"بهاراتيا جاناتا".. كيف وصل للحكم في الهند على جثث المسلمين؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"ستجمع حكومتنا المتسللين فردا فردا وتلقيهم في خليج البنغال"، تصريح نطق به أميت شاه زعيم الحزب الحاكم في الهند "بهاراتيا جاناتا"، في 13 أبريل/ نيسان 2019، عبر فيه عن مكنون أفكار حزبه المتطرف تجاه المهاجرين المسلمين غير النظاميين من بنجلاديش المجاورة.

أما "جاي شري رام"، فهو شعار ابتهال المعبود الهندوسي "رام"، كان يردده المتطرفون الهندوس، أثناء اجتياحهم المناطق المسلمة شمال شرقي العاصمة الهندية نيودلهي، التي تشهد أسوأ موجة عنف طائفي منذ عقود.

منذ وصول رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة في الهند عام 2014، بعد تصدر حزبه "بهاراتيا جاناتا" الانتخابات، باتت الأقلية المسلمة البالغ عددها قرابة 200 مليون نسمة، تعاني من سياسات عنصرية، وحوادث طائفية سقط خلالها العشرات في عموم البلاد.

وسائل إعلام نقلت مظاهر الفوضى في ضواحي العاصمة نيودلهي، حيث الحجارة وشظايا الزجاج والسيارات المحطمة في كل مكان، فضلا عن أعمدة من الدخان تتصاعد من البنايات المحترقة، لا سيما المساجد، وعجت المستشفيات بجثث القتلى من المسلمين، وإصابات فادحة بين النساء والأطفال والعجائز دون تفرقة.

ورغم أن المسلمين يمثلون الطائفة الثانية في الهند من حيث التعداد بعد الهندوس، إلا أنها دائمة التعرض للعنف الطائفي خاصة في عصر حكومة مودي الذي يحمل حزبه أفكارا عرقية متطرفة، تؤطر لموجة عنف كارثية في بلد مثل الهند متعدد الطوائف والأعراق.

سبب الأزمة

في سبتمبر/ أيلول 2019، استبعدت السلطات الهندية ما يقرب من مليوني شخص من ولاية أسام (ذات الأغلبية المسلمة) شرقي البلاد من قوائم المواطنين، في خطوة تقول إنها تهدف إلى القضاء على من تسميهم المهاجرين غير النظاميين.

وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول 2019، صوتت الأغلبية الحاكمة في البرلمان الهندي، التابعة لحزب "بهاراتيا جاناتا"، على تعديلات متعلقة بقانون الجنسية، تقضي بتجنيس المهاجرين غير النظاميين من 3 بلدان مجاورة، بشرط ألا يكونوا مسلمين.

وصعد القانون من مخاوف الأقلية المسلمة التي تصل إلى قرابة 200 مليون نسمة من أصل 1.3 مليار نسمة في الهند، الذين شعروا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في بلد يشكل فيه الهندوس نسبة 80 % من السكان، ويعيش في السنوات الأخيرة توترا طائفيا. 

وفي 27 فبراير/ شباط 2020، اندلع العنف في 3 مناطق ذات أغلبية مسلمة في شمال شرقي العاصمة الهندية دلهي، وكانت هناك مجموعة داعمة للقانون تتظاهر على مسافة كيلو متر من تظاهرة ينظمها معارضون للقانون، وبدأ التراشق بالحجارة بين الفئتين.

سرعان ما تطور الأمر ليسقط 34 قتيلا من المسلمين على يد الجماعات الهندوسية المتطرفة، المدعومة من حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

وخلال الأحداث تم حرق العديد من المساجد في المنطقة، ورفع علم هندوسي على مآذن أحد المساجد التي تعرضت للتخريب. كما أعربت المفوضة السامية في الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشال باشليه عن قلقها "من المعلومات التي تشير إلى عدم تحرك الشرطة أمام هجمات مجموعات أخرى ضد مسلمين".

حزب المؤتمر المعارض الذي خسر الانتخابات، يرى أن قانون الجنسية، وسياسات الحزب الحاكم، تؤدي إلى تصاعد الاستقطاب والعنف في الهند بأكملها.

وصرح زعيم الحزب المستقيل "راهول غاندي" في تغريدة على تويتر، قائلا: "أشعر بالانزعاج بسبب تنامي العنف وعدم الاستقرار بسبب استخدام الدين والعرق من قبل الحزب الحاكم لتحقيق مكاسب سياسية، هذا النوع من السياسة الذي يدفع الأخ لكراهية أخيه يجب أن يتوقف".

إشارات متعددة تؤكد أن سياسة حزب "بهاراتيا جاناتا" تقوض الأسس العلمانية للدولة متعددة الديانات والعرقيات، حيث زادت أحداث العنف منذ صعود ناريندرا مودي إلى مقعد رئيس الوزراء.

زعيم دموي

بالعودة إلى نشأة ناريندرا مودي، يمكن تفسير سياساته العنصرية تجاه المسلمين، المفعمة بالقومية الهندوسية، حيث ولد مودي في 17 سبتمبر/أيلول 1950 بإقليم غوجارات، تشرب الأيديولوجية القومية الهندوسية أيام شبابه حين انضم إلى المنظمة القومية الطوعية "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" التي تعتمد أساليب شبه عسكرية.

وفي فترة السبعينيات برز مودي كداعم لـ "Rashtriya Swayamsevak Sangh"، وهي حركة اجتماعية يمينية هندوسية متطرفة.

