تصاعد لافت خلال رمضان.. ماذا وراء عودة الانتهاكات بحق مسلمي الهند؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تفاقمت معاناة المسلمين في الهند خلال شهر رمضان مع تصاعد اعتداءات الهندوس والحكومة على مساجدهم وتدمير منازلهم ومتاجرهم.

فمنذ بداية الشهر في الثاني من أبريل/نيسان 2022، ارتفعت وتيرة الاستهداف الهندوسي تجاه المسلمين في الهند بصورة لافتة، واتخذت طابع العداء الديني الطائفي والدعوة لتهجير المسلمين.

على مدار الشهر الكريم، نفذت مجموعات هندوسية متطرفة هجمات مبرمجة ضد مساجد ومنازل ومتاجر المسلمين، وأنشدت "أغاني الزعفران" الهندوسية التي تدعو إلى قتلهم وترحيلهم من البلاد.

وجاء ذلك في محاكاة وتطبيق لقانون للجنسية الذي أصدرته الحكومة عام 2019، وقوض دستور الهند العلماني، عبر سماحه بإقصاء المسلمين المهاجرين من دول مجاورة وإبعادهم.

وبالمقابل منح الجنسية الهندية للبوذيين والمسيحيين والهندوس والسيخ الذين فروا من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان قبل 2015.

وكان أخطر هذه الاعتداءات في رمضان، هجوم مجموعة من متطرفي جماعة "آر إس إس" المتشبعين بعقيدة "هندوتفا" الهندوسية العنصرية على أحد المساجد خلال صلاة العشاء والتراويح في 16 أبريل 2022.

وأيضا رفع هؤلاء أعلام "الزعفران" وهتفوا ضد المسلمين خلال احتفالهم بعيد ميلاد الإله الهندوسي "رام".

وواكب تصاعد العداء ضد مساجد المسلمين في رمضان، هجوم للشرطة على منازل ومتاجر مسلمين في ولاية ماديا براديش وسط الهند، وإزالتها بالبلدوزرات ضمن عمليات التهجير في عدة ولايات.

ودفع تصاعد الاعتداءات العنصرية والقتل وهدم منازلهم ومتاجرهم ضد المسلمين من جانب الهندوس لتفكير بعضهم في الرحيل عن البلاد، على غرار ما فعله بعض مسلمي فرنسا بسبب القوانين والحملات العنصرية ضدهم.

هجمات رمضان

مساء 16 أبريل 2022، احتشدت مجموعة من المتعصبين الهندوس المتشحين بأوشحة "الزعفران" التي تميز الجماعات القومية الهندوسية، أمام جامع تقام داخله صلاة التراويح ملوحين بالسيوف والمسدسات في الهواء. 

وبدأ المتطرفون الهندوس في ترديد هتافات مسيئة، وتشغيل الموسيقى بصوت مرتفع عبر مكبرات الصوت للتشويش على المصلين المسلمين، ومحاولة تعليق أعلامهم العنصرية على المسجد.

وظل المتطرفون، الذين يحظون بدعم الحزب الهندوسي القومي المتطرف "بهاراتيا جاناتا" ورئيس الوزراء ناريندرا مودي، يصرخون وهم يحاصرون المسلمين أثناء الصلاة في المسجد الواقع في منطقة جهانجيربوري بالعاصمة نيودلهي، ويهددونهم ملوحين بالبنادق والسيوف.

لم يكتفوا بإطلاق عبارات مسيئة للمسلمين وتشغيل مكبرات الصوت بل رفضوا الرحيل قبل إجبار المسلمين على قول "جاي شري رام'"؟ (أي النصر للإله رام)، بحسب ما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" في 20 أبريل.

كانت هناك اتفاقات سابقة بين السكان الهندوس والمسلمين بشأن مسيرة الاحتفال بالعيد الهندوسي، بتجنب مرورها بجوار المسجد الذي كانت تقام فيه صلاة العشاء.

