غدر السعودية بباكستان.. كيف دفع إسلام أباد إلى حضن تركيا وقطر؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أخيرا أدرك رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أن السعودية لم تكن يوما صديقا وفيا لبلاده، معلنا ندمه على الاستجابة لطلب الرياض بعدم حضور القمة الإسلامية بالعاصمة الماليزية كوالالمبور في كانون الأول/ ديسمبر 2019.

في 27 فبراير/ شباط 2020، أجرى عمران خان، زيارة رسمية إلى العاصمة القطرية الدوحة، التقى خلالها بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وناقشا أوجه تطوير التعاون المشترك بين بلديهما، لا سيما في مجال الاقتصاد والاستثمار والطاقة، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر حول أبرز القضايا الإقليمية والدولية.

أمير قطر أصدر وثيقة تصديق على مذكرة تفاهم بشأن تأسيس مجموعة العمل القطرية الباكستانية المشتركة، المعنية بالتجارة والاستثمار، ووثيقة أخرى للتعاون في مجالي السياحة والأعمال بين البلدين.

زيارة عمران خان لقطر جاءت بعد أيام من استقباله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسلام أباد، خلال زيارة تاريخية، وإثر زيارة عمران خان لماليزيا مطلع فبراير/شباط 2020، التي أبدى خلالها أسفه واعتذاره لغيابه عن قمة كوالالمبور، بعد ضغوط مورست عليه من قبل الرياض وأبو ظبي لثنيه عن حضورها، حسب تصريحات رسمية صادرة عن حكومة باكستان.

قمة كوالالمبور

خلال اليوم الختامي للقمة الإسلامية التي عقدت في العاصمة الماليزية كوالالمبور في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وغابت عنها باكستان وإندونيسيا، أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحات كشفت عن تدهور العلاقات مؤخرا بين الرياض وإسلام أباد.

أردوغان أكد أن باكستان تعرضت لضغوط سعودية من أجل ثنيها عن المشاركة في القمة قائلا: "مثل هذه المواقف التي تصدر عن السعودية وإمارة أبوظبي ليست الأولى من نوعها"، كاشفا عن أوراق الضغط التي مارستها السعودية، على حكومة إسلام أباد.

الرئيس التركي أكد أن الرياض هددت بترحيل 4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية واستبدالهم بالعمالة البنغالية، قائلا: "يهددهم السعوديون قائلين إن بإمكاننا أن نطردهم، وأن نستبدل بهم عمالا من بنجلادش، وفي المقابل يقولون لباكستان بخصوص مصرفها المركزي بأنهم قد يسحبون أموالهم منه، وبعد تهديدات مشابهة، وجدت باكستان، التي تعاني من أحوال اقتصادية قاسية، نفسها في وضع اضطرها لاتخاذ القرار بعدم حضور القمة".

أردوغان عبر عن جزء من سياسة الرياض تجاه إسلام أباد، في الآونة الأخيرة، إذ اعتمدت على الضغط المتواصل، لإثنائها عن توطيد العلاقات مع دول بعينها مثل تركيا وقطر، وفي الوقت نفسه تخذلها في قضاياها الرئيسية الحساسة، وتحديدا أزمة إقليم كشمير، مع الهند.

أما الورقة الثانية في سلسلة التهديدات السعودية لباكستان، تمثلت في "سحب الودائع السعودية من البنك المركزي الباكستاني". حيث علق أردوغان قائلا: "باكستان تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة، واضطرت لاتخاذ موقف بعدم المشاركة في القمة الإسلامية، في ظل هذه التهديدات والضغوط".

وفي وقت كانت تعاني فيه باكستان من خذلان واضح من الرياض، بعث أردوغان خلال زيارته الأخيرة إلى إسلام أباد، برسائل الطمأنينة، عندما قال: "أنقرة ستواصل دعم إسلام أباد في كفاحها ضد التنظيمات الإرهابية، لن ننسى تقاسم الباكستانيين رغيفهم معنا في حرب استقلالنا".

وتابع: "سندعم باكستان التي تتعرض لضغوط سياسية في اجتماعات مجموعة العمل المالي وسنقف إلى جانبها في كفاحها ضد التنظيمات الإرهابية".

"خطة سرية"

وفي 27 فبراير/ شباط 2020، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا تضمن وثائق تكشف تفاصيل "خطة سرية" سعودية، استهدفت تقويض قمة كوالالمبور الإسلامية أواخر 2019، وكشفت الوثيقة عن أن الحكومة السعودية أمرت الصحفيين المحليين بانتقاد القمة التي استضافتها ماليزيا، وتوجهت كذلك نحو وسائل إعلام في بلدان أخرى بما فيها ماليزيا والأردن.

وأضافت أن الرياض أصيبت بذعر شديد بسبب اجتماع دول إسلامية كبيرة في قمة كوالالمبور في كانون الأول/ ديسمبر 2019، خارج سيطرة منظمة التعاون الإسلامي التي تترأسها. 

