أنهت خلافات سابقة.. هل تبشر وساطة قطر بحل أزمة فراغ الرئاسة في لبنان؟

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تزامنا مع تحول قطر إلى قِبلة للعالم، مع تنظيمها نسخة استثنائية من كأس العالم لكرة القدم، وصفت دوليا بـ"الأفضل على الأطلاق"، تجرى وفود سياسية لبنانية زيارات لافتة إلى الدوحة. 

ويتصدر الطامحون بمقعد رئاسة الجمهورية لائحة زوار الدوحة. وعلى رأسهم رئيس التيار الوطني الحر (مسيحي ماروني)، وزير الخارجية السابق النائب جبران باسيل.

وكذلك قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي يحظى بتأييد دولي وإقليمي وعربي ملموس، إلى جانب بعض ممثلي القوى السياسية المحلية في زيارات قسم منها معلن والآخر سري. 

هذا الحجّ مرتبط بكثرة الحديث في الأوساط السياسية اللبنانية عن مبادرة قطرية لحل أزمة الفراغ الرئاسي، مع انتهاء ولاية ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فضلا عن الشلل التنفيذي في ظل حكومة نجيب ميقاتي لتصريف الأعمال. 

وانطلاقا من علاقات قطر المميزة مع الدول ذات النفوذ في لبنان، بدءا من أميركا مرورا بفرنسا ووصولا إلى السعودية وإيران، تعول الأطراف اللبنانية على وساطة الدوحة لإخراج البلاد من أزمتها. 

وكان قد عجز البرلمان اللبناني عن انتخاب رئيس جديد خلال عشر جلسات، بسبب عدم امتلاك أي فريق سياسي عدد النواب الكافي لإيصال مرشحه. 

حيث يفرض الدستور الانتخاب بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى (86 نائبا من 128). وأكثرية النصف زائد واحد في الدورات التالية (65 نائبا).

سجل حافل

دخول قطر على خط الأزمات اللبنانية المتعاقبة ليس جديدا، إنما دور جديد مستعاد. فمنذ عام 2005 كان للدوحة حضور مؤثر في الساحة السياسية اللبنانية.

لكنها كانت تكتفي دائماً بلعب دور الوسيط في النزاعات القائمة، واجتراح حلول توافقية لها، إضافة إلى الدعم المالي السخي في مختلف المراحل، لا سيّما عقب الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل على لبنان في يوليو/ تموز 2006. 

وتبرعت قطر بمبالغ مالية ضخمة لإعادة إعمار مئات الوحدات السكنية والمؤسسات التي تدمرت، خاصة في الجنوب اللبناني. وحينذاك اشتهرت عبارة "شكراً قطر" التي رفعتها بعض الأطراف السياسية وخاصة حزب الله.

أما الوساطة الأشهر التي قامت بها قطر، فكانت في مايو/ أيار 2008، حينما اجتاحت ميليشيات حزب الله شوارع العاصمة بيروت لإجبار الحكومة على التراجع عن بعض قراراتها.

فخوفاً من انزلاق لبنان مجدداً نحو حرب أهلية، استضافت الدوحة القوى السياسية اللبنانية المتخاصمة على طاولة حوار برعاية أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي بذل جهوداً مضنية أثمرت في النهاية عن الاتفاق الذي قطع دابر الفتنة المستعرة حينها، واشتهر بـ"اتفاق الدوحة". 

وكانت أولى ثماره انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو قائد الجيش العماد ميشال سليمان لوضع حد للشغور الرئاسي الذي استمر ستة أشهر. وقد حضر أمير قطر جلسة انتخاب سليمان شخصياً.

ثم استمرت الوساطات القطرية، وبخاصة غداة إسقاط حزب الله لحكومة سعد الحريري، زعيم الأكثرية النيابية في فبراير/ شباط 2011، حيث لعبت الدور الأبرز في تأليف حكومة برئاسة نجيب ميقاتي (رئيس الحكومة الحالي) حاولت من خلالها الحد من آثار انقلاب حزب الله. 

لكن هذا الدور تراجع إلى حد كبير إثر ثورات الربيع العربي، على وقع الخلافات بين الدوحة وبعض العواصم العربية. 

إلى أن عاد مرة جديدة مع ظهور بوادر الأزمة الاقتصادية في لبنان مطلع عام 2019، حينما قررت قطر الاستثمار بمبلغ 500 مليون دولار في سندات الحكومة دعماً للاقتصاد اللبناني.

واستمرت هذه الوساطات حتى يومنا هذا، لا سيما مع حرص قطر على الانفتاح على كل الأفرقاء في لبنان دون استثناء أحد. وهذا ما يجعلها وسيطاً مقبولاً من الجميع. 

لذلك ترحب كل القوى السياسية الفاعلة في لبنان بأي دور قطري للخروج من المأزق الراهن.