لكن الهندوس خرقوا هذا الاتفاق، وفجأة تجمع متطرفوهم أمام المسجد وحاولوا اقتحامه بالسيوف والمسدسات ورفع أعلام بلون الزعفران.

"حطم الهندوس زجاجات البيرة داخل المسجد، ورفعوا أعلام الزعفران على أبوابه وحاولوا تدنيسه وحين قاومهم حارسه اعتدوا عليه، فغضب المسلمون وبدأت الاشتباكات، بحسب ما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في 18 أبريل.

لم تكن الهجمات على المسلمين ومسجدهم في جهانجيربوري حادثة فردية وإنما جزء من مخطط، لأن حوادث عنف طائفي وأعمال شغب ضد المسلمين وقعت في رمضان أيضا بولايات أوتاراخاند وأندرا براديش وكارناتاكا بسبب الاحتفال الهندوسي.

وبثت أغان مماثلة دعت الهندوس إلى قتل من لا يهتفون "جاي شري رام!" أو "حيوا الإله رام"، وهو الشعار الذي أصبح صرخة بدء المعركة للقوميين الهندوسيين، أمام مساجد في مدن هندية متعددة في اليوم نفسه وتلتها موجة عنف وقتل.

وجرى الإبلاغ عن اشتباكات واسعة النطاق بين المسلمين والهندوس في 10 أبريل في ست ولايات: أندرا براديش، وجارخاند، والبنغال الغربية، وماديا براديش، وجوجارات جوا، خلال الاحتفال بعيد ميلاد الإله الهندوسي رام.

كما شابت الاحتفالات بمهرجان رام الهندوسي في سبع ولايات بعيدة مثل ماديا براديش وجوجارات وجارخاند وغرب البنغال أعمال عنف طائفية ضد المسلمين، الذين يحتفلون بشهر رمضان.

لم تقتصر الاعتداءات على المسلمين في شهر رمضان على هذه الواقعة التي شهدت اشتباكات واسعة بين الهندوس والمسلمين بسبب الاعتداء على المساجد ومحاصرتها والتشويش على صلاة التراويح؛ فقد نفذت الشرطة الهندية عملية هدم وتدمير غير مبررة لمنازل ومتاجر المسلمين واعتقلت كل من اعترض، ما دفع المسلمين للقول إن "هذا يحدث لنا لأننا مسلمون"، وفق تقرير نشرته شبكة سي إن إن الأميركية في 22 أبريل.

وشهد أواخر 2021 تعرض المسلمين في ولاية آسام شمال شرقي الهند لإجراءات قمعية، وصلت إلى حد القتل والتهجير، من جانب الحكومة الهندوسية، وهي إجراءات متسقة مع سياسة اضطهاد المسلمين والتي يطبقها مودي منذ مجيئه للحكم.

وكانت أبرز مشاهد البشاعة والوحشية، متمثلة في مقطع فيديو انتشر لقتل شاب مسلم في ولاية آسام والقفز على جثته، ما سلط الضوء على ما تقوم به حكومة مودي، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

ونشرت الصحيفة تقريرا في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 بعنوان "صمت قادة الهند على دعوات متطرفين هندوس لقتل المسلمين".

رصد عقد مئات الرهبان الهندوس مؤتمرا يقسمون فيه على أن يحولوا الهند، الجمهورية العلمانية دستوريا، إلى "أمة هندوسية"، حتى لو تطلب ذلك الموت والقتل.

ووصل الأمر إلى حد دعوات علنية لإبادة المسلمين جميعا من جانب قادة هندوس متطرفين، وسط صمت حكومة ناريندرا مودي. ولم يسلم من هذه الدعوات أحد ولا حتى نجوم بوليوود المسلمون مثل شاروخان.

"أغاني الزعفران"

ونشرت وكالة أسوشيتدبرس الأميركية تقريرا في 22 أبريل، بعنوان "في الهند: الأغاني المليئة بالكراهية سلاح لاستهداف المسلمين"، تحدث عن "فصل جديد أكثر اضطهادا وقمعا للمسلمين في الشهور الأخيرة خاصة رمضان وتدمير ممتلكاتهم.