وأورد التقرير أن "رئيس وزراء باكستان عمران خان، زعيم ثاني أكبر بلد تسكنه أغلبية من المسلمين، كان من أبرز الغائبين عن القمة الإسلامية، وذلك بعد جهود مضنية بذلها معه السعوديون للحيلولة دون حضوره". 

وذكر تقرير الموقع البريطاني أن "عمران خان خضع للضغوط التي مارسها السعوديون عليه وأرسل وزير خارجيته بديلا عنه، لكنه ما لبث بعد ذلك أن ندم على قراره".

حرب اليمن

في 10 أبريل/ نيسان 2014، صوت البرلمان الباكستاني لصالح عدم الانضمام للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن مما أطاح بآمال الرياض في الحصول على دعم قوي من خارج المنطقة، في معركتها التي كانت تستهدف وقف تقدم الحوثيين المتحالفين مع إيران، وسيطرتهم على جنوب اليمن، والوصول إلى منطقة الموانئ الرئيسية في عدن.

السعودية طلبت ساعتها من باكستان إمدادها بسفن وطائرات وقوات في حملتها العسكرية لإنهاء النفوذ الإيراني، وكبح جماح المتمردين في جارتها الجنوبية، لكن البرلمان الباكستاني صوت ضد المشاركة العسكرية، وإقحام قواته المسلحة في معركة خارج أراضيه.

البرلمان حينها، أقر مشروع قانون يدعو جميع الأطراف إلى حل خلافاتهم سلميا وسط "تدهور الوضع الأمني والإنساني في اليمن وتداعيات ذلك على السلام والاستقرار في المنطقة".

وقال مشروع القانون: إن البرلمان "يود أن تلتزم باكستان بالحيادية في الصراع في اليمن حتى تتمكن من لعب دور دبلوماسي وقائي لإنهاء الأزمة".

وفي 16 أبريل/ نيسان 2015، نشر مركز الجزيرة للدراسات، تقريرا للباحث الباكستاني رسول بخش ريس، قال فيه: "كشفت حرب اليمن عن أكثر الاختبارات صعوبة لسياسة باكستان في الشرق الأوسط، حيث أن الموازنة بين العلاقات بين كل من السعودية وإيران لا يُعد خيارا سهلا لباكستان". 

وأردف الباحث الباكستاني: "وتكمن صعوبة ذلك في الانقسامات الدينية والسياسية في البلاد وأولوية الجيش في ما يُسمى محاربة الإرهاب. ومع ذلك فإن الحياد ليس نهاية المطاف، إذ من المتوقع أن تغير باكستان موقفها إذا ما تطور الصراع في اليمن ليهدد السعودية بشكل مباشر وإذا لم تفعل ذلك، فإنها تخاطر بخسارة الكثير".

ومع أن الصراع في اليمن لم يتطور ليهدد السعودية بشكل مباشر، لكن الرياض لم تنس ذلك الموقف لإسلام أباد، ولم تتجاوز تحفظ باكستان على المشاركة في الحرب التي شنها ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان في اليمن، وارتكب فيها جرائم مروعة بحق المدنيين، حسب تقارير منظمات حقوق الإنسان الأممية، كمنظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش. 

خذلان كشمير

الخذلان السعودي المباشر لباكستان، تجلى في 8 فبراير/ شباط 2020، عندما ذكرت صحيفة "داون" الباكستانية، أن "السعودية، رفضت طلب باكستان عقد اجتماع طارئ حول كشمير، على مستوى وزراء الخارجية في منظمة التعاون الإسلامي".

وقالت الصحيفة: "السعودية رفضت نداء خان لمناقشة قضية كشمير". ونقلت عن عمران خان تصريحاته خلال زيارة مركز أبحاث في ماليزيا، أنه "يشعر بالإحباط إزاء صمت منظمة التعاون الإسلامي تجاه قضية كشمير". 

وأضاف: "السبب هو أنه ليس لدينا صوت، وهناك انقسام تام بيننا، ولا يمكننا حتى أن نجتمع معا في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي حول كشمير".

وكانت الهند قد ألغت الوضع الخاص لإقليم كشمير في أغسطس/آب 2019.  وفي سبتمبر/ أيلول 2019، قال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان: إن "السبب الوحيد وراء معاناة الناس في كشمير هو كونهم مسلمين، وهذا يخص 1.3 مليار مسلم، مشددا على أنه من الضروري أن يقوم العالم الإسلامي بدوره".

وشدد: "إذا لم تأخذ الدول الإسلامية موقفا حاسما، مهما كانت الأسباب تجارية أو اتفاقيات، سيؤدي ذلك إلى زيادة التطرف، عندما لا تقوم الدول بالتعبير عن رغبات شعوبها وعندما ترى تلك الشعوب أنه لا يتم تحقيق العدالة".

ووقتها لم تكتف السعودية بأخذ موقف سلبي، بل قامت نكاية في باكستان بتعزيز تقاربها مع المنافس التاريخي لها، وزار رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" الرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتقى محمد بن سلمان، ووقع اتفاقية شراكة إستراتيجية بين البلدين، ما جعل الهند رابع بلد بعد فرنسا وبريطانيا والصين تكسب مثل هذه المكانة المهمة لدى الرياض.