موقع عبري: لهذه الأسباب تصر روسيا على إنشاء قاعدة بحرية في السودان

منذ عام 2017، بدأ النشاط العسكري لمرتزقة فاغنر الروسية يتزايد في الأراضي السودانية بشكل ملحوظ وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة الأميركية.
وأخيرا، أعلنت القيادة العسكرية في الخرطوم، التي شهدت تقاربا مع إسرائيل في الآونة الأخيرة، عن اتفاق لإنشاء ميناء عسكري روسي في البحر الأحمر.
وفي مقابل ذلك، ستزود روسيا الجيش السوداني بالعديد من الأسلحة والمعدات العسكرية.
ويشير موقع القناة الـ12 العبرية إلى أن الغزو الروسي في أوكرانيا، المستمر منذ ما يقرب من عام، لا يمنع موسكو من فرض سيطرتها وتعميق وجودها في مناطق أخرى، وخاصة في الشرق الأوسط.
الأكثر ودية
ويقول الموقع: "بعد أن اكتسبت روسيا بالفعل موطئ قدم واسع النطاق في سوريا، جارتنا في الشمال، تعمل موسكو الآن على تقوية وتعميق العلاقة مع دولة أخرى قريبة في المنطقة، وهي الدولة الأكثر ودية الأقرب إلينا من بين الدول في الشرق الأوسط".
أخيرا، وبعد فترة طويلة من المناقشات والمفاوضات، أعلن قادة الحكومة العسكرية عن اتفاق مع روسيا، يسمح لها بإنشاء ميناء بحري عسكري في مدينة بورتسودان، على سواحل البحر الأحمر.
وحول مطالب السودان، صرح مسؤولون بالحكومة السودانية لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية أن: "موسكو وافقت على تلبية معظم مطالبنا، بما في ذلك تزويد الجيش السوداني بالأسلحة والمعدات العسكرية".
وقالت المصادر نفسها: "إن الاتفاق لا يزال رسميا خاضعا لموافقة حكومة مدنية، يجب تشكيلها في المستقبل القريب، تبعا لاتفاقية نقل السلطة من القوات العسكرية التي تسيطر على البلاد حاليا".
وأكد على ذلك وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، إذ قال إن "الاتفاقية لم يجر التوقيع عليها رسميا بعد، وننتظر موافقة السلطات المدنية في السودان".
وفي هذا السياق، أعلن مجلس السيادة السوداني، وهو الجهة المنوط بها الإشراف على المرحلة الانتقالية بالبلاد، في 11 فبراير/شباط 2023، أنه توصل إلى اتفاق مع ائتلاف المعارضة لإنهاء الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ شهور.
وقال مجلس السيادة السوداني: "بعد مناقشة شاملة، أُجريت بروح وطنية عالية، مع مراعاة مصالح الأمة ونجاح التحول الديمقراطي، جرى الاتفاق على الصيغة النهائية للإعلان السياسي".
وفي هذا الإطار، ترى القناة العبرية أن الاتفاق لن يؤتي ثماره في النهاية. فبالرغم من الاتفاقات الرسمية، وحتى بعد تشكيل حكومة مدنية، لن تتخلى القوات العسكرية في السودان عن سلطتها الحقيقية بهذه السرعة.
وبالنظر إلى السياسة الدولية التي تلعبها روسيا، تنوه القناة 12 إلى أن "الاتفاق الروسي السوداني هو جزء من خطة أكثر شمولا".
وأوضحت أنها "تسعى لتعميق سيطرتها ووجودها في جميع أنحاء العالم بشكل عام، وفي القارة الإفريقية بشكل خاص".
وأكملت: "تعطي الاتفاقية بين موسكو والخرطوم لروسيا مميزات كثيرة، إذ تسمح لها بإنشاء قاعدة بحرية تضم حوالي 300 جندي في بورتسودان".
كما أنها ستكون مرساة لأربع سفن حربية في نفس الوقت، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية. ولفتت إلى أن مدة الاتفاقية 25 سنة، قابلة للتمديد التلقائي لمدة 10 سنوات أخرى.
