حظر ابن سلمان العباءة في السعودية.. هكذا ضاعف التنكيل بمسلمات الهند

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بينما يواجه التيار الهندوسي اليميني المتطرف الحاكم في الهند اتهامات دولية بالتضييق على حقوق المسلمات في ارتداء الحجاب والأزياء التي يخترنها، صدر قرار سعودي وجد فيه الهندوس ضالتهم لتبرير تنكيلهم.

ففي 16 ديسمبر/ كانون الأول 2022 أعلنت "هيئة تقويم التعليم والتدريب" السعودية (حكومية) منع ارتداء العباءة (زي إسلامي فضفاض) في قاعات الامتحانات، مشددة على ضرورة الالتزام بارتداء الزي المحدد وقت الاختبارات.

وقالت عبر حسابها على تويتر، ردا على جدل بشأن احتمالية حظر الحجاب خلال أداء الاختبارات: "يتوجب الالتزام بالزي المتوافق مع لائحة المحافظة على الذوق العام في مقرات الاختبارات، مع العلم أنه يُمنع ارتداء العباءة وقت أداء الاختبار".

ودفع هذا القرار الغريب المتعارض مع تعاليم الإسلام التي تدعو إلى ارتداء النساء ملابس محتشمة وفضفاضة، كثيرا من الهندوس ووسائل إعلامهم اليمينية للسخرية والتهكم على المسلمات في الهند التي يدافعن منذ شهور عن حقهن في ارتداء الحجاب، كونه رمزا وفرضا أساسيا بالإسلام.

قرار غريب

وأثار هذا القرار السعودي جدلا واسعا لتزامنه مع حملة يقودها ولي العهد محمد بن سلمان لتغريب المجتمع وتغيير طبيعته المحافظة الملتزمة بالتعاليم الإسلامية.

وفي هذا السياق كتبت الناشطة الحقوقية الدكتورة حنان العتيبي: “منع ارتداء العباءة وإلزام موافقة الذوق العام!.. المدارس أفضل مكان لتبديل الأصول والقيم لأن الطلاب تتأثّر بالتقاليد الحديثة أسهل”.

لترد عليها المغردة بلقيس بريدة قائلة: “عزيزتي .. القاعات للنساء وتحت إشراف نسائي! ها هي الأندية الرياضية النسائية تعج بالنساء بلا عباءة وبملابس رياضة.. قاعات الاختبارات ليست استثناء!”.

لكن "هيئة تقويم التعليم والتدريب" السعودية لم توضح هدف هذه الخطوة سواء لمنع الغش كما قال البعض أم لأسباب أخرى، وكذلك إن كانت تقتصر فقط على مدارس البنات أم تشمل أيضا المدارس المختلطة.

من جانبه، احتفى الإعلام الهندي التابع لرئيس الوزراء اليميني المتطرف ناريندرا مودي بقرار نظام ابن سلمان، لدرجة جعله "قدوة" و"ضوءا أخضر" للهندوس لمنع المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات.

وكانت قد قررت المحكمة العليا في إقليم كرناتاكا الهندي في 15 مارس/ آذار 2022، أن "الحجاب ليس من أساسيات الإسلام"، زاعمة استنادها لآيات في القرآن وكتب إسلامية "تثبت أن الحجاب ليس إلزاميا في الإسلام".

وزعمت المحكمة في حيثيات الحكم أن "السماح للنساء المسلمات بارتداء الحجاب في الصفوف الدراسية سيناقض تحررهن وكذلك روح الدستور القائم على العلمانية الإيجابية".

وحينها تحجج هندوس بأن السعودية تدعم قرار الحكومة الهندية لأنها بدأت بدورها تخفيف ارتداء الطالبات للعباءة، لكن احتجاجات مسلمي الهند تواصلت، وقرروا الاحتكام للمحكمة الفيدرالية العليا بالعاصمة نيودلهي.

وكان لافتا أن تتلقف صحف هندية قرار السعودية بمنع العباءة في الامتحانات، كي تستنكر على الهنديات المسلمات إصرارهن على التظاهر من أجل الحجاب، بينما تدعم الدولة التي تعد مهد الإسلام وقبلة المسلمين، نزع العباءة وتحظرها.

السعودية "قدوة"

صحيفة "أورغنايزر" الهندية تساءلت في 22 ديسمبر قائلة: لماذا يواصل المسلمون في الهند الاعتراض على قرار منع ارتداء الحجاب في المدارس، بينما حظرت السعودية ارتداء العباءة في قاعات الامتحانات؟

وأضافت مستنكرة: "السعودية تحظر العباءة في قاعات الامتحانات، لكن المسلمين الهنود يواصلون إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب في الفصول الدراسية".

من جانبه، ذكر موقع "كاومودي" الهندي في 23 ديسمبر، أنه لا يجب على مسلمي الهند الاستمرار في الاحتجاجات واسعة النطاق، بسبب حظر الحجاب في المدارس، بعدما قررت السعودية منع ارتداء العباءة في المدارس.

