الهندوسية بمناهج تعليم السعودية.. كيف يسعى ابن سلمان لخطب ود نيودلهي؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

المشهد الأول: المواطنة السعودية نوف المرعي، تغرد عبر حسابها على تويتر، في 15 أبريل/ نيسان 2021، قائلة: "بكل فخر أبنائي اليوم في قسم الدراسات الاجتماعية، يتلقون مفاهيم وتاريخ الهندوسية، والبوذية، ورامايانا والكرمة، وماهابهاراتا ودارما.. لقد استمتعت بمساعدتهم على الدراسة".

تلك المواطنة استبشرت بتعليم أولادها تعاليم الهندوسية، داخل مدارس المملكة ضمن رؤية جديدة، صاغها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بدعوى تطوير المناهج الدراسية في بلاده.

المشهد الثاني: قبل سنة من ذلك الحدث، كانت مظاهر الفوضى تعم ضواحي العاصمة الهندية نيودلهي، حيث الحجارة وشظايا الزجاج والسيارات المحطمة في كل مكان، فضلا عن أعمدة من الدخان تتصاعد من البنايات المحترقة، لا سيما المساجد.

وعجت المستشفيات بجثث القتلى من المسلمين، وإصابات فادحة بين النساء والأطفال والعجائز دون تفرقة، كان هذا هو الوضع في ظل حكم حزب "بهاراتيا جاناتا" المقرب من الرياض، حيث باتت الأقلية المسلمة البالغ عددها قرابة 200 مليون نسمة، تعاني من سياسات عنصرية، وحوادث طائفية سقط خلالها العشرات في عموم البلاد.

ترتبط السعودية بعلاقات وثيقة، مع الإدارة الحاكمة في الهند، تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي وصل إلى السلطة عام 2014، بعد تصدر حزبه "بهاراتيا جاناتا" الانتخابات.

أغفل حكام المملكة العقيدة المتطرفة التي يحملها قادة الحزب الهندي تجاه المسلمين، وأقاموا معهم علاقات سياسية واقتصادية واسعة على حساب الأقلية المسلمة.

في 23 أبريل/ نيسان 2021، أعلنت صحيفة "إنديا توداي" الهندية، أن "السعودية أدرجت بعض قيم الثقافة الهندوسية في المناهج الدراسية كجزء من رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الجديدة لقطاع التعليم في المملكة".

وأشارت الصحيفة الهندية، أن "مناهج التعليم السعودية المستجدة، تركز على الثقافات الهندية ذات الأهمية العالمية مثل اليوغا والأيورفيدا، لتوسيع المعرفة الثقافية للطلاب" حسب وصفها.

وأشارت إلى أن "الطلاب سوف يتعلمون عن (رامايانا وماهابهاراتا)، الملحمتين الشعريتين اللتين تشكلان جزءا هاما من الميثولوجيا الهندوسية".

فلماذا يصل التقارب السعودي الهندي إلى درجة المناهج الدراسية؟ ولماذا يعضد محمد بن سلمان حكام الهند على حساب المسلمين المضطهدين؟ وأين باكستان خصم الهند اللدود من ذلك التقارب؟.

جرائم الهندوس 

يمثل المسلمون الطائفة الثانية في الهند من حيث التعداد السكاني بعد الهندوس، إلا أنها دائمة التعرض للعنف الطائفي خاصة في عصر حكومة مودي الذي يحمل حزبه "بهاراتيا جاناتا" ذو الأغلبية الهندوسية، أفكارا عرقية متطرفة، تؤطر لموجة عنف كارثية في بلد مثل الهند متعدد الطوائف والأعراق. 

اضطهاد المسلمين تجلى يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول 2019، عندما صوتت الأغلبية الحاكمة في البرلمان الهندي، التابعة لحزب "بهاراتيا جاناتا"، على تعديلات متعلقة بقانون الجنسية، تقضي بتجنيس المهاجرين غير النظاميين من 3 بلدان مجاورة، بشرط ألا يكونوا مسلمين.

صعد القانون من مخاوف الأقلية المسلمة التي تصل إلى قرابة 200 مليون نسمة من أصل 1.3 مليار نسمة في الهند، الذين شعروا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في بلد يشكل فيه الهندوس 80 بالمئة من السكان، ويعيش في السنوات الأخيرة توترا طائفيا.

وفي 27 فبراير/ شباط 2020، اندلع العنف في 3 مناطق ذات أغلبية مسلمة  شمال شرقي العاصمة الهندية دلهي، وكانت هناك مجموعة داعمة للقانون تتظاهر على مسافة كيلو متر من تظاهرة ينظمها معارضون للقانون، وبدأ التراشق بالحجارة بين الفئتين.

