "إذا لزم الأمر"، لكن سيتحدث ترامب مع مسؤولين أمنيين، و"من المحتمل أن يتغير موقفه وفقًا للتطورات". ما يشير للاكتفاء بذلك.
لكن قطر أدانت الهجوم الإيراني بصفته يقع على أراضيها، وأكدت حقها في الرد، المحتمل ألا يتم، لوجود تفاهمات سابقة.
وحرص المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في بيان أصدره على تأكيد أن عدد الصواريخ التي أطلقت على قطر كان مساويا لعدد القنابل التي استخدمتها الولايات المتحدة في ضرباتها"، مما يشير إلى الرغبة في خفض التصعيد.
وجاء في البيان أن “القاعدة التي استهدفتها قوات إيرانية قوية كانت بعيدة عن المرافق الحضرية والمناطق السكنية في قطر، ولم يشكل هذا الإجراء أي تهديد لبلدنا الصديق والشقيق قطر وشعبها الكريم”.
دلالات الرد
رغم مؤشرات تنسيق الرد الإيراني مع أميركا (عبر قطر)، إلا أنه يمثّل جرأة وإصرارا من طهران على إثبات قوتها وثباتها في المواجهة ضد أميركا وإسرائيل والحلفاء الأوروبيين المتورطين في الحرب معها بشكل غير مباشر.
توسيع دائرة الرد لتضرب -ولأول مرة- قواعد أميركية في الشرق الأوسط، بجانب أنه جرأة تريد من خلالها طهران كبح جماح التدخل الأميركي، وعدم تمريره مجانا، وإلا بدت مهزومة وضعيفة، يؤشر لإثبات قوتها وعدم انكسارها رغم الضربات المتلاحقة، ورسالة للبحث عن صفقة لوقف الحرب من موقع قوة.
لكن قِصَر الردّ على قاعدة واحدة، هي تلك الموجودة في قطر، رغم أن واشنطن لها 19 قاعدة عسكرية في المنطقة، بينها قواعد رئيسة في البحرين، وقطر، والعراق، والأردن، والإمارات، وسوريا، والسعودية ، وتضم آلاف الجنود، يشير إلى تكرار سيناريو سليماني واختيار طهران الرد المحدود المحسوب.
اختيار ضرب قاعدة “العديد” الأميركية في قطر وحدها، وعدم ضرب القواعد الموجودة في السعودية أو البحرين أو الإمارات، يشير لسهولة التنسيق بين إيران وقطر (علاقتهما جيدة) عكس الوضع مع الرياض أو أبو ظبي أو المنامة، وربما رفضت هذه العواصم الخليجية الأخرى هذا التنسيق لضرب قواعد بها.
وقال محللون لشبكة "إي بي سي نيوز" الأميركية في 23 يونيو، أن سبب استهداف واختيار إيران قاعدة العديد تحديدا "لم يكن صدفة"، فهي تضم أكثر من 10 آلاف جندي، وبها مقر القيادة المركزية (سنتكوم)، أي أنها هي "العقل العملياتي" للقوات الأميركية في الشرق الأوسط.
ومن وجهة نظر طهران، اختيار "العقل" وليس "الأطراف"، كان خطوة رمزية عالية الدلالة، تقول من خلالها إيران لأميركا: "أنتم تحاصروننا بالقواعد، ونحن نرد على مركز القيادة"، وفق "إي بي نيوز".
لكن الرد الإيراني جاء أيضا "بضبط عال للتكتيك" وفق الشبكة الأميركية، حيث تم إطلاق الصواريخ نحو منطقة غير سكنية، وتم إعلام الحلفاء الضمنيين بإحداثيات تقريبية، بحسب مصادر استخبارية غربية، ما يعني أن "الهدف كان سياسيا ولا خسائر، ورسالة لأميركا".
ومع هذا تضع الضربة الإيرانية الرئيس ترامب في موقف حرج للغاية؛ لأن الهجوم الإيراني على أكبر قاعدة عسكرية أميركية في قطر يثير تساؤلات حول رد فعل الرئيس ترامب وصورته العامة وفق "إي بي سي نيوز".
وأكد هذا الحرس الثوري في بيانه عن العملية حيث أكد أن "هذه القاعدة (العديد) تُعد مقر القيادة المركزية للقوات الجوية، وأكبر الأصول الإستراتيجية للجيش الأميركي في منطقة غرب آسيا".