أصبح ما يعرف باسم "أغاني الزعفران"، اللون المرتبط بالديانة الهندوسية، أشبه بصفارة يطلقها المتطرفون كعلامة لبدء هجماتهم على المسلمين، فهذه الأغاني التحريضية الموجهة مقدمة للهجمات الهندوسية القاتلة. 

ويدعو العديد من هذه الأغاني صراحة إلى قتل المسلمين ومن لا يؤيدون "هندوتفا"، الحركة القومية الهندوسية الساعية لتحويل الهند العلمانية رسميا إلى دولة هندوسية صريحة واستهداف المسلمين.

من هذه الأغاني "أغنية شاتورفيدي"، الأكثر استفزازا من ضمن أغان عديدة انطلقت في رمضان قبل أعمال العنف.

فهذه الأغنية تحث الهندوس على "النهوض" حتى "ينحني من يرتدون القلنسوات للإله راما"، في إشارة إلى المسلمين. 

وتمضي لتقول إنه حين تغلي "دماء الهندوس" فستري المسلمين مكانهم الصحيح بـ "السيف".

وهذه الأغاني التي تذاع بمجموعة متنوعة من اللغات، وغالبا ما تكون في مدح مختلف آلهتهم، جزء مهم من الهندوسية. 

ولا تزال أغاني بهاجان الروحية التي تنشد في المعابد والمنازل، جزءا رئيسا من هذا التقليد.

لكن مراقبين يقولون إن الانتشار التدريجي للقومية الهندوسية قد شجع شكلا أشد عدوانية من هذه الأغاني التي تولد المشاعر المعادية للمسلمين.

وقال "نيلانجان موخوبادهيي" في نيودلهي، لوكالة أسوشيتد برس في 22 أبريل إن هذه الأغاني أصبحت "وسيلة" يلجأ إليها القوميون الهندوس لـ "إهانة المسلمين، والانتقاص من دينهم واستفزازهم".

أضاف: "معظم هجمات الغوغاء الهندوس على المسلمين تتبع نمطا متكررا، فيدخل موكب ضخم من الهندوس أحياء المسلمين ويذيعون خطب كراهية وأغان تحريضية خاصة أمام المساجد ليتصاعد الأمر إلى عنف طائفي".

ومنتصف رمضان، قاد راجا سينغ، نائب رئيس حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، موكبا من الهندوس في مدينة حيدر آباد، وردد أغنية ألفها بنفسه وتحمل إشارات مبطنة لطرد المسلمين من البلاد واكتفت الشرطة باتهامه بـ "إيذاء المشاعر الدينية".

شهدت الهند ذات الأغلبية الهندوسية التي تقدر بـ 80 بالمئة، وأقلية مسلمة تمثل 14 بالمئة فقط، موجات عنف ديني أكثر دموية على مدار تاريخها، لكن نطاق وكثافة اشتباكات شهر رمضان 2022 أثارت قلق المراقبين.

"صبا ناكفي" مؤلفة كتاب "درجات الزعفران" الذي يقدم تأريخا لحكم حزب بهاراتيا جاناتا قالت لصحيفة "واشنطن بوست": "لم أشهد هذا العدد الكبير من أعمال الشغب والتحريض على القتل في وقت واحد"، هو شهر رمضان.

وأردفت "صبا" أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا، الذي له صلات بالجماعات القومية الهندوسية المتورطة في الاشتباكات، لم يحاول حتى أن ينزع فتيل التوترات ما منح تلك الحشود إحساسا بالحصانة. 

تحريض رسمي

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية في 18 أبريل عن الباحث السياسي الهندي المسلم "عاصم علي" أن "المسلمين يمرون بأصعب مرحلة في الهند المستقلة".

أوضح أن المتطرفين يهاجمون المسلمين خلال إفطار رمضان وصلاة العشاء والتراويح وهم يصيحون بجنون "اقتلوهم"، وينهبون ممتلكاتهم ويحرقون منازلهم، والشرطة ترفض دعاوى المعتدى عليهم وتعتقلهم.