ويتوقع الموقع العبري أن "تضمن القاعدة الجديدة سيطرة روسيا العسكرية على البحر الأحمر، كما أنها ستتيح لها مخرجا سريعا باتجاه بحر العرب والمحيط الهندي".
وسيستفيد الجانب السوداني، في مقابل ذلك، من خلال زيادة متوقعة في الإمدادات الروسية للجيش السوداني، لكن لم يكشف عن حجم هذه الزيادة بعد.
وأشارت القناة إلى أن محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري، وقائد مليشيا "الدعم السريع"، هو "العامل السوداني الأهم وراء الترويج لاتفاق بناء الميناء".
نشاط واسع لفاغنر
من الجدير بالذكر أن إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان بعيد كل البعد عن بداية النشاط الروسي في الدولة الإفريقية، والذي بدأ منذ عدة سنوات.
فعلى الأقل منذ عام 2017، القوة الروسية الرئيسة العاملة في السودان هي مجموعة فاغنر، وهي منظمة عسكرية يملكها رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، الشريك المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه مجموعة فاغنر في الحرب الأوكرانية منذ العام 2022، فإن نشاطها السري في إفريقيا مستمر منذ سنوات إلى الآن.
فمنذ عهد رئيس النظام السابق عمر البشير، يعمل أعضاء مجموعة فاغنر بشكل مكثف في السودان.
إذ أبرمت المجموعة اتفاقيات مع البشير، الذي أُطيح به عام 2019، بشأن تدريبات خاصة لتعدين الذهب في المنطقة الجنوبية الغربية من البلاد، بالقرب من الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى.
وفي حين أن شركات التعدين الأخرى مُطالبة بدفع ضريبة نسبتها 30 بالمئة للحكومة في الخرطوم، فإن مجموعة فاغنر ليست ملزمة بتحويل أي ضرائب على الإطلاق.
وعلى الرغم من الإطاحة بالديكتاتور الذي حكم السودان لمدة 30 عاما، تقول القناة إنه "من الواضح أن المرتزقة الروس تمكنوا من الحفاظ على مكانتهم في البلاد بشكل جيد".
والآن يستمرون في تقوية علاقاتهم مع كبار مسؤولي الحكومة العسكرية في السودان، وعلى رأسهم محمد حمدان دقلو، وفق القناة.
وفي هذا الصدد، أفادت وكالة أنباء "أسوشيتد برس" أن مجموعة فاغنر تقدم العديد من الخدمات لقوات الدعم السريع التابعة لدقلو، بما في ذلك التدريب العسكري والاستخباراتي.
وتدعي الوكالة أن أعضاء فاغنر ينفذون مهاما أمنية وإشرافية لكبار المسؤولين في القيادة السودانية، مقابل حقوق تعدين غير محدودة.
وأضافت: "المرتزقة الروس، الذين تقع قاعدتهم الرئيسة في السودان بالقرب من الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى، لا يقدمون المساعدة العسكرية في مناطق التوتر فقط، بل يشاركون أيضا في عمليات قمع المظاهرات والاحتجاجات الأخيرة حول العاصمة".
وبحسب القناة العبرية، أفادت الأنباء أخيرا أن الولايات المتحدة بدأت بممارسة ضغوط شديدة على القيادة في السودان، وكذلك في ليبيا المجاورة، لتقييد خطوات مجموعة فاغنر في أراضيهما.
وعلى الرغم من أن هدف رجال بريغوجين هو الحصول على المال والممتلكات المادية، فهم يعملون بشكل مكثف لتعزيز مصالح الكرملين.
وتقول القناة العبرية في نهاية تقريرها: "إن إنشاء الميناء البحري العسكري هو مجرد خطوة في التدخل الروسي في إفريقيا".
وهي عملية لا تتم على المستويين الاقتصادي والعسكري فحسب، بل على المستوى الدبلوماسي أيضا.
وهذا يوضح العديد من الجهود والزيارات التي أجراها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف (إلى القارة الإفريقية والسودان تحديدا)، وفق تقدير القناة.