بدءاً من حزب الله الشيعي الموالي لطهران والمهيمن على قرار الدولة، والمأزوم راهناً بعد حادثة مقتل أحد جنود القوات الدولية المكلفة مراقبة الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، وذلك على يد مجموعة من الشبان المنتمين إليه.

مروراً بالأحزاب المسيحية اليمينية، وفي مقدمتها التيار الوطني الحر، والقوات، والكتائب، والتي تربطها بباريس علاقات تاريخية. 

وأيضاً الحزب التقدمي الاشتراكي (درزي)، وحركة أمل الشيعية. وصولاً إلى النواب السنة المشرذمين سياسيا، والمرتبطين بعلاقات مع مختلف العواصم العربية المؤثرة، وغير بعيد عنهم نواب كتلة التغيير  الممثلة لحراك تشرين.

المرشح الأبرز

بالإضافة إلى الزيارات المتكررة لوزير خارجية دولة قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى بيروت خلال السنوات الماضية، ومحاولاته الدؤوبة لإعادة وصل ما انقطع في علاقة بيروت بعواصم العرب، ورأب الصدع بين القوى السياسية المحلية. 

وتدعم الدوحة صمود المؤسسات اللبنانية في وجه الأزمة الاقتصادية. وفي طليعتها مؤسسة الجيش اللبناني التي قدمت لها منحة مالية شهرية وقدرها 60 مليون دولار منذ يونيو/ حزيران 2022.

وهذا ما أثمر عن قيام علاقة قوية بين قائد الجيش العماد جوزيف عون والمسؤولين القطريين.

وحسب بعض التقارير الإعلامية والمعلومات المتداولة، تدعم الدوحة انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية. 

فهو لا ينتمي إلى النخب السياسية التقليدية العاجزة عن انتخاب رئيس. ويحظى بقبول واسع على الصعيد الشعبي بسبب امتناعه عن تنفيذ رغبات بعض قوى السلطة في البطش بالمتظاهرين إبان حراك 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019. 

وكذلك لنجاحه في إبقاء مؤسسة الجيش متماسكة وموحدة رغم كل الأزمات. إضافة إلى الدعم الذي يحظى به من مختلف القوى الدولية والعربية المؤثرة في لبنان. 

وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2022، زار قائد الجيش العاصمة القطرية، بناء على دعوة رسمية، والتقى نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني. 

وذكرت صحيفة "الأخبار" المحلية المقربة من حزب الله في تقرير لها في 12 ديسمبر، أن صورة العماد جوزيف عون في الدوحة أكدت أن "دعم قائد الجيش كمرشح رئاسي لم يعد تحليلات". 

وأشارت إلى أن "دعوة عون إلى قطر تأتي في إطار مزيد من التعرف إليه، تمهيدا لمرحلة جديدة في الملف الرئاسي قد تحمل إعلانا رسميا لترشيحه". 

وكتب حسين زلغوط في صحيفة "اللواء" المحلية في 14 ديسمبر،أن "هناك بصيص أمل وحيداً يرصد الآن، حيث برزت أخيرا إمكانية أن يكون للدوحة دور محوري في مسألة الانتخابات الرئاسية في لبنان، وأن المسؤولين القطريين ربما يبدؤون تحركهم مع بداية العام المقبل". 

وأشار نقلا عن مصادر سياسية رفيعة لم يسمها إلى أن "الزيارات التي بدأ يقوم بها عدد من المسؤولين السياسيين وغير السياسيين إلى الدوحة دلالة واضحة على وجود طبخة تسوية للأزمة الرئاسية في لبنان يعمل على إنضاجها على نار هادئة". 

ولفت الكاتب زلغوط إلى أن "اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون يتقدم على ما عداه، اعتقادا بأنه يشكل الفرصة الوحيدة السانحة للخروج من الأزمة في لبنان، كما أنه يحظى برعاية ودعم إقليمي وعربي". 

قيد التبلور

وفي السياق عينه، كتبت غادة حلاوي في صحيفة "نداء الوطن" المحلية في 15 ديسمبر، أن "معلومات موثوقة عن مبادرة قطرية قيد التبلور ستظهر أولى بوادرها تدريجيا بعد المونديال وانتهاء فترة الأعياد". 

وزادت "منذ فترة وردت إلى قائد الجيش بوادر تطمينات بشأن ترشيحه على اعتبار أنه المرشح الذي تتقاطع حول انتخابه أميركا وفرنسا والسعودية". 

وكشفت أن العماد عون "لديه فريق عمل زار موسكو لمفاتحة الروس بشأن ترشحه".

كذلك كشفت حلاوي أيضا أنه "يدخل في أساس التسوية المشار إليها رفع العقوبات الأميركية عن جبران باسيل (بسبب تحالفه مع حزب الله) ، الذي يرفض ترشيح قائد الجيش لأنه يراه غير وفي للرئيس السابق ميشال عون (والد زوجته)الذي عينه في منصبه".