وقالت الكاتبة والصحفية المسلمة رنا أيوب لموقع "سي إن إن" في 22 أبريل إن المسلمين "يشعرون بأنهم ضحايا في بلادهم وغير آمنين وغير مرغوب فيهم".

أضافت: في شهر رمضان، المتطرفون يهددوننا ويشيطنوننا والحكومة تهدم الممتلكات المملوكة للمسلمين خلال شهر رمضان، و"يبدو الأمر كما لو أن سلطات الدولة تفعل ذلك عمدا لإخبارنا أننا سنهين عقيدتكم في رمضان".

على مدى السنوات الثماني الماضية، فرضت عدة ولايات يديرها حزب بهاراتيا جاناتا قوانين جديدة يقول المراقبون إنها متجذرة في أيديولوجية "هندوتفا" الهندوسية المتطرفة، وزاد العنف وخطاب الكراهية ضد المسلمين في جميع أنحاء البلاد. 

وكانت القوانين الجديدة الأكثر إثارة للجدل في ولاية أوتار براديش الشمالية، التي يحكمها راهب هندوسي تحول إلى سياسي (يوغي أديتياناث) حيث أدخلت الدولة قوانين لحماية الأبقار المقدسة لدى الهندوس من الذبح ومنعت نقل الماشية.

كما قدمت مشروع قانون ضد التحول من دين لآخر، لمنع زواج أي معتنق ديانة من ديانة أخرى، مما يجعل من الصعب على الأزواج من مختلف الأديان الزواج من الأشخاص الذين يعتنقون الإسلام أو المسيحية.

أيضا منعت ولاية كارناتاكا الجنوبية التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب الديني في الفصول الدراسية، مما دفع العديد منهن للطعن في القرار أمام المحكمة العليا بالولاية وهي معركة خسروها في النهاية. 

وحملت صحيفة الغارديان مسؤولية انتشار الكراهية والتعصب الأعمى والكذب والعنف الطائفي الذي يسيطر على الهند، وانقسام البلاد أكثر من أي وقت مضى إلى حزب بهاراتيا جاناتا ورئيس الوزراء مودي.

أكدت أن الحزب متهم بالإشراف على أجندة مثيرة للانقسام الديني وبتشجيع العداء تجاه 200 مليون مسلم في الهند، ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، والسماح للجماعات الهندوسية المتطرفة بالعمل بحرية وضد القانون.

وقد أدان زعماء 13 حزبا معارضا مودي لالتزامه الصمت حيال تصاعد العنف الطائفي، وقالوا في بيان "نشعر بالصدمة من صمت رئيس الوزراء الذي فشل في لجم المتعصبين التابعين له ويحرضون على العنف".

ومنذ 2014 ومع اعتلاء ناريندرا مودي رئاسة حكومة الهند عرفت عقيدة التعصب الهندوسي "هندوتفا" انتشارا واسعا، وبسطت مليشيات "آر إس إس"، وهي قوات مسلحة هندوسية متطرفة يبلغ تعدادها 6 ملايين عنصر، نفوذها على الساحة السياسية والاجتماعية الهندية.

ومنذ تأسيسه سنة 1980 والحزب الحاكم هو الواجهة السياسية لتلك المليشيات، فقد مكنته قيادته للحكومة من امتلاك كل الوسائل لتدعيم أذرعه داخل التنظيمات الطلابية والنقابات العمالية، كما يروج الإعلام لأفكار تلك الحركات المتطرفة.

ويعد مودي أحد أبناء "آر إس إس" الأوفياء المتشبعين بعقيدة الـ"هندوتفا"، وهو الذي انتمى إليها منذ سن الثامنة من عمره وتدرج ليصبح أحد قياداتها قبل أن يدخل الحياة السياسية.

 بل وشارك في عدد من أنشطتها، على رأسها أحداث هدم مسجد بابري سنة 1992، حسبما يذكر فيلم وثائقي لمنصة "ريد فيش".