سرعان ما تطور الأمر ليسقط 34 قتيلا من المسلمين على يد الجماعات الهندوسية المتطرفة، المدعومة من حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

وخلال الأحداث تم حرق العديد من المساجد في المنطقة، ورفع علم هندوسي على مآذن أحد المساجد التي تعرضت للتخريب، كما أعربت المفوضة السامية في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشال باشليه عن قلقها "من المعلومات التي تشير إلى عدم تحرك الشرطة أمام هجمات مجموعات أخرى ضد مسلمين".

في تلك الفترة، عمدت الرياض إلى تعميق علاقاتها بنيودلهي، على حساب الأقليات المسلمة في الهند، وعلى حساب باكستان المسلمة التي تخوض صراعا مريرا مع الهند على إقليم كشمير.

طعنة غادرة

لصالح الحزب الحاكم الهندوسي في الهند، وجهت السعودية طعنة لباكستان، يوم 8 فبراير/ شباط 2020، عندما ذكرت صحيفة "داون" الباكستانية، أن "السعودية، رفضت طلب باكستان عقد اجتماع طارئ حول كشمير، على مستوى وزراء الخارجية في منظمة التعاون الإسلامي".

وقالت الصحيفة: "السعودية رفضت نداء خان لمناقشة قضية كشمير". ونقلت عن رئيس وزراء باكستان عمران خان تصريحاته بأنه "يشعر بالإحباط إزاء صمت منظمة التعاون الإسلامي تجاه قضية كشمير".

كانت الهند قد ألغت الوضع الخاص لإقليم كشمير في أغسطس/آب 2019، وفي سبتمبر/ أيلول 2019، أعلن عمران خان أن "السبب الوحيد وراء معاناة الناس في كشمير هو كونهم مسلمين، وهذا يخص 1.3 مليار مسلم"، مشددا على أنه من الضروري أن يقوم العالم الإسلامي بدوره.

لم تكتف السعودية في ذلك الصراع بأخذ موقف سلبي، بل قامت نكاية في باكستان بتعزيز تقاربها مع المنافس التاريخي لها، وزار رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" الرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتقى محمد بن سلمان، ووقع اتفاقية شراكة إستراتيجية بين البلدين، ما جعل الهند رابع بلد بعد فرنسا وبريطانيا والصين تكسب مثل هذه المكانة المهمة لدى الرياض.

وفي 28 فبراير/ شباط 2021، ذكرت صحيفة "ذا تايمز أوف إينديا" الهندية، أنه "منذ وصول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة عام 2014، أقامت حكومته علاقات جيدة مع السعودية". 

وقالت: "الحياد السعودي فيما يتعلق بقضية كشمير، أسعد نيودلهي كثيرا، لكنه كان إسفينا (مؤامرة) آخر في نعش علاقات الرياض مع باكستان".

تعاون عسكري

منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947، بدأ النزاع على إقليم كشمير، بين باكستان (المسلمة) والهند (ذات الأغلبية الهندوسية)، حيث نشبت 3 حروب بينهما، أسفرت عن مقتل قرابة 70 ألف مواطن من الطرفين.

وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 1947، ضمت الهند "جامو وكشمير" وتحتفل باكستان بهذا التاريخ باعتباره يوم كشمير الأسود كل عام.

كانت السعودية باعتبارها حليفا قديما لباكستان، وتصدر نفسها أنها راعية الإسلام السني في العالم، تدعم إسلام أباد في موقفها، لكن في السنوات الأخيرة، ومع صعود ابن سلمان إلى ولاية عهد المملكة، تحسنت علاقات الهند مع السعودية باعتبار "اقتصادها الناشئ ولأنها تمثل سوقا عالمية رئيسة".

وفي هذا السياق، صرح نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون بواشنطن، مايكل كوجلمان في 3 مارس/ آذار 2021: أن "السعودية مثل العديد من البلدان، ترى الهند كلاعب مهم، وسوقا رئيسا ودولة لا تريد استعداءها، ومن الواضح أن امتناع الرياض عن دعم قضية كشمير علنا ساعد في تحسين علاقاتها مع الهند".

بل ووصل التعاون بين الرياض ونيودلهي إلى التعاون العسكري المباشر، ففي 9 ديسمبر/ كانون الأول 2020، قام قائد الجيش الهندي، الجنرال "مانوج موكوند نارافاني"، برحلة دبلوماسية إلى السعودية، في أول زيارة من نوعها إلى المنطقة من قبل قائد عسكري هندي، لا سيما أن هذه القوات ساهمت في إراقة دماء كثير من المسلمين في معاركها مع باكستان، وفي صراع كشمير.