وتشير معلومات صحفية إلى أن قطر تبنت ملف رفع العقوبات عن باسيل وتعمل على معالجة ملفه، على أن يقبل بانتخاب جوزيف عون رئيسا للجمهورية، دون تأكيدات رسمية من قبل الدوحة.

وهذا ما يفسر كثرة زيارات باسيل إلى الدوحة، فهو يسعى بشكل حثيث إلى رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه بموجب قانون "ماغنيتسكي" لمكافحة الفساد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. 

وكانت الصحيفة نفسها أشارت في تقرير سابق لها في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني أن باسيل "وضع ملفه القضائي الكامل بعهدة المسؤولين القطريين طالباً مساعدتهم في أن يسلك مساراً قانونياً يتيح رفع العقوبات الأميركية عنه". 

ونقلت عن أوساط مقربة من باسيل أنه "تلقى وعداً بأن تلعب القيادة القطرية دوراً في تسهيل وضع قضيته على سكة المسار القضائي المناسب عبر تكليف مكتب متخصص في الدوحة".

هذه العقوبات يرى باسيل أنها العقبة الأساسية أمام ترشحه لرئاسة الجمهورية. 

ومن أجل هذه الغاية حاول أكثر من مرة الاستفادة من صلاحيات الرئيس السابق ميشال عون في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بوساطة أميركية. 

وذلك من خلال عقد صفقة مع الأميركيين لرفع العقوبات عنه، مقابل قبول رئيس الجمهورية بمطالب إسرائيل الحدودية، إلا أنه فشل. 

وكانت علاقة باسيل بالمسؤولين القطريين قد توطدت نتيجة الدور الذي لعبته الدوحة في إنجاح اتفاق ترسيم الحدود البحرية المذكور. 

ومذّاك أصبح باسيل يكثر من الإشادة بالدور القطري، وبات ضيفاً شبه مقيم في دوحتها. 

فقد زارها عدة مرات، بعضها بشكل سري، وآخر ثلاث زيارات له كانت اثنتان منها في نوفمبر. 

أما الأخيرة فكانت في 13 ديسمبر/ كانون الأول. وجرت جميعها تحت غطاء حضور باسيل لمباريات كأس العالم. 

وكشف موقع "ليبانون فايلز" أن الأخير "غادر إلى قطر في زيارة سياسية مهمة"، مضيفا أنه "ربما تكون قطر تدرس تسوية رئاسية على مستوى عال وتتضمن إقناع التيار الوطني الحر بجوزيف عون رئيساً للجمهورية". 

الفرصة الأخيرة

ويشيد الصحفي اللبناني صهيب جوهر بالدور الذي تلعبه قطر بالملف الرئاسي، معتبرا إياه الفرصة الأخيرة لعودة عجلة الحياة السياسية والدستورية إلى البلاد.

ويقول جوهر لـ"الاستقلال": "قطر  دخلت جديا على الملف الرئاسي اللبناني، وفاتحت الجميع باسم قائد الجيش جوزيف عون".

ويضيف:"يأتي الطرح القطري مدخلاً إلى تسوية تستبعد مرشحي التحدي (لرئاسة الجمهورية)، ونتيجة إدراك الدوحة لإمكان إبرام تسوية مع حزب الله، ومن ورائه إيران، والأيام المقبلة كفيلة ببلورة هذه المبادرة بشكل أكبر خاصة بعد انتهاء المونديال". 

وتستمد المبادرة القطرية زخمها ووهجها من موافقة العواصم ذات النفوذ في بيروت. وفي طليعتها الرياض وطهران اللتان تتحاوران بشكل متقطع، وكذلك واشنطن وباريس. 

فجميعها منحت الدوحة تفويضاً للعمل على إنتاج تسوية سياسية في لبنان. ذاك أنها العاصمة الوحيدة تقريباً التي لديها القدرة على محاورة الأضداد انطلاقاً من علاقاتها المتشعبة ودبلوماسيتها الماهرة. 

وهو ما يمكن تلمسه في مقابلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ثلاث صحف، بينها "النهار" اللبنانية، غداة مشاركته في عمّان في أعمال مؤتمر "بغداد 2" الإقليمي حول العراق. 

وقال الرئيس الفرنسي إنه "مقتنع" بأن "المسألتين اللبنانية والسورية وغيرهما لا يمكن أن تحل إلا بإيجاد إطار للمناقشة يشمل إيران نظراً إلى تأثيرها الإقليمي".

وفي هذا الإطار، أشارت بعض الصحف ووكالات الأنباء اللبنانية إلى اجتماع أميركي – فرنسي – سعودي – قطري يجري الإعداد لانعقاده في العاصمة الفرنسية قبل نهاية السنة، للبحث في حصيلة النقاشات والاتصالات التي قادتها الدوحة لإنجاز تسوية سياسية في لبنان.