وقال إن "الحجاب كان في السابق إلزاميا قانونيا في السعودية، لكنه لم يعد كذلك وهي دولة إسلامية، فلماذا يحتج مسلمو الهند لحظر حجاب بناتهم في المدارس الهندية؟".

فيما سخر موقع "أوبإينديا" الهندي من خوض مسلمي الهند معركة قضائية للحصول على إذن للطالبات المسلمات، لارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية، في حين حظرت السعودية، التي تعد بلاد الحرمين، العباءة في مدارسها.

وتعمدت كاتبة هندية معادية للإسلام السخرية من اتهام المسلمين، السلطات الهندية بالعنصرية والإسلاموفوبيا عندما منعت الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب؛ بينما السعودية نفسها حظرت ارتداء العباءة داخل قاعات الامتحانات.

وكتبت الصحفية نفسها تقريرا في صحيفة "swarajyamag" تنفي فيه ما يقال عن أن حكومة بلادها تمارس التمييز ضد المسلمين بمنع الحجاب في المدارس طالما أن السعودية وهي دولة إسلامية تفعل هذا.

وقالت: "لماذا تصف المنظمات الإسلامية في الهند قرارات حظر حجاب الطالبات الذي اتخذته السلطات المدرسية في الهند بأنها "معادية للإسلام" بينما السعودية اتخذت إجراءات مماثلة؟".

وتعليقا على احتفاء صحف الهند بحظر المملكة للعباءة، قال الأكاديمي والصحفي السعودي أحمد بن راشد بن سعيّد، إن "الإسلاموفوبيا السعودية" التي تُرهب السعوديين أنفسهم من الإسلام، لا بدّ أن تلهم الخطابات والممارسات المتطرفة في أماكن أخرى من العالم، بما فيها الهند والكيان الصهيوني، لأنها تجرى في مهد الإسلام وأرض الحرمين. 

وأضاف لـ"الاستقلال"، إن قرار منع العباءة في السعودية يدخل ضمن "أجندة أتاتوركية" تشهدها البلاد، مشيراً إلى أنّ المنع مردُّه أن العباءة رمز للمحافظة والاحتشام والتقاليد.

وأوضح أن "الهدف يتجاوز قطعة قماش مجرّدة إلى قطع الصلة بين الشعب السعودي وماضيه، وسلخه من تاريخه المحافظ، وفرض تغريب شرس عليه تحت ستار الانفتاح والتسامح والاعتدال".

وأكد أن القضية في السعودية أبعد من العباءة، إذ إن منعها يحدث في إطار مشروع تغريبي لوأد ظاهرة التديّن أو الصحوة أو الإخوان، كما يقولون، وسلخ المجتمع من هويته، بينما يُزج برموز المجتمع وقادة الرأي خلف القضبان.

وبحسب ابن سعيد، "ما يجرى هو ترسيخ لأنموذج متطرف من العلمانية يعادي الدين تحت ستار العقلانية والتنوير، في ظل غياب قانون ومؤسسات وقضاء مستقل، فلا حداثة حقيقية، وإنما قشور برانية".

تحارب السعودية التطرف الديني، يضيف ابن سعيّد، بتطرف عَلماني، لتصل إلى النتيجة نفسها، وهي الإلغاء، إلغاء الآخر المختلف في الرأي والفكر والاتجاه والانتماء، حتى في ارتداء العباءة أو العمامة الحجازية.

وذلك من أجل فرض “التجانس” على مجتمعات هي بطبيعتها مختلفة ومتنوعة، وهذه لا يمكن وصفها بإدارة رشيدة، ولا بعلمانية محايدة أو معتدلة، وفق تعبير الأكاديمي والصحفي السعودي.

محاربة الحجاب

ولم تكن واقعة منع "هيئة تقويم التعليم والتدريب" السعودية ارتداء العباءة وقت أداء الامتحانات، هي الأولي، والتي يعتقد سعوديون أنها مقدمة لمنع الحجاب رسميا في المدارس والجامعات.

وقبل هذا حثت وزارة التعليم السعودية، الطالبات على الإبلاغ عن المدارس والجامعات التي تفرض قيودًا على ملابسهن بحسب موقع "الوطن" السعودي في 9 سبتمبر/ أيلول 2019.

وقال مسؤول التواصل في الوزارة، عبدالعزيز العصيمي، إن "من حق أي طالبة مدرسة أو جامعة أن تتقدم بشكوى ضد المدرسة التي تضع قيودًا على لبس العباءة".

أيضا سبق لمحمد بن سلمان أن قال في تصريحات مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة "سي إن بي إس نيوز" الأميركية في 18 مارس 2018 إن "ارتداء العباءة ليس شرطاً للمرأة السعودية".

وأضاف أن القوانين تلزم النساء بارتداء ملابس محتشمة ومحترمة مثل الرجال تماما، ولا تلزم النساء صراحة بارتداء عباء سوداء أو غطاء رأس أسود"، وذكر أن اتخاذ القرار الخاص بالملابس "متروك للنساء".

وزعمت وكالة "رويترز" الدولية في 16 نوفمبر 2018 أن ناشطين سعوديين طالبوا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتخفيف قواعد اللباس الصارمة في المملكة.