وفي عام 2001 ترأس مودي حكومة ولاية غوجارات، عن حزب "بهاراتيا جاناتا"، وخلال فترة ولايته للإقليم وقعت أحداث شغب بين الهندوس والمسلمين راح ضحيتها أكثر من 1000 أغلبهم من المسلمين، في واحدة من أسوأ أحداث العنف في تاريخ البلاد، واتهم المسلمون مودي بتقاعسه عن القيام بما يكفي لوقف تلك الأحداث.

الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، أعلنوا مقاطعتهم لمودي في ذلك الوقت، لرفضه تقديم اعتذار عما حدث من جرائم في ولاية غوجارات. وفي 15 يوليو/ تموز 2012، نقلت صحيفة "تايمز أوف إنديا" عن السياسي الهندي المخضرم، ورئيس وزراء إقليم غوجارات الأسبق، "كيشوبهاي باتل"، أنه شبه مودي، بـ"الزعيم النازي أدولف هتلر".

أوجه تشابه قد تجمع بين مودي وهتلر، في نظرية "العرق الآري"، حيث يؤمن الهندوس المتشددون أن الهند كانت دولة الآريين، ويطلق عليها الهنود القوميون "آريافارتا"، وتضم نيبال وبنجلادش وباكستان وجزءا من أفغانستان.

مودي يؤمن بأن الهنود شعب واحد منحدر من العرق الآري، وعليه يجب أن يتحدوا في مجتمع إثني يجمعهم، وأن "الهند للهندوس فقط". 

وفي يوليو/ تموز 2013، أثار مودي غضبا واسعا، عندما شبه المسلمين الذين سقطوا ضحايا أعمال عنف قام بها الهندوس بالجِراء (الكلاب الصغيرة) التي تدعسها السيارات في الشوارع.

حزب متطرف

تأسس حزب "بهاراتيا جاناتا" ويعني "حزب الشعب الهندي" عام 1980، بأفكار ومعتقدات قومية هندوسية متعصبة، ومنذ صعوده ناهض الأقليات المسلمة في البلاد، ومارس سياسات عنصرية بحقها.

في عام 1986، بدأ حزب "بهاراتيا جاناتا" يحقق صعودا ملحوظا في الانتخابات، ونجح في نشر أجنحته عبر أطراف الهند، وفي عام 2014 اكتسح  الانتخابات التشريعية التي شارك فيها قرابة 845 مليون ناخب، حيث فاز في 274 دائرة من إجمالي 543. 

وفي 20 أبريل/ نيسان 2015، أعلن قادة الحزب أنه "أصبح الحزب السياسي الأكبر في العالم، إذ تجاوز عدد أعضائه 100 مليون بعد حملة تسجيل استمرت 6 أشهر".

وفي 24 مايو/آيار 2019، وبعد انتخابات تشريعية، شهدت منافسة شرسة غير مسبوقة، امتدت لسبع مراحل كاملة، حقق حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم انتصارا تاريخيا، عزز سيطرة التيار القومي على النظام السياسي في الهند.

من أبرز الأدوات التي اعتمد عليها "بهاراتيا جاناتا" في حشد أصوات الناخبين الهندوس، تركيزه على تعرض الهندوس للتهميش والاستبعاد من دوائر صنع القرار على مدار عقود من سيطرة حزب المؤتمر الوطني، موجها إليه اتهامات بأنه يميل لمهادنة المسلمين على حساب المعتقدات الهندوسية.

كما ربط صناع الدعاية الانتخابية بين التصويت للحزب وحماية المعتقدات الهندوسية، وارتبط ذلك بتأسيس أكثر من 45 ألف فرع لمنظمة "راشتريا سوايامسيفيك سانج" اليمينية الهندوسية المتطرفة، التي انتشرت في مختلف الولايات لحشد الناخبين الهندوس للتصويت لصالح الحزب.

تحول قسري

بعد وصول حزب "بهاراتيا جاناتا" للسلطة، وتحديدا في 20 ديسمبر/ كانون الثاني 2014، تم توجيه اتهام إلى مجموعة متشددة مرتبطة بالحزب الحاكم بأنها حولت بشكل قسري إلى الهندوسية نحو 50 أسرة مسلمة في مدينة أغرا، مستغلة الفقر المدقع لهذه الأسر.

وناقشت المعارضة داخل البرلمان الهندي آنذاك، أن هذه المجموعات تحاول الترويج لخطة تهدف إلى هيمنة الهندوس من خلال استمالة مسلمين ومسيحيين للتحول إلى الهندوسية، رافعين شعار "الهند بأكملها أرض للهندوس".

وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2017، نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية على موقعها الإلكتروني مقطعا مصورا لسياسية هندية رفيعة المستوى تصفع شابة على وجهها لعلاقتها مع شاب مسلم.

كانت هذه السياسية هي "سانجيتا فارشنى"، زعيمة الجناح النسائي فى حزب "بهاراتيا جاناتا"، حيث صفعت شابة تبلغ من العمر 18 عاما وهى تصرخ بها قائلة: "أليس لديك أى خجل، هل تعتقدى أنك كبرتي؟ لا يمكنك حتى أن تعرفي من هو الهندوسي ومن هو المسلم؟".

وعبرت هذه الحادثة عن حجم العقيدة المتطرفة التي يحملها قادة الحزب تجاه المسلمين، حتى في أدق الأمور الحياتية الدارجة.