ويبدو من مؤشرات الضربة، وحرص إيران على عدم توسيعها لقواعد أخرى، وإعلام مسؤولي إدارة ترامب أن "الرئيس لا يرغب في مزيد من الانخراط العسكري في المنطقة"، وفق "سي إن إن"، أن الطرفين يميلان للتهدئة.
لكن السؤال هو: هل يتبع هذه التهدئة والتوافق ضمني بين أميركا وإيران على تمرير وانتهاء الضربات عند هذا الحد، توقف للحرب بين إيران وإسرائيل أيضا؟ أم ترد أميركا مجددا وتضرب إيران؟
وهل توقف طهران ضرب إسرائيل أم تستمر في الضرب ما يعني استمرار التوتر والتدخل الأميركي لإنقاذ إسرائيل من الدمار المستمر، وربما توسيع الضربات بحيث تنال قواعد أميركا أخرى في الخليج؟
وهل يتسع الضرب لقواعد في العراق والكويت والإمارات والسعودية بعدما أعلنت إيران بدء "عملية بشائر الفتح" ضد القواعد الأميركية في المنطقة؟ ويعني وصول إيران بالصراع لأعلى تصعيد ممكن؟
ويرى المحلل السوري أحمد رمضان أن الضربة الإيرانية "المنضبطة" بقواعد الاشتباك، محاولة لرد الاعتبار بعد هجوم ترامب، لكنها ستتيح لإيران العودة إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن.
علاقات الخليج
رغم حرص إيران على تنسيق الضربة، وقصرها على أقرب الدول تحسنا في العلاقات معها (قطر) وعدم استهداف السعودية أو الإمارات أو البحرين، حتى لا تتوتر علاقتها مع دول الخليج، يرى محللون أن هذه الضربة الأولى من نوعها ستنقص من رصيد إيران خليجيا.
السياسي والمحامي الكويتي ناصر الدويلة قال: إن طهران "لم تتصرف بعقلية إستراتيجية" حين ضربت قاعدة في قطر، ولو أنها ركزت على ضرب إسرائيل لخضعت أميركا وإسرائيل معا.
وقال: إن إيران لن تستفيد من قصف مبانٍ فارغة في القواعد الأميركية في الخليج التي أخلاها الأميركان.
ووصفت السعودية الهجوم بـ"الانتهاك الفاضح للسيادة"، وأعلنت تضامنا كاملا مع قطر والولايات المتحدة، وقال مجلس التعاون الخليجي: إن "الهجوم الصاروخي الإيراني على قطر انتهاك صارخ لسيادتها"
وحاول مستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، عبد الخالق عبد الله، التحريض ضد إيران، واصفا "الاعتداء الإيراني السافر والغاشم على قطر وانتهاك سيادتها بأنه بمثابة اعتداء غاشم وسافر على كل دول الخليج العربي.
ودعا عبد الله العواصم الخليجية والعربية الى "قطع علاقاتها الدبلوماسية فورا مع المعتدي الإيراني الذي ارتكب جريمة لا تغتفر". وفق قوله.
لكن محللا سياسيا مصريا، أوضح لـ"الاستقلال" أن الضربة الإيرانية المحدودة على قاعدة العديد في قطر، لن تؤثر على العلاقات بين طهران ودول الخليج خاصة قطر والسعودية والبحرين.
وأشار، مفضلا عدم ذكر اسمه أن قطر تتفهم أسباب الضربة ونسقت مع إيران، وطهران حرصت في بيانها علي وصف قطر بالشقيقة وأنها استهدفت هدفا أميركيا لا قطريا، كما أن البحرين قالت: إن سبب ما جرى هو إسرائيل التي اعتدت على إيران.
وأكّد أن دول الخليج، خاصة قطر، ربما فضلت هذا الحل وهو ضربة على طريقة "قاسم سليماني" تنهي الحرب بدلا من التصعيد غير المحسوب الذي قد يضر كل دول الخليج، كما أن قيام إيران بهذه الضربة المحسوبة سينهي أي حجج لغلق مضيق هرمز ما كان سيضر صادرات نفط الخليج.
المصادر
- Iran Signaled Strike as Way to Limit Casualties, Tehran Officials Say
- Trump administration was anticipating retaliation from Iran, White House official says
- Iran confirms missile attack on U.S. military base in Qatar
- Iran fires missiles at US airbase in Qatar, Doha says attack intercepted, no casualties