وتحدثت عن لجوء نساء سعوديات للظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي مرتديات عباءاتهن الملونة غير التقليدية للاحتجاج، كما أصبحت العباءات المفتوحة على التنانير أو الجينز أكثر شيوعا في بعض أنحاء البلاد.

وفي عام 2019 بدأت المملكة إلغاء قواعد اللباس الصارمة الخاصة بالمرأة الأجنبية بحجة السعي لجذب المصطافين والسياح لتطوير اقتصاد المملكة بعيدا عن اعتمادها على النفط.

وقال رئيس الهيئة السعودية للسياحة والتراث الوطني أحمد الخطيب لتلفزيون بلومبيرغ في 26 سبتمبر/ أيلول 2019، إن النساء الأجنبيات لن يضطررن إلى ارتداء العباءة.

وبدأ بالفعل منذ 27 سبتمبر 2019 السماح للنساء من أي دولة بدخول السعودية دون إلزامهن بارتداء العباءة أو الحجاب، ولا يتطلب أن يكون معهن محرم.

وخلال مهرجانات الترفيه والموسيقى التي تجرى بالمملكة منذ عام 2020 انتشرت مظاهر لفتيات لا يرتدين الحجاب أو ملابس محتشمة، ويرقصن بشعورهن مع شبان، كما انتشر مشاهد عري وشواذ وتحرش.

وأخيرا في حفل "ميدل بيست" للأغاني والرقص في الرياض أوائل ديسمبر/كانون 2022، أكدت صحف غربية أن عدم ارتداء الحجاب لم يكن شيئاً مثيراً للانتباه، حيث ظهرت مشاهد جديدة ورقص الشباب والفتيات معاً، بملابس قصيرة وشفافة.

مودي وابن سلمان

وتعد علاقة محمد بن سلمان برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وثيقة ولا يلتقيان إلا بالأحضان، ولم يصدر عن المملكة أي بيانات إدانة للممارسات الهندوسية ضد المسلمين هناك.

ولم تدفع أزمة الإساءة الهندوسية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما تابعها من حملات الغضب الإسلامية في يونيو/حزيران 2022، السعودية لوقف عداء الهندوس للإسلام.

ولم يكتفِ ابن سلمان بالسكوت عن إساءة الهند لرسول الله واضطهادها للمسلمين، بل تعاقد مع شركة هندية تابعة للحزب الحاكم لإدارة بوابة المطوف للحج، وفق موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 17 يونيو 2022.

وعلقت مجلة "التايم" على هذا التواطؤ بالقول إنه "ليس من صالح حكام دول الخليج المعادين للتيارات الإسلامية الدخول في صراع مع الهند من أجل قضية الإساءة للنبي".

وأضافت أن "هناك عاملا جديدا يحد من تأثير دول الخليج تحديدا على الهند، ويقلل من مخاوف نيودلهي من عواقب سياستها، وهو تغير سياسات بعض دول الخليج وتحديدا الإمارات والسعودية".

وذكرت أن "السعودية والإمارات اللتين كانتا تقليديا شديدتي الحساسية لأي إساءة للمسلمين، خاصة الرياض التي كانت تعد نفسها حاملة لواء الإسلام؛ لكونها بلد الحرمين الشريفين، تغيرتا ولم تعد الهند تخشى غضبهما من هذه القضايا".

وأوضحت أن "قادة الخليج الجدد، لا سيما السعوديين والإماراتيين، باتت لهم نظرة مختلفة إلى مودي، ويتفقون مع وجهة نظره بخصوص التعاطي مع الإسلام السياسي انطلاقا من الاعتبارات الأمنية".

ووصل الأمر ضمن رؤية جديدة، لسعي محمد بن سلمان، لتدريس الهندوسية بمناهج التعليم السعودية، بدعوى تطوير المناهج الدراسية في بلاده، وخطب ود نيودلهي.

ورغم هذه العلاقات الجيدة أرجأ ابن سلمان زيارة كان ينوي القيام بها لنيودلهي بعدما شهدت مدن رئيسية في الهند وقفات احتجاجية رفضاً لزيارته، بحسب "لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية" في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

والمظاهرات جالت مدينتي نيودلهي وبومباي، ودعت الجهات الرسمية إلى عدم استقبال بن سلمان، منددةً بانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائمه المروّعة في السعودية واليمن.

ومنذ الثاني من أبريل/نيسان 2022، ارتفعت وتيرة الاستهداف الهندوسي للمسلمين في الهند بصورة لافتة، واتخذت طابع العداء الديني الطائفي والدعوة لتهجير المسلمين، وبدلا من عقابها توسعت السعودية والإمارات في علاقتها معها.

ومنذ 2014 ومع اعتلاء ناريندرا مودي رئاسة حكومة الهند عرفت عقيدة التعصب الهندوسي "هندوتفا" انتشارا واسعا، وبسطت مليشيات "آر إس إس"، وهي قوات مسلحة هندوسية متطرفة يبلغ تعدادها 6 ملايين عنصر، نفوذها على الساحة السياسية والاجتماعية الهندية.